الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَقَامَ غَيْرَهُ مُقَامَ نَفْسِهِ فِي الْحِفْظِ وَلَا إقَامَةَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الصَّبِيِّ حَتَّى يَلْزَمَهُ وَلَا لِلصَّبِيِّ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يَلْتَزِمَ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ كَالْبَالِغِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا؛ لِأَنَّ عِصْمَتَهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ إذْ هُوَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ فَكَانَتْ عِصْمَتُهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ لَا لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِكِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِيمَا لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِهْلَاكِ حَتَّى يُمَكَّنَ غَيْرُهُ مِنْ الِاسْتِهْلَاكِ بِالتَّسْلِيطِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى وِلَايَةُ اسْتِهْلَاكِ عَبْدِهِ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُمَكَّنَ غَيْرُهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ تَسْلِيطُهُ فَيَضْمَنُهُ الصَّبِيُّ بِاسْتِهْلَاكِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
(بَابُ الْقَسَامَةِ)
قَالَ رحمه الله (قَتِيلٌ وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ لَمْ يُدْرَ قَاتِلُهُ حَلَفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا) هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ عَنْ الْجَمْعِ وَأَمَّا عِنْدَ الْحَلِفِ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا لِجَوَازِ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَحْدَهُ فَيَجْتَرِئُ عَلَى يَمِينِهِ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا يَعْنِي جَمِيعًا وَلَا يَعْكِسُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ كَانَ قَاتِلًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ اُسْتُحْلِفَ الْأَوْلِيَاءُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيُقْضَى لَهُمْ بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَتْ الدَّعْوَى أَوْ خَطَأً وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله يُقْضَى بِالْقَوَدِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَاللَّوْثُ عِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَلَامَةُ الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ ظَاهِرٌ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ يَشْهَدَ عَدْلٌ أَوْ جَمَاعَةٌ غَيْرُ عُدُولٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ لَوْثٌ يَسْتَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَإِنْ حَلَفُوا لَا دِيَةَ لَهُمْ وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا اُسْتُحْلِفَ الْمُدَّعُونَ وَاسْتَحَقُّوا مَا ادَّعَوْا.
لِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وُجِدَ قَتِيلًا فِي قَلِيبٍ مِنْ قُلُبِ خَيْبَرَ فَقَالَ عَمُّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا وَجَدْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا فِي قَلِيبٍ مِنْ قُلُبِ خَيْبَرَ وَذَكَرَ عَدَاوَةَ يَهُودٍ لَهُمْ فَقَالَ أَفَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا أَنَّهُمْ لَمْ يَقْتُلُوهُ قَالَ قُلْت فَكَيْفَ نَرْضَى بِأَيْمَانِهِمْ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قَالَ فَيُقْسِمُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ قَالُوا كَيْفَ نُقْسِمُ عَلَى مَا لَمْ نَرَ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ عليه الصلاة والسلام حِينَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ «أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ قَاتِلِكُمْ أَوْ صَاحِبِكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَحْضُرْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ» ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَى صَاحِبِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ إلَخْ) وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَهُ غَيْرُ الصَّبِيِّ فِي يَدِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ سَقَطَتْ الْعِصْمَةُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الصَّبِيِّ دُونَ غَيْرِهِ. اهـ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ دُونَ غَيْرِهِ كَمَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ تَسْقُطُ عِصْمَةُ دَمِهِ فِي حَقِّ مَنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ فَحَسْبُ حَتَّى بَقِيَ مَعْصُومَ الدَّمِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. اهـ. غَايَةٌ.
[بَابُ الْقَسَامَةِ]
(بَابُ الْقَسَامَةِ) لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْقَتْلِ يَئُولُ إلَى الْقَسَامَةِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ ثُمَّ الْقَسَامَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَيْمَانِ الَّتِي تُعْرَضُ عَلَى خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ الدَّارِ إذَا وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ لَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الرِّجَالُ خَمْسِينَ رَجُلًا تَكَرَّرَ الْيَمِينُ إلَى أَنْ تَتِمَّ خَمْسِينَ يَمِينًا وَسَبَبُهَا وُجُودُ قَتِيلٍ لَا يُدْرَى قَاتِلُهُ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَقْرَبُ إلَى الْقَرْيَةِ بِحَيْثُ يُسْمَعُ الصَّوْتُ مِنْهُ وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَقْسِمُ رَجُلًا عَاقِلًا بَالِغًا حُرًّا لَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ بِالْمَيِّتِ أَثَرُ الْقَتْلِ نَحْوَ الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَالْجِرَاحَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْأَثَرُ مَوْجُودًا فَهُوَ مَيِّتٌ لَا قَتِيلٌ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ وَمِنْ شَرْطِهَا أَيْضًا تَكْمِيلُ خَمْسِينَ يَمِينًا كَمَا بَيَّنَّا وَرُكْنُهَا أَنْ يَقُولَ مَنْ يَقْسِمُ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا لِأَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَلَا قِيَامَ لِلْقَسَامَةِ إلَّا بِهَا.
وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عِنْدَنَا وَشَرْعِيَّتُهَا ثَبَتَتْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَبِالْإِجْمَاعِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ قَتِيلٌ وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ إلَخْ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ وَبِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ سَمِعْنَا أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ فِي الْمَحَلَّةِ أَوْ فِي دَارِ رَجُلٍ فِي الْمِصْرِ فَإِنْ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَتْ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ أَثَرُ خَنْقٍ فَإِنَّ هَذَا قَتِيلٌ وَفِيهِ الْقَسَامَةُ عَلَى عَاقِلَةِ رَبِّ الدَّارِ إذَا وُجِدَ فِي الْمَحَلَّةِ يَقْسِمُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ يَغْرَمُونَ الدِّيَةَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ الثُّلُثُ وَاَلَّذِينَ يَحْلِفُونَ خَمْسُونَ رَجُلًا يَتَخَيَّرُهُمْ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَلِيُّ الدَّمِ فَإِنْ نَقَصُوا عَنْ الْخَمْسِينَ كُرِّرَتْ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ حَتَّى تَكْمُلَ خَمْسِينَ يَمِينًا.
