الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَهَبَ مَنْفَعَتُهُ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ جَمَالٌ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ أَوْ أَرْشُهُ كَامِلًا إنْ كَانَ فِيهِ جَمَالٌ كَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْجَمَالِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ أَعْتِبَارُهُمَا مَعَهَا، بَلْ يَكُونُ تَبَعًا لَهَا، فَيَكُونُ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ هِيَ الْمَنْفَعَةُ فَقَطْ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَرْشٌ، ثُمَّ إذَا انْفَرَدَ بِالْإِتْلَافِ يَكُونُ لَهُ أَرْشٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تَبَعٌ لِلنَّفْسِ فَلَا يَكُونُ لَهَا أَرْشٌ إذَا تَلِفَتْ مَعَهَا، وَإِذَا انْفَرَدَتْ بِالْإِتْلَافِ كَانَ لَهَا أَرْشٌ، وَمَنْ ضَرَبَ صُلْبَ رَجُلٍ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ تَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةٍ كَامِلَةٍ وَهِيَ مَنْفَعَةُ النَّسْلِ، وَكَذَا لَوْ أَحْدَبَهُ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ جَمَالَ الْآدَمِيِّ فِي كَوْنِهِ مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ، وَقِيلَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4]، وَلَوْ زَالَتْ الْحَدَبَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِزَوَالِهَا لَا عَنْ أَثَرٍ، وَلَوْ بَقِيَ أَثَرُ الضَّرْبَةِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِبَقَاءِ الشَّيْنِ بِبَقَاءِ أَثَرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ]
(فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ) الشِّجَاجُ عَشَرَةٌ الْحَارِصَةُ وَهِيَ الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ أَيْ تَخْدِشُهُ وَلَا تُخْرِجُ الدَّمَ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ حَرَصَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ أَيْ شَقَّهُ فِي الدَّقِّ، وَالدَّامِعَةُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الَّتِي تُظْهِرُ الدَّمَ وَلَا تُسَيِّلُهُ كَالدَّمْعِ فِي الْعَيْنِ مَأْخُوذٌ مِنْ الدَّمْعِ فَسُمِّيَتْ بِهَا؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَخْرُجُ مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّمْعِ مِنْ الْمُقْلَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ عَيْنَهُ تَدْمَعُ بِسَبَبِ أَلَمٍ يَحْصُلُ لَهُ مِنْهُ وَفِي الْمُحِيطِ الدَّامِعَةُ هِيَ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا مَا يُشْبِهُ الدَّمْعَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ دَمْعِ الْعَيْنَيْنِ وَالدَّامِيَةُ وَهِيَ الَّتِي تُسَيِّلُ الدَّمَ، وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ الدَّامِيَةَ هِيَ الَّتِي تُدْمِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسِيلَ مِنْهَا دَمٌ هُوَ الصَّحِيحُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَالدَّامِعَةُ هِيَ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ كَدَمْعِ الْعَيْنِ، وَمَنْ قَالَ إنَّ صَاحِبَهَا تَدْمَعُ عَيْنَاهُ مِنْ الْأَلَمِ فَقَدْ أَبْعَدَ وَالْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ الْجِلْدَ أَيْ تَقْطَعُهُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْبَضْعِ وَهُوَ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ وَمِنْهُ مِبْضَعُ الْفَصَّادِ وَالْمُتَلَاحِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تَأْخُذُ فِي اللَّحْمِ فَتَقْطَعُهُ كُلَّهُ، ثُمَّ يَتَلَاحَمُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ يَلْتَئِمُ وَيَتَلَاصَقُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَفَاؤُلًا عَلَى مَا تَؤُولُ إلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّ الْمُتَلَاحِمَةَ قَبْلَ الْبَاضِعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَلَاحِمَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ الْتَحَمَ الشَّيْئَانِ إذَا اتَّصَلَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَالْمُتَلَاحِمَةُ مَا تُظْهِرُ اللَّحْمَ وَلَا تُقَطِّعُهُ وَالْبَاضِعَةُ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهَا تُقَطِّعُهُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْمُتَلَاحِمَةُ تَعْمَلُ فِي قَطْعِ أَكْثَرِ اللَّحْمِ وَهِيَ بَعْدَ الْبَاضِعَةِ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ الْمُتَلَاحِمَةُ أَيْ الْقَاطِعَةُ لِلَّحْمِ وَالِاخْتِلَافُ الَّذِي وُجِدَ فِي الشِّجَاجِ رَاجِعٌ إلَى مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ لَا إلَى الْحُكْمِ وَالسِّمْحَاقُ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى السِّمْحَاقِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ الَّتِي بَيْنَ اللَّحْمِ وَعَظْمِ الرَّأْسِ وَالْمُوضِحَةُ وَهِيَ الَّتِي تُوَضِّحُ الْعَظْمَ أَيْ تُبَيِّنُهُ وَالْهَاشِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تَكْسِرُ الْعَظْمَ وَالْمُنَقِّلَةُ وَهِيَ الَّتِي تَنْقُلُ الْعَظْمَ بَعْدَ الْكَسْرِ أَيْ تُحَوِّلُهُ وَالْآمَّةُ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ وَأُمُّ الدِّمَاغِ هِيَ الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ الَّتِي تَجْمَعُ الدِّمَاغَ وَبَعْدَ الْآمَّةِ شَجَّةٌ تُسَمَّى الدَّامِغَةَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ لَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ رحمه الله؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَبْقَى بَعْدَهَا عَادَةً، فَيَكُونُ قَتْلًا وَلَا يَكُونُ مِنْ الشِّجَاجِ وَالْكَلَامِ فِي الشِّجَاجِ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْحَارِصَةَ وَالدَّامِعَةَ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَبْقَى لَهُمَا فِي الْغَالِبِ أَثَرٌ وَهَذِهِ الشِّجَاجُ تَخْتَصُّ بِالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ لُغَةً وَمَا كَانَ فِي غَيْرِهِمَا يُسَمَّى جِرَاحَةً فَهَذَا هُوَ حَقِيقَتُهُ وَالْحُكْمُ مُرَتَّبٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَا يَجِبُ بِالْجِرَاحَةِ مَا يَجِبُ بِالشَّجَّةِ مِنْ الْمُقَدَّرِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالنَّقْلِ وَهُوَ إنَّمَا وَرَدَ فِي الشِّجَاجِ وَهُوَ يَخْتَصُّ بِالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ فَيَخْتَصُّ الْحُكْمُ الْمُقَدَّرُ بِهَا وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُ الْجِرَاحَةِ بِهَا دَلَالَةً وَلَا قِيَاسًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا فِي الشَّيْنِ؛ لِأَنَّ شِجَاجَ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ يَظْهَرَانِ فِي الْغَالِبِ وَغَيْرُهُمَا مَسْتُورٌ غَالِبًا فَلَا يَظْهَرُ وَاخْتَلَفُوا فِي اللَّحْيَيْنِ فَعِنْدَنَا هُمَا مِنْ الْوَجْهِ فَيَتَحَقَّقُ الشِّجَاجُ فِيهِمَا فَيَجِبُ فِيهِمَا مُوجِبُهَا خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ مَالِكٌ رحمه الله هُوَ يَقُولُ إنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ الْمُوَاجَهَةَ لَا تَقَعُ بِهِمَا وَنَحْنُ نَقُولُ هُمَا يَتَّصِلَانِ بِالْوَجْهِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْمُوَاجَهَةِ فَصَارَا كَالذَّقَنِ؛ لِأَنَّهُمَا تَحْتَهُ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَيَجِبُ أَنْ يُفْتَرَضَ غَسْلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْوَجْهِ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُمَا لِلْإِجْمَاعِ وَلَا إجْمَاعَ هُنَا فَبَقِيَتْ الْعِبْرَةُ لِلْحَقِيقَةِ. قَالَ رحمه الله (وَفِي الْمُوضِحَةِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَفِي الْهَاشِمَةِ عُشْرُهَا وَفِي الْمُنَقِّلَةِ عُشْرٌ وَنِصْفُ عُشْرٍ وَفِي الْآمَّةِ وَالْجَائِفَةِ ثُلُثُهَا فَإِنْ نَفَذَتْ الْجَائِفَةُ فَثُلُثَاهَا) لِمَا رُوِيَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ). (قَوْلُهُ: فَيَخْتَصُّ الْحُكْمُ الْمُقَدَّرُ بِهَا) أَيْ بِالشِّجَاجِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ
قَالَ «فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَفِي الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَفِي الْآمَّةِ وَيُرْوَى الْمَأْمُومَةُ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «فِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ» ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنَّهُ حَكَمَ فِي جَائِفَةٍ نَفَذَتْ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ؛ وَلِأَنَّهَا إذَا نَفَذَتْ صَارَتْ جَائِفَتَيْنِ فَيَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الثُّلُثُ وَهِيَ تَكُونُ فِي الرَّأْسِ وَالْبَطْنِ بِخِلَافِ سَائِرِ الشِّجَاجِ حَيْثُ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، وَقِيلَ لَا تَتَحَقَّقُ الْجَائِفَةُ فِيمَا فَوْقَ الْحَلْقِ. قَالَ رحمه الله (وَفِي الْحَارِصَةِ وَالدَّامِعَةِ وَالدَّامِيَةِ وَالْبَاضِعَةِ وَالْمُتَلَاحِمَةِ وَالسِّمْحَاقِ حُكُومَةُ عَدْلٍ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَ فِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَلَا يُمْكِنُ إهْدَارُهَا فَتَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْحُكُومَةِ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ رحمه الله تَفْسِيرُهَا أَنْ يَقُومَ مَمْلُوكًا بِدُونِ هَذَا الْأَثَرِ، ثُمَّ يَقُومُ وَبِهِ هَذَا الْأَثَرُ، ثُمَّ يُنْتَظَرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ ثُلُثَ عُشْرِ الْقِيمَةِ مَثَلًا يَجِبُ ثُلُثُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ رُبْعَ عُشْرِ الْقِيمَةِ يَجِبُ رُبْعُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ رحمه الله يُنْظَرُ كَمْ مِقْدَارُ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ الْمُوضِحَةِ فَيَجِبُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ يُرَدُّ إلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَكَانَ الْكَرْخِيُّ رحمه الله يَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ الطَّرِيقُ فَرُبَّمَا يَكُونُ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يُوجِبَ فِي هَذِهِ الشِّجَاجِ وَهُوَ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ فِي الْمُوضِحَةِ وَأَنَّهُ مُحَالٌ، بَلْ الصَّحِيحُ الِاعْتِبَارُ بِالْمِقْدَارِ، وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ رحمه الله يَنْظُرُ الْمُفْتِي فِي هَذَا إنْ أَمْكَنَهُ الْفَتْوَى بِالثَّانِي بِأَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ يُفْتِي بِالثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ يُفْتِي بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ. قَالَ وَكَانَ الْمَرْغِينَانِيُّ رحمه الله يُفْتِي بِهِ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُنْظَرُ كَمْ مِقْدَارُ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ أَقَلِّ شَجَّةٍ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَإِنْ كَانَ مِقْدَارُهُ مِثْلَ نِصْفِ شَجَّةٍ لَهَا أَرْشٌ أَوْ ثُلُثَهَا وَجَبَ نِصْفُ أَوْ ثُلُثُ أَرْشِ تِلْكَ الشَّجَّةِ وَإِنْ كَانَ رُبْعًا فَرُبْعٌ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الْقَوْلَيْنِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ قَوْلًا ثَالِثًا وَإِلَّا شُبِّهَ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِقَوْلِ الْكَرْخِيُّ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله قَوْلُ الْكَرْخِيِّ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اعْتَبَرَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ فِيمَنْ قُطِعَ طَرَفُ لِسَانِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ
. قَالَ رحمه الله (وَلَا قِصَاصَ فِي غَيْرِ الْمُوضِحَةِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ السِّكِّينُ وَمَا فَوْقَهَا كَسْرُ الْعَظْمِ وَلَا قِصَاصَ فِيهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ» ، وَهَذَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ كَسْرُ الْعَظْمِ وَلَا خَوْفُ التَّلَفِ كَالْجَائِفَةِ فَيُسْبَرُ غَوْرُهَا بِمِسْبَارٍ، ثُمَّ يُتَّخَذُ حَدِيدَةٌ بِقَدْرِ ذَلِكَ فَيُقْطَعُ بِهَا مِقْدَارُ مَا قُطِعَ فَيَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِذَلِكَ وَفِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَتْ عَمْدًا لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَضَى بِالْقِصَاصِ فِي الْمُوضِحَةِ» ؛ وَلِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهَا مُمْكِنَةٌ بِإِنْهَاءِ السِّكِّينِ إلَى الْعَظْمِ فَيَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ
. قَالَ رحمه الله (وَفِي أَصَابِعِ الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ) أَيْ أَصَابِعُ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ لِمَا رَوَيْنَا، فَيَكُونُ فِي الْخَمْسَةِ خَمْسُونَ ضَرُورَةً وَهُوَ النِّصْفُ؛ وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْأَصَابِعِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ وَهُوَ الْمُوجِبُ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ رحمه الله (وَلَوْ مَعَ الْكَفِّ) هَذَا مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ أَيْ فِي أَصَابِعِ الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ قَطَعَهَا مَعَ الْكَفِّ وَلَا يَزِيدُ الْأَرْشُ بِسَبَبِ الْكَفِّ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ فِي حَقِّ الْبَطْشِ؛ لِأَنَّ قُوَّةَ الْبَطْشِ بِهَا، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «فِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ» وَالْيَدُ اسْمٌ لِجَارِحَةٍ يَقَعُ بِهَا الْبَطْشُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْيَدِ يَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ، وَالْبَطْشُ يَقَعُ بِالْأَصَابِعِ وَالْكَفِّ فَيَجِبُ فِيهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، فَيَكُونُ الْكَفُّ تَبَعًا لِلْأَصَابِعِ
. قَالَ رحمه الله (وَمَعَ نِصْفِ سَاعِدٍ نِصْفُ الدِّيَةِ وَحُكُومَةُ عَدْلٍ) أَيْ إذَا قُطِعَ الْكَفُّ مَعَ نِصْفِ السَّاعِدِ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَحُكُومَةُ عَدْلٍ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ وَالْحُكُومَةُ فِي نِصْفِ السَّاعِدِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَرِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله، وَعَنْهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْأَصَابِعِ مِنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ) كَذَا فِي الْكَافِي. اهـ.
