الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَعَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ بِشَرْطٍ، وَمُعَاقَدَةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ طَاعَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الطَّاعَاتِ، وَتَسْمِيَتُهُ رِزْقًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مُقَدَّرٌ بِالْكِفَايَةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَجْرٍ، وَقَدْ جَرَى الرَّسْمُ بِإِعْطَائِهِ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ كَانَ يُؤْخَذُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ، وَهُوَ يُعْطَى مِنْهُ، وَفِي زَمَانِنَا يُؤْخَذُ الْخَرَاجُ فِي آخِرِ السَّنَةِ وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْخَرَاجِ خَرَاجُ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ فِي الصَّحِيحِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَوْ أَخَذَ الرِّزْقَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ ثُمَّ عُزِلَ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ قِيلَ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ حِصَّةِ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ، وَقِيلَ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الزَّوْجَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
قَالَ رحمه الله (وَسَفَرُ الْأَمَةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِلَا مَحْرَمٍ) أَيْ يَجُوزُ لَهُمَا السَّفَرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَحْرَمِ لِعَامَّةِ الرِّجَالِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النَّظَرِ وَالْمَسِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَكَمَا يَجُوزُ لِلْحُرَّةِ أَنْ تُسَافِرَ مَعَ الْمَحْرَمِ فَكَذَا هِيَ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَأُمُّ الْوَلَدِ أَمَةٌ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهَا، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ؛ لِأَنَّهُمَا مَمْلُوكَةٌ رَقَبَةً، وَكَذَا مُعْتَقَةُ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّهَا كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَهُ، وَفِي الْكَافِي قَالُوا هَذَا فِي زَمَانِهِمْ لِغَلَبَةِ أَهْلِ الصَّلَاحِ فِيهِ، وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا، لِغَلَبَةِ أَهْلِ الْفَسَادِ فِيهِ، وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ.
قَالَ رحمه الله: (وَشِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ وَبَيْعُهُ لِلْعَمِّ وَالْأُمِّ وَالْمُلْتَقِطِ لَوْ فِي حِجْرِهِمْ) أَيْ يَجُوزُ لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَشْتَرُوا لِلصَّغِيرِ، وَيَبِيعُوا مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ فِي حِجْرِهِمْ، وَذَلِكَ مِثْلُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ لَتَضَرَّرَ الصَّغِيرُ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ، وَأَصْلُهُ أَنَّ التَّصَرُّفَ عَلَى الصَّغِيرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ نَوْعٍ هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ فَيَمْلِكُهُ كُلُّ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَلِيًّا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَيَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا. وَنَوْعٍ هُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ كَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ فَلَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَنَوْعٍ هُوَ مُتَرَدِّدٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَفْعًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ضَرَرًا، وَذَلِكَ مِثْلُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لِلِاسْتِرْبَاحِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ وَوَصِيُّهُمَا، وَيَمْلِكُونَهُ سَوَاءٌ كَانَ الصَّغِيرُ فِي أَيْدِيهِمْ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَاسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ نَوْعٌ رَابِعٌ، وَهُوَ الْإِنْكَاحُ فَيَجُوزُ مِنْ كُلِّ عَصَبَةٍ، وَمِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَ عَدَمِهِمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.
قَالَ رحمه الله: (وَتُؤَجِّرُهُ أُمُّهُ فَقَطْ) مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يُؤَجِّرُهُ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ إلَّا الْأُمُّ فَإِنَّهَا تُؤَجِّرُهُ إذَا كَانَ فِي حِجْرِهَا، وَلَا يُؤَجِّرُهُ الْأَخُ، وَلَا الْعَمُّ، وَلَا الْمُلْتَقِطُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأُمَّ تَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِأَنْ تَسْتَخْدِمَهُ، وَلَا يَمْلِكُهُ هَؤُلَاءِ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ الْمُلْتَقِطُ، وَيُسَلِّمَهُ فِي صِنَاعَةٍ فَجَعَلَهُ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً وَنَفْعًا مَحْضًا لِلصَّغِيرِ، وَلَوْ آجَرَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِالضَّرَرِ إلَّا إذَا فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ تَمَحَّضَ نَفْعًا بَعْدَ الْفَرَاغِ فَيَجِبُ الْمُسَمَّى، وَهُوَ نَظِيرُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا آجَرَ نَفْسَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي يَدِ الْعَمِّ فَآجَرَتْهُ أُمُّهُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحِفْظِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله لَا يَجُوزُ.
(كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ)
قَالَ رحمه الله: (هِيَ أَرْضٌ تَعَذَّرَ زَرْعُهَا لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهَا أَوْ لِغَلَبَتِهِ عَلَيْهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ بَعِيدَةٌ مِنْ الْعَامِرِ) هَذَا تَفْسِيرُ الْمَوَاتِ مِنْ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مَوَاتًا إذَا كَانَتْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِبُطْلَانِ الِانْتِفَاعِ بِهَا تَشْبِيهًا لَهَا بِالْحَيَوَانِ إذَا مَاتَ وَبَطَلَ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْحَيَاةِ فَظَاهِرٌ وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَيَاةِ هُنَا الْحَيَاةُ النَّامِيَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [فاطر: 9] وَقَوْلُهُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ أَيْ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَكَمَالُهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ كَانَ مِلْكُهُ بَاقِيًا فِيهَا لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهُ فَلَا تَكُونُ مَوَاتًا ثُمَّ إنْ عُرِفَ الْمَالِكُ فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ كَانَتْ لُقَطَةً يَتَصَرَّفُ فِيهَا الْإِمَامُ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي جَمِيعِ اللُّقَطَاتِ وَالْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ، وَلَوْ ظَهَرَ لَهَا مَالِكٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذَهَا وَضَمِنَ لَهُ مَنْ زَرَعَهَا إنْ نَقَصَتْ بِالزِّرَاعَةِ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ رحمه الله فَمَا كَانَ مِنْهَا عَادِيًا أَوْ كَانَ مَمْلُوكًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ إلَخْ) إذَا اسْتَعْجَلَتْ نَفَقَةَ السَّنَةِ فَمَاتَ الزَّوْجُ فِي بَعْضِ السَّنَةِ رَدَّتْ مَا بَقِيَ مِنْ النَّفَقَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْخَصَّافُ فِي نَفَقَاتِهِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ كَذَا ذَكَرَ الشَّهِيدُ وَفَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ. اهـ. غَايَةٌ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَجِبُ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ. اهـ غَايَةٌ
(قَوْلُهُ: وَذَلِكَ مِثْلُ الْبَيْعِ إلَخْ) سَيَجِيءُ فِي الْوَصِيَّةِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَتَّجِرُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْمُزَارَعَةِ أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ يَمْلِكَانِ زِرَاعَةَ مَالِ الصَّغِيرِ. اهـ. وَأَمَّا إقْرَاضُ مَالِ الْيَتِيمِ فَمَذْكُورٌ فِي مَسَائِلَ شَتَّى. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ آجَرَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ لَا يَصِحُّ) أَيْ لَا يَلْزَمُ. اهـ نِهَايَةٌ.
[كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ]
(كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) مُنَاسَبَةُ هَذَا الْكِتَابِ بِكِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي مَسَائِلَ هَذَا الْكِتَابِ مَا يُكْرَهُ، وَمَا لَا يُكْرَهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ لِغَلَبَتِهِ عَلَيْهَا) أَيْ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ بِأَنْ تَصِيرَ الْأَرْضُ سَبْخَةً أَوْ يَغْلِبَ عَلَيْهَا الرِّمَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) أَيْ صَارَتْ خَرَابًا وَانْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْهَا وَارْتِفَاقُ النَّاسِ بِهَا مِنْ حَيْثُ الْمَرْعَى وَالِاحْتِطَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ مَوَاتًا) أَيْ حَتَّى لَا يَمْلِكَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ عُرِفَ الْمَالِكُ فَهِيَ لَهُ) أَيْ أَوْ لِوَارِثِهِ إنْ عُرِفَ. اهـ.
فِي الْإِسْلَامِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ بِعَيْنِهِ فَمُرَادُهُ بِالْعَادِيِّ مَا قَدِمَ خَرَابُهُ كَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى عَادٍ لِخَرَابِهِ مِنْ عَهْدِهِمْ وَجَعَلَ الْمَمْلُوكَ فِي الْإِسْلَامِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهُ مِنْ الْمَوَاتِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ كَالْمَوَاتِ حَيْثُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْإِمَامُ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي الْمَوَاتِ لَا؛ لِأَنَّهُ مَوَاتٌ حَقِيقَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَقَوْلُهُ: بَعِيدَةٌ مِنْ الْعَامِرِ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله وَحَدُّ الْبُعْدِ أَنْ يَكُونَ فِي مَكَان بِحَيْثُ لَوْ، وَقَفَ إنْسَانٌ فِي أَقْصَى الْعَامِرِ فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ فَإِنَّهُ مَوَاتٌ، وَإِنْ كَانَ يُسْمَعُ فَلَيْسَ بِمَوَاتٍ؛ لِأَنَّهُ فِنَاءُ الْعَامِرِ فَيَنْتَفِعُونَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ لِرَعْيِ مَوَاشِيهِمْ وَطَرْحِ حَصَائِدِهِمْ فَلَمْ يَكُنْ انْتِفَاعُهُمْ مُنْقَطِعًا عَنْهُ ظَاهِرًا فَلَا يَكُونُ مَوَاتًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله يُعْتَبَرُ حَقِيقَةٌ الِانْتِفَاعِ حَتَّى لَا يَجُوزَ إحْيَاءُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُ الْقَرْيَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا، وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَا لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْعَامِرِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ اعْتَمَدَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ رحمه الله (وَمَنْ أَحْيَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ مَلَكَهُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا يَمْلِكُهُ مَنْ أَحْيَاهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إذْنُ الْإِمَامِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ عَمَّرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ؛ وَلِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ كَالْمَاءِ وَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ وَالرِّكَازِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ» ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَرَاضِيَ كَانَتْ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ ثُمَّ صَارَتْ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَصَارَتْ فَيْئًا، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْفَيْءِ أَحَدٌ دُونَ رَأْيِ الْإِمَامِ كَالْغَنَائِمِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ مِنْ الصَّيْدِ، وَأَمْثَالِهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ فَلَمْ تَكُنْ فِي حُكْمِ الْفَيْءِ، وَمَرْوِيُّهُمَا كَانَ إذْنًا مِنْهُ عليه الصلاة والسلام لَا نَصْبَ شَرْعٍ كَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» فَإِنَّهُ تَحْرِيضٌ مِنْهُ بِالسَّلَبِ لَا نَصْبُ شَرْعٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ إذَا أَحْيَاهَا فَهَلْ هِيَ خَرَاجِيَّةٌ أَوْ عُشْرِيَّةٍ فَهِيَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي السِّيَرِ وَبَيَّنَّا الِاخْتِلَافَ فِيهِ، وَلَوْ تَرَكَهَا بَعْدَ الْإِحْيَاءِ وَزَرَعَهَا غَيْرُهُ قِيلَ الثَّانِي أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَلَكَ اسْتِغْلَالَهَا دُونَ رَقَبَتِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ رَقَبَتَهَا بِالْإِحْيَاءِ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالتَّرْكِ، وَلَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً ثُمَّ أُحِيطَ الْإِحْيَاءُ بِجَوَانِبِهِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَلَى التَّعَاقُبِ تَعَيَّنَ طَرِيقُ الْأَوَّلِ فِي الْأَرْضِ الرَّابِعَةِ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْيَا الْجَوَانِبَ الثَّلَاثَةَ تَعَيَّنَ الْجَانِبُ الرَّابِعُ لِلِاسْتِطْرَاقِ، وَيَمْلِكُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ كَالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ.