وَلَيْسَ يَحْلِفُ فِيهِمْ صَبِيٌّ لَمْ يَبْلُغْ وَلَا امْرَأَةٌ وَلَا عَبْدٌ ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا لَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا جِرَاحَةٌ فَلَيْسَ فِي هَذَا قَسَامَةٌ وَلَا دِيَةٌ هَذَا مَيِّتٌ وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ فِيهِمْ الْفَاسِقُ وَالصَّالِحُ فَالْخِيَارُ فِي اسْتِحْلَافِهِمْ إلَى الْوَرَثَةِ يَخْتَارُونَ أَهْلَ الصَّلَاحِ إنْ أَحَبُّوا حَتَّى يَسْتَحْلِفُوهُمْ فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الصَّلَاحِ لَا يُتِمُّونَ خَمْسِينَ وَأَرَادُوا أَنْ يَرُدُّوا عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانَ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَهُمْ أَنْ يَتَخَيَّرُوا مِنْ الْبَاقِينَ تَمَامَ خَمْسِينَ رَجُلًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ) بِدَلِيلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا الظَّاهِرُ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي لِأَنَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْمُسْتَمِعِ وَالرَّائِي أَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ وَلَكِنَّ هَذِهِ دَلَالَةٌ فِيهَا شُبْهَةٌ فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِالشُّبْهَةِ فِي الْجَدِيدِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
الْيَدِ فَإِذَا كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْوَلِيِّ يَبْدَأُ بِيَمِينِهِ وَرَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي أَصْلٌ لَهُ كَمَا فِي النُّكُولِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ دَلَالَةٌ فِيهَا نَوْعُ شُبْهَةٍ وَالْقِصَاصُ لَا يُجَامِعُهَا.
وَالْمَالُ يَجِبُ مَعَهَا فَتَجِبُ الدِّيَةُ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَوْ أُعْطِي النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَسَوَّى فِي ذَلِكَ بَيْنَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَحَكَمَ فِيهِمَا بِحُكْمٍ وَاحِدٍ وَرَوَى ابْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَدَأَ بِالْيَهُودِ فِي الْقَسَامَةِ وَجَعَلَ الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ الْمَالَ الْمُبْتَذَلَ فَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ بِهِ النَّفْسَ الْمُحْتَرَمَةَ. وَمَا رَوَيَاهُ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَلَئِنْ ثَبَتَ إنَّمَا قَالَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ إنْكَارًا عَلَيْهِمْ لَمَّا لَمْ يَرْضَوْا بِأَيْمَانِهِمْ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ إنَّ الْيَهُودَ وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا لَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيمَا تَدَّعُونَ عَلَيْهِمْ غَيْرُ أَيْمَانِهِمْ.
وَكَمَا لَا تُقْبَلُ مِنْكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ أَيْمَانَكُمْ فَتَسْتَحِقُّونَ بِهَا كَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَى الْيَهُودِ بِدَعْوَاكُمْ عَلَيْهِمْ غَيْرُ أَيْمَانِهِمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ حُكْمُ عُمَرَ رضي الله عنه بِهِ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارِ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَصَارَ إجْمَاعًا وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَلَا يُخْبِرُونَهُ بِهِ إذْ قَالَ لِوَادِعَةَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ وَادِعَةَ وَحَيٍّ آخَرَ يَحْلِفُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْكُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ قَالَ اغْرَمُوا فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ نَحْلِفُ وَتُغَرِّمُنَا فَقَالَ نَعَمْ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى مَا قُلْنَا.
وَقَوْلُهُ يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ إلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْتَارُ مَنْ يَتَّهِمُهُ بِالْقَتْلِ أَوْ أَهْلَ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ أَوْ صَالِحِي أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِمَا أَنَّ تَحَرُّزَهُمْ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ أَبْلَغُ فَيَظْهَرُ الْقَاتِلُ وَلَوْ اخْتَارُوا أَعْمًى أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ جَازَ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَلَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ بِخِلَافِ اللِّعَانِ فَإِنَّهُ شَهَادَةٌ فَلَا تَلَاعُنَ بَيْنَ الْمَحْدُودِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ إذْ لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا.
قَالَ رحمه الله (فَإِذَا حَلَفُوا فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الدِّيَةُ وَلَا يَحْلِفُ الْوَلِيُّ). وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَحْلِفُ الْوَلِيُّ بَعْدَمَا حَلَفَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ فَإِذَا حَلَفَ الْأَوْلِيَاءُ قَضَى لَهُمْ بِالدِّيَةِ فَلَا تَجِبُ بِمُجَرَّدِ يَمِينِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ «لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ رضي الله عنه تُبَرِّئُكُمْ الْيَهُودُ بِأَيْمَانِهَا» ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ عَهْدٌ فِي الشَّرْعِ مُبَرِّئًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا مُلْزِمًا كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ الْخَبَرِ وَالْأَثَرِ «وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام تُبَرِّئُكُمْ الْيَهُودُ» مَحْمُولٌ عَلَى الْإِبْرَاءِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْحَبْسِ وَالْيَمِينِ مَشْرُوعَةٌ لِتَعْيِينِ الْقَاتِلِ لَا لِتَجِبَ الدِّيَةُ عِنْدَ نُكُولِهِمْ حَتَّى تَنْتَفِيَ بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ وَجَبَتْ بِالْقَتْلِ الْمَوْجُودِ مِنْهُمْ ظَاهِرًا أَوْ لِتَقْصِيرِهِمْ عَنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْقَتْلِ خَطَأً وَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ الْيَمِينَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ فِيهِ لِذَاتِهِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الدَّمِ وَلِهَذَا يَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّيَةِ بِخِلَافِ النُّكُولِ فِي الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَدَلٌ عَنْ أَصْلِ حَقِّهِ.
وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِبَذْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمَالَ الْمُدَّعَى وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَسْقُطُ بِبَذْلِهِ الدِّيَةَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَكَذَا إذَا ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ لَا بِأَعْيَانِهِمْ الْقَتْلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ لَا يَتَمَيَّزُونَ عَنْ الْبَاقِي وَلَوْ ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ بِأَعْيَانِهِمْ الْقَتْلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ.
وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ تَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَيُقَالُ لِلْوَلِيِّ أَلَك بَيِّنَةٌ فَإِنْ قَالَ لَا يَسْتَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينًا وَاحِدَةً.
وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله مِثْلَهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا عُرِفَ بِالنَّصِّ إذَا كَانَ فِي مَكَان يُنْسَبُ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَفِيمَا وَرَاءَهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ، وَلِأَنَّ دَعْوَاهُ إبْرَاءٌ لَهُمْ حَيْثُ ادَّعَى مَعْرِفَةَ مَنْ قَتَلَهُ وَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ إذْ قَالَ) أَيْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَادِعَةَ) حَيٌّ مِنْ هَمْدَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَحَيٍّ آخَرَ) وَالْقَتِيلُ إلَى وَادِعَةَ أَقْرَبُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ اغْرَمُوا) حَتَّى قَالُوا لِعُمَرَ رضي الله عنه لَمَّا قَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ لَا أَيْمَانُنَا تَدْفَعُ عَنْ أَمْوَالِنَا وَلَا أَمْوَالُنَا تَدْفَعُ عَنْ أَيْمَانِنَا فَقَالَ عُمَرُ أَمَّا أَيْمَانُكُمْ فَلِحَقْنِ دِمَائِكُمْ وَأَمَّا أَمْوَالُكُمْ فَلِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً) أَيْ وُجُوبُ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ دَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ جَمِيعًا أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ لَا بِأَعْيَانِهِمْ سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْعَمْدِ أَوْ فِي الْخَطَأِ لِأَنَّ الْبَعْضَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لَا يَتَمَيَّزُ عَنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَى الْجَمِيعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ بِأَعْيَانِهِمْ) سَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي الْمَتْنِ آخِرَ الْبَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ) يَعْنِي تَجِبُ الْقَسَامَةِ (قَوْلُهُ وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله عِنْدَ قَوْلِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ أَيْ فِي كِتَابِ الْقُدُورِيِّ أَشَارَ بِهِ إلَى مَا ذَكَرَ بِقَوْلِهِ وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَحَلَّةٍ لَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ اُسْتُحْلِفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ إلَخْ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ وُجُوبَ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الدَّعْوَى بِالْوُقُوعِ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْ عَلَى الْبَعْضِ لَا بِأَعْيَانِهِمْ أَوْ بِأَعْيَانِهِمْ وَأَجَابَ فِي الْمَبْسُوطِ كَذَلِكَ أَعْنِي أَوْجَبَ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى الْبَعْضِ بِعَيْنِهِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ قَالَ فِي الْأَصْلِ إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ بِحَالِهَا اهـ (قَوْلُهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ) أَيْ وُجُوبُ الْقَسَامَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا عُرِفَ) أَيْ وُجُوبُ الْقَسَامَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا كَانَ) أَيْ الدَّعْوَى عَلَيْهِمْ جَمِيعًا. اهـ. غَايَة (قَوْلُهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ) فَلَمْ تَجِبْ الْقَسَامَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِهِمْ) أَيْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ فِيهِ اهـ.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَصْلَ فِي إطْلَاقِ النُّصُوصِ بَيْنَ دَعْوَى وَدَعْوَى فَيَجِبَانِ بِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ لَا بِالْقِيَاسِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ.
؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ فَلَوْ أَوْجَبْنَاهُمَا لَأَوْجَبْنَاهُمَا بِالْقِيَاسِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ ثُمَّ حُكْمُ ذَلِكَ أَنْ يَثْبُتَ مَا ادَّعَاهُ إذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ اسْتَحْلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَسَامَةٍ لِانْعِدَامِ النَّصِّ وَامْتِنَاعِ الْقِيَاسِ ثُمَّ إنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ فَفِي دَعْوَى الْمَالِ يَثْبُتُ وَفِي دَعْوَى الْقِصَاصِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ لَمْ يَتِمُّ الْعَدَدُ كَرَّرَ الْحَلِفَ عَلَيْهِمْ لِيَتِمَّ خَمْسِينَ يَمِينًا)؛ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ فَيَجِبُ إتْمَامُهَا مَا أَمْكَنَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْوُقُوفُ عَلَى الْفَائِدَةِ فِيمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه لَمَّا قَضَى بِالْقَسَامَةِ وَافَى عِنْدَهُ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا فَكَرَّرَ الْيَمِينَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ حَتَّى تَمَّتْ خَمْسِينَ ثُمَّ قَضَى بِالدِّيَةِ وَعَنْ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ فِيهِ اسْتِعْظَامًا لِأَمْرِ الدَّمِ فَيُكْمِلُ، وَتَكْرَارُ الْيَمِينِ مِنْ وَاحِدٍ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ مُمْكِنٌ شَرْعًا كَمَا فِي كَلِمَاتِ اللِّعَانِ وَإِنْ كَانَ الْعَدَدُ كَامِلًا فَأَرَادَ الْوَلِيُّ أَنْ يُكَرِّرَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى التَّكْرَارِ ضَرُورَةَ الْإِكْمَالِ وَقَدْ كَمُلَ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا قَسَامَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ)؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ، وَإِنَّمَا هُمْ أَتْبَاعٌ وَالنُّصْرَةُ لَا تَقُومُ بِالِاتِّبَاعِ وَالْيَمِينُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ، وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ وَالْيَمِينُ قَوْلٌ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ فِي مَيِّتٍ لَا أَثَرَ بِهِ أَوْ يَسِيلُ دَمٌ مِنْ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ بِخِلَافِ عَيْنِهِ وَأُذُنِهِ)؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ فِي الْقَتِيلِ، وَهَذَا لَيْسَ بِقَتِيلٍ، وَإِنَّمَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَفِي مِثْلِهِ لَا قَسَامَةَ وَلَا غَرَامَةَ؛ لِأَنَّ الْغَرَامَةَ تَتْبَعُ فِعْلَ الْعَبْدِ وَالْقَسَامَةِ لِاحْتِمَالِ الْقَتْلِ مِنْهُمْ فَلَا بُدَّ مِنْ أَثَرٍ يَكُونُ بِالْمَيِّتِ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ قَتِيلٌ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ خَنْقٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَثَرِ لَا يَكُونُ بِفِعْلِ الْبَشَرِ فَلَا يَكُونُ قَتِيلًا، وَكَذَا إذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ فِيهِ أَوْ ذَكَرِهِ أَوْ دُبُرِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَخَارِقَ يَخْرُجُ مِنْهَا الدَّمُ عَادَةً فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ قَتِيلٌ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَادَةً إلَّا مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ فَيَكُونُ قَتِيلًا ظَاهِرًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ إلَخْ) فِيمَا إذَا كَانَ الدَّعْوَى عَلَى الْبَعْضِ بِعَيْنِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إلَخْ) بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبِيهِ بَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى قِصَاصًا عَلَى غَيْرِهِ فَجَحَدَا اُسْتُحْلِفَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْأَرْشُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي مَعْنَى النُّكُولِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَذْلِ مَا دُونَ النَّفْسِ يَصِحُّ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَذِنَ لِرَجُلٍ فِي قَطْعِ يَدِهِ فَفَعَلَ لَمْ يَلْزَمْهُ قِصَاصٌ وَلَا ضَمَانَ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ بِحَقٍّ فَإِذَا صَحَّ بَذْلُهُ جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالنُّكُولِ كَالْأَمْوَالِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا النُّكُولُ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ بِدَلِيلِ افْتِقَارِهِ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ وَالْإِقْرَارُ حُكْمُهُ ثَابِتٌ بِنَفْسِهِ وَالْإِقْرَارُ لَا يَثْبُتُ بِمَا قَامَ مَقَامَ الْغَيْرِ وَمَتَى تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ وَجَبَ الْمَالُ كَدَمِ الْعَمْدِ الْمُشْتَرَكِ إذْ عَفَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ حُبِسَ حَتَّى يَقْرَأَ وَيَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ جُوعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ كَمَا فِي النُّكُولِ فِي الطَّرَفِ وَقَدْ كَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ لِمَا مَرَّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَإِنَّمَا اُسْتُحْسِنَ فِي إسْقَاطِ الْقِصَاصِ اسْتِعْظَامًا لِحُرْمَةِ النَّفْسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِغَيْرِهَا مِنْ تَكْرَارِ الْأَيْمَانِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا وَإِنَّمَا قَالَ يُحْبَسُ لِأَنَّ الْيَمِينَ قَدْ تَكُونُ نَفْسَ الْحَقِّ بِدَلِيلِ اجْتِمَاعِ الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ فِي الْقَتِيلِ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْمَحَلَّةِ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ نَفْسَ الْحَقِّ فَمَتَى امْتَنَعَ مِنْ إيفَائِهَا وَتَعَذَّرَ الْحُكْمُ بِمُوجِبِ نُكُولِهِ وَجَبَ أَنْ يُحْبَسَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَمَّا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ وَجَبَ الْمَالُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ كَرَّرَ الْحَلِفَ عَلَيْهِمْ إلَخْ) وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ فِيهِمْ الْفَاسِقُ وَالصَّالِحُ فَالْخِيَارُ فِي اسْتِحْلَافِهِمْ إلَى الْوَرَثَةِ يَخْتَارُونَ أَهْلَ الصَّلَاحِ إنْ أَحَبُّوا حَتَّى يَسْتَحْلِفُوهُمْ فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الصَّلَاحِ لَا يُتِمُّونَ خَمْسِينَ وَأَرَادُوا أَنْ يَرُدُّوا عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانَ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَهُمْ أَنْ يَتَخَيَّرُوا مِنْ الْبَاقِي تَمَامَ خَمْسِينَ رَجُلًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لِيُتِمَّ خَمْسِينَ يَمِينًا) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَفِي غَالِبِ نُسَخِ الْمَتْنِ خَمْسُونَ بِالرَّفْعِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ فِي مَيِّتٍ لَا أَثَرَ بِهِ إلَخْ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ وَدَلَالَةُ الْقَتْلِ جِرَاحَةٌ تُوجَدُ أَوْ دَمٌ يَخْرُجُ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ أَوْ يَصْعَدُ مِنْ جَوْفِهِ إلَى فِيهِ فَأَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ أَوْ يَنْزِلُ مِنْ رَأْسِهِ إلَى فِيهِ فَلَيْسَ يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْقَتْلِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الدَّمِ الْخَارِجِ مِنْ الْفَمِ عَلَى التَّفْصِيلِ اهـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْقَتِيلَ اسْمٌ لِمَيِّتٍ مَاتَ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ حَيٌّ عَادَةً فَإِذَا وُجِدَ فِي الْمَحَلِّ سَبَبٌ قَاتِلٌ عَادَةً يُوجَدُ مِنْ الْعِبَادِ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ قَتِيلٌ وَإِلَّا فَلَا وَخُرُوجُ الدَّمِ مِنْ مَوْضِعٍ يَخْرُجُ مِنْهُ عَادَةً مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ لَا يَكُونُ أَثَرُ الْقَتْلِ كَمَا إذَا خَرَجَ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ فَمِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ رُعَافٍ فَلَمْ يَصْلُحْ دَلِيلًا عَلَى وُجُودِ سَبَبٍ فِي الْمَحَلِّ، وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الْقَتْلِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِعِلَّةٍ فِي الْبَاطِنِ وَقَدْ يَكُونُ لِأَكْلِ شَيْءٍ غَيْرِ مُوَافِقٍ، وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجَ مِنْ الْإِحْلِيلِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى الْقَتْلِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ لِعِرْقٍ انْفَجَرَ فِي الْبَاطِنِ أَوْ لِضَعْفِ الْكُلَى أَوْ لِضَعْفِ الْكَبِدِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ أَيْضًا وَأَمَّا إذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ أُذُنِهِ أَوْ عَيْنِهِ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ الْقَتْلِ ظَاهِرًا لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا عَادَةً إلَّا بِضَرْبٍ حَادِثٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْغَرَامَةَ) أَرَادَ بِهَا الدِّيَةَ اهـ.
فَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ عَيْنِهِ وَأُذُنِهِ.
أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ وَلَوْ وُجِدَ بَدَنُ الْقَتِيلِ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ أَوْ النِّصْفُ وَمَعَهُ الرَّأْسُ فِي مَحَلَّةٍ فَعَلَى أَهْلِهَا الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَإِنْ وُجِدَ نِصْفُهُ مَشْقُوقًا بِالطُّولِ أَوْ وُجِدَ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ كَانَ مَعَهُ الرَّأْسُ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ عُرِفَ بِالنَّصِّ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ فِي الْبَدَنِ وَلَكِنْ أَعْطَيْنَا لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَأَجْرَيْنَا عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ وَالْأَقَلُّ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ، وَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَاهُ لَاجْتَمَعَتْ الدِّيَاتُ وَالْقَسَامَاتُ بِمُقَابَلَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ بِأَنْ تُوجَدَ أَطْرَافُهُ فِي الْقُرَى مُتَفَرِّقَةً وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَيَنْتَفِي مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ فَيَجْرِيَانِ فِي الْأَكْثَرِ أَوْ النِّصْفِ مَعَ الرَّأْسِ لَا غَيْرُ احْتِرَازًا عَنْ التَّكْرَارِ وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَرَّرُ كَالْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ.
وَلَوْ وُجِدَ فِيهِمْ جَنِينٌ أَوْ سِقْطٌ لَيْسَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ فَلَا شَيْءَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوقُ الْكَبِيرَ حَالًا وَإِنْ كَانَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَهُوَ تَامُّ الْخَلْقِ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا وَإِنْ كَانَ نَاقِصَ الْخَلْقِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ مَيِّتًا ظَاهِرًا، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ فِي تَامِّ الْخَلْقِ بِالظَّاهِرِ وَلَمْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي عَيْنِ الصَّبِيِّ وَذَكَرَهُ بِالظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ أَقَلُّ خَطَرًا وَلِهَذَا يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَلَا تَجِبُ فِيمَا لَمْ تُعْلَمْ سَلَامَتُهُ يَقِينًا بِخِلَافِ النَّفْسِ فَإِنَّ خَطَرَهَا عَظِيمٌ فَيَجِبُ بَدَلُهَا بِالظَّاهِرِ وَلِهَذَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ الْقَتْلِ مِنْهُمْ بِخِلَافِ الْأَطْرَافِ، وَلِأَنَّ الْجَنِينَ نَفْسٌ فَاعْتَبَرْنَا جِهَةَ النَّفْسِ إنْ انْفَصَلَ حَيًّا فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِتَمَامِ الْخَلْقِ وَعُضْوٍ مِنْ وَجْهٍ فَاعْتَبَرْنَا جِهَةَ الْعُضْوِ إنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِنُقْصَانِ الْخَلْقِ.
قَالَ رحمه الله (قَتِيلٌ عَلَى دَابَّةٍ مَعَهَا سَائِقٌ أَوْ قَائِدٌ أَوْ رَاكِبٌ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دُونَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ)؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ فِي دَارِهِ وَإِنْ اجْتَمَعَ فِيهَا السَّائِقُ وَالْقَائِدُ وَالرَّاكِبُ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْقَتِيلَ فِي أَيْدِيهِمْ دُونَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَصَارَ كَمَا إذَا وُجِدَ فِي دَارِهِمْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا مَالِكِينَ لِلدَّابَّةِ بِخِلَافِ الدَّارِ وَالْفَرْقُ أَنَّ تَدْبِيرَ الدَّابَّةِ إلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَالِكِينَ لَهَا وَتَدْبِيرُ الدَّارِ إلَى مَالِكِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فِيهَا وَقِيلَ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى مَالِك الدَّابَّةِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدَّارِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى السَّائِقِ إلَّا إذَا كَانَ يَسُوقُهَا مُخْتَفِيًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَنْقُلُ قَرِيبَهُ الْمَيِّتِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان لِلدَّفْنِ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الدَّابَّةِ أَحَدٌ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الَّذِينَ وُجِدَ فِيهِمْ الْقَتِيلُ عَلَى الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ عَلَى الدَّابَّةِ كَوُجُودِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الدَّابَّةُ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ مَرَّتْ دَابَّةٌ عَلَيْهَا قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ بِأَنْ يُذْرَعَ فَوُجِدَ إلَى أَحَدِهِمَا أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ، وَكَذَا عُمَرُ رضي الله عنه أَمَرَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ وَادِعَةَ وَأَرْحَبَ فَوُجِدَ إلَى وَادِعَةَ أَقْرَبَ فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالْقَسَامَةِ وَقِيلَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانُوا بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ. وَأَمَّا إذَا كَانُوا بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ يُمْكِنُهُمْ الْغَوْثُ فَيُنْسَبُونَ إلَى التَّقْصِيرِ فِي النُّصْرَةِ وَإِذَا كَانُوا بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ لَا يُمْكِنُهُمْ الْغَوْثُ فَلَا يُنْسَبُونَ إلَى التَّقْصِيرِ فِي النُّصْرَةِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ)؛ لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ وَيَنْتَصِرُ بِعَاقِلَتِهِ وَلَا تَدْخُلُ السُّكَّانُ فِي الْقَسَامَةِ مَعَ الْمُلَّاكِ عِنْدَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ) أَيْ تَكْرَارُ الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ اهـ (قَوْلُهُ فَيَجْرِيَانِ) أَيْ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ وُجِدَ فِيهِمْ) أَيْ لَوْ وُجِدَ فِي الْمَحَلَّةِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ فِيهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ بِلَفْظِ الْعُقَلَاءِ بِتَأْوِيلِ إرَادَةِ الْقَوْمِ أَوْ الْجَمَاعَةِ أَوْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا) فَيَكُونُ قَتِيلًا ظَاهِرًا لِوُجُودِ دَلِيلِ الْقَتْلِ وَهُوَ الْأَثَرُ وَلَا يُقَالُ الظَّاهِرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِي عَيْنِ الصَّبِيِّ وَلِسَانِهِ وَذَكَرِهِ إذَا لَمْ تَعْلَمْ صِحَّتَهُ سِوَى حُكُومَةِ الْعَدْلِ وَلَمْ يَجِبْ مَا وَجَبَ فِي التَّسْلِيمِ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ سَلَامَتَهَا لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِي الْأَطْرَافِ قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ الصِّحَّةَ مَا يَجِبُ فِي السَّلِيمِ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَلَيْسَ لَهَا تَعْظِيمُ النُّفُوسِ فَلَمْ يَجِبْ فِيهَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِالصِّحَّةِ شَيْءٌ مِنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ بِخِلَافِ الْجَنِينِ فَإِنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ وَعُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ فَإِذَا انْفَصَلَ تَامَّ الْخَلْقِ وَبِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَجَبَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ تَعْظِيمًا لِلنُّفُوسِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَتِيلٌ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الْقَتْلِ وَهُوَ الْأَثَرُ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ تَامِّ الْخَلْقِ أَنْ يَنْفَصِلَ حَيًّا وَأَمَّا إذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّ لَا يَفُوقُ حَالَ الْكَبِيرِ فَإِذَا وُجِدَ الْكَبِيرُ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ فَكَذَا هُنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كَوْنِهِ حَيًّا اهـ (قَوْلُهُ فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِنُقْصَانِ الْخَلْقِ) فَكَانَ الظَّاهِرُ هَاهُنَا بِمَنْزِلَةِ الْقَتْلِ الْمَوْجُودِ فِي الْمَحَلَّةِ وَبِهِ أَثَرُ الْجِرَاحَةِ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ لَا بِسَبَبِ الْجِرَاحَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَنْقُلُ قَرِيبَهُ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَا يَجِبُ عَلَى السَّائِقِ وَقَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ يَسُوقُهَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَجِبُ عَلَى السَّائِقِ فَفَهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ السَّائِقُ يَسُوقُهَا مُخْتَفِيًا يَجِبُ عَلَيْهِ وَعِلَّتُهُ تُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ إلَخْ. اهـ. .
(قَوْلُهُ وَادِعَةَ وَأَرْحَبَ) هُمَا حَيَّانِ مِنْ هَمْدَانَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ هَذَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالُوا وَهَذَا إذَا كَانَ بِحَالٍ يُسْمَعُ الصَّوْتُ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يُنْسَبُونَ إلَى التَّقْصِيرِ فِي النُّصْرَةِ) فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ عَلَى أَحَدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله هُوَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّدْبِيرِ تَكُونُ بِالسُّكْنَى كَمَا تَكُونُ بِالْمِلْكِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام جَعَلَ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْيَهُودِ وَكَانُوا سُكَّانًا بِخَيْبَرَ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ قَسَّمَ خَيْبَرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمَا أَنَّ الْمُلَّاكَ هُمْ الْمُخْتَصُّونَ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ عَادَةً دُونَ السُّكَّانِ، وَلِأَنَّ سُكْنَى الْمُلَّاكِ أَلْزَمُ وَقَرَارُهُمْ أَدْوَمُ فَكَانَتْ وِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ فَيَتَحَقَّقُ التَّقْصِيرُ مِنْهُمْ وَأَمَّا أَهْلُ خَيْبَرَ فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْخَرَاجِ.