الْيَدِ وَالرِّجْلِ إلَى الْمَنْكِبِ وَأَصْلُ الْفَخِذِ هُوَ تَبَعٌ فَلَا تَزِيدُ بِهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ فِي الْوَاحِدَةِ مِنْهُمَا نِصْفَ الدِّيَةِ وَالْيَدُ اسْمٌ لِهَذِهِ الْجَارِحَةِ إلَى الْمَنْكِبِ وَالرِّجْلُ إلَى أَصْلِ الْفَخِذِ فَلَا يُزَادُ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْعِ؛ وَلِأَنَّ السَّاعِدَ لَيْسَ لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا، فَيَكُونُ تَبَعًا لِمَا لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فِيهِ كَالْكَفِّ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِآلَةٍ بَاطِشَةٍ وَوُجُوبُ الْأَرْشِ بِاعْتِبَارِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ وَقُوَّةُ الْبَطْشِ تَتَعَلَّقُ بِالْأَصَابِعِ وَالْكَفُّ تَبَعٌ لَهَا فِي الْبَطْشِ فَكَذَا فِي الْأَرْشِ وَلَا يَقَعُ الْبَطْشُ بِالسَّاعِدِ أَصْلًا وَلَا تَبَعًا فَلَا يَدْخُلُ فِي أَرْشِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ تَبَعًا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لِلْأَصَابِعِ أَوْ لِلْكَفِّ وَلَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِوُقُوعِ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِالْكَفِّ وَلَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْكَفَّ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ وَلَا تَبَعَ لِلتَّبَعِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِهَذِهِ الْجَارِحَةِ إلَى الْمَنْكِبِ، بَلْ هِيَ اسْمٌ إلَى الزَّنْدِ إذَا ذُكِرَتْ فِي مَوْضِعِ الْقَطْعِ بِدَلِيلِ آيَةِ السَّرِقَةِ
. قَالَ رحمه الله (وَفِي قَطْعِ الْكَفِّ وَفِيهَا أُصْبُعٌ أَوْ أُصْبُعَانِ عُشْرُهَا أَوْ خُمْسُهَا وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ) أَيْ إذَا كَانَ فِي الْكَفِّ أُصْبُعٌ أَوْ أُصْبُعَانِ فَقَطَعَهَا يَجِبُ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي الْأُصْبُعِ الْوَاحِدَةِ وَخُمْسُهَا فِي أُصْبُعَيْنِ وَلَا يَجِبُ فِي الْكَفِّ شَيْءٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه، وَقَالَا يُنْظَرُ إلَى أَرْشِ الْكَفِّ وَإِلَى أَرْشِ مَا فِيهَا مِنْ الْأَصَابِعِ فَيَجِبُ أَكْثَرُهُمَا وَيَدْخُلُ الْقَلِيلُ فِي الْكَثِيرِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَرْشَيْنِ مُتَعَذِّرٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْكُلَّ شَيْءٌ وَاحِدٌ إذْ ضَمَانُ الْأُصْبُعِ هُوَ ضَمَانُ الْكَفِّ وَضَمَانُ الْكَفِّ هُوَ ضَمَانُ الْأُصْبُعِ، وَكَذَا إهْدَارُ أَحَدِهِمَا مُتَعَذِّرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ، أَمَّا الْكَفُّ فَلِأَنَّ الْأَصَابِعَ قَائِمَةٌ بِهِ، وَأَمَّا الْأَصَابِعُ فَلِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ فِي مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ، فَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلًا مِنْ وَجْهٍ رَجَّحْنَا بِالْكَثْرَةِ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ شَجَّ رَأْسَ إنْسَانٍ وَتَنَاثَرَ بَعْضُ شَعْرِهِ يَدْخُلُ الْقَلِيلُ فِي الْكَثِيرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه أَنَّ الْأَصَابِعَ أَصْلٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْيَدِ وَهِيَ الْبَطْشُ وَالْقَبْضُ وَالْبَسْطُ قَائِمَةٌ بِهَا، وَكَذَا حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ رضي الله عنه جَعَلَ الدِّيَةَ بِمُقَابَلَةِ الْأَصَابِعِ حَيْثُ أَوْجَبَ فِي الْيَدِ نِصْفَ الدِّيَةِ، ثُمَّ جَعَلَ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ وَمِنْ ضَرُورَتُهُ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا بِمُقَابَلَةِ الْأَصَابِعِ دُونَ الْكَفِّ وَالْأَصْلُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ وَإِنْ قَلَّ وَلَا يَظْهَرُ التَّابِعُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ فَلَا يَتَعَارَضُ حَتَّى يُصَارَ إلَى التَّرْجِيحِ بِالْكَثْرَةِ وَلَئِنْ تَعَارَضَا فَالتَّرْجِيحُ بِالْأَصْلِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِالْكَثْرَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصِّغَارَ إذَا اخْتَلَطَتْ مَعَ الْمَسَانِّ يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ تَبَعًا وَإِنْ كَانَتْ الصِّغَارُ أَكْثَرَ تَرْجِيحًا لِلْأَصْلِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ مِنْ الشَّجَّةِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلْآخَرِ؛ وَلِأَنَّ أَرْشَ الْأُصْبُعِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، وَلَيْسَ لِلْكَفِّ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا فَلَوْ ثَبَتَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ وَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِإِبْطَالِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِلضَّرُورَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ لِعَدَمِ النَّقْلِ أَوْ شُبْهَتِهِ فَكَيْفَ يُصَارُ إلَيْهِ هُنَا مَعَ وُجُودِهِ، بَلْ لِإِبْطَالِهِ، وَهَذَا خَارِجٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ فِي الْكَفِّ مِفْصَلٌ وَاحِدٌ مِنْ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ يَجِبُ أَرْشُ الْمِفْصَلِ عَلَى الظَّاهِرِ عِنْدَهُ وَلَا يَجِبُ فِي الْكَفِّ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ أَرْشَ ذَلِكَ الْمِفْصَلِ مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَمَا بَقِيَ مِنْ الْأَصْلِ وَإِنْ قَلَّ فَهُوَ أَوْلَى كَمَا قَالَ فِي الْقَسَامَةِ إنَّ أَهْلَ الْخُطَّةِ أَوْلَى بِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ قَلُّوا لِكَوْنِهَا أَصْلًا وَلَا يَظْهَرُ حُكْمُ التَّبَعِ مَعَهُ وَإِنْ كَثُرَ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّ الْبَاقِيَ إذَا كَانَ دُونَ أُصْبُعٍ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُهُمَا أَرْشًا؛ لِأَنَّ أَرْشَ مَا دُونَ الْأُصْبُعِ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ اعْتِبَارُهُ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِنَوْعِ اجْتِهَادٍ وَكَوْنِهِ أَصْلًا بِاعْتِبَارِ النَّصِّ، فَإِذَا لَمْ يَرِدْ النَّصُّ فِي أَرْشِ مِفْصَلٍ وَلَا مِفْصَلَيْنِ اعْتَبَرْنَا فِيهِ الْأَكْثَرَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ أَرْشَهُ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ كَالنَّصِّ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الْكَفِّ أُصْبُعٌ وَلَا بَعْضُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لَا يَبْلُغُ بِهَا أَرْشَ أُصْبُعٍ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ التَّبَعِ لَا تَبْلُغُ قِيمَةَ الْمَتْبُوعِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْكَفِّ ثَلَاثُ أَصَابِعَ يَجِبُ أَرْشُ الْأَصَابِعِ وَلَا يَجِبُ فِي الْكَفِّ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْأَصَابِعَ أَصْلٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَاسْتَتْبَعَتْ الْكَفَّ كَمَا إذَا كَانَتْ كُلُّهَا قَائِمَةً