قَالَ رحمه الله: (وَإِنْ حَجَّرَ لَا) أَيْ إنْ حَجَّرَ الْأَرْضَ لَا يَمْلِكُهَا بِالتَّحْجِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِحْيَاءٍ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ جَعْلُهَا صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ وَالتَّحْجِيرُ لِلْإِعْلَامِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَجْرِ، وَهُوَ الْمَنْعُ لِلْغَيْرِ بِوَضْعِ عَلَامَةٍ مِنْ حَجَرٍ أَوْ بِحَصَادِ مَا فِيهَا مِنْ الْحَشِيشِ وَالشَّوْكِ وَنَفْيِهِ عَنْهَا وَجَعْلِهِ حَوْلَهَا أَوْ بِإِحْرَاقِ مَا فِيهَا مِنْ الشَّوْكِ وَغَيْرِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فَبَقِيَتْ مُبَاحَةً عَلَى حَالِهَا لَكِنَّهُ هُوَ أَوْلَى بِهَا، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فَإِذَا لَمْ يُعَمِّرْهَا فِيهَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ مِنْهُ وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ دَفَعَهَا إلَيْهِ لِيُعَمِّرَهَا فَيَحْصُلُ لِلْمُسْلِمِينَ مَنْفَعَةُ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَرْكِهَا فِي يَدِهِ، وَإِنَّمَا قَدَّرَ بِثَلَاثِ سِنِينَ لِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه لَيْسَ لِمُتَحَجِّرِ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ حَقٌّ؛ وَلِأَنَّ مُدَّةَ الِانْتِظَارِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَامَّةً حَتَّى تَشْمَلَ جَمِيعَ الْمُتَحَجِّرِينَ، وَذَلِكَ بِالتَّقْدِيرِ بِثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ الْمُتَحَجِّرَ لَهُ أَنْ يَحْتَجِرَ أَيَّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَأَقْصَى دَارِ الْإِسْلَامِ يُقْطَعُ فِي سَنَةِ فَيُقَدَّرُ بِثَلَاثِ سِنِينَ سَنَةٍ لِلذَّهَابِ وَسَنَةٍ لِلْإِيَابِ وَسَنَةٍ لِتَدْبِيرِ مَصَالِحِهِ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ سِنِينَ، وَهَذَا مِنْ طَرِيقِ الدِّيَانَةِ، وَأَمَّا فِي الْحُكْمِ فَإِذَا أَحْيَاهَا غَيْرُهُ قَبْلَ مُضِيِّهَا مَلَكَهَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: لِخَرَابِهِ مِنْ عَهْدِهِمْ) أَيْ لَا أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إلَى عَادٍ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ أَرَاضِي الْمَوَاتِ لَمْ تَكُنْ لِعَادٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَوْ، وَقَفَ إنْسَانٌ) أَيْ جَهْوَرِيُّ الصَّوْتِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ) أَيْ الْقَرِيبُ عَلَى مَذْهَبِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ اعْتَمَدَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ) يَعْنِي أَخَذَ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ لَا يَكُونُ مَوَاتًا، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ أَيْضًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَمَنْ أَحْيَاهُ) أَيْ بِأَنْ كَرِيهَ وَسَقَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)، وَقَدْ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَا يَمْلِكُهُ مَنْ أَحْيَاهُ إلَخْ) وَالشَّافِعِيُّ أَخَذَ بِقَوْلِهِمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: كَانَ إذْنًا مِنْهُ) أَيْ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا نَصْبَ شَرْعٍ) حَتَّى يَكُونَ عَامًّا. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ: حَتَّى يَكُونَ عِلْمًا أَيْ كَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ. اهـ. غَايَةٌ كُلُّ مَا نُقِلَ عَنْ الشَّارِعِ عَلَى وَجْهَيْنِ شَرْعٍ، وَإِذْنٍ بِشَرْعٍ فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ، وَأَنَّهُ كَثِيرُ النَّظِيرِ وَالثَّانِي قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» ؛ لِأَنَّ السَّلَبَ لَيْسَ لِلْقَاتِلِ عِنْدَنَا مَا لَمْ يَقُلْ الْإِمَامُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ ثُمَّ قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» عِنْدَهُمَا شَرْعٌ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذْنٌ بِالشَّرْعِ. اهـ. مُشْكِلَاتُ خُوَاهَرْزَادَهْ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ حَجَّرَ) بِالتَّشْدِيدِ، وَيَجُوزُ فِيهِ التَّخْفِيفُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْعُ الْغَيْرِ مِنْ الْإِحْيَاءِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ اشْتِقَاقُ الْكَلِمَةِ مِنْ الْحَجْرِ، وَهُوَ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَعْلَمَ فِي مَوْضِعِ الْمَوَاتِ عَلَامَةً فَكَأَنَّهُ مَنَعَ الْغَيْرَ مِنْ إحْيَاءِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَسُمِّيَ فِعْلُهُ تَحْجِيرًا. اهـ. مُجْتَبَيْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَنْعُ) أَيْ لَا مِنْ الْحَجْرِ بِفَتْحِ الْجِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. اهـ. مُجْتَبَيْ
لِتَحَقُّقِ سَبَبِ الْمِلْكِ مِنْهُ دُونَ الْأَوَّلِ.
وَنَظِيرُهُ الِاسْتِيَامُ وَحَفْرُ الْمَعْدِنِ، وَإِنْ حَفَرَ لَهَا بِئْرًا فَهُوَ تَحْجِيرٌ، وَلَيْسَ بِإِحْيَاءٍ، وَكَذَا إذَا جَعَلَ الشَّوْكَ حَوْلَهَا، وَلَوْ كَرَبَهَا أَوْ ضَرَبَ عَلَيْهَا الْمُسَنَّاةَ أَوْ شَقَّ لَهَا نَهْرًا فَهُوَ إحْيَاءٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ كَرَبَهَا وَسَقَاهَا فَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ إحْيَاءٌ، وَلَوْ فَعَلَ أَحَدَهُمَا يَكُونُ تَحْجِيرًا، وَلَوْ سَقَاهَا مَعَ حَفْرِ الْأَنْهَارِ كَانَ إحْيَاءً لِوُجُودِ الْفِعْلَيْنِ، وَلَوْ حَوَّطَهَا وَسَنَّمَهَا بِحَيْثُ يَعْصِمُ الْمَاءَ يَكُونُ إحْيَاءً؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْبِنَاءِ، وَكَذَا إذَا بَذَرَهَا.
قَالَ رحمه الله: (وَلَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ) لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَصَارَ كَالنَّهْرِ وَالطَّرِيقِ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ مَا لَا غِنَى لِلْمُسْلِمِينَ عَنْهُ كَالْمِلْحِ وَالْآبَارِ الَّتِي يُسْتَقَى مِنْهَا الْمَاءُ.
قَالَ رحمه الله: (وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ فَلَهُ حَرِيمُهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مَا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا» ؛ وَلِأَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْبِئْرِ إلَّا بِمَا حَوْلَهَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَقِفَ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ لِيَسْتَقِيَ الْمَاءَ، وَإِلَى أَنْ يَبْنِيَ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ مَا يُرَكِّبُ عَلَيْهِ الْبَكَرَةَ، وَإِلَى أَنْ يَبْنِيَ حَوْضًا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ، وَإِلَى مَوْضِعٍ تَقِفُ فِيهِ مَوَاشِيهِ حَالَةَ الشُّرْبِ وَبَعْدَهُ فَقَدَّرَهُ الشَّرْعُ بِأَرْبَعِينَ ذِرَاعًا ثُمَّ قِيلَ الْأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَجْمَعُ الْجَوَانِبَ الْأَرْبَعَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُ كَيْ لَا يَحْفِرَ آخَرُ بِئْرًا بِجَانِبِهَا فَيَتَحَوَّلُ مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ، وَلَا يَنْدَفِعُ هَذَا الضَّرَرُ بِعَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ.
فَيُقَدَّرُ بِأَرْبَعِينَ كَيْ لَا تَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ الْمَصَالِحُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبِئْرُ لِلْعَطَنِ أَوْ لِلنَّاضِحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَتْ لِلْعَطَنِ فَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا. وَإِنْ كَانَتْ لِلنَّاضِحِ فَحَرِيمُهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَحَرِيمُ بِئْرِ الْعَطَنِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَحَرِيمُ بِئْرِ النَّاضِحِ سِتُّونَ ذِرَاعًا» ؛ وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَحَاجَةُ بِئْرِ النَّاضِحِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَوْضِعٍ يَسِيرُ فِيهِ النَّاضِحُ، وَهُوَ الْبَعِيرُ، وَقَدْ يَطُولُ الرِّشَاءُ، وَفِي بِئْرِ الْعَطَنِ يَسْتَقِي بِيَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا، وَلَهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْعَامَّ الْمُتَّفَقَ عَلَى قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ يُرَجَّحُ عَلَى الْخَاصِّ الْمُخْتَلَفِ فِي قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَلِهَذَا رَجَحَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ فَفِيهِ الْعُشْرُ عَلَى قَوْلِهِ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» ، وَعَلَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» وَرَجَّحَ أَصْحَابُنَا كُلُّهُمْ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ عَلَى خَبَرِ الْعَرَايَا» .
وَلَا يُقَالُ الْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ الْبِئْرُ لِلْعَطَنِ بِدَلِيلِ سِيَاقِهِ عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذِكْرُ الْعَطَنِ فِيهِ لِلتَّغْلِيبِ لَا لِلتَّقْيِيدِ بِهِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} [البقرة: 275] يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الِاشْتِغَالِ وَالْمَنَافِعِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْبَيْعِ أَوْ الْأَكْلِ لِكَوْنِهِ غَالِبًا؛ وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِاعْتِبَارِ عَمَلِهِ، وَعَمَلُهُ فِي مَوْضِعِ الْبِئْرِ خَاصَّةً فَلَا يَسْتَحِقُّ فِيمَا وَرَاءَهُ، وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالنَّصِّ فَبِقَدْرِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْآثَارُ يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ أَخَذْنَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالشَّكِّ؛ وَلِأَنَّهُ يَسْتَقِي مِنْ بِئْرِ الْعَطَنِ بِالنَّاضِحِ، وَمِنْ بِئْرِ النَّاضِحِ بِالْيَدِ فَاسْتَوَتْ الْحَاجَةُ فِيهِمَا؛ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُدِيرَ الْبَعِيرَ حَوْلَ الْبِئْرِ، وَلَا يَحْتَاجَ إلَى الزِّيَادَةِ.
قَالَ رحمه الله: (وَحَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةٍ) أَيْ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ الْعَيْنَ تُسْتَخْرَجُ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَوْضِعٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ، وَمِنْ مَوْضِعٍ يَجْرِي إلَيْهِ، وَمِنْ مَوْضِعٍ يَجْرِي مِنْهُ إلَى الْمَزْرَعَةِ فَقَدَّرَهُ الشَّارِعُ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَلَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي الْمَقَادِيرِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ قِيلَ هُوَ خَمْسُمِائَةٍ مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ، وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَنَظِيرُهُ الِاسْتِيَامُ) أَيْ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ، وَلَوْ فَعَلَ يَجُوزُ الْعَقْدُ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ ضَرَبَ عَلَيْهَا الْمُسَنَّاةَ) وَالْمُسَنَّاةُ مَا تُبْنَى لِلسَّيْلِ لِتَرُدَّ الْمَاءَ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا) التَّحْقِيقُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالتَّقْدِيرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَيْ أَوَّلَ الْبَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا قَالُوا إلَخْ) هَكَذَا قَالَ فِي الْكَافِي. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ فَلَهُ حَرِيمُهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَالتَّقْدِيرُ بِأَرْبَعِينَ فِي دِيَارِهِمْ؛ لِأَنَّ أَرَاضِيَهُمْ صَلْبَةٌ أَمَّا أَرَاضِيُنَا رَخْوَةٌ فَيُزَادُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ مَتَى احْتَاجَ إلَيْهِ حَتَّى لَا تَتَعَطَّلَ مَنْفَعَةُ بِئْرِهِ لَعَلَّ يُحْيِيَ آخَرَ فَيُحْيِيَ بِئْرًا فَوْقَ الْأَرْبَعِينَ فَيَتَحَوَّلُ الْمَاءُ إلَيْهِ لِرِخْوِهِ. اهـ.، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا لِلْعَطَنِ فِي أَرْضٍ مَيِّتَةٍ فَمِلْكُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي يَمْلِكُهَا فَلَهُ حَرِيمُهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَبْلُ يَتَجَاوَزُ أَرْبَعِينَ فَيَكُونُ لَهُ إلَى مَا يَتَنَاهَى إلَيْهِ الْحَبْلُ، وَإِنْ كَانَ بِئْرٌ نَاضِحٌ فَحَرِيمُهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَبْلُ يَتَجَاوَزُ السِّتِّينَ فَيَكُونُ لَهُ إلَى مُنْتَهَى حَبْلِهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّحَاوِيِّ. اهـ.، وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَلَهُ حَرِيمُهَا مَا نَصُّهُ حَرِيمُ الْبِئْرِ نَوَاحِيهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مَا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا) عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْعَطَنُ وَالْمَعْطَنُ مُنَاخُ الْإِبِلِ، وَمَبْرَكُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: شَفِيرُ الْبِئْرِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَشَفِيرُ الْبِئْرِ أَوْ النَّهْرِ حَرْفُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبِئْرُ لِلْعَطَنِ أَوْ لِلنَّاضِحِ) وَالْمُرَادُ مِنْ بِئْرِ الْعَطَنِ الَّتِي يُسْتَقَى مِنْهَا بِالْيَدِ، وَمِنْ بِئْرِ النَّاضِحِ الَّتِي يُسْتَقَى مِنْهَا بِالْبَعِيرِ كَذَا قَالُوا. اهـ غَايَةٌ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ قَرِيبًا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. اهـ
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَالذِّرَاعُ هِيَ الْمُكَسَّرَةُ، وَهُوَ سِتُّ قَبَضَاتٍ، وَكَانَ ذِرَاعُ الْمِلْكِ سَبْعُ قَبَضَاتٍ فَكُسِرَ مِنْهُ قَبْضَةٌ، وَفِي الْكَافِي قِيلَ إنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ بِمَا ذَكَرْنَا لِصَلَابَتِهَا، وَفِي أَرَاضِيِنَا يُزَادُ لِرَخَاوَتِهَا لِئَلَّا يَتَحَوَّلَ الْمَاءُ إلَى الثَّانِيَةِ فَتَتَعَطَّلُ الْأُولَى.
قَالَ رحمه الله: (فَمَنْ حَفَرَ فِي حَرِيمِهَا مُنِعَ مِنْهُ)؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْبِئْرِ ضَرُورَةَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا فَكَانَ الْحَافِرُ مُتَعَدِّيًا بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَإِذَا حَفَرَ رَجُلٌ فِي حَرِيمِهِ كَانَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَكْبِسَهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ، وَيُزِيلَ تَعَدِّيَهُ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الثَّانِي بِحَفْرِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَهُ بِالْحَفْرِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا يُؤَاخِذُهُ بِهِ قِيلَ بِكَبْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ تَعَدِّيهِ كَمَا إذَا وَضَعَ شَيْئًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَقِيلَ يُضَمِّنَّهُ النُّقْصَانَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ الْكَبْسَ بَلْ يَكْبِسُهُ بِنَفْسِهِ كَمَا إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُؤَاخِذَهُ بِقِيمَتِهِ لَا بِبِنَاءِ الْجِدَارِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَمَا عَطِبَ فِي الْبِئْرِ الْأُولَى فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي حَفْرِهَا أَمَّا إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَيَجْعَلُ الْحَفْرَ تَحْجِيرًا، وَلَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمِلْكُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَمَا عَطِبَ فِي الثَّانِيَةِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِحَفْرِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلَوْ حَفَرَ الثَّانِي بِئْرًا فِي مُنْتَهَى حَرِيمِ الْبِئْرِ الْأُولَى بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَذَهَبَ مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى، وَتَحَوَّلَ إلَى الثَّانِيَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي فِعْلِهِ وَالْمَاءُ تَحْتَ الْأَرْضِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْمُخَاصَمَةُ بِسَبَبِهِ كَمَنْ بَنَى حَانُوتًا بِجَنْبِ حَانُوتِ غَيْرِهِ فَكَسَدَ الْأَوَّلُ بِسَبَبِهِ وَلِلثَّانِي الْحَرِيمُ مِنْ الْجَوَانِبِ الثَّلَاثَةِ دُونَ الْجَانِبِ الْأَوَّلِ لِسَبْقِ مِلْكِ الْأَوَّلِ فِيهِ.
قَالَ رحمه الله: (وَلِلْقَنَاةِ حَرِيمٌ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ) الْقَنَاةُ مَجْرَى الْمَاءِ تَحْتَ الْأَرْضِ، وَلَمْ يُقَدَّرْ حَرِيمُهُ بِشَيْءٍ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَالذِّرَاعُ هِيَ الْمُكَسَّرَةُ) أَيْ، وَهِيَ ذِرَاعُ الْعَامَّةِ، وَهِيَ ذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ أَقْصَرُ مِنْ ذِرَاعِ الْمِسَاحَةِ الَّتِي هِيَ ذِرَاعُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ ذِرَاعَ الْمِسَاحَةِ سَبْعُ قَبَضَاتٍ مَعَ ارْتِفَاعِ الْإِبْهَامِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَذِرَاعَ الْكِرْبَاسِ سَبْعُ قَبَضَاتٍ بِدُونِ ارْتِفَاعِ الْإِبْهَامِ، وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ خُوَاهَرْزَادَهْ وَبَعْضُهُمْ اخْتَارَ ذِرَاعَ الْمِسَاحَةِ؛ لِأَنَّهَا أَلْيَقُ بِالْمَمْسُوحَاتِ هَكَذَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا ذِرَاعَ الْمِسَاحَةِ، وَلَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْمِسَاحَةِ ذَكَرُوا فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ الذِّرَاعَ هِيَ الْهَاشِمِيَّةُ، وَهِيَ ثَمَانُ قَبَضَاتٍ وَالْقَبْضَةُ أَرْبَعُ أَصَابِعَ وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شُعَيْرَاتِ بُطُونُ بَعْضِهَا مُلَاصِقَةٌ لِظُهُورِ بَعْضٍ وَالشُّعَيْرَةُ سِتُّ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعْرِ الْبِرْذَوْنِ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: بِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ الْأَرْبَعِينَ فِي الْبِئْرِ وَالْخَمْسِمِائَةِ فِي الْعَيْنِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا حَفَرَ رَجُلٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلَوْ احْتَفَرَ آخَرُ بِئْرًا فِي حَرِيمِ الْأَوَّلِ فَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَكْبِسَهَا تَبَرُّعًا، وَيُصْلِحَ مَا أَفْسَدَ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَوْ أَرَادَ مُؤَاخَذَةَ الثَّانِي بِذَلِكَ فَلَهُ ذَلِكَ لَكِنْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ يُؤْمَرُ الْحَافِرُ الثَّانِي بِكَبْسِ بِئْرٍ حَفَرَهَا إزَالَةً لِجِنَايَةِ حَفْرِهِ كَمَا إذَا أَلْقَى كُنَاسَةً فِي أَرْضِ غَيْرِهِ تَعَدِّيًا يُؤْمَرُ بِرَفْعِهَا، وَقِيلَ يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ كَمَا يَكْبِسُهُ بِنَفْسِهِ تُقَوَّمُ الْأَرْضُ بِلَا حَفْرٍ، وَمَعَ الْحَفْرِ فَيُضَمِّنُهُ نُقْصَانَ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ حَيْثُ يُضَمِّنُهُ نُقْصَانَ الْهَدْمِ ثُمَّ يَبْنِيهِ بِنَفْسِهِ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي، وَلَفْظُ الْخَصَّافِ فِي الْبَابِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي، وَإِنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ حَفَرَ فِي أَرْضِهِ حُفْرَةً أَضَرَّ ذَلِكَ بِحَفْرِهِ أَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ النُّقْصَانُ فِي ذَلِكَ، وَيَسْتَحْلِفُهُ الْقَاضِي عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك الَّذِي ادَّعَاهُ، وَهُوَ كَذَا وَكَذَا، وَلَا يُحَلِّفُهُ عَلَى السَّبَبِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْخَصَّافِ ثُمَّ لَا ضَمَانَ فِيمَا عَطِبَ فِي الْبِئْرِ الْأُولَى سَوَاءٌ أَحْيَاهَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَهَذَا لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ وَلِهَذَا مَلَكَ الْبِئْرَ فِي الْحَالَيْنِ فَإِذَا كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْحَفْرِ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَلَا يَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ مِنْ حَفْرِهِ كَمَا لَوْ حَفَرَ فِي دَارِهِ، وَكَذَلِكَ لَا إشْكَالَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ حَفَرَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَمَّا إذَا كَانَ حَفَرَهَا بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ فَفِيهِ إشْكَالٌ عَلَى قَوْلِهِ وَحَلُّهُ أَنْ يُقَالَ لَهُ وِلَايَةُ التَّحْجِيرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْإِحْيَاءُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيُجْعَلُ حَفْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ تَحْجِيرًا لَا إحْيَاءً فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ فَعَلَ مَا لَهُ فِعْلُهُ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَلَا يَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، وَمَا عَطِبَ فِي الْبِئْرِ الثَّانِي يَضْمَنُهُ هُوَ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا الْحَفْرِ فَإِنَّهُ حَفَرَ فِي مِلْكِ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَفَرَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: كَمَا إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ بَعْدَ أَنْ رَقَمَ لِبُرْهَانِ الدِّينِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ فَيُقَوَّمُ جِدَارُهُ مَعَ جُدْرَانِهَا، وَيُقَوَّمُ بِدُونِ هَذَا الْجِدَارِ فَيَضْمَنُ فَصْلَ مَا بَيْنَهُمَا ثُمَّ رَقَمَ لِلْأَجْنَاسِ، وَقَالَ هَدَمَ حَائِطَ مَسْجِدٍ يُؤْمَرُ بِتَسْوِيَتِهِ، وَإِصْلَاحِهِ، وَفِي حَائِطِ الدَّارِ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ إنْ هَدَمَ حَائِطًا مُتَّخَذًا مِنْ خَشَبٍ أَوْ عَتِيقًا مِنْ رَهْصٍ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ، وَإِنْ كَانَ حَدِيثًا يُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهِ كَمَا كَانَ وَفِي دُرَرِ الْفِقْهِ يُؤَاخَذُ فِي هَدْمِ الْحَائِطِ بِالْبِنَاءِ لَا بِالنُّقْصَانِ ثُمَّ رَقَمَ لِلْمُحِيطِ، وَقَالَ يُؤَاخَذُ بِالْقِيمَةِ، وَقِيلَ بِالْبِنَاءِ. اهـ. قَالَ الْإِمَامُ قَاضِيخَانْ رحمه الله فِي كُتُبِ الْحَظْرِ مِنْ فَتَاوَاهُ رَجُلٌ حَفَرَ بِئْرًا فِي فِنَاءِ قَوْمٍ رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِتَسْوِيَتِهِ، وَلَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَلَوْ هَدَمَ حَائِطَ الْمَسْجِدِ كَذَلِكَ أُمِرَ بِتَسْوِيَتِهِ، وَلَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَلَوْ هَدَمَ حَائِطًا لِدَارِ رَجُلٍ مِلْكًا لَهُ أَوْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْوِيَةِ، وَلَا بِبِنَاءِ الْحَائِطِ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ وَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْحَائِطِ وَالنَّقْضُ لِلضَّامِنِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ النَّقْضَ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنْ كَانَ الْحَائِطُ جَدِيدًا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ كَانَ خَلَقًا عَتِيقًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعَادَهُ لَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ الْأَوَّلِ وَضَمَانُ الْعُدْوَانِ مُقَيَّدٌ بِالْمِثْلِ. اهـ أُسْرُوشَنِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلِلْقَنَاةِ حَرِيمٌ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ) يَعْنِي إذَا أَخْرَجَ قَنَاةً فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْبِئْرِ فَلَهَا مِنْ الْحَرِيمِ مَا لِلْبِئْرِ كَذَا قَالَ فِي الْأَصْلِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ الْقَنَاةُ لَهَا حَرِيمٌ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي الشَّرْعِ، وَقَالَ الْمَشَايِخُ هَذَا
الْبِئْرِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَرِيمِ، وَقِيلَ هَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لَا حَرِيمَ لَهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهَا نَهْرٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَتُعْتَبَرُ بِالنَّهْرِ قَالُوا عِنْدَ ظُهُورِ الْمَاءِ بِمَنْزِلَةِ عَيْنٍ فَوَّارَةٍ فَيُقَدَّرُ حَرِيمُهَا بِخَمْسِمِائَةِ ذِرَاعٍ وَحَرِيمُ شَجَرٍ يُغْرَسُ فِي الْأَرْضِ الْمَوَاتِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ حَتَّى لَا يَمْلِكَ غَيْرُهُ أَنْ يَغْرِسَ شَجَرًا فِي حَرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْحَرِيمِ لِجُذَاذِ ثَمَرِهِ وَلِلْوَضْعِ فِيهِ وَرُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا غَرَسَ شَجَرَةً فِي أَرْضٍ فَلَاةٍ فَجَاءَ آخَرُ فَأَرَادَ أَنْ يَغْرِسَ شَجَرَةً أُخْرَى بِجَنْبِهَا فَاخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ لَهُ عليه الصلاة والسلام مِنْ الْحَرِيمِ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ، وَأَطْلَقَ لِلْآخَرِ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ» .
قَالَ رحمه الله: (وَمَا عَدَلَ عَنْهُ الْفُرَاتُ، وَلَمْ يَحْتَمِلْ عَوْدَهُ إلَيْهِ فَهُوَ مَوَاتٌ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مِلْكِ أَحَدٍ وَجَازَ إحْيَاؤُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ حَرِيمًا لِعَامِرٍ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ احْتَمَلَ عَوْدَهُ إلَيْهِ إلَيْهِ لَا يَكُونُ مَوَاتًا) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَامَّةِ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ رُجُوعِ الْمَاءِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ حَقُّهُمْ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ. قَالَ رحمه الله (وَلَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا لَهُ حَرِيمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ لِلْحَاجَةِ وَصَاحِبُ النَّهْرِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَصَاحِبِ الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْمَشْيِ عَلَى حَافَّتَيْ النَّهْرِ لِيُجْرِيَ الْمَاءَ إذَا احْتَبَسَ بِشَيْءٍ وَقَعَ فِيهِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ فِي وَسَطِ الْمَاءِ
وَكَذَا يَحْتَاجُ إلَى مَوْضِعٍ يُلْقِي عَلَيْهِ الطِّينَ عِنْدَ الْكَرْيِ كَمَا فِي النَّقْلِ إلَى أَسْفَلِهِ، وَفِيهِ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى، وَلَهُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ فِي الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ ثَبَتَ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُلْحِقُ بِهِمَا مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِمَا مُتَحَقَّقَةٌ فِي الْحَالِ إذْ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا لَا يَتَأَتَّى بِدُونِ الْحَرِيمِ، وَفِي النَّهْرِ مَوْهُومَةٌ بِاعْتِبَارِ الْكَرْيِ فَلَعَلَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَصْلًا نَعَمْ يَلْحَقُهُ بَعْضُ الْحَرَجِ فِي نَقْلِ الطِّينِ وَالْمَشْيِ فِي وَسَطِ النَّهْرِ إلَى أَسْفَلِهِ لَكِنَّهُ دُونَ الْحَرَجِ فِيهِمَا فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِهِمَا إذْ شَرْطُ الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ نَظِيرَ الْأَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ بَنَى قَصْرًا فِي الصَّحْرَاءِ لَا يَسْتَحِقُّ لِذَلِكَ حَرِيمًا، وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِلْقَاءِ الْكُنَاسَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِالْقَصْرِ بِدُونِ الْحَرِيمِ، وَلَا يُقَاسُ عَلَى الْبِئْرِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَيْهِ دُونَ حَاجَةِ صَاحِبِ الْبِئْرِ إلَى الْحَرِيمِ فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ فَإِنْ تَنَازَعَ فِي الْحَرِيمِ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَصَاحِبُ النَّهْرِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَقُولُ حَرِيمُ النَّهْرِ مِلْكِي كَانَ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَرِيمٌ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْحَرِيمِ، وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ثُبُوتِ الْيَدِ فِي الْحَرِيمِ، وَعَدَمِ ثُبُوتِهَا فِيهِ فَمَنْ كَانَتْ يَدُهُ ثَابِتَةً فِيهِ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَةً مُبْتَدَأَةً
فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ صَاحِبَ النَّهْرِ مُسْتَعْمِلٌ لِلْحَرِيمِ لِاسْتِمْسَاكِ مَائِهِ بِهِ وَالِاسْتِعْمَالُ يَدٌ فِيهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي ثَوْبٍ، وَأَحَدُهُمَا لَابِسُهُ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ يَدٍ بِالِاسْتِعْمَالِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْحَرِيمَ أَشْبَهَ بِالْأَرْضِ صُورَةً، وَمَعْنًى لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ فِيهِمَا وَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِمَنْ فِي يَدِهِ مَا هُوَ أَشْبَهَ بِهِ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي مِصْرَاعِ بَابٍ لَيْسَ هُوَ فِي يَدِهِمَا وَالْمِصْرَاعُ الْآخَرُ مُرَكَّبٌ عَلَى بَابِ دَارِ أَحَدِهِمَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فَكَذَا هَذَا، وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ النَّهْرِ مُسْتَعْمِلًا لَهُ بِإِمْسَاكِ مَائِهِ بِهِ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَيْضًا مُسْتَعْمِلًا لَهُ بِدَفْعِ الْمَاءِ بِهِ عَنْ أَرْضِهِ فَاسْتَوَيَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَتَرَجَّحَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا فَكَانَ الْحَرِيمُ لَهُ فَيَغْرِسُ مَا بَدَا لَهُ مِنْ الْأَشْجَارِ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْدِمَهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ تَعَلَّقَ لَهُ بِهِ حَقٌّ حَيْثُ يُسْتَمْسَكُ مَاؤُهُ بِذَلِكَ فَلَا يَكُونُ لَهُ إبْطَالُهُ كَمَا إذَا كَانَ حَائِطٌ لِرَجُلٍ وَلِآخَرَ عَلَيْهِ جُذُوعٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْدِمَ حَائِطَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ نَهْرٌ لِرَجُلٍ إلَى جَنْبِهِ مُسَنَّاةٌ، وَأَرْضٌ لِآخَرَ خَلْفَ الْمُسَنَّاةِ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ غَرْسٌ، وَلَا طِينٌ مُلْقًى لِصَاحِبِ النَّهْرِ فَادَّعَى صَاحِبُ الْأَرْضِ الْمُسَنَّاةَ وَادَّعَاهَا صَاحِبُ النَّهْرِ أَيْضًا فَهِيَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه، وَقَالَا لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَرِيمٌ لِمَلْقَى طِينِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَنْكَشِفُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَوْضِعُ الْخِلَافِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحَرِيمُ مُوَازِيًا لِلْأَرْضِ لَا فَاصِلَ بَيْنَهُمَا، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْحَرِيمُ مَشْغُولًا بِحَقِّ أَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا مَعْلُومًا
وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَشْجَارٌ، وَلَا يَدْرِي مَنْ غَرَسَهَا فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ أَيْضًا، وَكَذَا قِيلَ إلْقَاءُ الطِّينِ عَلَى الْخِلَافِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ مَا لَمْ يَفْحُشْ ثُمَّ إذَا كَانَ الْحَرِيمُ لِأَحَدِهِمَا أَيِّهِمَا كَانَ لَا يَمْنَعُ الْآخَرَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُبْطِلُ حَقَّ مَالِكِهِ كَالْمُرُورِ فِيهِ، وَإِلْقَاءِ الطِّينِ عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ قَوْلُهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا حَرِيمَ لَهَا. اهـ غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ صَاحِبَ النَّهْرِ) كَذَا هُوَ فِي الْكَافِي، وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ فَتَأَمَّلْ. اهـ (قَوْلُهُ: وَقَالَا) هِيَ. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ: هِيَ أَيْ الْمُسَنَّاةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَلِكَ) إلَى هُنَا لَفْظُ الْجَامِعِ اهـ.