قَالَ رحمه الله (وَهِيَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ السُّكَّانِ وَالْمُشْتَرِينَ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَأَهْلُ الْخُطَّةِ هُمْ الَّذِينَ خَطَّ لَهُمْ الْإِمَامُ وَقَسَّمَ الْأَرَاضِيَ بِخَطِّهِ لِيُمَيِّزَ أَنْصِبَاءَهُمْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله الْكُلُّ مُشْتَرِكُونَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَلِهَذَا جُعِلُوا مُقَصِّرِينَ جُنَاةُ الْوِلَايَةِ أَيْ وِلَايَةُ الْحِفْظِ بِاعْتِبَارِ الْكَوْنِ فِيهِ وَقَدْ اسْتَوَوْا فِيهِ فَصَارَ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ لِلْخُطَّةِ تَأْثِيرٌ فِي التَّقْدِيمِ لَمَا شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي وَلَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ فِي الْعُرْفِ فَيَخْتَصُّ بِعُهْدَتِهَا؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ وَالْقَسَامَةَ تَجِبَانِ بِسَبَبِهَا، وَلِأَنَّ أَهْلَ الْخُطَّةِ أَصِيلٌ وَالْمُشْتَرِي دَخِيلٌ وَوِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَى الْأَصِيلِ وَفِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ وِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَى الْمَالِكِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْقَرْيَةِ وَالْمَحَلَّةِ وَقِيلَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله بَنَى ذَلِكَ عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَعَلَى الْمُشْتَرِينَ) أَيْ إنْ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ فَعَلَى الْمُشْتَرِينَ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ لِزَوَالِ مَنْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِمْ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله خَلَصَتْ لَهُمْ الْوِلَايَةُ لِزَوَالِ مَنْ يُزَاحِمُهُمْ ثُمَّ إذَا وُجِدَ فِي دَارِ إنْسَانٍ تَدْخُلُ الْعَاقِلَةُ فِي الْقَسَامَةِ فِي الْقَسَامَةِ إنْ كَانُوا حَاضِرِينَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله لَا تَدْخُلُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّارِ أَخَصُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِيهَا كَأَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَا يُشَارِكُهُمْ عَوَاقِلُهُمْ فِيهَا فَصَارُوا كَمَا إذَا كَانُوا غَائِبِينَ وَلَهُمَا أَنَّهُمْ بِالْحُضُورِ لَزِمَتْهُمْ نُصْرَةُ الْبُقْعَةِ كَمَا تَلْزَمُ صَاحِبَ الدَّارِ فَيُشَارِكُونَهُ فِي الْقَسَامَةِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ عَلَى التَّفَاوُتِ فَهِيَ عَلَى الرُّءُوسِ) أَيْ إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ جَمَاعَةٍ أَنْصِبَاؤُهُمْ فِيهَا مُتَفَاضِلَةٌ بِأَنْ كَانَتْ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ مَثَلًا لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ وَلِلثَّالِثِ السُّدُسُ تَنْقَسِمُ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ وَلَا مُعْتَبَرَ بِتَفَاوُتِ الْأَنْصِبَاءِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ يُزَاحِمُ صَاحِبَ الْكَثِيرِ فِي التَّدْبِيرِ فَكَانُوا سَوَاءً فِي الْحِفْظِ وَالتَّقْصِيرِ فَيَكُونُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ بِيعَ وَلَمْ يَقْبِضْ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ وَفِي الْخِيَارِ عَلَى ذِي الْيَدِ) أَيْ إذَا بِيعَتْ الدَّارُ وَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَضَمَانُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِيَارٌ فَعَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي يَصِيرُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نُزِّلَ قَاتِلًا بِاعْتِبَارِ التَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَالْوِلَايَةُ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الدَّارُ وَدِيعَةً تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ دُونَ الْمُودِعِ وَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ وَفِي الَّذِي شَرَطَ فِيهِ الْخِيَارَ يُعْتَبَرُ قَرَارُ الْمِلْكِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ لَا بِالْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ بِدُونِ الْمِلْكِ وَلَا يَقْدِرُ بِالْمِلْكِ بِدُونِ الْيَدِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَفِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ الْيَدُ لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَذَا فِيمَا فِيهِ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْبَاتِّ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ فَهُوَ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ تَصَرُّفًا وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَهُوَ فِي يَدِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ كَالْمَغْصُوبِ فَتُعْتَبَرُ يَدُهُ إذْ بِهَا يَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ لَا عَلَى الضَّامِنِ، وَهَذِهِ ضَمَانُ جِنَايَةٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ عَلَيْهِمْ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ هُوَ عَلَيْهِمْ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهِيَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ السُّكَّانِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ يَعْقُوبُ
وَإِنَّمَا قَسَامَةُ الْقَتِيلِ
…
عَلَى ذَوِي الْخُطَّةِ وَالدَّخِيلِ
قَالَ فِي الْحَصْرِ مَا نَصُّهُ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَحَلَّةِ أَصْحَابُ الْخُطَطِ وَالْمُشْتَرُونَ وَالسُّكَّانُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدٌ كُرِّرَ عَلَيْهِ خَمْسُونَ يَمِينًا وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ مَبْنَى هَذَا الْأَمْرِ عَلَى التَّدْبِيرِ وَالرَّأْيِ وَالنِّسْبَةِ، وَذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ فِي دَارٍ فَهُوَ عَلَى مَالِكِهَا دُونَ خَدَمِهِ وَأُجَرَائِهِ وَإِذَا وُجِدَ فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ فَعَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى أَهْلُ الْخُطَّةِ وَالْمُشْتَرُونَ وَالسُّكَّانُ سَوَاءٌ فِي الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ لِأَنَّ وُجُوبَهَا عَلَيْهِمْ لِالْتِزَامِهِمْ الْحِفْظَ أَوْ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَهُمْ وَالْكُلُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ اهـ مَا قَالَهُ فِي الْحَصْرِ وَقَالَ فِي الْمُصَفَّى فِي شَرْحِ هَذَا الْبَيْتِ مَا نَصُّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَحَلَّةِ أَصْحَابُ الْخُطَطِ وَالْمُشْتَرُونَ وَالسُّكَّانُ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ فِي الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ وَقَالَا عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدٌ كُرِّرَ عَلَيْهِ خَمْسُونَ يَمِينًا وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ بِأَنْ بَاعُوا كُلُّهُمْ فَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِينَ فَإِنْ قُلْت هَلْ فِي الْبَيْتِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ الدَّخِيلِ قُلْت نَعَمْ لِأَنَّهُ لَا جَائِزَ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى وُجُوبِ الْقَسَامَةِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَجِبَ عَلَى الدَّخِيلِ لِأَنَّ فِيهِ قَلْبَ الْمَعْقُولِ وَنَقْضَ الْأُصُولِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَذْهَبُ الْخِلَافُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَجِبَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ فَحَسْبُ وَالدَّخِيلُ فَعِيلٌ مِنْ دَخَلَ وَأَرَادَ بِهِ الْمُشْتَرِينَ وَالسُّكَّانَ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ كَانُوا حَاضِرِينَ عِنْدَهُمَا) وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ تَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ الْأَيْمَانُ. اهـ. غَايَةٌ
فَتَجِبُ عَلَى الضَّامِنِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْجِنَايَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْمِلْكُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَلَا مِلْكَ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً؛ لِأَنَّ هَذَا الضَّمَانَ ضَمَانُ تَرْكِ الْحِفْظِ وَهُوَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْحِفْظِ وَهُوَ مَنْ لَهُ يَدٌ أَصَالَةً لَا يَدٌ نِيَابَةً وَيَدُ الْمُودِعِ يَدُ نِيَابَةٍ، وَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُرْتَهِنُ، وَكَذَا الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَنَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا تَعْقِلُ عَاقِلَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِذِي الْيَدِ) أَيْ إذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ لَا تَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ صَاحِبِ الْيَدِ لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى تَعْقِلَهُ عَاقِلَتُهُ عَنْهُ وَالْيَدُ وَإِنْ كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَلَكِنَّهَا مُحْتَمَلَةٌ فَلَا تَكْفِي لِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا لَا تَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالظَّاهِرِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ الْمَوْجُودُ فِيهَا هُوَ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ غَيْرُهُ عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ رحمه الله (وَفِي الْفُلْكِ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنْ الرُّكَّابِ وَالْمَلَّاحِينَ)؛ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ فَيَسْتَوِي الْمَالِكُ وَغَيْرُهُ فِيهِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُسَوِّي فِي الدَّارِ بَيْنَ السُّكَّانِ وَالْمُلَّاكِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْفُلْكَ تُنْقَلُ وَتُحَوَّلُ فَتَكُونُ فِي الْيَدِ حَقِيقَةً فَتُعْتَبَرُ فِيهَا الْيَدُ دُونَ الْمِلْكِ كَمَا فِي الدَّابَّةِ بِخِلَافِ الْعَقَارِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَلُ.
قَالَ رحمه الله (وَفِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ عَلَى أَهْلِهَا وَفِي الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ لَا قَسَامَةَ وَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ)؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ إلَيْهِمْ وَالْجَامِعُ وَالشَّارِعُ لِلْعَامَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَالْقَسَامَةُ لِنَفْيِ تُهْمَةِ الْقَتْلِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَدِيَتُهُ تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مَالُ الْعَامَّةِ، وَكَذَلِكَ الْجُسُورُ الْعَامَّةُ وَالْأَسْوَاقُ الْعَامَّةُ الَّتِي فِي الشَّوَارِعِ، وَكَذَا لَوْ وُجِدَ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ يَكُونُ كَمَا لَوْ وُجِدَ فِي السُّوقِ الَّتِي هِيَ لِلْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي مِثْلِ هَذَا كُلِّهِ إلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ لَا إلَى أَهْلِ هَذِهِ السُّوقِ بِخِلَافِ الْأَسْوَاقِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَهْلِهَا أَوْ الَّتِي فِي الْمَحَالِّ وَالْمَسَاجِدِ الَّتِي فِيهَا حَيْثُ يَجِبُ الضَّمَانُ فِيهَا عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ عَلَى الْمُلَّاكِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا؛ لِأَنَّهَا مَحْفُوظَةٌ بِحِفْظِ أَرْبَابِهَا أَوْ بِحِفْظِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي صَفٍّ مِنْ السُّوقِ فَإِنْ كَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الصَّفِّ يَبِيتُونَ فِي حَوَانِيتِهِمْ فَدِيَةُ الْقَتِيلِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا لَا يَبِيتُونَ فِيهَا فَالدِّيَةُ عَلَى الَّذِينَ لَهُمْ مِلْكُ الْحَوَانِيتِ وَلَوْ وُجِدَ فِي السِّجْنِ فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله عَلَى أَهْلِهِ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ السُّكَّانِ وَالْمُلَّاكِ.
قَالَ رحمه الله (وَيُهْدَرُ لَوْ فِي بَرِيَّةٍ أَوْ وَسْطِ الْفُرَاتِ)؛ لِأَنَّ الْفُرَاتَ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ وَلَا فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ يَمُرُّ بِهِ الْمَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ النَّهْرُ صَغِيرًا بِحَيْثُ يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ حَيْثُ يَكُونُ ضَمَانُهُ عَلَى أَهْلِهِ لِقِيَامِ يَدِهِمْ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْبَرِيَّةُ لَا يَدَ لِأَحَدٍ فِيهَا وَلَا مِلْكَ فَيُهْدَرُ مَا وُجِدَ فِيهَا مِنْ الْقَتِيلِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْبَرِيَّةُ مَمْلُوكَةً لِأَحَدٍ أَوْ كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْ الْقَرْيَةِ بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ وَعَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ لِمَا بَيَّنَّا. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ النَّهْرَ الْعَظِيمَ إذَا كَانَ مَوْضِعَ انْبِعَاثِ مَائِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَوْضِعَ انْبِعَاثِ مَائِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَتِيلَ أَهْلِ الْحَرْبِ فَيُهْدَرُ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ مُحْتَبِسًا بِالشَّاطِئِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى) أَيْ لَوْ كَانَ الْقَتِيلُ مُحْتَبِسًا فِي شَاطِئِ النَّهْرِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ الشَّطَّ فِي أَيْدِيهِمْ يَسْتَقُونَ مِنْهُ وَيُورِدُونَ دَوَابَّهُمْ فَكَانُوا أَخَصَّ بِنُصْرَتِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَكُونُ ضَمَانُ الْمُحْتَبِسِ فِيهِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَوْضُوعِ بِالشَّطِّ.
قَالَ رحمه الله (وَدَعْوَى الْوَلِيِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ تُسْقِطُ الْقَسَامَةَ عَنْهُمْ وَعَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ لَا) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مَعَ تَشَعُّبِهِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهِ وَالْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِيهِ فَلَا نُعِيدُهُ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ الْتَقَى قَوْمٌ بِالسُّيُوفِ فَأَجْلَوْا عَنْ قَتِيلٍ فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلِيُّ عَلَى أُولَئِكَ أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ)؛ لِأَنَّ الْقَتِيلَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْحِفْظُ عَلَيْهِمْ فَتَكُونُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ إلَّا إذَا أَبْرَأَهُمْ الْوَلِيُّ بِدَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى أُولَئِكَ كُلِّهِمْ أَوْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ فَيَبْرَأُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَلَا يَثْبُتُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بِحُجَّةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْوَاحِدُ مِنْ أَهْلِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِهِ يُرِيدُ بِهِ إذَا أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ لَهُ وَقَالُوا هِيَ وَدِيعَةٌ فِي يَدِك فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى الْمِلْكِ. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ وَلَوْ وُجِدَ فِي السِّجْنِ فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ أَهْلَ السِّجْنِ مَقْهُورُونَ فَلَا يَتَنَاصَرُونَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ مَا يَجِبُ لِأَجْلِ النُّصْرَةِ، وَلِأَنَّهُ بُنِيَ لِاسْتِيفَاءِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا كَانَ غُنْمُهُ يَعُودُ إلَيْهِمْ فَغُرْمُهُ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله عَلَى أَهْلِهِ) لِأَنَّهُمْ سُكَّانٌ وَوِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَتْلَ مِنْهُمْ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ السُّكَّانِ وَالْمُلَّاكِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهَا فِي الْوَرَقَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ اهـ
(قَوْلُهُ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ) يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ يُسْمَعُ الصَّوْتُ مِنْ الْقُرَى. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَأَجْلَوْا) أَيْ انْكَشَفُوا وَانْفَرَجُوا يَعْنِي ذَهَبُوا وَتَرَكُوا قَتِيلًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَبْرَأَهُمْ الْوَلِيُّ بِدَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى أُولَئِكَ) أَيْ الَّذِينَ الْتَقَوْا بِالسُّيُوفِ اهـ.
الْمَحَلَّةِ يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ يُبَرَّءُونَ بِدَعْوَى الْوَلِيِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْرَءُونَ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ فَلَا يَسْتَقِيمُ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْ الَّذِينَ الْتَقَوْا بِالسُّيُوفِ يَسْتَقِيمُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رحمه الله فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ هَذَا إذَا كَانَ الْفَرِيقَانِ غَيْرَ مُتَأَوِّلَيْنِ اقْتَتَلُوا عَصَبِيَّةً وَإِنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ أَوْ خَوَارِجَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَيَجْعَلُ ذَلِكَ مِمَّنْ أَصَابَهُ الْعَدُوُّ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ قَالَ الْمُسْتَحْلِفُ قَتَلَهُ زَيْدٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا غَيْرَ زَيْدٍ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ صَارَ مُسْتَثْنًى عَنْ الْيَمِينِ وَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ سِوَاهُ عَلَى حَالِهِ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ وَلَا يُقْبَلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُسْتَحْلِفِ أَنَّهُ قَتَلَهُ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ إسْقَاطَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُقْبَلُ وَيَحْلِفُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ رحمه الله وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ الْقَاتِلَ وَاعْتَرَفَ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَمُحَمَّدٌ رحمه الله يَقُولُ يَجُوزُ أَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ لَهُ قَاتِلًا آخَرَ مَعَهُ.
قَالَ رحمه الله (وَبَطَلَ شَهَادَةُ بَعْضِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِمْ أَوْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَمَّا ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِهِمْ تَبَيَّنَّ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِخُصَمَاءَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ كَانُوا بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرُوا خُصَمَاءَ وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ إذَا عُزِلَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ وَلَهُ أَنَّهُمْ خُصَمَاءُ بِإِنْزَالِهِمْ قَاتِلِينَ لِلتَّقْصِيرِ الصَّادِرِ مِنْهُمْ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ خَرَجُوا مِنْ الْخُصُومَةِ كَالْوَصِيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْوِصَايَةِ بَعْدَمَا قَبِلَهَا ثُمَّ شَهِدَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ صَارَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهَا وَمَنْ كَانَ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا وَلَمْ يَنْتَصِبْ خَصْمًا بَعْدُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَهَذَانِ الْأَصْلَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا غَيْرَ أَنَّهُمَا يَجْعَلَانِ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ مِمَّنْ لَهُ عَرْضِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا وَهُوَ يَجْعَلُهُمْ مِمَّنْ انْتَصَبَ خَصْمًا وَعَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ يَتَخَرَّجُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ فَمِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إذَا خَاصَمَ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ عُزِلَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَالشَّفِيعُ إذَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ تَرَكَهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالْبَيْعِ وَمِنْ جِنْسِ الثَّانِي أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا لَمْ يُخَاصِمْ وَالشَّفِيعُ إذَا لَمْ يَطْلُبْ وَشَهِدَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَلَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ مِنْ أَهْلِهَا عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ وَالشَّاهِدُ يَقْطَعُهَا عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله ذَكَرْنَاهَا مِنْ قَبْلُ.
وَلَوْ وُجِدَ الرَّجُلُ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ حِينَ وُجِدَ الْجُرْحُ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَيَكُونُ هَدَرًا وَلَهُ أَنَّ الْقَسَامَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْقَتْلِ فِي مِلْكِهِ وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ فِي الدِّيَةِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ وَحَالَ ظُهُورِ الْقَتْلِ الدَّارُ لِلْوَرَثَةِ فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ إذَا وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ فِي مِلْكِهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَلَا يَسْتَقِيمُ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. .
(قَوْلُهُ وَهُوَ يَجْعَلُهُمْ مِمَّنْ انْتَصَبَ خَصْمًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ وَهِيَ مَا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِهِمْ عِنْدَ دَعْوَى الْوَلِيِّ الْقَتْلَ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ شَهِدَا بِأَنَّهُ قَتَلَهُ جَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله شَهَادَتَهُمَا شَهَادَةَ مَنْ انْتَصَبَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا فَشَهِدَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ نَفْسَ وُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ جَعَلَهُمَا خَصْمًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَجَعَلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ شَهَادَتَهُمَا هَذِهِ شَهَادَةَ رَجُلٍ لَهُ عَرَضِيَّةٌ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا ثُمَّ لَمْ يَصِرْ خَصْمًا فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُونَ خَصْمًا لَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَيْهِمْ فَإِذَا ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِمْ زَالَتْ هَذِهِ الْعَرْضِيَّةُ.
وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا خُصَمَاءَ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ أَصْلًا فَوَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ فِيهَا كَالشَّفِيعِ إذَا شَهِدَ بِالْبَيْعِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ الشَّفِيعُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِهَذَا الْمَعْنَى وَأَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يَقُولُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ صَارُوا خُصَمَاءَ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَمَنْ صَارَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهَا وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْخُصُومَةِ كَالْوَكِيلِ إذَا خُوصِمَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ ثُمَّ عُزِلَ وَشَهِدَ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ عَلَيْهِمْ وُجُودُ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ كَمَا قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه إنَّمَا أُغَرِّمُكُمْ الدِّيَةَ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَبِدَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ خَرَجُوا مِنْ الْخُصُومَةِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا إلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ اهـ وَإِنَّمَا نَقَلْت هَذَا لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ)، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ عَنْ الْيَتِيمِ خَصْمٌ فِي حُقُوقِهِ وَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْيَتِيمِ شَرْعًا فِي حُقُوقِهِ.
ثُمَّ لَوْ بَلَغَ الْيَتِيمُ فَشَهِدَ الْوَصِيُّ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمِنْ جِنْسِ الثَّانِي) أَيْ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَرَضِيَّةٌ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَشَهِدَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا)، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلَانِ بِالْخُصُومَةِ إذَا عُزِلَا قَبْلَ الْخُصُومَةِ ثُمَّ شَهِدَا بِذَلِكَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ إنَّمَا يَصِيرُ خَصْمًا لِمَكَانِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ فَصَارَتْ الْوَكَالَةُ مُقَيَّدَةً بِالْمَكَانِ فَلَا تَثْبُتُ قَبْلَهُ كَمَا لَوْ وَقَّتَ بِالزَّمَانِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ فَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَظْهَرُ وَمَا قَالَاهُ أَحَقُّ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا اهـ نِهَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ أَيْ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ لِوَرَثَتِهِ اهـ.
فَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَعِبَارَةِ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَا) أَيْ وَزُفَرُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ) أَيْ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَرَثَةِ لِلْوَرَثَةِ هَذَا إذَا اخْتَلَفَ الْعَوَاقِلُ أَمَّا إذَا اتَّحَدَتْ عَاقِلَةُ الْمَقْتُولِ مَعَ عَاقِلَةِ الْوَرَثَةِ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَقْتُولِ لِلْوَرَثَةِ فَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ عَلَى مَا إذَا اتَّحَدَ