. قَالَ رحمه الله (وَفِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَعَيْنِ الصَّبِيِّ وَذَكَرِهِ وَلِسَانِهِ إنْ لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ بِنَظَرٍ وَحَرَكَةٍ وَكِلَامٍ حُكُومَةُ عَدْلٍ)، أَمَّا الْأُصْبُعُ الزَّائِدَةُ فَلِأَنَّهَا جُزْءُ الْآدَمِيِّ فَيَجِبُ الْأَرْشُ فِيهَا تَشْرِيفًا لِلْآدَمِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَفْعٌ وَلَا زِينَةٌ كَمَا فِي السِّنِّ الزَّائِدَةِ وَلَا يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَ لِلْقَاطِعِ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَلَمْ يُعْلَمْ تَسَاوِيهِمَا إلَّا بِالظَّنِّ فَصَارَ كَالْعَبْدِ يَقْطَعُ طَرَفَ الْعَبْدِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ وَجَبَ أَرْشُهَا، وَلَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فِي الشَّرْعِ فَيَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ بِخِلَافِ لِحْيَةِ الْكَوْسَجِ حَيْثُ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ لَا يَبْقَى فِيهَا أَثَرُ الْحَلْقِ فَلَا يَلْحَقُهُ الشَّيْنُ بِالْحَلْقِ، بَلْ بِبَقَاءِ الشُّعَيْرَاتِ يَلْحَقُهُ ذَلِكَ، فَيَكُونُ نَظِيرَ مَنْ قَلَّمَ ظُفْرَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَفِي قَطْعِ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ يَبْقَى أَثَرُهُ فَيَشِينُهُ ذَلِكَ فَيَجِبُ الْأَرْشُ، وَأَمَّا عَيْنُ الصَّبِيِّ وَذَكَرُهُ وَلِسَانُهُ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَنْفَعَةُ، فَإِذَا لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهَا لَا يَجِبُ أَرْشُهَا كَامِلًا بِالشَّكِّ بِخِلَافِ الْمَارِنِ وَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا الْجَمَالُ، وَقَدْ فَوَّتَهُ عَلَى الْكَمَالِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ صَوْتٍ وَمَعْرِفَةُ الصِّحَّةِ فِيهِ بِالْكَلَامِ وَفِي الذَّكَرِ بِالْحَرَكَةِ وَفِي الْعَيْنِ بِمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ بِنَظَرٍ وَحَرَكَةٍ وَكَلَامٍ، فَيَكُونُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ صِحَّةِ ذَلِكَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْبَالِغِ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْجَانِي وَإِنْ أَنْكَرَ وَلَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي، وَكَذَا إذَا قَالَ لَا أَعْرِفُ صِحَّتَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَرْشُ كَامِلًا إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً كَيْفَمَا كَانَ إلَّا إذَا عُرِفَتْ أَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الصِّحَّةُ فَأَشْبَهَ الْأُذُنَ وَالْمَارِنَ قُلْنَا الظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَإِنَّمَا يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ وَحَاجَتُنَا إلَى الِاسْتِحْقَاقِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَبَيْنَ الْأُذُنِ وَالْأَنْفِ وَفِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَيْفًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلَنَا أَنَّ الْمَنْفَعَةَ وَهُوَ الْإِيلَاجُ وَالْإِنْزَالُ وَالْإِحْبَالُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ مِنْ هَذَا الْعُضْوِ، فَإِذَا عَدِمَتْ لَا يَجِبُ فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ بِلَا ضَوْءٍ وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَالرِّجْلِ الشَّلَّاءِ
. قَالَ رحمه الله (شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ)؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الْعَقْلِ يُبْطِلُ مَنْفَعَةَ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ إذْ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا بِدُونِهِ فَصَارَ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ كَالنَّفْسِ فَيَدْخُلُ أَرْشُهَا كَمَا فِي النَّفْسِ وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ نَبَتَ يَسْقُطُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ بِفَوَاتِ كُلِّ الشَّعْرِ، وَقَدْ تَعَلَّقَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ فَوَاتُ الشَّعْرِ فَيَدْخُلُ الْجُزْءُ فِي الْجُمْلَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ فَشُلَّتْ يَدُهُ كُلُّهَا فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجِنَايَةَ مَتَى وَقَعَتْ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ فَأَتْلَفَتْ شَيْئَيْنِ وَأَرْشُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ دَخَلَ الْأَقَلُّ فِيهِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عُضْوَيْنِ لَا يَدْخُلُ وَيَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْشُهُ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِسُقُوطِ الْقِصَاصِ بِهِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ لِلْأَوَّلِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ عَمْدًا وَأَمْكَنَ الِاسْتِيفَاءُ وَإِلَّا فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْأَعْضَاءِ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنَايَةٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا
. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ كَلَامُهُ لَا) أَيْ لَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِهَا لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي أَرْشِ أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي دِيَةِ السَّمْعِ وَالْكَلَامِ وَلَا يَدْخُلُ فِي دِيَةِ الْبَصَرِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فَلَا يَلْحَقُ بِالْعَقْلِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ، وَأَمَّا السَّمْعُ وَالْكَلَامُ فَلِأَنَّهُمَا مَبْطَنَانِ فَيَلْحَقَانِ بِالْعَقْلِ فَيَدْخُلُ فِيهِمَا أَرْشُ الْمُوضِحَةِ كَمَا يَدْخُلُ فِي أَرْشِ الْعَقْلِ وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَنَافِعِ أَصْلٌ بِنَفْسِهَا فَيَتَعَدَّدُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ بِتَعَدُّدِهَا وَلَا يَدْخُلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِتَعَدُّدِ أَثَرِ الْفِعْلِ لَا لِاتِّحَادِ الْفِعْلِ بِخِلَافِ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ تَعُودُ إلَى كُلِّ الْأَعْضَاءِ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِالْأَعْضَاءِ بِدُونِهِ فَصَارَ كَالنَّفْسِ أَوْ نَقُولُ ذَهَابُ الْعَقْلِ فِي مَعْنَى تَبْدِيلِ النَّفْسِ وَإِلْحَاقِهِ بِالْبَهَائِمِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ وَلَا كَذَلِكَ سَائِرُ الْأَعْضَاءِ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ لَهُ مَوْضِعٌ يُشَارُ إلَيْهِ فَصَارَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا شَجَّ رَجُلًا فَذَهَبَ مِنْ ذَلِكَ بَصَرُهُ أَوْ سَمْعُهُ أَوْ كَلَامُهُ أَوْ شَعْرُهُ فَلَمْ يَنْبُتْ أَوْ عَقْلُهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي ذَهَابِ شَعْرِهِ وَعَقْلِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْمُوضِحَةِ يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ وَيَكُونُ فِي السَّمْعِ أَوْ الْبَصَرِ أَوْ الْكَلَامِ أَيُّهَا ذَهَبَ بِالشَّجَّةِ أَرْشُ الشَّجَّةِ وَالدِّيَةُ، وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْأُولَى رَوَى ذَلِكَ فِي الْإِمْلَاءِ عَنْهُ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ وَرَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَنَّ الشَّجَّةَ تَدْخُلُ فِي دِيَةِ السَّمْعِ، وَقَالَ فِي الْجَوَامِعِ تَدْخُلُ فِي السَّمْعِ وَالْكَلَامِ وَلَا تَدْخُلُ فِي الْبَصَرِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْبَصَرَ ظَاهِرٌ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ لَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَرْشُ الشَّجَّةِ إلَّا فِي الشَّعْرِ خَاصَّةً، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الشَّجَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَعْرٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ رحمه الله. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَعَلَّقَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ) وَهُوَ الْجِنَايَةُ عَلَى الرَّأْسِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ) كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ اهـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْقُدُورِيُّ، وَهَذَا الْفَرْقُ الَّذِي قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ يَبْطُلُ بِالشَّعْرِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ لِمَ أَوْجَبْتُمْ بِالسَّمْعِ دِيَةً وَبِالْبَصَرِ دِيَةً وَبِالْكَلَامِ دِيَةً، وَلَوْ أَدَّتْ الشَّجَّةُ إلَى الْمَوْتِ لَمْ يَجِبْ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْمَوْتُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ قِيلَ الْمَوْتُ فَوَاتُ الْجُمْلَةِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَبَعٌ لِلْجُمْلَةِ فَيَدْخُلُ التَّبَعُ فِي الْمَتْبُوعِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَمُتْ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي غَيْرُ تَابِعٍ لِلْآخَرِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي أَرْشِهِ قَالَ الْقُدُورِيُّ مِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ إذْهَابُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ قِيلَ لَهُ يُعْرَفُ ذَلِكَ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي وَتَصْدِيقِهِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ مَرَّ فِي أَوَّلِ فَصْلٍ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ اهـ أَتْقَانِيٌّ
كَالرُّوحِ لِلْجَسَدِ، وَقَالَ الْحَسَنُ رحمه الله أَرْشُ الْمُوضِحَةِ لَا يَدْخُلُ فِي دِيَةِ الْعَقْلِ أَيْضًا لِاخْتِلَافِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ مَحَلَّ الْعَقْلِ غَيْرُ مَحَلِّ الْمُوضِحَةِ بِخِلَافِ الْمُوضِحَةِ مَعَ الشَّعْرِ لِاتِّحَادِ سَبَبِهِمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا
. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ أَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ أُخْرَى أَوْ قَطَعَ الْمِفْصَلَ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ أَوْ كُلُّ الْيَدِ أَوْ كَسَرَ نِصْفَ سِنَّةٍ فَاسْوَدَّ مَا بَقِيَ فَلَا قَوَدَ)، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله مُطْلَقًا، وَقَالَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْمُوضِحَةِ وَالدِّيَةُ فِي الْعَيْنِ فِيمَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ، وَكَذَا إذَا قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ أُخْرَى بِجَنْبِهَا يُقْتَصُّ لِلْأُولَى وَيَجِبُ الْأَرْشُ لِلْأُخْرَى، وَعِنْدَهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فِي الْعُضْوَيْنِ يَجِبُ أَرْشُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا وَإِنْ كَانَ عُضْوًا وَاحِدًا بِأَنْ قَطَعَ الْأُصْبُعَ مِنْ الْمِفْصَلِ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ مِنْهَا يُكْتَفَى بِأَرْشٍ وَاحِدٍ إنْ لَمْ يَنْتَفِعُ بِمَا بَقِيَ وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ يَجِبُ دِيَةُ الْمَقْطُوعِ وَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الْبَاقِي بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا إذَا كَسَرَ نِصْفَ السِّنِّ وَاسْوَدَّ مَا بَقِيَ أَوْ اصْفَرَّ أَوْ احْمَرَّ تَجِبُ دِيَةُ السِّنِّ كُلِّهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ قَالَ أَقْطَعُ الْمِفْصَلَ الْأَعْلَى وَأَتْرُكُ مَا يَبِسَ أَوْ أَكْسِرُ الْقَدْرَ الْمَكْسُورَ مِنْ السِّنِّ وَأَتْرُكُ الْبَاقِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي نَفْسِهِ مَا وَقَعَ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ فَصَارَ كَمَا إذَا شَجَّهُ مُنَقِّلَةً فَقَالَ أَشُجُّهُ مُوضِحَةً وَأَتْرُكُ الْبَاقِيَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْفِعْلَ الْوَاحِدَ إذَا أَوْجَبَ مَالًا فِي الْبَعْضِ سَقَطَ الْقِصَاصُ سَوَاءٌ كَانَا عُضْوَيْنِ أَوْ عُضْوًا وَاحِدًا، وَعِنْدَهُمَا فِي الْعُضْوَيْنِ يَجِبُ الْقِصَاصُ مَعَ وُجُوبِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ عُضْوًا وَاحِدًا لَا يَجِبُ لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْفِعْلَ فِي مَحَلَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَيَكُونُ جِنَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ أَثَرِهِ فَصَارَ كَجِنَايَتَيْنِ مُبْتَدَأَتَيْنِ وَالشُّبْهَةُ فِي إحْدَاهُمَا لَا يَتَعَدَّى إلَى الْأُخْرَى كَمَنْ رَمَى إلَى رَجُلٍ فَأَصَابَهُ وَنَفَذَ السَّهْمُ إلَى غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ فَيَجِبُ الْقَوَدُ فِي الْأَوَّلِ وَالدِّيَةُ فِي الثَّانِي وَكَمَنْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَاضْطَرَبَ السِّكِّينُ فَأَصَابَ أُصْبُعًا أُخْرَى خَطَأً فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ كَسْرِ نِصْفِ السِّنِّ إذَا اسْوَدَّ مَا بَقِيَ مِنْهَا أَوْ قَطَعَ الْأُصْبُعَ مِنْ الْمِفْصَلِ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ مِنْهَا أَوْ شُلَّتْ الْيَدُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَفِعْلَيْنِ مُبْتَدَأَيْنِ لِاتِّحَادِ الْفِعْلِ وَالْمَحَلِّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه أَنَّ الْجَزَاءَ بِالْمِثْلِ، وَالْجُرْحُ الْأَوَّلُ سَارَ، وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ السَّارِي فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَيَجِبُ الْمَالُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ سِرَايَةٌ أَنَّ فِعْلَهُ أَثَرٌ فِي نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَالسِّرَايَةُ عِبَارَةٌ عَنْ آلَامٍ تَتَعَاقَبُ مِنْ الْجِنَايَةِ عَلَى الْبَدَنِ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْهَا كَمَا يَتَحَقَّقُ فِي الطَّرَفِ مَعَ النَّفْسِ بِأَنْ مَاتَ مِنْ الْجِنَايَةِ بِخِلَافِ نَفْسَيْنِ فَإِنَّ الْفِعْلَ فِي النَّفْسِ الثَّانِيَةِ مُبَاشَرَةٌ عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ بِسِرَايَةِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى إذْ لَا يُتَصَوَّرُ السِّرَايَةُ مِنْ نَفْسٍ إلَى نَفْسٍ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ فِعْلٍ عَلَى حِدَةٍ وَفِي النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ نَجْعَلَهُ كَفِعْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ وَاحِدٌ حَقِيقَةً وَالسِّرَايَةُ فِيهَا مُتَصَوَّرٌ فَأَوْرَثَتْ نِهَايَتُهُ شُبْهَةَ الْخَطَأِ فِي الْبِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ إذَا صَارَ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ بِعَاقِبَتِهِ أَثَرُ ذَلِكَ فِي بِدَايَتِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا اضْطَرَبَ السِّكِّينُ فَقَطَعَ أُصْبُعًا أُخْرَى حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي الْأُخْرَى لَيْسَ بِالْفِعْلِ الْأَوَّلِ وَلَا بِأَثَرِهِ، بَلْ بِفِعْلٍ آخَرَ مَقْصُودٍ فَيُفْرَدُ بِحُكْمِهِ أَوْ نَقُولُ إنَّ ذَهَابَ الْبَصَرِ وَنَحْوِهِ حَصَلَ بِطَرِيقِ التَّسْبِيبِ فَإِنَّ الْفِعْلَ الْأَوَّلَ بَاقٍ عَلَى اسْمِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَالْأَصْلُ فِي سِرَايَةِ الْأَفْعَالِ أَنْ لَا يَبْقَى الْأَوَّلُ بَعْدَ مَا حَدَثَتْ السِّرَايَةُ كَالْقَطْعِ إذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ صَارَ قَتْلًا فَلَمْ يَبْقَ قَطْعًا وَهَا هُنَا الشَّجَّةُ أَوْ الْقَطْعُ لَمْ يَنْعَدِمْ بِذَهَابِ الْبَصَرِ وَنَحْوِهِ فَكَانَ الْفِعْلُ الْأَوَّلُ تَسْبِيبًا إلَى فَوَاتِ الْبَصَرِ وَنَحْوِهِ بِمَنْزِلَةِ حَفْرِ الْبِئْرِ وَالتَّسْبِيبُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ مَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَ بَصَرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِمَا. رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ سِرَايَةَ الْفِعْلِ تُنْسَبُ إلَى الْفِعْلِ شَرْعًا حَتَّى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُوضِحَةِ مَعَ الشَّعْرِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّعْرُ وَالْمُوضِحَةُ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ فَوَاتُ الْجَمَالِ بِسَبَبِ الشَّعْرِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ) لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ الشَّجَّةِ وَدِيَةُ الْعَيْنَيْنِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ دِيَةُ الْعَيْنَيْنِ وَالْقِصَاصُ فِي الْمُوضِحَةِ، أَمَّا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ هَذِهِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى إنْسَانٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ صَارَ بَعْضُ تِلْكَ الْجِنَايَةِ مَالًا؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَنَّ فِي الْعَيْنَيْنِ يَجِبُ الْأَرْشُ فَإِذَا صَارَ بَعْضُ الْجِنَايَةِ مَالًا صَارَ كُلُّهُ مَالًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَشُلَّ مَا بَقِيَ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَتَجِبُ دِيَةُ الْيَدِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَأَمَّا مَذْهَبُهُمَا فَلِأَنَّ هَذِهِ جِنَايَتَانِ فِي مَكَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَلَا مَدْخَلَ لِأَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ مَآلًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَلَا قَوَدَ) أَيْ فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأُولَى مِنْ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَع مَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ، الثَّانِيَةُ مَا إذَا قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ أُخْرَى، الثَّالِثَةُ مَا إذَا قَطَعَ الْمِفْصَلَ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ أَوْ كُلُّ الْيَدِ، الرَّابِعَةُ مَا إذَا كَسَرَ نِصْفَ سِنَّةٍ فَاسْوَدَّ مَا بَقِيَ فَالثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ لَا خِلَافَ فِيهِمَا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَالْأُولَى وَالثَّانِيَةُ خِلَافِيَّتَانِ، وَقَدْ مَشَى الْمُصَنِّفُ فِيهِمَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ اهـ قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ وَلَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَجِبُ أَرْشُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا) فَيَجِبُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ وَدِيَةُ الْعَيْنَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَيَجِبُ دِيَةُ الْأُصْبُعَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَزَاءَ) أَيْ الْجَزَاءَ مُقَيَّدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالتَّسْبِيبُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ سَمِعْت مُحَمَّدًا اقَالَ فِي رَجُلٍ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً عَمْدًا بِحَدِيدَةٍ أَوْ عَصًا فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ بِذَلِكَ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ، وَقَدْ ذَهَبَ الضَّوْءُ قَالَ اُقْتُصَّ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ هَذَا عَمْدٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ اهـ أَتْقَانِيٌّ
يُجْعَلَ الْفَاعِلُ مُبَاشِرًا لِلسِّرَايَةِ فَيُؤْخَذُ بِهِ كَمَا لَوْ سَرَى إلَى النَّفْسِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَيُعْتَبَرُ قَتْلًا بِطَرِيقِ الْمُبَاشَرَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ بِجَنْبِهَا أُخْرَى أَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَ بِهَا سَمْعُهُ أَوْ كَلَامُهُ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الشَّلَّاءِ وَالسَّمْعِ وَالْكَلَامِ وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي الْمَقْطُوعَةِ وَالْمُوضِحَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الشَّلَلِ وَالسَّمْعِ وَالْكَلَامِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَفِي الْبَصَرِ يَجِبُ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَذْهَبَهُ وَحْدَهُ بِفِعْلٍ مَقْصُودٍ مِنْهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْبَصَرِ دُونَ الشَّلَلِ وَالسَّمْعِ وَالْكَلَامِ فَافْتَرَقَا، وَلَوْ كَسَرَ بَعْضَ السِّنِّ فَسَقَطَتْ فَفِيهَا الْقِصَاصُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ لَا قِصَاصَ فِيهَا، وَلَوْ شَجَّهُ فَأَوْضَحَهُ، ثُمَّ شَجَّهُ أُخْرَى فَأَوْضَحَهُ فَتَأَكَّلَتَا حَتَّى صَارَتَا شَيْئًا وَاحِدًا فَلَا قِصَاصَ فِيهَا فِي الْمَشْهُورِ وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله يَجِبُ الْقِصَاصُ وَالْوَجْهُ فِيهِمَا مَا بَيَّنَّاهُ
. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ قَلَعَ سِنَّةً فَنَبَتَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى سَقَطَ الْأَرْشُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه، وَقَالَا عَلَيْهِ الْأَرْشُ كَامِلًا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَقَعَتْ مُوجِبَةً لَهُ وَاَلَّذِي نَبَتَ نِعْمَةً مُبْتَدَأَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ فَحَصَلَ لِلْمُتْلَفِ عَلَيْهِ مَالٌ آخَرُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه أَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ زَالَتْ مَعْنًى وَلِهَذَا لَوْ قَلَعَ سِنَّ صَبِيٍّ فَنَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُوجِبَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَلَمْ يَفْسُدْ حَيْثُ نَبَتَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى فَلَمْ تَفُتْ الْمَنْفَعَةُ بِهِ وَلَا الزِّينَةُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رضي الله عنه أَنَّهُ يَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِوُجُودِ الْأَلَمِ الْحَاصِلِ هَذَا إذَا نَبَتَتْ مِثْلُ الْأُولَى وَإِنْ نَبَتَتْ مُعْوَجَّةً فَعَلَيْهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه، وَلَوْ نَبَتَتْ إلَى النِّصْفِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْأَرْشِ، وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ غَيْرِهِ فَرَدَّهَا صَاحِبُهَا مَكَانَهَا وَنَبَتَ عَلَيْهَا اللَّحْمُ فَعَلَى الْقَالِعِ كَمَالُ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ إذْ الْعُرُوقُ لَا تَعُودُ وَفِي النِّهَايَةِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله هَذَا إذَا لَمْ تَعُدْ إلَى حَالِهَا الْأُولَى بَعْدَ النَّبَاتِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْجَمَالِ، وَأَمَّا إذَا عَادَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَبَتَتْ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ أُذُنَهُ فَأَلْصَقَهَا فَالْتَحَمَتْ يَجِبُ عَلَى الْقَاطِعِ أَرْشُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ
. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أُقِيدَ فَنَبَتَتْ سِنُّ الْأَوَّلِ يَجِبُ) مَعْنَاهُ إذَا قَلَعَ رَجُلٌ سِنَّ رَجُلٍ فَأُقِيدَ أَيْ اُقْتُصَّ مِنْ الْقَالِعِ، ثُمَّ نَبَتَتْ سِنُّ الْأَوَّلِ الْمُقْتَصِّ لَهُ يَجِبُ عَلَى الْمُقْتَصِّ لَهُ أَرْشُ سِنِّ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَلَمْ يَفْسُدْ حَيْثُ نَبَتَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى فَانْعَدَمَتْ الْجَنَابَةُ وَلِهَذَا يُسْتَأْنَى حَوْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَظِرَ الْيَأْسَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْقِصَاصِ خَوْفًا مِنْ مِثْلِهِ إلَّا أَنَّ اعْتِبَارَ ذَلِكَ تَضْيِيعُ الْحُقُوقِ فَاكْتَفَيْنَا بِالْحَوْلِ؛ لِأَنَّهُ يَنْبُتُ فِيهِ ظَاهِرًا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْفَسَادِ، فَإِذَا مَضَى الْحَوْلُ وَلَمْ تَنْبُتْ قَضَيْنَا بِالْقِصَاصِ، ثُمَّ إذَا نَبَتَ تَبَيَّنَ أَنَّا أَخْطَأْنَا فِيهِ وَكَانَ الِاسْتِيفَاءُ بِغَيْرِ حَقٍّ غَيْرَ أَنَّهُ سَقَطَ الْقِصَاص لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْمَالُ وَفِي النِّهَايَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسْتَأْنَى فِي سِنِّ الْبَالِغِ حَتَّى يَبْرَأَ؛ لِأَنَّ نَبَاتَهُ نَادِرٌ وَلَا يُفِيدُ تَأْجِيلُهُ إلَى سَنَةٍ فَيُؤَخَّرُ إلَى الْبُرْءِ لِيُعْلَمَ عَاقِبَتُهُ وَعَزَاهُ إلَى التَّتِمَّةِ، وَلَوْ ضَرَبَ سِنَّ إنْسَانٍ فَتَحَرَّكَتْ يُسْتَأْتَى حَوْلًا لِيَظْهَرَ أَثَرُ فِعْلِهِ، وَلَوْ سَقَطَ سِنُّهُ وَاخْتَلَفَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَالْقَوْلُ لِلْمَضْرُوبِ لِيُفِيدَ التَّأْجِيلَ بِخِلَافِ مَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً، ثُمَّ جَاءَ، وَقَدْ صَارَتْ مُنَقِّلَةً حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلضَّارِبِ؛ لِأَنَّ الْمُوضِحَةَ لَا تُورِثُ الْمُنَقِّلَةَ وَالتَّحْرِيكُ يُورِثُ السُّقُوطَ لَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْحَوْلِ كَانَ الْقَوْلُ لِلضَّارِبِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ الَّذِي ضُرِبَ لِلتَّبْيِينِ، وَلَوْ لَمْ تَسْقُطْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الضَّارِبِ، وَلَوْ اسْوَدَّتْ بِالضَّرْبِ أَوْ احْمَرَّتْ أَوْ اخْضَرَّتْ يَجِبُ الْأَرْشُ كُلُّهُ لِزَوَالِ الْجَمَالِ وَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ لِتَعَذُّرِ الْإِمْكَانِ، وَكَذَا إذَا كَسَرَ بَعْضَهُ وَاسْوَدَّ الْبَاقِي أَوْ احْمَرَّ أَوْ اخْضَرَّ يَجِبُ فِيهِ الْأَرْشُ كَامِلًا وَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ لِمَا قُلْنَا فَأَوْجَبَ فِي الِاسْوِدَادِ وَنَحْوِهِ كَمَالَ الْأَرْشِ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ سِنٍّ وَسِنٍّ وَقَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ الْأَضْرَاسِ الَّتِي لَا تُرَى وَبَيْنَ الْعَوَارِضِ الَّتِي تُرَى فَيَجِبُ فِي الْأَوَّلِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إنْ لَمْ يَفُتْ بِهِ مَنْفَعَةُ الْمَضْغِ وَإِنْ فَاتَ يَجِبُ الْأَرْشُ كُلُّهُ وَفِي الثَّانِي يَجِبُ الْأَرْشُ كُلُّهُ كَيْفَمَا كَانَ لِفَوَاتِ الْجَمَالِ وَإِنْ اصْفَرَّتْ يَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله يَجِبُ فِيهَا أَرْشُ السِّنِّ كَامِلًا؛ لِأَنَّ الصُّفْرَةَ تُؤَثِّرُ فِي تَفْوِيتِ الْجَمَالِ كَالسَّوَادِ وَلَنَا أَنَّ الصُّفْرَةَ لَا تُوجِبُ تَفْوِيتَ الْجَمَالِ وَلَا تَفْوِيتَ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّ الصُّفْرَةَ لَوْنُ السِّنِّ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ فِي بَعْضِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ إلَخْ)، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ غُصْنًا لِرَجُلٍ فَنَبَتَ مَكَانَهُ آخَرُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ، وَكَذَا لَوْ حَصَدَ زَرْعًا أَوْ بَقْلًا فَنَبَتَ مَكَانَهُ آخَرُ لَا يَبْرَأُ عَنْ ضَمَانِ الْمَحْصُودِ وَالْمَقْلُوعِ. اهـ. عِمَادِيٌّ فِي (32)
(قَوْلُهُ: وَلَوْ سَقَطَتْ سِنُّهُ وَاخْتَلَفَا قَبْلَ الْحَوْلِ) أَيْ فِيمَا سَقَطَ بِضَرْبِهِ أَيْ اخْتَلَفَا فِي سَبَبِ السُّقُوطِ قَالَ الضَّارِبُ سَقَطَتْ بِضَرْبَةِ غَيْرِي، وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، بَلْ بِضَرْبَتِك. اهـ. مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ: فَأَوْجَبَ) أَيْ مُحَمَّدٌ. اهـ.
النَّاسِ وَلَا كَذَلِكَ السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ وَالْخُضْرَةُ إلَّا أَنَّ كَمَالَ الْجَمَالِ فِي الْبَيَاضِ فَيَجِبُ فِي الصُّفْرَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنهما أَنَّ الصُّفْرَةَ فِي الْحُرِّ لَا تُوجِبُ شَيْئًا وَفِي الْعَبْدِ تُوجِبُ حُكُومَةَ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ الصُّفْرَةَ مِنْ أَلْوَانِ السِّنِّ وَالْمَقْصُودُ مِنْ السِّنِّ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَالصُّفْرَةُ لَا تُخِلُّ بِهِ غَيْرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمَمْلُوكِ الْمَالِيَّةُ وَهِيَ قَدْ تُنْتَقَصُ بِالصُّفْرَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي حُصُولِ الِاسْوِدَادِ بِضَرْبَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّارِبِ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الضَّرْبِ الِاسْوِدَادُ فَصَارَ إنْكَارُهُ لَهُ كَإِنْكَارِهِ أَصْلَ الْفِعْلِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَضْرُوبِ؛ لِأَنَّ مَا يَظْهَرُ عَقِيبَ فِعْلٍ مِنْ الْأَثَرِ يُحَالُ عَلَى الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الظَّاهِرُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الضَّارِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بِغَيْرِهِ
. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ شَجَّ رَجُلًا فَالْتَحَمَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ أَوْ ضَرَبَ فَجَرَحَ فَبَرَأَ وَذَهَبَ أَثَرُهُ فَلَا أَرْشَ)، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ وَهُوَ حُكُومَةُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ الشَّيْنَ الْمُوجِبَ إنْ زَالَ فَالْأَلَمُ الْحَاصِلُ لَمْ يَزُلْ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله عَلَيْهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَزِمَهُ بِفِعْلِهِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ وَأَعْطَاهُ لِلطَّبِيبِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَسَّرَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ بِأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَالْمُدَاوَاةِ فَعَلَى هَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه أَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ الشَّيْنُ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِفِعْلِهِ وَزَوَالُ مَنْفَعَتِهِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِزَوَالِ أَثَرِهِ وَالْمَنَافِعُ لَا تُتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ كَالْإِجَارَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَتَيْنِ أَوْ بِشَبَهِ الْعَقْدِ كَالْفَاسِدَةِ مِنْهُمَا وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْجَانِي فَلَا تَلْزَمُهُ الْغَرَامَةُ، وَكَذَا مُجَرَّدُ الْأَلَمِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِمُجَرَّدِ الْأَلَمِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ضَرَبَ إنْسَانًا ضَرْبًا مُؤْلِمًا مِنْ غَيْرِ جُرْحٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْشِ، وَكَذَا لَوْ شَتَمَهُ شَتْمًا يُؤْلِمُ قَلْبَهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا
. قَالَ رحمه الله (وَلَا قَوَدَ بِجَرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ قَدْ تَحَقَّقَ فَلَا يُؤَخَّرُ كَمَا فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «نَهَى أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ صَاحِبُهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ؛ وَلِأَنَّ الْجِرَاحَاتِ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَآلُهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَسْرِيَ إلَى النَّفْسِ فَيَظْهَرَ أَنَّهُ قُتِلَ فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ جُرْحٌ إلَّا بِالْبُرْءِ فَيَسْتَقِرُّ بِهِ
. قَالَ رحمه الله (وَكُلُّ عَمْدٍ سَقَطَ فِيهِ قَوَدُهُ لِشُبْهَةٍ كَقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا فَدِيَتُهُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَكَذَا مَا وَجَبَ صُلْحًا أَوْ اعْتِرَافًا أَوْ لَمْ يَكُنْ نِصْفَ الْعُشْرِ) أَيْ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا» ؛ وَلِأَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ عَنْ الْقَاتِلِ تَخْفِيفًا عَنْهُ وَذَلِكَ يَلِيقُ بِالْمُخْطِئِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ دُونَ الْمُتَعَمِّدِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ التَّغْلِيظَ وَاَلَّذِي وَجَبَ بِالصُّلْحِ إنَّمَا وَجَبَ بِعَقْدِهِ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا تَتَحَمَّلُ مَا وَجَبَ بِالْقَتْلِ، وَكَذَا مَا لَزِمَهُ بِالْإِقْرَارِ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ فَيَلْزَمُهُ دُونَهُمْ وَإِنَّمَا لَا تَتَحَمَّلُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْإِجْحَافِ وَالِاسْتِئْصَالِ بِالْجَانِي وَالتَّحْمِيلُ تَحَرُّزًا عَنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، ثُمَّ الْكُلُّ يَجِبُ مُؤَجَّلًا إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ إلَّا مَا وَجَبَ بِالصُّلْحِ فَإِنَّهُ يَجِبُ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ، فَيَكُونُ حَالًّا بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَمَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ فِي سَنَةٍ؛ لِأَنَّ دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَالثُّلُثُ وَمَا دُونَهُ يَجِبُ فِي سَنَةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله مَا وَجَبَ بِقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ يَجِبُ حَالًّا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ شَرْعًا إلَى بَدَلٍ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الْبَدَلُ حَالًّا كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ وَالتَّأْجِيلُ فِي دِيَةِ الْقَتْلِ خَطَأً ثَبَتَ شَرْعًا تَخْفِيفًا؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلَا كَذَلِكَ الْعَامِدُ فَلَا يَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ فَتَجِبُ حَالًا أَلَا تَرَى أَنَّ تَحْمِيلَ الْعَاقِلَةِ لَمَّا كَانَ تَخْفِيفًا عَنْهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ فَكَذَا هَذَا التَّخْفِيفُ؛ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ بَدَلُ الْمَقْتُولِ وَحَقُّهُ فِي نَفْسِهِ حَالٌّ فَكَذَا فِي الْبَدَلِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْجَبْرِ وَلَنَا أَنَّ هَذَا مَالٌ وَجَبَ بِنَفْسِ الْقَتْلِ، فَيَكُونُ مُؤَجَّلًا كَمَا إذَا وَجَبَ بِالْقَتْلِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ بِالِاعْتِرَافِ بِخِلَافِ مَا وَجَبَ بِالصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِالْعَقْدِ ابْتِدَاءً فَلَا يَتَأَجَّلُ إلَّا بِالشَّرْطِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُتْلَفَ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يُضْمَنُ بِالْمَالِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقِيمَةٍ لَهُ إذْ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَقِيمَةُ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنَّمَا عَرَفْنَا تَقَوُّمَهُ بِالْمَالِ بِالشَّرْعِ وَالشَّرْعُ إنَّمَا قَوَّمَهُ بِدِيَةٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ وَإِيجَابُ الْمَالِ حَالًّا زِيَادَةٌ عَلَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .