الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا مِنْ بَابِ الِاسْتِعْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ امْرَأَةً فَيَضْمَنُ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَلْبَسْنَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الِاسْتِعْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ، وَكَذَا الطَّيْلَسَانُ إنْ لَبِسَهُ مُعْتَادًا ضَمِنَ، وَإِنْ وَضَعَهُ عَلَى عَاتِقِهِ لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ رَهَنَهُ سَيْفَيْنِ فَتَقَلَّدَهُمَا ضَمِنَ وَفِي الثَّلَاثَةِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ الشُّجْعَانِ بِتَقَلُّدِ السَّيْفَيْنِ فِي الْحَرْبِ دُونَ الثَّلَاثَةِ، وَلَوْ رَهَنَهُ خَاتَمَيْنِ فَلَبِسَ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَجَمَّلُ بِلُبْسِ خَاتَمَيْنِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ حَافِظٌ.
قَالَ رحمه الله (وَأُجْرَةُ بَيْتٍ حَفِظَهُ وَحَافِظُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَأُجْرَةُ رَاعِيهِ وَنَفَقَةُ الرَّهْنِ وَالْخَرَاجِ عَلَى الرَّاهِنِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ الرَّهْنِ بِنَفْسِهِ وَتَبْقِيَتِهِ فَهُوَ عَلَى الرَّاهِنِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ وَكَذَا مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فَيَكُونُ أَصْلًا وَمُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ لَمَّا أَنَّهُ مُؤْنَةُ مِلْكِهِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ وَذَلِكَ مِثْلُ النَّفَقَةِ مِنْ مَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ وَأُجْرَةُ الرَّاعِي مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَفَ الْبَهَائِمَ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ كُسْوَةُ الرَّقِيقِ وَأُجْرَةُ ظِئْرِ وَلَدِ الرَّهْنِ وَكَرْيُ النَّهْرِ وَسَقْيُ الْبُسْتَانِ وَتَلْقِيحُ نَخِيلِهِ وَجُذَاذُهُ وَالْقِيَامُ بِمَصَالِحِهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ لِحِفْظِهِ أَوْ لِرَدِّهِ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ لِرَدِّ جُزْءٍ مِنْهُ كَمُدَاوَاةِ الْجُرْحِ فَهُوَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مِثْلُ أُجْرَةِ الْحَافِظِ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ حَقٌّ لَهُ وَالْحِفْظَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْبَيْتِ الَّذِي يَحْفَظُ فِيهِ الرَّهْنَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّ أُجْرَةَ الْمَأْوَى عَلَى الرَّاهِنِ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ سَعَى فِي تَبْقِيَتِهِ وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ جَعْلُ الْآبِقِ إذَا كَانَ كُلَّهُ مَضْمُونًا؛ لِأَنَّ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ كَانَتْ ثَابِتَةً عَلَى الْمَحَلِّ وَيَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِيَرُدَّهُ عَلَى الْمَالِكِ فَكَانَتْ مِنْ مُؤْنَةِ الرَّدِّ فَتَكُونُ عَلَيْهِ
وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَمَانَةً فَيُقَدَّرُ الْمَضْمُونُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَحِصَّةُ الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لِإِعَادَةِ الْيَدِ وَيَدُهُ فِي الزِّيَادَةِ يَدُ الْمَالِكِ إذْ هُوَ كَالْمُودَعِ فِيهَا فَتَكُونُ عَلَى الْمَالِكِ بِخِلَافِ أُجْرَةِ الْبَيْتِ الَّذِي يَحْفَظُ فِيهِ الرَّهْنَ فَإِنَّ كُلَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِأَجْلِ الْحَبْسِ وَحَقُّ الْحَبْسِ ثَابِتٌ لَهُ فِي الْكُلِّ، وَأَمَّا الْجُعْلُ فَلِأَجْلِ الضَّمَانِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَالْمُدَاوَاةُ وَالْفِدَاءُ مِنْ الْجِنَايَةِ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةُ، وَالْخَرَاجُ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْمَالِكِ وَالْعُشْرَ فِيمَا يَخْرُجُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِهِ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَا يُنَافِي مِلْكَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْخَارِجَ كُلَّهُ فِي غَيْرِ الرَّهْنِ قَبْلَ أَدَاءِ الْعُشْرِ يَجُوزُ فَكَذَا لَهُ أَنْ يُخْرِجَ بَدَلَ الْعُشْرِ مِنْ مَالٍ آخَرَ، وَإِذَا كَانَ مِلْكُهُ ثَابِتًا فِيهِ بَقِيَ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ الرَّهْنِ حَيْثُ يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَدْرَ الْمُسْتَحَقِّ فَكَانَ الرَّهْنُ شَائِعًا مِنْ الِابْتِدَاءِ
وَتَبَيَّنَ أَنَّ الرَّهْنَ كَانَ بَاطِلًا وَلَا كَذَلِكَ وُجُوبُ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَا يُنَافِي مِلْكَ الرَّاهِنِ لَا فِيهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ ثُمَّ إذَا خَرَجَ مِنْهُ الْعُشْرَ خَرَجَ ذَلِكَ الْجُزْءُ عَنْ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ يُوجِبْ شُيُوعًا فِي الْبَاقِي لَا طَارِئًا وَلَا مُقَارِنًا وَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْآخَرِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ كَمَا إذَا قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَجَعَلَهُ دَيْنًا عَلَى الْآخَرِ رَجَعَ عَلَيْهِ وَبِمُجَرَّدِ أَمْرِ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِجَعْلِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ كَمَا فِي اللُّقَطَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَيَأْمُرُ صَاحِبَهُ بِذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله يَرْجِعُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلِي عَلَى الْحَاضِرِ وَلَا يَنْفُذُ أَمْرُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ أَمْرُهُ عَلَيْهِ لَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ حَجْرَهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله يَمْلِكُ فَيَنْفُذُ أَمْرُهُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
{بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ}
قَالَ رحمه الله (لَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ عِنْدَهُ اسْتِحْقَاقُ بَيْعِهِ وَتَعَيُّنُهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ، وَإِنْ وَضَعَهُ عَلَى عَاتِقِهِ لَا يَضْمَنُ) ثُمَّ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِيمَا يُعَدُّ حِفْظًا وَاسْتِعْمَالًا أَنْ لَا يَضْمَنَ ضَمَانَ الْغَصْبِ لَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ بِمَا هُوَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ كَالْخَاتَمِ إذَا جَعَلَهُ فِي إصْبَعٍ لَا يَتَخَتَّمُ بِهِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَكَالثَّوْبِ إذَا أَلْقَاهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ) أَيْ عَلَى الدَّيْنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ) أَيْ الْقِسْمِ الَّذِي يَجِبُ مُؤْنَتُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ اهـ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ كُلَّهُ مَضْمُونًا) أَيْ بِأَنْ كَانَ قِيمَةُ الرَّهْنِ وَالدَّيْنِ سَوَاءً اهـ.
[بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ]
{بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ} لَمَّا ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا مُقَدِّمَاتِ الرَّهْنِ شَرَعَ يُفَصِّلُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ بَعْدَ الْإِجْمَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمَشَاعِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَعِبَارَاتُ أَصْحَابِنَا فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ بَاطِلٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فَاسِدٌ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي اهـ وَقَالَ الْكَاكِيُّ رحمه الله ثُمَّ ذَكَرَ عَدَمَ جَوَازِ رَهْنِ الْمَشَاعِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ وَفِي الْمُغْنِي وَالذَّخِيرَةِ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ حَيْثُ قَالَ وَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ مَضْمُونٌ فِي الصَّحِيحِ وَفِي الرَّهْنِ الْبَاطِلِ لَا لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا، فَكَانَ كَالْبَيْعِ الْبَاطِلِ، وَالْفَاسِدُ يَنْعَقِدُ فَكَانَ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَشَرْطُ انْعِقَادِ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ مَالًا وَالْمُقَابَلُ بِهِ مَالًا مَضْمُونًا، فَإِذَا وُجِدَتْ شَرَائِطُ الْجَوَازِ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا، وَإِذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ جَوَازِهِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَالًا أَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُقَابِلُ
لَهُ وَالْمُشَاعُ يَقْبَلُ ذَلِكَ وَلَئِنْ كَانَ اسْتِيفَاءً فَالِاسْتِيفَاءُ الْحَقِيقِيُّ لَا يَمْتَنِعُ بِالشُّيُوعِ فَكَذَا الْحُكْمِيُّ وَلَنَا أَنَّ مُوجِبَهُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَاسْتِحْقَاقُ الْحَبْسِ الدَّائِمِ لِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ الِاسْتِيثَاقُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا شَرَطَ فِي النَّصِّ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا بِخِلَافِ حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهَا مِلْكُ الْعَيْنِ الْمُسْتَوْفَاةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ وَالْمِلْكَ يُتَصَوَّرُ فِي الْمُشَاعِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْحَبْسُ الدَّائِمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْمُهَايَأَةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ رَهَنَهُ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ مَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ حَيْثُ تَجُوزُ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهَا الْمِلْكُ، وَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ بِالشُّيُوعِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُهَا لُزُومُ غَرَامَةِ الْقِسْمَةِ وَذَلِكَ فِيمَا يُقْسَمُ لَا غَيْرُ وَلَا يَجُوزُ مِنْ شَرِيكِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ فِي الْمُشَاعِ لَا يُتَصَوَّرُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَأَمْسَكَهُ يَوْمًا بِحُكْمِ الرَّهْنِ وَيَوْمًا بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ رَهَنَهُ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ تَجُوزُ فِي الْمُشَاعِ مِنْ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ لَا الْحَبْسُ وَالشَّرِيكُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ ذَلِكَ فَيَجُوزُ بِخِلَافِ غَيْرِ الشَّرِيكِ وَالشُّيُوعُ الطَّارِئُ يَمْنَعُ بَقَاءَ الرَّهْنِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَقَاءِ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَأَشْبَهَ الْهِبَةَ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَفِي مِثْلِهِ يَسْتَوِي الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ لَا يَمْنَعُ حُكْمَهَا وَهُوَ الْمِلْكُ وَالْمَنْعُ فِي الِابْتِدَاءِ لِنَفْيِ الْغَرَامَةِ عَلَى مَا عُرِفَ وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِهِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَلِهَذَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي بَعْضِ الْمَوْهُوبِ وَلَا يَصِحُّ الْفَسْخُ فِي بَعْضِ الْمَرْهُونِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا الثَّمَرَةِ عَلَى النَّخْلِ دُونَهَا وَلَا زَرْعٍ فِي الْأَرْضِ دُونَهَا وَلَا نَخْلٍ فِي الْأَرْضِ دُونَهَا)؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي الرَّهْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا يُمْكِنُ قَبْضُ الْمُتَّصِلِ بِغَيْرِهِ وَحْدَهُ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْمُشَاعِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ رَهْنَ الْأَرْضِ بِدُونِ الشَّجَرِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ اسْمٌ لِلنَّابِتِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً لِلْأَشْجَارِ بِمَوَاضِعِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الدَّارَ دُونَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ اسْمٌ لِلْمَبْنَى فَتَكُونُ الْأَرْضُ جَمِيعُهَا رَهْنًا وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِمِلْكِ الرَّاهِنِ وَلَوْ رَهَنَ النَّخِيلَ بِمَوَاضِعِهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَ الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا مِنْ النَّخِيلِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَمُجَاوَرَةُ مَا لَيْسَ بِرَهْنٍ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَيَدْخُلُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ النَّخْلُ وَالثَّمَرُ عَلَى النَّخْلِ وَالزَّرْعُ وَالرُّطَبَةُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
مَضْمُونًا لَا يَكُونُ الرَّهْنُ مُنْعَقِدًا اهـ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ رَهْنَ الْمَشَاعِ بَاطِلٌ فِي مَسْأَلَةِ لَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهَا لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الرَّهْنَ وَقَعَ بَاطِلًا اهـ
وَذَكَرَ أَنَّ رَهْنَ الْمَشْغُولِ بَاطِلٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَنَا) أَيْ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا اهـ (قَوْلُهُ إنَّ مُوجِبَهُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ) وَالْمُرَادُ مِنْهُ اخْتِصَاصُ الْمُرْتَهِنِ بِالرَّهْنِ حَبْسًا إلَى أَنْ يَقْضِيَ الرَّاهِنُ دَيْنَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَشَاعِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ حَقِيقَةً إلَّا عَلَى جُزْءٍ مُعَيَّنٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ رَهَنَهُ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَكَأَنَّهُ قَالَ رَهَنْتُك يَوْمًا وَيَوْمًا لَا وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ، فَكَذَا هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ فِي الْمَشَاعِ لَا يُتَصَوَّرُ) هَذَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُ إلَخْ) هَذَا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَالشُّيُوعُ الطَّارِئُ يَمْنَعُ بَقَاءَ الرَّهْنِ) وَصُورَتُهَا أَنْ يُوَكِّلَ الرَّاهِنُ الْعَدْلَ بِبَيْعِ الرَّهْنِ كَيْفَ رَأَى مُجْتَمِعًا وَمُتَفَرِّقًا فَيَبِيعُ بَعْضَ الْعَيْنِ أَوْ يَرْهَنُ قَلْبًا فِيهِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا فِضَّةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَيَنْكَسِرُ فَيَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ نِصْفَ الْقَلْبِ، وَهِيَ حِصَّةُ الْمَضْمُونِ وَتَبْقَى حِصَّةُ الْأَمَانَةِ رَهْنًا فَيَقْطَعُ حَتَّى لَا يَكُونَ مَشَاعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فِي الذَّخِيرَةِ صُورَتُهُ أَنْ يَرْهَنَ جَمِيعَ الرَّهْنِ ثُمَّ تَفَاسَخَا الْعَقْدَ فِي النِّصْفِ وَرَدَّهُ الْمُرْتَهِنُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَأَشْبَهَ الْهِبَةَ) فَإِنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي مِثْلِهِ يَسْتَوِي الِابْتِدَاءُ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ مِنْ مُكَاتَبِهِ جَازَ وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِمَوْتِ الْأَبِ وَلَوْ تَزَوَّجَتْ مُكَاتَبَهَا ابْتِدَاءً لَا يَجُوزُ قُلْنَا إنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَكَذَا بِالْوِرَاثَةِ، وَإِذَا تَزَوَّجَتْ مُكَاتَبَهَا ابْتِدَاءً إنَّمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ لَهَا مِنْ وَجْهٍ وَنِكَاحُ الْمَمْلُوكِ مِنْ وَجْهٍ لَا يَجُوزُ اهـ مِعْرَاجٌ.
(قَوْلُهُ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْمَشَاعِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَكَذَا إذَا رَهَنَ الْأَرْضَ دُونَ النَّخِيلِ أَوْ دُونَ الزَّرْعِ أَوْ النَّخِيلَ دُونَ الثَّمَرِ؛ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَرْهُونَ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْضُ الْمَرْهُونِ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ اهـ (قَوْلُهُ فَتَكُونُ الْأَرْضُ جَمِيعُهَا رَهْنًا إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ ثَمَرَةٍ فِي نَخْلٍ وَلَا كَرْمٍ وَلَا شَجَرٍ حَتَّى يَحُوزَهُ وَيُسَلِّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَا رَهْنُ ذَلِكَ دُونَ ثَمَرَتِهِ وَلَا رَهْنُهَا دُونَ الْأَرْضِ وَلَا رَهْنُ نَخْلٍ وَلَا كَرْمٍ وَلَا شَجَرٍ فِي أَرْضٍ دُونَ الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ إنْ رَهَنَ زَرْعًا فِي أَرْضٍ دُونَ الْأَرْضِ أَوْ رَهَنَ الْأَرْضَ دُونَ الزَّرْعِ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْأَرْضِ دُونَ مَا فِيهَا مِنْ نَخْلٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ كَرْمٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ رحمه الله وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِغَيْرِهِ لَا يُمْكِنُ حَبْسُهُ دُونَهُ فَكَانَ فِي مَعْنَى رَهْنِ الْمُشَاعِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْقَبْضُ فِيهِ وَحْدَهُ فَكَذَا هَذَا لِهَذَا الْمَعْنَى اهـ
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا إذَا رَهَنَ الْأَرْضَ وَاسْتَثْنَى النَّخْلَ بِمَوَاضِعِهِ جَازَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ رَهَنَ مَا سِوَاهُ وَذَلِكَ بُقْعَةٌ مَحُوزَةٌ مُجَاوِرَةٌ لِمَكَانِ النَّخْلِ فَيَصِحُّ فِيهَا الرَّهْنُ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ اهـ (قَوْلُهُ، وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِمِلْكِ الرَّاهِنِ) أَيْ وَهُوَ الْبِنَاءُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمُجَاوَرَةُ مَا لَيْسَ بِرَهْنٍ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِنْ قَالَ رَهَنْتُك هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَأَطْلَقَ الْقَوْلَ إطْلَاقًا وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ دَخَلَ الْبِنَاءُ وَالنَّخْلُ وَالشَّجَرُ وَالْكَرْمُ الَّذِي فِي الْأَرْضِ فِي الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالرُّطَبَةُ فِي الرَّهْنِ وَلَا يُشْبِهُ الرَّهْنُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ بِعَقْدِ الرَّهْنِ، وَخَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ، وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ
وَالْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِاتِّصَالِهِ فَيَدْخُلُ تَبَعًا تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ سِوَى النَّخْلِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ بِدُونِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ جَائِزٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى إدْخَالِهَا فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَبِخِلَافِ الْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ فِيهَا حَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَابِعٍ بِوَجْهٍ مَا؛ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهَا بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا لَا يَدْخُلُ الْمَتَاعُ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَدْخُلُ وَكَذَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي رَهْنِ الدَّارِ وَالْقَرْيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ إنْ كَانَ الْبَاقِي يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ جَازَ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحَقُّ مَوْضِعًا مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّ رَهْنَهُ ابْتِدَاءً يَجُوزُ فَكَذَا بَقَاءً، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً الرَّهْنِ عَلَيْهِ بِأَنْ اسْتَحَقَّ جُزْءًا شَائِعًا أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الشَّائِعِ كَالثَّمَرِ وَنَحْوِهِ بَطَلَ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الرَّهْنَ وَقَعَ بَاطِلًا، وَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كَوْنُ الرَّاهِنِ أَوْ مَتَاعِهِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ حَتَّى إذَا رَهَنَ دَارِهِ، وَهُوَ فِيهَا وَقَالَ سَلَّمْتهَا إلَيْك لَا يَتِمُّ الرَّهْنُ حَتَّى يَقُولَ بَعْدَ مَا خَرَجَ مِنْ الدَّارِ سَلَّمْتهَا إلَيْك؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ فِيهَا وَقَعَ بَاطِلًا لِشَغْلِهَا بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ التَّسْلِيمِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا كَمَا إذَا سَلَّمَهَا وَمَتَاعُهُ فِيهَا وَيَمْنَعُ تَسْلِيمَ الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ الْحِمْلُ الَّذِي عَلَيْهَا فَلَا يَتِمُّ حَتَّى يُلْقِيَ الْحِمْلَ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الْحِمْلَ دُونَهَا حَيْثُ يَكُونُ رَهْنًا تَامًّا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ مَشْغُولَةٌ، فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَ مَتَاعًا فِي دَارٍ أَوْ وِعَاءً دُونَ الدَّارِ وَالْوِعَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ سَرْجًا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ لِجَامًا فِي رَأْسِهَا وَدَفَعَ الدَّابَّةَ مَعَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ حَيْثُ لَا يَكُونُ رَهْنًا حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْهَا ثُمَّ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ لِلنَّخِيلِ حَتَّى قَالُوا يَدْخُلُ فِي رَهْنِ الدَّابَّةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ.
قَالَ رحمه الله (وَالْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ)؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءُ مِنْ هَؤُلَاءِ مُتَعَذِّرٌ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ الْحُرِّيَّةَ فَصَارُوا كَالْحُرِّ قَالَ رحمه الله (وَلَا بِالْأَمَانَاتِ وَبِالدَّرَكِ وَالْمَبِيعِ) أَيْ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا بِالْأَمَانَاتِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَمَالِ الشَّرِكَةِ؛ فَلِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ بِمَا رَهَنَ بِهِ؛ لِكَوْنِهِ اسْتِيفَاءً لَا بِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمَانِ الْمَرْهُونِ بِهِ لِيَقَعَ الرَّهْنُ مَضْمُونًا بِهِ وَيُسْتَحَقُّ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ وَالْأَمَانَاتُ لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الرَّهْنِ لِتَعَيُّنِهَا حَالَ بَقَائِهَا وَعَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ بَعْدَ هَلَاكِهَا فَصَارَتْ كَالْعَبْدِ الْجَانِي وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالشُّفْعَةِ فَإِنَّ الرَّهْنَ بِهَا لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الضَّمَانِ فَإِنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمَوْلَى وَالشُّفْعَةُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ كَالْمَغْصُوبِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ حَيْثُ يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِيهَا مُتَقَرِّرٌ إذْ الْوَاجِبُ فِيهَا الْقِيمَةُ، وَالْعَيْنُ مُخَلِّصٌ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَوْ لِلْقِيمَةِ شُبْهَةُ الْوُجُوبِ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَعْضُ فَتَكُونُ رَهْنًا بِمَا تَقَرَّرَ وُجُوبُهُ أَوْ سَبَبُهُ، وَأَمَّا الدَّرَكُ فَلِأَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ وَلَا اسْتِيفَاءَ قَبْلَ الْوُجُوبِ لِأَنَّ مَعْنَى الدَّرَكِ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ فَمَا لَمْ يُسْتَحَقَّ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ وَكَذَا بَعْدَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَأَمَّا الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فَيَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ تَفْتَقِرْ صِحَّةُ الْبَيْعِ إلَى دُخُولِهِ فَلَأَنْ يَدْخُلَ فِي الرَّهْنِ وَصِحَّتُهُ تَقِفُ عَلَى دُخُولِهِ أَوْلَى فَأَمَّا الزَّرْعُ وَالرُّطَبَةُ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَتَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الثَّمَرَةِ أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَصِحُّ دُونَ ذَلِكَ وَدُخُولُهُ فِيهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ؛ فَلِذَلِكَ دَخَلَ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
(قَوْلُهُ سِوَى النَّخْلِ) يَعْنِي وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا مِمَّا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالْمَبِيعِ اتِّصَالَ قَرَارٍ كَالْبِنَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَتْنِ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ بِلَا ذِكْرٍ وَلَمَّا كَانَ حُكْمُ النَّخْلِ وَسَائِرِ الْأَشْجَارِ وَالْبِنَاءِ فِي الْبَيْعِ سَوَاءً لِلْمَعْنَى الْجَامِعِ فِيهَا، وَهُوَ الِاتِّصَالُ قَرَارًا اقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى اسْتِثْنَاءِ النَّخْلِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى آحَادِ الطَّلَبَةِ فَضْلًا عَنْ الشَّارِحِ رحمه الله فَلَا نَظَرَ فِي كَلَامِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ كَاتِبُهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ: فَإِنْ رَهَنَ الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا أَوْ الدَّارَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الرَّهْنِ نَظَرْت إلَى مَا بَقِيَ فَإِنْ كَانَ يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى الرَّهْنِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ الرَّهْنِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ بَطَلَ الرَّهْنُ كُلُّهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ رحمه الله يَعْنِي إنْ كَانَ الْبَاقِي مُفْرَزًا بَقِيَ الرَّهْنُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ شَائِعًا بَطَلَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي الْعَقْدِ فَصَارَ رَهْنًا لِمَا بَقِيَ
فَإِنْ كَانَ مُفْرَزًا جَازَ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الرَّهْنِ بَعْدَ صِحَّتِهِ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ وُرُودِ الِاسْتِحْقَاقِ بِمَحَلِّ أَنْ يَجُوزَ الرَّهْنُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، فَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِيهِ وَيَكُونُ الْبَاقِي مَحْبُوسًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ مَحْبُوسًا بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ إنْ قَسَمَ الدَّيْنَ عَلَى قِيمَتِهِ وَقِيمَةِ مَا اُسْتُحِقَّ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْبَاقِي يَهْلِكُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ لَا يَذْهَبُ جَمِيعُ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الْبَاقِيَ بِالدَّيْنِ ابْتِدَاءً وَفِيهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ وُرُودِ الِاسْتِحْقَاقِ مِمَّا لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ ابْتِدَاءً فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الرَّهْنُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كَوْنُ الرَّاهِنِ إلَخْ) وَكَذَا مَتَاعُهُ فِي الْوِعَاءِ الْمَرْهُونِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ سَلَّمْتهَا إلَيْك) فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ قَدْ قَبِلْت. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَلَا يَتِمُّ حَتَّى يُلْقِيَ الْحِمْلَ) أَيْ عَنْهَا وَيَدْفَعَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ)؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ بِمَشْغُولٍ بِغَيْرِهِ وَلَا تَابِعًا لَهُ فَصَارَ كَرَهْنِ مَتَاعٍ فِي دَارٍ إذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ حَتَّى قَالُوا) أَيْ قَالُوا رَهَنَهُ دَابَّةً عَلَيْهَا سَرْجٌ وَلِجَامٌ وَرَسَنٌ وَذَلِكَ لِلرَّاهِنِ دَخَلَ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهِ فَلَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالرَّهْنِ دُونَهَا اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَالِاسْتِيفَاءُ مِنْ هَؤُلَاءِ مُتَعَذَّرٌ) أَمَّا الْحُرُّ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ، وَأَمَّا الْبَاقُونَ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ سَبَبُهُ) أَيْ سَبَبُ وُجُوبِهِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ اهـ
الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى يُحْكَمَ بِرَدِّ الثَّمَنِ وَيُفْسَخَ الْبَيْعُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُجِيزَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِهِ حَيْثُ تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهَا الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ، وَالْتِزَامُ الْأَفْعَالِ مُعَلَّقًا أَوْ مُضَافًا إلَى الْمَالِ جَائِزٌ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ، فَإِنَّهُ اسْتِيفَاءٌ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا وَالتَّمْلِيكَاتُ بِأَسْرِهَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا وَلَا إضَافَتُهَا فَافْتَرَقَا، وَلَوْ قَبَضَ الرَّهْنَ بِالدَّرَكِ قَبْلَ الْوُجُوبِ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ لَا عَقْدَ حَيْثُ وَقَعَ بَاطِلًا بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ رَهَنْتُك هَذَا بِأَلْفٍ لِتُقْرِضَنِيهِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ حَيْثُ يَهْلِكُ بِمَا سُمِّيَ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَوْعُودَ جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ بَلْ جُعِلَ مَوْجُودًا اقْتِضَاءً؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ وَالِاسْتِيفَاءُ لَا يَسْبِقُ الْوُجُوبَ بَلْ يَتْلُوهُ فَلَا بُدَّ مِنْ سَبْقِ الْوُجُوبِ لِيَكُونَ الِاسْتِيفَاءُ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ الرَّهْنِ الَّذِي يَصِحُّ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُودِهِ فَيُعْطَى لَهُ حُكْمُهُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْأَقَلِّ مِمَّا سُمِّيَ وَمِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ إذَا سُمِّيَ قَدْرُ الْمَوْعُودِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ قَدْرَهُ بِأَنْ رَهَنَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا فَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ يُعْطِي الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ بِالْهَلَاكِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا فَيَكُونُ بَيَانُهُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ بِخِلَافِ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْقَابِضِ جَمِيعُ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَغْصُوبِ فَلَا يَتَقَدَّرُ بِغَيْرِهِ وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ، فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ الدَّيْنُ، فَيَكُونُ مُقَدَّرًا بِهِ وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ يَجِبُ قِيمَةُ الرَّهْنِ فِي الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَأَمَّا بِالْمَبِيعِ فَلِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ حَتَّى إذَا هَلَكَ ذَهَبَ بِالثَّمَنِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ وَالرَّهْنُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا وَلَا يَجُوزُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ، وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بِالْمَبِيعِ ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْبَاطِلِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ.
قَالَ رحمه الله (، وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِدَيْنٍ وَلَوْ مَوْعُودًا) أَيْ الرَّهْنُ يَصِحُّ بِدَيْنٍ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مَوْعُودًا وَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيهِ، وَهُوَ أَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ وَالِاسْتِيفَاءُ فِي الْوَاجِبِ، وَهُوَ الدَّيْنُ ثُمَّ وُجُوبُ الدَّيْنِ ظَاهِرًا يَكْفِي لِصِحَّةِ الرَّهْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُوبُهُ حَقِيقَةً حَتَّى لَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا أَلْفَ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ عَلَى الْإِنْكَارِ فَأَعْطَاهُ بِهَا رَهْنًا يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ خَمْسَمِائَةٍ لِلرَّاهِنِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي الْجَامِعِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَرَهَنَ بِالثَّمَنِ، فَهَلَكَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْعَبْدَ حُرٌّ أَوْ مُسْتَحَقٌّ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَضْمَنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَمِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ ثَابِتًا ظَاهِرًا فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ تُبْنَى عَلَى الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ شَاةً ذَكِيَّةً أَوْ خَلًّا فَرَهَنَهُ بِثَمَنِهِ ثَوْبًا ثُمَّ ظَهَرَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ) أَيْ لَوْ نَذَرَ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ بِالْقَوْلِ فَكَذَا الْكَفَالَةُ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ لَا الْتِزَامُ الدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَيْثُ وَقَعَ بَاطِلًا) وَكَذَا بَعْدَ حُلُولِ الدَّرَكِ؛ لِأَنَّهُ لَا عَقْدَ لِوُقُوعِهِ بَاطِلًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ حَبْسَهُ قَالَ الْكَاكِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيُعْطِي الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ مَا شَاءَ) فَإِنْ قَالَ أَنَا أُعْطِيك فَلْسًا قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ. اهـ. خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ إلَّا بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا)، وَهِيَ الَّتِي يَجِبُ مِثْلُهَا عِنْدَ هَلَاكِهَا إنْ كَانَ لَهَا مِثْلٌ أَوْ الْقِيمَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلٌ كَالْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَالْمَهْرِ فِي يَدِ الزَّوْجِ وَبَدَلُ الْخُلْعِ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ إلَخْ) كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ اهـ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ وَيَذْهَبُ الرَّهْنُ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَلَوْ أَعْطَاهُ الْمُؤَجِّرُ رَهْنًا بِعَبْدِ الْإِجَارَةِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا هَلَكَ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْبَاطِلِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَالثَّانِي الرَّهْنُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا حَتَّى لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ يَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ هَذَا قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رحمه الله: هَذَا خِلَافُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ: رَجُلٌ اشْتَرَى سَيْفًا فَأَخَذَ بِهِ رَهْنًا فَهَلَكَ الرَّهْنُ يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ السَّيْفِ اهـ
وَقَالَ فِي الْيَنَابِيعِ أَمَّا الْمَضْمُونُ بِغَيْرِهِ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَا يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهِ، فَإِنْ أَخَذَ بِهِ رَهْنًا وَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ ضَمِنَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِالْمَبِيعِ، وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ هَلَكَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ وَلَا يَصِيرُ قَابِضًا لِلْمَبِيعِ بِهَلَاكِهِ اهـ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ بَعْدَ تَقْرِيرِ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ: إنَّ الرَّهْنَ بِالْمَبِيعِ بَاطِلٌ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا مَا نَصُّهُ وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ الْمُشْتَرِي إذَا أَخَذَ رَهْنًا مِنْ الْبَائِعِ بِالْمَبِيعِ فَإِنَّ الرَّهْنَ بَاطِلٌ فَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ يَهْلِكُ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْمَبِيعِ إذْ الْمَرْهُونُ مَالٌ اهـ مَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ قُلْت فَقَدْ صَرَّحَ فِي هَذَا بِكَوْنِ الرَّهْنِ بِالْمَبِيعِ بَاطِلًا وَجَعَلَ حُكْمَهُ حُكْمَ الرَّهْنِ الصَّحِيحِ فِي كَوْنِهِ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْمَبِيعِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ وَسَائِرُ الْمُتُونِ أَنَّ الرَّهْنَ بِالْمَبِيعِ بَاطِلٌ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَالْمُعَوَّلُ عَلَى مَا فِي الْمُتُونِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ.
أَنَّ الْعَبْدَ حُرٌّ وَالشَّاةَ مَيِّتَةٌ وَالْخَلَّ خَمْرٌ كَانَ الرَّهْنُ مَضْمُونًا لِمَا ذَكَرْنَا
قَالَ رحمه الله (وَبِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَثَمَنِ الصَّرْفِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ) أَيْ يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الِاسْتِيفَاءُ وَذَلِكَ بِالِاسْتِبْدَالِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَالِاسْتِبْدَالُ حَرَامٌ فِي بَدَلِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَلَنَا أَنَّهُ اسْتِيثَاقٌ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالرَّهْنِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالْعَيْنِ؛ وَلِهَذَا تَكُونُ عَيْنُهُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ حَتَّى تَجِبَ نَفَقَتُهُ حَيًّا وَكَفَنُهُ مَيِّتًا عَلَى الرَّاهِنِ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَوْفِيًا بِهِ لَوَجَبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيَجُوزُ اسْتِيفَاءً لَا مُبَادَلَةً قَالَ رحمه الله (فَإِنْ هَلَكَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا) لِوُجُودِ الْقَبْضِ وَاتِّحَادِ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، وَهُوَ الْمَضْمُونُ فِيهِ هَذَا إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْهَلَاكِ بَطَلَ الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا هَذَا إذَا كَانَ رَهْنًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ أَوْ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ
وَإِنْ كَانَ رَهْنًا بِالْمُسْلَمِ فِيهِ لَا يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لَا يَجِبُ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ إنْ هَلَكَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ فَتَمَّ السَّلَمُ كَمَا إذَا كَانَ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَهَلَكَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ حُكْمًا فَيَتِمُّ الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ وَلَوْ تَفَاسَخَا السَّلَمَ وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنٌ يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ اسْتِحْسَانًا حَتَّى يَحْبِسَهُ بِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحْبِسَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ آخَرُ وَجَبَ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَهُوَ الْقَبْضُ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ بِأَحَدِهِمَا رَهْنًا بِالْآخَرِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنَانِ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَبِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ فَقَضَاهُ الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ بِالدَّيْنِ الْآخَرِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ ارْتَهَنَ بِحَقِّهِ الْوَاجِبَ بِسَبَبِ الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عِنْدَ عَدَمِ الْفَسْخِ، وَرَأْسُ الْمَالِ عِنْدَ الْفَسْخِ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ فَقَامَ مَقَامَهُ إذْ الرَّهْنُ بِالشَّيْءِ يَكُونُ رَهْنًا بِبَدَلِهِ كَمَا إذَا ارْتَهَنَ بِالْمَغْصُوبِ فَهَلَكَ الْمَغْصُوبُ صَارَ رَهْنًا بِقِيمَتِهِ
وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ التَّفَاسُخِ يَهْلِكُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّ رَهْنَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِغَيْرِهِ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِأَخْذِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الثَّمَنِ وَلَوْ هَلَكَ الْمَرْهُونُ يَهْلِكُ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَرْهُونٌ بِهِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا شِرَاءً فَاسِدًا وَأَدَّى ثَمَنَهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ عِنْدَ الْفَسْخِ لِيَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ ثُمَّ إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ يَهْلِكُ بِقِيمَتِهِ فَكَذَا هَذَا ثُمَّ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ فِي مَسْأَلَتِنَا يَجِبُ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ أَنْ يَدْفَعَ مِثْلَ الْمُسْلَمِ فِيهِ إلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَيَأْخُذَ رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِهِ، وَقَدْ بَقِيَ حُكْمُ الرَّهْنِ إلَى أَنْ يَهْلِكَ فَصَارَ رَبُّ السَّلَمِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً ثُمَّ تَقَايَلَا أَوْ اسْتَوْفَاهُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ لَزِمَهُ رَدُّ الْمُسْتَوْفَى وَاسْتِرْدَادُ رَأْسِ الْمَالِ فَكَذَا هَذِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ ثُبُوتِهَا فَبِهَلَاكِ الرَّهْنِ لَا تَبْطُلُ.
قَالَ رحمه الله (وَلِلْأَبِ أَنْ يَرْهَنَ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ عَبْدًا لِطِفْلِهِ) أَيْ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إيدَاعَهُ، وَهَذَا أَنْظَرُ مِنْهُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْمُرْتَهِنِ بِحِفْظِهِ أَبْلَغُ، مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ وَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ مَضْمُونًا الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَالْوَصِيُّ فِي هَذَا كَالْأَبِ لِمَا بَيَّنَّا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ ذَلِكَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ حُكْمًا فَلَا يَمْلِكَانِهِ كَالْإِيفَاءِ حَقِيقَةً وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّ فِي حَقِيقَةِ الْإِيفَاءِ إزَالَةَ مِلْكِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ يُقَابِلُهُ فِي الْحَالِ، وَفِي الرَّهْنِ نُصِبَ حَافِظٌ لِمَالِ الصَّغِيرِ فِي الْحَالِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ فَافْتَرَقَا، وَإِذَا جَازَ الرَّهْنُ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ عِنْدَ هَلَاكِهِ حُكْمًا، وَيَصِيرُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ مُوفِيًا لَهُ بِهِ وَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ الْقَدْرَ لِلصَّغِيرِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى التُّمُرْتَاشِيِّ، وَهُوَ إلَى اللَّآلِئِ أَنَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يَضْمَنُ الْأَبُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَالْوَصِيُّ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَالِ الصَّبِيِّ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ وَقَالَ لَا يَضْمَنَانِ الْفَضْلَ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ، وَهُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، وَلَهُمَا وِلَايَةُ الْإِيدَاعِ، وَكَذَا لَوْ سَلَّطَا الْمُرْتَهِنَ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ عَلَى بَيْعِهِ، وَهُمَا يَمْلِكَانِهِ ثُمَّ إذَا أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ الثَّمَنَ بِدَيْنِهِ وَجَبَ عَلَيْهِمَا مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُمَا أَوْفَيَا دَيْنَهُمَا بِمَالِهِ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْبَيْعُ فَإِنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ إذَا بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ غَرِيمِ نَفْسِهِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ وَيَضْمَنُهُ لِلصَّبِيِّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ فَيَأْخُذُ الْبَائِعُ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِلصَّغِيرِ وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي دَيْنَهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَهُ مِنْ غَرِيمِ نَفْسِهِ تَقَعُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ كَانَ الرَّهْنُ مَضْمُونًا لِمَا ذَكَرْنَا) وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ يَهْلِكُ الرَّهْنُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِنَفْسِهِ وَالْقَبْضَ لَمْ يَتِمَّ فِي الْمُشَاعِ وَالْمَشْغُولِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْخَمْرِ وَالْحُرِّ كَمَا لَوْ رَهَنَهُ ابْتِدَاءً وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. اهـ. اخْتِيَارٌ (قَوْلُهُ يَهْلِكُ الرَّهْنُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ) أَعْنِي مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَفِي رَهْنِ الْمُشَاعِ وَرَهْنِ الْمَشْغُولِ بِحَقِّ الْغَيْرِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ إلَخْ) قَالَ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ إذَا أَخَذَ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَرَأْسِ الْمَالِ فِي بَابِ السَّلَمِ رَهْنًا فَهَلَكَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ تَمَّ الْقَبْضُ اسْتِحْسَانًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ، وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْهَلَاكِ) أَيْ هَلَاكِ الرَّهْنِ اهـ (قَوْلُهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ)، وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا كَانَ فِي الرَّهْنِ وَفَاءٌ بِهِ أَمَّا إذَا كَانَ الرَّهْنُ أَقَلَّ مِنْهُ فَلَا أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ فِي بَابِ السَّلَمِ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ وَفِي الزِّيَادَةِ يَكُونُ أَمِينًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِذَلِكَ الْقَدْرِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْبَاقِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فَيَأْخُذُ الْبَائِعُ)، وَهُوَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ اهـ
الْمُقَاصَّةُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ عِنْدَهُمَا، وَيَضْمَنُ الْوَكِيلُ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ وَعِنْدَهُ لَا تَقَعُ، وَإِذَا كَانَ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَضَاءَ دَيْنِ نَفْسِهِ بِمَالِ الصَّبِيِّ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ بِطَرِيقِ الرَّهْنِ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا مَلَكَ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ مَلَكَ بِطَرِيقِ الرَّهْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ نَظِيرُ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ وُجُودُ الْمُبَادَلَةِ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ كَوُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِذَا كَانَ لِلْأَبِ أَوْ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ لِعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ فَرَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ مِنْ عَبْدِهِ التَّاجِرِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ نَزَلَ مَنْزِلَةَ شَخْصَيْنِ وَأُقِيمَتْ عِبَارَتُهُ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ كَمَا فِي بَيْعِهِ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ وَلَوْ فَعَلَ الْوَصِيُّ ذَلِكَ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي الرَّهْنِ كَمَا فِي الْبَيْعِ لَكِنَّا تَرَكْنَا ذَلِكَ فِي الْأَبِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَيْسَ الْوَصِيُّ كَالْأَبِ فَإِنَّ شَفَقَتَهُ قَاصِرَةٌ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَالرَّهْنُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَمِنْ عَبْدِهِ التَّاجِرِ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ ابْنِهِ الْكَبِيرِ وَأَبِيهِ وَعَبْدِهِ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ حَيْثُ يَجُوزُ رَهْنُهُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمْ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ وَلَا تُهْمَةَ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ حُكْمًا وَاحِدًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ
وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَرِيبِ وَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ عِنْدَ الْأَجْنَبِيِّ بِتِجَارَةٍ بَاشَرَهَا أَوْ رَهَنَ لِلْيَتِيمِ بِدَيْنٍ لَزِمَهُ بِالتِّجَارَةِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلَحَ لَهُ التِّجَارَةُ تَثْمِيرًا لِمَالِهِ فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَلَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ، فَأَدْرَكَ الِابْنُ وَمَاتَ الْأَبُ، فَلَيْسَ لِلِابْنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْأَبِ عَلَيْهِ نَافِذٌ لَازِمٌ لَهُ بِمَنْزِلَةِ تَصَرُّفِهِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْأَبِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ فَرَهَنَ بِهِ مَالَ الصَّغِيرِ فَقَضَاهُ الِابْنُ بَعْدَ الْبُلُوغِ رَجَعَ بِهِ فِي مَالِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ لِحَاجَتِهِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمَالِهِ فَأَشْبَهَ مُعِيرَ الرَّهْنِ
وَكَذَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَفْتَكَّهُ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَصِيرُ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِهِ وَلَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَالَ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَبِدَيْنٍ عَلَى الصَّغِيرِ جَازَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَمْرَيْنِ جَائِزَيْنِ ثُمَّ حُكْمُهُ فِي حِصَّةِ دَيْنِ الْأَبِ كَحُكْمِهِ فِيمَا لَوْ كَانَ كُلُّهُ رَهْنًا بِدَيْنِ الْأَبِ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ وَالْجَدُّ أَبُ الْأَبِ وَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعًا لِلْيَتِيمِ فِي دَيْنٍ اسْتَدَانَهُ عَلَيْهِ وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ اسْتَعَارَهُ الْوَصِيُّ لِحَاجَةِ الْيَتِيمِ فَضَاعَ فِي يَدِ الْوَصِيِّ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَصِيِّ كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعَارَ لِحَاجَةِ الصَّغِيرِ، فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِذَلِكَ وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْوَصِيِّ لَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ بِالِاسْتِرْدَادِ، وَالْوَصِيُّ هُوَ الَّذِي يُطَالِبُ بِهِ عَلَى مَا كَانَ وَلَوْ اسْتَعَارَهُ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ ضَمِنَهُ لِلصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ لِعَدَمِ وِلَايَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ، وَلَوْ غَصَبَهُ الْوَصِيُّ بَعْدَ مَا رَهَنَهُ فَاسْتَعْمَلَهُ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالْغَصْبِ وَالِاسْتِعْمَالِ، وَفِي حَقِّ الصَّبِيِّ بِالِاسْتِعْمَالِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ فَيَقْضِي بِالضَّمَانِ الدَّيْنَ إنْ كَانَ قَدْ حَلَّ
فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِلْيَتِيمِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِالدَّيْنِ يَقْضِي مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ بِقَدْرِ مَا تَعَدَّى فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، فَالْقِيمَةُ رَهْنٌ فَإِذَا حَلَّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَرَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ إلَخْ) يَعْنِي ارْتَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ لِلْأَبِ عَلَى الصَّغِيرِ بِأَنْ بَاعَ الْأَبُ مَالَهُ مِنْ الصَّغِيرِ أَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ أَحَدِ ابْنَيْهِ الصَّغِيرَيْنِ مِنْ الْآخَرِ بِأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا دَيْنٌ عَلَى الْآخَرِ بِأَنْ بَاعَ الْأَبُ مَالَ أَحَدِ الِابْنَيْنِ مِنْ الْآخَرِ بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا بِعْتُ عَبْدَ ابْنِي فُلَانٍ مِنْ ابْنِي فُلَانٍ، أَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ مِنْ عَبْدٍ تَاجِرٍ لِلْأَبِ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ بِأَنْ اشْتَرَى الْأَبُ مَتَاعَ عَبْدِهِ التَّاجِرِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ، فَصَارَ لِلْعَبْدِ دَيْنٌ عَلَى الصَّغِيرِ فَرَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنِهِ عِنْدَ الْأَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ فَعَلَ الْوَصِيُّ ذَلِكَ إلَخْ) أَيْ لَوْ ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ لِلْوَصِيِّ عَلَى الصَّغِيرِ أَوْ ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ عَلَى الصَّغِيرِ الْيَتِيمِ أَوْ ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنِ عَبْدِ الْوَصِيِّ التَّاجِرِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ عَلَى الْيَتِيمِ أَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ عَيْنًا لِلْوَصِيِّ بِدَيْنٍ لِلْيَتِيمِ عَلَى الْوَصِيِّ، فَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي: وَلَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْهَنَ مَتَاعَ الْيَتِيمِ مِنْ ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ وَلَا مِنْ عَبْدٍ لَهُ تَاجِرٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مِنْهُمَا كَالرَّهْنِ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَوْ رَهَنَ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عَاقِدًا مِنْ جَانِبَيْنِ فِي عُقُودٍ تَتَضَمَّنُ عُقُودًا مُتَبَايِنَةً، وَهَذَا هَكَذَا وَلَوْ رَهَنَ مِنْ ابْنٍ لَهُ كَبِيرٍ أَوْ رَهَنَ مِنْ أَبِيهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ مِنْ عَبْدٍ تَاجِرٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَيْسَ كَالْعَقْدِ مِنْ نَفْسِهِ
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْبَيْعِ مِنْ هَؤُلَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَصِحُّ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ حَتَّى لَوْ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ بِأَنْ بِيعَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ مِنْ هَؤُلَاءِ يَصِحُّ وَلَا تَدْخُلُ التُّهْمَةُ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا فَكَانَ الْعَقْدُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَرِيبِ سَوَاءً فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ تُهْمَةٌ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. غَايَةٌ مَعَ تَغْيِيرٍ فِي بَعْضِ عِبَارَتِهِ (قَوْلُهُ، وَلَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ إلَخْ)، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ رَهْنَ الْأَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ رَهَنَهُ بِدَيْنِ نَفْسِهِ أَوْ بِدَيْنِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ إذَا رَهَنَ مَتَاعَ الصَّغِيرِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ بَعْدَ الْبُلُوغِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا هَلَكَ) أَيْ الرَّهْنُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَمْرَيْنِ جَائِزَيْنِ) رَهْنِ الْأَبِ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ وَبِدَيْنِ الصَّغِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ) إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ أَوْ وَصِيُّ الْأَبِ اهـ هِدَايَةٌ.
كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ أَنَّهُ غَصَبَهُ وَاسْتَعْمَلَهُ لِحَاجَةِ الصَّغِيرِ ضَمِنَهُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ لَا لِحَقِّ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي حَاجَةِ الصَّغِيرِ لَيْسَ بِتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ، وَكَذَا الْأَخْذُ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ أَخْذِ مَالِ الْيَتِيمِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ بِغَصْبِ مَالِ الصَّغِيرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَصْبُهُ لِمَالِ الْيَتِيمِ لِمَا أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْأَخْذِ، فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ يَضْمَنُهُ لِلْمُرْتَهِنِ فَيَأْخُذُهُ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَ قَدْ حَلَّ، وَيَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بَلْ هُوَ عَامِلٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ يَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ إذَا حَلَّ الدَّيْنُ يَأْخُذُهُ بِهِ، وَيَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى الصَّبِيِّ لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ: رحمه الله (وَصَحَّ رَهْنُ الْحَجَرَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) وَالْمُرَادُ بِالْحَجَرَيْنِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَإِنَّمَا جَازَ رَهْنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهَا فَكَانَتْ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ رُهِنَتْ بِجِنْسِهَا وَهَلَكَتْ هَلَكَتْ بِمِثْلِهَا مِنْ الدَّيْنِ وَلَا عِبْرَةَ لِلْجَوْدَةِ)؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا عِنْدَهُ إذَا هَلَكَ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ قَلَّتْ قِيمَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ لِمَا ذَكَرْنَا، وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِبَارِ الْوَزْنِ إضْرَارٌ بِأَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ وَزْنِهِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إلْحَاقُ ضَرَرٍ بِأَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ أَوْ أَقَلَّ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِيَنْتَقِضَ قَبْضُ الرَّهْنِ ثُمَّ يَجْعَلُ الضَّمَانَ رَهْنًا مَكَانَهُ وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْهَالِكَ بِالضَّمَانِ لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا الْوَزْنَ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ صِفَتِهِ مِنْ جَوْدَةٍ أَوْ رَدَاءَةٍ وَأَسْقَطْنَا الْقِيمَةَ فِيهِ أَضْرَرْنَا بِأَحَدِهِمَا، وَلَوْ اعْتَبَرْنَا الْقِيمَةَ وَجَعَلْنَاهُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِهَا أَدَّى إلَى الرِّبَا فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يَقُولُ: إنَّ الْجَوْدَةَ سَاقِطَةٌ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْحَبْسِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ وَاسْتِيفَاءُ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ أَوْ بِالْعَكْسِ جَائِزٌ عِنْدَ التَّرَاضِي بِهِ هُنَا؛ وَلِهَذَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْضِهِ وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ بِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ؛ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَضْمَنُ مِلْكَ نَفْسِهِ، فَتَعَذَّرَ التَّضْمِينُ بِتَعَذُّرِ النَّقْضِ
وَقِيلَ هَذِهِ فُرَيْعَةُ مَا إذَا اسْتَوْفَى زُيُوفًا مَكَانَ الْجِيَادِ ثُمَّ عَلِمَ بِالزِّيَافَةِ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا فِيهَا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَفِي هَذِهِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ قَاضِيخَانْ: إنَّ الْبِنَاءَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ عِيسَى بْنَ أَبَانَ قَالَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوَّلًا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَآخِرًا كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله وَلَئِنْ كَانَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ الزُّيُوفَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ قَبَضَهُ اسْتِيفَاءً لِحَقِّهِ وَقَدْ تَمَّ بِهَلَاكِهِ وَالرَّهْنُ قَبَضَهُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْضِ الْقَبْضِ وَقَدْ أَمْكَنَ بِالتَّضْمِينِ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوَزْنِ دُونَ الْجَوْدَةِ وَالصِّيَاغَةِ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ أَصْلٌ وَالْجَوْدَةَ وَصْفٌ فَلَا يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْوَصَايَا وَالتَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِ الصِّغَارِ، وَعِنْدَ الِانْكِسَارِ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مَصُوغًا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَةَ الْمَضْمُونِ مِنْهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَضْمَنُ حِصَّةَ الْأَمَانَةِ إنْ كَانَ بَعْضُهُ أَمَانَةً، وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْمُنْكَسِرَ بِقَدْرِ مَا ضَمِنَ وَخَرَجَ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا، وَجُعِلَ الضَّمَانُ رَهْنًا مَكَانَهُ
وَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ أَنْ يَفْتَكَّ الْمُنْكَسِرَ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّ الْجَوْدَةَ وَالصِّيَاغَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِنَفْسِهَا غَيْرُ تَابِعَةٍ لِلْوَزْنِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ حَقًّا لِلْعَبْدِ وَلَا تُجْعَلُ تَبَعًا إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الرِّبَا كَمَا يُعْتَبَرُ فِي الْوَصَايَا، وَفِي مَالِ الصَّغِيرِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْجَوْدَةِ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّغِيرِ أَنْ يَبِيعَهُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَقِيمَتُهُ أَنْقَصُ مِنْهُ، فَإِذَا اُعْتُبِرَتْ الْجَوْدَةُ صَارَتْ كَأَنَّهَا عَيْنٌ فَتَنْضَمُّ إلَى الْوَزْنِ فَبِقَدْرِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَجْمُوعِ صَارَ مَضْمُونًا وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ، ثُمَّ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِضْرَارِ بِأَحَدِهِمَا أَوْ الرِّبَا فَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ الْمَضْمُونَ مِنْهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَجُعِلَ رَهْنًا مَكَانَهُ وَمَلَكَ الرَّهْنَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَعِنْدَ الِانْكِسَارِ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الرَّهْنِ كُلَّهَا إنْ كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا
وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَمَانَةً يُضَمِّنُهُ قَدْرَ الْمَضْمُونِ مِنْهُ وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّهْنِ بِحِسَابِهِ وَتَكُونُ الْأَمَانَةُ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ مَعَ الضَّمَانِ وَتُفْصَلُ الْأَمَانَةُ مِنْهُ كَيْ لَا يَلْزَمَ رَهْنُ الْمُشَاعِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْمُنْكَسِرَ بِالدَّيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ إلَخْ) فَإِنَّ فِي اعْتِبَارِ الْوَزْنِ إضْرَارًا بِالرَّاهِنِ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ وَفِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ إضْرَارٌ بِالْمُرْتَهِنِ فِي اعْتِبَارِ وَزْنِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَبِالْعَكْسِ جَائِزٌ عِنْدَ التَّرَاضِي بِهِ) هَذَا وَقَدْ وَقَعَ الِاسْتِيفَاءُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، وَقَدْ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيفَاءِ وَلِهَذَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْضِهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْمُطَالِبِ) وَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فَتَعَذَّرَ التَّضْمِينُ بِتَعَذُّرِ النَّقْضِ)؛ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْقَضُ اسْتِيفَاؤُهُ إذَا لَمْ يَرْضَ بِهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى قَبَضَ الرَّهْنَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِالْهَلَاكِ فَقَدْ رَضِيَ بِوُقُوعِهِ اسْتِيفَاءً بِدُونِ صِفَةِ الْجَوْدَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَوْفَى الزُّيُوفَ مَكَانَ الْجِيَادِ، وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ هَذِهِ فُرَيْعَةُ مَا إذَا اسْتَوْفَى زُيُوفًا مَكَانَ الْجِيَادِ) أَيْ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ وَهَلَكَتْ الزُّيُوفُ عِنْدَهُ اهـ كَافِي (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ: قَوْلُ مُحَمَّدٍ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِيفَاءِ الزُّيُوفِ مَكَانَ الْجِيَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ قَبَضَهُ اسْتِيفَاءً لِحَقِّهِ) أَيْ مِنْ عَيْنِهَا وَالزِّيَافَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِيفَاءِ اهـ كَافِي (قَوْلُهُ وَجَعَلَ الضَّمَانَ رَهْنًا مَكَانَهُ) وَالْبَاقِي مِنْ الْمُنْكَسِرِ الَّذِي لَمْ يُضْمَنْ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ وَيُفْصَلُ كَيْ لَا يَلْزَمَ رَهْنُ الْمَشَاعِ نَبَّهَ عَلَى هَذَا الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
اهـ. ك كَقَوْلِهِ كَيْ لَا يَلْزَمَ رَهْنُ الْمَشَاعِ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالشُّيُوعِ الْمُقَارِنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ
وَالْأَصْلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّ الْجَوْدَةَ وَالصِّيَاغَةَ تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ، وَهُوَ الْوَزْنُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُعَامَلَاتِ إذَا لَاقَتْ جِنْسَهَا وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَضْمُونَاتِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي الْوَزْنِ وَقِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَزِيَادَةٌ يُصْرَفُ الدَّيْنُ إلَى الْوَزْنِ وَالْأَمَانَةُ إلَى الْجَوْدَةِ وَالصِّيَاغَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَزْنِ وَفَاءٌ وَفِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِهِ صُرِفَ مِنْ قِيمَتِهِ إلَى الْوَزْنِ إلَى تَمَامِ الدَّيْنِ فَيُجْعَلُ مَضْمُونًا وَالزَّائِدُ أَمَانَةٌ ثُمَّ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِضْرَارِ بِأَحَدِهِمَا وَلَا إلَى الرِّبَا، فَإِنْ أَدَّى إلَى أَحَدِهِمَا ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ قَدْرَ الْمَضْمُونِ مِنْهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا بِالدَّيْنِ وَيَمْلِكُ الْمَضْمُونَ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله وَعِنْدَ الِانْكِسَارِ كَانَ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِضْرَارِ بِأَحَدِهِمَا أَوْ إلَى الرِّبَا فَيَعْتَبِرُ حَالَةَ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ ثُمَّ جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مِثْلَ وَزْنِ الدَّيْنِ، وَقِسْمٌ فِيمَا إذَا كَانَ وَزْنُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ، وَقِسْمٌ فِيمَا إذَا كَانَ وَزْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ، وَكُلُّ قِسْمٍ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ إلَى حَالَةِ هَلَاكِ الرَّهْنِ وَإِلَى حَالَةِ انْكِسَارِهِ وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ مِثْلَ الْوَزْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَيَنْقَسِمُ كُلُّ قِسْمٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فَصَارَ الْكُلُّ سِتَّةً وَعِشْرِينَ قِسْمًا.
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ رَهَنَ قَلْبَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ عَشَرَةٌ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ هَلَكَ بِالدَّيْنِ اتِّفَاقًا اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ أَوْ لِعَدَمِ الضَّرَرِ بِأَحَدٍ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَعِنْدَهُمَا إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَجَعَلَهُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَمَلَكَ الْمُرْتَهِنُ الْمُنْكَسِرَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ فَهَلَكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا؛ لِأَنَّ فِي اسْتِيفَائِهِ ضَرَرًا بِالْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَمَلَكَ الْمَضْمُونَ وَجَعَلَ الضَّمَانَ رَهْنًا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَتَضَرَّرُ بِهِ كَمَا فِي حَالَةِ الْهَلَاكِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ فَهَلَكَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِالْإِجْمَاعِ اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ عِنْدَهُ وَصَرْفًا لِلْأَمَانَةِ إلَى الْجَوْدَةِ وَالْمَضْمُونِ إلَى الْوَزْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ يَصْرِفُ الضَّمَانَ وَالْأَمَانَةَ إلَى الْوَزْنِ وَالْجَوْدَةِ لَكِنْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنْهُمَا وَالْبَاقِي مِنْهُمَا أَمَانَةٌ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّ وَزْنَهُ كُلَّهُ مَضْمُونٌ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُ وَجَعَلَ الضَّمَانَ رَهْنًا وَمَلَكَ الْمُرْتَهِنُ الْمُنْكَسِرَ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنْهُ وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ حَتَّى إذَا كَانَ يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ضَمِنَ ثُلُثَيْهِ عَشَرَةً فَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ ثُلُثَيْ الْعَيْنِ وَثُلُثُ الْعَيْنِ أَمَانَةٌ يَكُونُ رَهْنًا مَعَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
أَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يَمْنَعُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّمْيِيزِ اهـ كَافِي (قَوْلُهُ وَكُلُّ قِسْمٍ إلَخْ) فَصَارَتْ الْأَقْسَامُ سِتَّةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ) أَيْ بِقِسْمَيْهِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مِثْلَ وَزْنِ الدَّيْنِ حَالَةَ هَلَاكِ الرَّهْنِ وَحَالَةَ انْكِسَارِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ إلَخْ) فَصَارَتْ أَقْسَامُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ سِتَّةً مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي اثْنَتَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَنْقَسِمُ كُلُّ قِسْمٍ إلَخْ) فَصَارَتْ أَقْسَامُ الْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ عِشْرِينَ مِنْ ضَرْبِ أَرْبَعَةٍ هِيَ مَا إذَا كَانَ وَزْنُ الرَّهْنِ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ حَالَةَ هَلَاكِ الرَّهْنِ أَوْ انْكِسَارِهِ فِي خَمْسَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
(قَوْلُهُ فَعِنْدَهُمَا) أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ) أَيْ نَاقِصًا اهـ (قَوْلُهُ أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ الرِّبَا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَمَلَكَ الْمُرْتَهِنُ الْمُنْكَسِرَ) أَيْ بِالضَّمَانِ وَلَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ؛ لِأَنَّهُ إنْ ذَهَبَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِذَهَابِ الْجَوْدَةِ يَصِيرُ قَابِضًا دَيْنَهُ بِالْجَوْدَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ وَالْجَوْدَةُ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ الْفِكَاكَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْهَبَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ مَعَ النُّقْصَانِ حَقِيقَةً لَتَضَرَّرَ الرَّاهِنُ لِفَوَاتِ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ فَخَيَّرْنَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ افْتَكَّهُ) أَيْ نَاقِصًا. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ) فَيَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ. لَهُ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ بِالْإِجْمَاعِ لَوْ هَلَكَ فَكَذَا إذَا انْكَسَرَ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْفِكَاكُ مَجَّانًا لِمَا بَيَّنَّا صَارَ فِي مَعْنَى الْهَالِكِ فَيُعْتَبَرُ بِالْهَالِكِ الْحَقِيقِيِّ؛ وَلِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْقَبْضِ صَارَ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى وَجْهٍ يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً بِضَمَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. قُلْنَا طَرِيقُ صَيْرُورَتِهِ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ أَنْ يُجْعَلَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ اسْتِيفَاءٍ وَسُقُوطُ الدَّيْنِ فِي الِاسْتِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ بِاعْتِبَارِ أَنْ يُجْعَلَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عَلَيْهِ ثُمَّ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بَيْنَ مَا لَهُ وَبَيْنَ مَا عَلَيْهِ فَكَذَا فِي الِاسْتِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ وَجَعْلُهُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ فِي حَالِ قِيَامِهِ يُؤَدِّي إلَى إغْلَاقِ الرَّهْنِ وَأَنَّهُ حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ فِي الشَّرْعِ فَصِرْنَا إلَى التَّضْمِينِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْإِغْلَاقِ لِانْتِقَالِ حُكْمِ الرَّهْنِ إلَى مِثْلِهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَتَضَرَّرُ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ أَدْوَنُ مِنْ حَقِّهِ اهـ
(قَوْلُهُ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ فِي حَالَةِ الِانْكِسَارِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ وَالْعِبْرَةُ لِلْوَزْنِ عِنْدَهُ لَا لِلْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فِي هَذَا الْبَابِ؛ فَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ كُلِّهِ مَضْمُونًا كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فَبَعْضُهُ وَجَمِيعُ الْوَزْنِ مَضْمُونٌ فَتَتْبَعُهُ الْجَوْدَةُ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلذَّاتِ وَمَتَى صَارَ الذَّاتُ مَضْمُونًا اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ التَّبَعَ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةً وَالْوَزْنُ كَذَلِكَ اهـ
الضَّمَانِ وَيُفْصَلُ كَيْ لَا يَكُونَ الرَّهْنُ مُشَاعًا، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله إنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ كَمَا فِي حَالَةِ الْهَلَاكِ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ وَزْنُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ بِأَنْ رَهَنَ بِعَشَرَةٍ قَلْبًا وَزْنُهُ ثَمَانِيَةٌ مَثَلًا فَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ ثَمَانِيَةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ وَأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ تِسْعَةً أَوْ مِثْلَ الدَّيْنِ عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَعِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ بِقَدْرِ وَزْنِهِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فَيَذْهَبُ ثَمَانِيَةٌ مِنْ دَيْنِهِ وَيَرْجِعُ بِدِرْهَمَيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُ لِلْوَزْنِ دُونَ الْجَوْدَةِ وَالصِّيَاغَةِ وَعِنْدَ الِانْكِسَارِ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ رِبًا فَيَكُونُ الضَّمَانُ رَهْنًا وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْمُنْكَسِرَ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوَزْنِ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَوَزْنُهُ جَمِيعُهُ مَضْمُونٌ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَلَوْ بَلَغَتْ أُلُوفًا، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ كُلِّهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلْجَوْدَةِ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ فَهَلَكَ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ وَزْنِهِ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِمَا فِيهِ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ انْكَسَرَ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بَيْنَ التَّضْمِينِ وَالِافْتِكَاكِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُخَيَّرُ بَيْنَ تَرْكِهِ بِالدَّيْنِ بِقَدْرِهِ وَبَيْنَ الِافْتِكَاكِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ فَعِنْدَ الْهَلَاكِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ وَلَا يُجْعَلُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ إنْ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ قَدْرُ وَزْنِهِ، وَإِنْ ذَهَبَ قَدْرُ قِيمَتِهِ يَلْزَمُ الرِّبَا إلَّا إذَا رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِذَهَابِ حَقِّهِ قَدْرَ وَزْنِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بَيْنَ أَنْ يَفْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَبَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ جِنْسِهِ رَدِيئًا وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمُرْتَهِنِ كَمَا فِي حَالَةِ الْهَلَاكِ إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ وَأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ تِسْعَةً فَعِنْدَ الْهَلَاكِ خُيِّرَ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ جِنْسِهِ جَيِّدًا قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَةِ الرَّهْنِ فَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ وَزْنِهِ يَتَضَرَّرُ الرَّاهِنُ وَإِنْ ذَهَبَ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ لَزِمَ الرِّبَا فَتَعَيَّنَ مَا ذُكِرَ، وَإِنْ انْكَسَرَ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بَيْنَ الِافْتِكَاكِ، وَبَيْنَ تَضْمِينِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ يَكُونُ الضَّمَانُ رَهْنًا عِنْدَهُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ عَشَرَةً لِمَا بَيَّنَّا مِنْ مَذْهَبِهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَإِنْ هَلَكَ غَرِمَ الْمُرْتَهِنُ ثُلُثَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله وَرَجَعَ بِدَيْنِهِ وَيَمْلِكُهُ الْمُرْتَهِنُ وَثُلُثُهُ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ يُفْصَلُ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ وَالصِّيَاغَةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُ كَالْعَيْنِ، وَكَذَا إذَا انْكَسَرَ عِنْدَهُ لِمَا بَيَّنَّا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله إنْ هَلَكَ ضَمِنَ قَدْرَ الدَّيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ،
وَإِنْ انْكَسَرَ يَنْظُرُ إنْ نَقَصَ بِالِانْكِسَارِ قَدْرَ الزِّيَادَةَ عَلَى الدَّيْنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ أَصْلِهِ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ أَكْثَرَ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى الدَّيْنِ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بَيْنَ افْتِكَاكِهِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَبَيْنَ تَضْمِينِ الْمُرْتَهِنِ قَدْرَ الدَّيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ وَزْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ بِأَنْ رَهَنَ قَلْبَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: أَمَّا إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ وَأَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ، فَإِنْ هَلَكَ ذَهَبَ بِالدَّيْنِ ثُلُثَاهُ مَضْمُونًا وَثُلُثُهُ أَمَانَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله كَيْفَمَا كَانَتْ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ الْهَلَاكِ إلَّا الْوَزْنَ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي بَعْدَ أَنْ صَوَّرَهَا فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ اثْنَا عَشَرَ وَانْكَسَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ انْتَقَصَ بِالِانْكِسَارِ مِنْ قِيمَتِهِ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ بِقَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ انْتَقَصَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ فَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ نَاقِصًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْوَزْنِ وَالْأَمَانَةَ فِي الْجَوْدَةِ وَالصَّنْعَةِ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ وَالصَّنْعَةَ تَابِعَةٌ لِلْوَزْنِ وَالْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ عَلَى الْأَصَالَةِ هُوَ الْمَضْمُونِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ ضَمَانٍ وَاسْتِيفَاءٍ وَصِفَةُ الْأَمَانَةِ فِي الْمَرْهُونِ تَابِعَةٌ فَيُجْعَلُ الْأَصْلُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ وَالتَّبَعُ بِمُقَابَلَةِ التَّبَعِ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ شَيْءٌ مِنْ الضَّمَانِ فَحِينَئِذٍ يُصْرَفُ إلَى الْجَوْدَةِ ضَرُورَةً اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ مَحَلُّ هَذَا التَّخْيِيرِ مَا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ بِالِانْكِسَارِ أَكْثَرَ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى الدَّيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ عَلَى الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ فَلَا كَمَا عُلِمَ مِنْ الْحَاشِيَةِ الَّتِي هِيَ أَعْلَاهَا نَقْلًا عَنْ الْكَافِي وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَفِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ أَيْضًا اهـ.
ك (قَوْلُهُ، وَإِنْ انْكَسَرَ خَيَّرَ الرَّاهِنُ إلَخْ)، وَهَذَا التَّخْيِيرُ بِالِاتِّفَاقِ مِنْ الثَّلَاثَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَعِنْدَ الْهَلَاكِ خَيِّرَ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الِافْتِكَاكَ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَالصَّوَابُ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّضْمِينِ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ، وَإِنْ انْكَسَرَ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بَيْنَ الِافْتِكَاكِ إلَخْ)، وَهَذَا التَّخْيِيرُ أَيْضًا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ عَشَرَةً) يَعْنِي حُكْمُ هَذَا الْقِسْمِ فِي حَالَتَيْ الِانْكِسَارِ وَالْهَلَاكِ حُكْمُ الْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ. اهـ. ك (قَوْلُهُ وَيَمْلِكُهُ الْمُرْتَهِنُ) إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى تَقْدِيرِ الِانْكِسَارِ لَا غَيْرُ. اهـ. (قَوْلُهُ يُفْصَلُ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ) الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ يُفْصَلُ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ زَائِدٌ لَا مَعْنَى لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ (قَوْلُهُ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ) وَلَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ بِكُلِّ الدَّيْنِ. اهـ. كَافِي.
(قَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَ ذَهَبَ) أَيْ الرَّهْنُ كُلُّهُ اهـ
إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ إلَّا الْوَزْنَ، فَإِنْ كَانَ وَزْنُهُ كُلُّهُ مَضْمُونًا ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فَبَعْضُهُ، وَيَكُونُ الضَّمَانُ رَهْنًا، وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ قَدْرَ مَا ضَمِنَ مِنْ الرَّهْنِ، وَهُوَ الثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ أَمَانَةٌ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ، وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ وَيُفْصَلُ كَيْ لَا يَلْزَمَ رَهْنُ الْمُشَاعِ. وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ فَعِنْدَ الْهَلَاكِ يَذْهَبُ بِالدَّيْنِ ثُلُثُهُ أَمَانَةً وَثُلُثَاهُ مَضْمُونًا، وَإِنْ انْكَسَرَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خُيِّرَ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ، وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْبَاقِي عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ جَعَلَ ثُلُثَيْهِ بِالدَّيْنِ وَأَخَذَ ثُلُثَهُ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِهِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ عِشْرِينَ، فَإِنْ هَلَكَ ذَهَبَ بِالدَّيْنِ مَضْمُونًا وَأَمَانَةً، وَإِنْ انْكَسَرَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قَدْرَ الدَّيْنِ وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ يَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ وَيُفْصَلُ لِمَا بَيَّنَّا وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْمَضْمُونَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله إنْ نَقَصَ بِالِانْكِسَارِ قَدْرَ الزَّائِدِ عَلَى الْوَزْنِ أَوْ أَقَلَّ لَا يُعْتَبَرُ النُّقْصَانُ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَةَ تُصْرَفُ إلَيْهِ عِنْدَهُ فَيُجْبَرُ عَلَى الْفِكَاكِ
وَإِنْ زَادَ النُّقْصَانُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ خُيِّرَ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ تَرَكَ ثُلُثَيْهِ بِالدَّيْنِ، وَأَخَذَ الثُّلُثَ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ وَأَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ اثْنَيْ عَشَرَ، فَإِنْ هَلَكَ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قَدْرَ الدَّيْنِ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ قِيمَةِ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُمَا لِلْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ جَمِيعًا، وَبِالْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَزِيَادَةٌ وَالْمَضْمُونُ مِنْ الرَّهْنِ عَشَرَةٌ وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمَّنَهُ بِحِصَّتِهِ، وَهُوَ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ مِنْهُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لَا بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ، إنْ هَلَكَ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ لِتَعَذُّرِ جَعْلِهِ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ أَوْ الْقِيمَةِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ بِتَخَيُّرٍ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا مَعَ الْوَزْنِ وَلَا وَفَاءَ بِالْقِيمَةِ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنْ الرَّهْنِ، وَهِيَ عَشَرَةٌ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَشَرَةِ مِنْ الرَّهْنِ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ الدَّيْنِ فَيَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ جَعَلَهُ هَالِكًا بِمَا فِيهِ
وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ عَشَرَةً مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ وَدَيْنُهُ عَلَى حَالِهِ
نَفْيًا لِلضَّرَرِ
عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا مَعَ الْوَزْنِ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَيَتْرُكُ جَمِيعَ الْقَلْبِ عَلَيْهِ بِعَشَرَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ ثَمَانِيَةً إنْ هَلَكَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، وَرَجَعَ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَهَا عِبْرَةٌ مَعَ الْوَزْنِ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ وُجِدَ الْوَفَاءُ فِي الْوَزْنِ لَمْ يُوجَدْ فِي الْقِيمَةِ فَيَتَخَيَّرُ وَلَهُ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَةَ الْقَلْبِ ثَمَانِيَةً وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ لِمَا عُرِفَ.
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَامْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ وَلِلْبَائِعِ فَسْخُ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا أَوْ قِيمَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ هَذَا الْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ إذَا بَاعَهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ فَقَبِلَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا وَمِثْلُهُ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ؛ وَلِأَنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ شَرْطٌ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لِلِاسْتِيثَاقِ وَكَذَا الْكَفَالَةُ، وَالِاسْتِيثَاقُ يُلَائِمُ الْعَقْدَ فَإِذَا كَانَ الْكَفِيلُ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ، وَقَبِلَ اُعْتُبِرَ الْمَعْنَى، وَهُوَ الْمُلَاءَمَةُ فَصَحَّ الْعَقْدُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ وَلَا الْكَفِيلُ مُعَيَّنًا أَوْ كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا حَتَّى افْتَرَقَا لَمْ يَبْقَ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ لِلْجَهَالَةِ، فَكَانَ الِاعْتِبَارُ لِعَيْنِهِ فَيَفْسُدُ، وَلَوْ كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا فَحَضَرَ فِي الْمَجْلِسِ وَقَبِلَ صَحَّ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مُعَيَّنًا فَاتَّفَقَا عَلَى تَعْيِينِ الرَّهْنِ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ نَقَدَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا جَازَ الْبَيْعُ وَبَعْدَ الْمَجْلِسِ لَا يَجُوزُ وَقَوْلُهُ فَامْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ أَيْ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَقَالَ زُفَرُ: يُجْبَرُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالشَّرْطِ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ كَالْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ قُلْنَا عَقْدُ الرَّهْنِ تَبَرُّعٌ وَلَا جَبْرَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ كَالْوَاهِبِ غَيْرَ أَنَّ لِلْبَائِعِ الْخِيَارَ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِتَرْكِ الرَّهْنِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ فَفَوَاتُهُ يُوجِبُ الْخِيَارَ كَسَلَامَةِ الْمَبِيعِ عَنْ الْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ أَوْ يَدْفَعَ قِيمَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ الْمَشْرُوطِ يَحْصُلُ بِقِيمَتِهِ قَالَ رحمه الله (، وَإِنْ قَالَ لِلْبَائِعِ أَمْسِكْ هَذَا الثَّوْبَ حَتَّى أُعْطِيَك الثَّمَنَ فَهُوَ رَهْنٌ) وَقَالَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ خُيِّرَ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ تَرَكَ ثُلُثَيْهِ) أَيْ لِالْتِحَاقِ الِانْكِسَارِ بِالْهَلَاكِ عِنْدَهُ وَصَيْرُورَتِهِ مُسْتَوْفِيًا بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ) أَيْ وَأَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ وَزْنَ الْعَشَرَةِ الْمَضْمُونَةِ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا بِالِانْكِسَارِ اهـ (قَوْلُهُ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ)؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ وَبِهَا وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِتَعَذُّرِ جَعْلِهِ مُسْتَوْفِيًا إلَخْ) لِئَلَّا يَلْزَمَ الضَّرَرُ بِالرَّاهِنِ بِفَوْتِ بَقِيَّةِ وَزْنِ الرَّهْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ) تُنْظَرُ عِبَارَةُ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا) لِئَلَّا يَلْزَمَ الرِّبَا فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَشَرَةِ مِنْ الرَّهْنِ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ الدَّيْنِ) أَيْ بِثَلَاثَةٍ وَثُلُثٍ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ) لَعَلَّهُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ وُجِدَ الْوَفَاءُ فِي الْوَزْنِ إلَخْ) هَذَا الْمَحَلُّ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَتَحْرِيرٍ اهـ.
(قَوْلُهُ قُلْنَا عَقْدُ الرَّهْنِ تَبَرُّعٌ) أَيْ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ قَالَ) أَيْ الْمُشْتَرِي اهـ
زُفَرَ لَا يَكُونُ رَهْنًا وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْسِكْ يَحْتَمِلُ الرَّهْنَ وَيَحْتَمِلُ الْإِيدَاعَ وَالثَّانِي أَقَلُّهُمَا فَيَقْضِي بِثُبُوتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَمْسِكْهُ بِدَيْنِك أَوْ بِمَالِك عَلَيَّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَابَلَهُ بِالدَّيْنِ فَقَدْ عَيَّنَ جِهَةَ الرَّهْنِ قُلْنَا إنَّهُ أَتَى بِمَا يُنْبِئُ عَنْ مَعْنَى الرَّهْنِ، وَهُوَ الْحَبْسُ إلَى إيفَاءِ الثَّمَنِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي حَيْثُ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةً وَالْحَوَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمُحِيلِ كَفَالَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَلَّكْتُك هَذَا بِكَذَا يَكُونُ بَيْعًا لِلتَّصْرِيحِ بِمُوجِبِ الْبَيْعِ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْتُك بِكَذَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الثَّوْبُ هُوَ الْمُشْتَرَى أَوْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ أَنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا بِثَمَنِهِ حَتَّى يَثْبُتَ فِيهِ حُكْمُ الرَّهْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِالثَّمَنِ وَضَمَانُهُ يُخَالِفُ ضَمَانَ الرَّهْنِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِضَمَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا حَتَّى لَوْ قَالَ لَهُ أَمْسِكْ الْمَبِيعَ حَتَّى أُعْطِيَك الثَّمَنَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَلَكَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئًا يَفْسُدُ بِالْمُكْثِ كَاللَّحْمِ وَالْجَمَدِ فَأَبْطَأَ الْمُشْتَرِي وَخَافَ الْبَائِعُ عَلَيْهِ التَّلَفَ جَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَهُ وَوَسِعَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَيَتَصَدَّقَ الْبَائِعُ بِالزَّائِدِ إنْ بَاعَهُ بِأَزْيَدَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةً.
قَالَ رحمه الله (، وَلَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ لَا يَأْخُذُ أَحَدَهُمَا بِقَضَاءِ حِصَّتِهِ كَالْبَيْعِ)؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ مَحْبُوسٌ بِكُلِّ الدَّيْنِ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّيْنِ تَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ، وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِيفَاءِ، فَصَارَ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي رَهَنَهُ بِهِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُتَّحِدٌ فَلَا يَتَفَرَّقُ بِالتَّسْمِيَةِ كَالْمَبِيعِ وَفِي الزِّيَادَاتِ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ أَحَدَهُمَا إذَا أَدَّى مَا سُمِّيَ لَهُ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ يَثْبُتُ فِي الرَّهْنِ بِتَسْمِيَةِ حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ شَرْطًا لِحِصَّةِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ حَتَّى إذَا قَبِلَ فِي أَحَدِهِمَا صَحَّ فِيهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ لَا يَتَعَدَّدُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ وَلِهَذَا لَوْ قَبِلَ الْبَيْعَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَتَضَرَّرُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ لِمَا أَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ بِضَمِّ الرَّدِيءِ إلَى الْجَيِّدِ فِي الْبَيْعِ فَيَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِالتَّفْرِيقِ وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَتَضَرَّرُ بِالتَّفْرِيقِ؛ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِهِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْأَصَحُّ.
قَالَ رحمه الله (، وَلَوْ رَهَنَ عَيْنًا عِنْدَ رَجُلَيْنِ صَحَّ) سَوَاءٌ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الدَّيْنِ أَوْ لَمْ يَكُونَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئًا يَفْسُدُ بِالْمُكْثِ إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَوَّلَ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْبُيُوعِ رَجُلٌ اشْتَرَى لَحْمًا أَوْ سَمَكًا فَذَهَبَ لِيَجِيءَ بِالثَّمَنِ فَأَبْطَأَ فَخَافَ الْبَائِعُ أَنْ يَفْسُدَ يَسَعُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَيَسَعُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَإِنْ عَلِمَ بِالْقَضِيَّةِ، أَمَّا الْبَائِعُ فَلِأَنَّهُ يَكُونُ رَاضِيًا بِالِانْفِسَاخِ، وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لِلْبَائِعِ حَلَّ لِلْمُشْتَرِي الشِّرَاءُ، فَإِنْ بَاعَ بِزِيَادَةٍ يَتَصَدَّقُ بِهَا، وَإِنْ بَاعَ بِنُقْصَانٍ فَالنُّقْصَانُ مَوْضُوعٌ عَنْ الْمُشْتَرِي وَهَذَا نَوْعُ اسْتِحْسَانٍ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ
دَفْعًا لِلضَّرَرِ
عَنْ الْبَائِعِ اهـ قَوْلُهُ فَالنُّقْصَانُ مَوْضُوعٌ عَنْ الْمُشْتَرِي كَذَا ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ مَا يَتَعَلَّقُ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ.
(قَوْلُهُ حَتَّى إذَا قَبِلَ فِي أَحَدِهِمَا صَحَّ) يَعْنِي إذَا قَالَ رَهَنْتُك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَبِلَ الْمُرْتَهِنُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ صَحَّ بِمَا سُمِّيَ لَهُ مِنْ الْحِصَّةِ فَكَذَلِكَ فِي الِانْتِهَاءِ يَحْتَمِلُ التَّفْرِيقَ، وَفِي الْبَيْعِ لَوْ قَبِلَ أَحَدَهُمَا لَمْ يَصِحَّ التَّفْرِيقُ فَكَذَلِكَ فِي الِانْتِهَاءِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْأَصَحُّ) أَيْ رِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ رحمه الله وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ الْمُقَابَلَةُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَلَكِنْ عَلَى وَجْهٍ تَقَعُ الْوَثِيقَةُ بِالْجُمْلَةِ فَلَوْ جَعَلْنَاهُ بِسَبِيلٍ مِنْ اسْتِرْدَادِ الْبَعْضِ عِنْدَ قَضَاءِ بَعْضِ الْمَالِ لَبَطَلَ مَعْنَى الْوَثِيقَةِ وَالضَّجَرُ الْحَاصِلُ بِحَبْسِ الْكُلِّ وَقَدْ مَرَّ تَمَامُ الْبَيَانِ مَرَّةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ الرَّهْنِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ الْبَيْعِ حَتَّى يَقْضِيَهُ الدَّيْنَ وَيُنْظَرُ ثَمَّةَ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِذَا رَهَنَهُ عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ أَوْ كُرَّ شَعِيرٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ جَعَلَهُ رَهْنًا بِهِ فَسَبِيلُ ذَلِكَ أَنْ يَقْسِمَ الدَّيْنَ عَلَى قِيمَةِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ فَمَا صَابَ كُلَّ عَبْدٍ أَوْ كُلَّ ثَوْبٍ أَوْ كُلَّ كُرٍّ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ تِلْكَ الْحِصَّةِ الَّتِي حِصَّتُهُ بِالْقِسْمَةِ وَمِنْ قِيمَةِ نَفْسِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمَّا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ الرَّهْنِ وَالضَّمَانُ مُنْقَسِمٌ وَجَبَ أَنْ يَنْقَسِمَ عَلَى الْمُتَّفِقِينَ بِالْأَجْزَاءِ وَعَلَى الْمُخْتَلِفِينَ بِالْقِيمَةِ كَمَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَى الْمَبِيعِ بِالْقِيمَةِ، وَأَمَّا إنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّةً مِنْ الدَّيْنِ لَمْ تُعْتَبَرْ الْقِيمَةُ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سُمِّيَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ فِي مُقَابَلَتِهِ مِقْدَارَ التَّسْمِيَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِالْقِيمَةِ كَالْمَبِيعَيْنِ إذَا سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَلَوْ رَهَنَهُ شَاتَيْنِ بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا إحْدَاهُمَا بِعِشْرِينَ وَالْأُخْرَى بِعَشَرَةٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُقَابِلَ بِالْعَشَرَةِ مِنْ الْأُخْرَى فَصَارَ الْمَرْهُونُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ مَجْهُولًا، وَهِيَ جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ عِنْدَ هَلَاكِ إحْدَاهُمَا فَأَوْجَبَ فَسَادَ الْعَقْدِ وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ وَلَوْ سَمَّى كَانَ جَائِزًا وَأَيُّهُمَا هَلَكَتْ هَلَكَتْ بِمَا فِيهَا وَالْأُخْرَى رَهْنٌ بِمَا سَمَّى لَهَا اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ رَهَنَ عَيْنًا عِنْدَ رَجُلَيْنِ صَحَّ) هَذَا إذَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْأَبْعَاضِ، فَإِنْ نَصَّ الرَّاهِنُ عَلَى الْأَبْعَاضِ وَقَالَ رَهَنْتُ مِنْكُمَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفَهَا لَا يَجُوزُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَذَكَرَ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ عَيْنًا وَاحِدَةً عِنْدَ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَانِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ لَمْ يَجُزْ وَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ
شَرِيكَيْنِ فِيهِ وَيَكُونُ جَمِيعُ الْعَيْنِ رَهْنًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ أُضِيفَ إلَى كُلِّ الْعَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَكُونُ شَائِعًا بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ جَعَلَهُ مَحْبُوسًا بِالدَّيْنِ، وَهُوَ لَا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي فَصَارَ كُلُّهُ مَحْبُوسًا بِدَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذْ لَا تَضَايُقَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَبْسِ؛ وَلِهَذَا الرَّهْنُ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَاءِ الدَّيْنِ بَلْ يَكُونُ كُلُّهُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ الدَّيْنِ وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ فَكَذَا هُنَا يَكُونُ مَحْبُوسًا بِدَيْنِهِمَا وَبِدَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ دَيْنِهِمَا فَلَا شُيُوعَ بِخِلَافِ الْهِبَةِ مِنْ رَجُلَيْنِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْكُلِّ فَيَثْبُتُ الشُّيُوعُ ضَرُورَةً، فَإِنْ تَهَايَآ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَوْبَتِهِ كَالْعِدْلِ فِي حَقِّ الْآخَرِ، وَهَذَا إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَجَزَّأُ وَجَبَ أَنْ يَحْبِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ، فَإِنْ دَفَعَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ إلَى الْآخَرِ وَجَبَ أَنْ يَضْمَنَ الدَّافِعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله خِلَافًا لَهُمَا وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةُ فِيمَا إذَا أَوْدَعَ عِنْدَ رَجُلَيْنِ شَيْئًا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ فَدَفَعَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ إلَى الْآخَرِ فَإِنَّ الدَّافِعَ يَضْمَنُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا قَالَ رحمه الله (وَالْمَضْمُونُ عَلَى كُلٍّ حِصَّةُ دَيْنِهِ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِالْهَلَاكِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيَقْسِمُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِمَّا يَقْبَلُ التَّجْزِيءَ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا فَالْكُلُّ رَهْنٌ عِنْدَ الْآخَرِ)؛ لِأَنَّ كُلَّهُ مَحْبُوسٌ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ لَهُ اسْتِرْدَادُ شَيْءٍ مِنْهُ مَا دَامَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بَاقِيًا كَمَا إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ وَاحِدًا وَكَالْمَبِيعِ إذَا أَدَّى أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ حِصَّتَهُ أَوْ مُشْتَرٍ وَاحِدٌ أَدَّى حِصَّةَ بَعْضِ الْمَبِيعِ
وَإِذَا رَهَنَ رَجُلَانِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا رَجُلًا رَهْنًا وَاحِدًا فَهُوَ جَائِزٌ وَالرَّهْنُ رَهْنٌ بِكُلِّ الدَّيْنِ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْسِكَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ يَحْصُلُ فِي الْكُلِّ مِنْ غَيْرِ شُيُوعٍ فَصَارَ هُوَ نَظِيرَ الْبَائِعِ وَهُمَا نَظِيرَ الْمُشْتَرِيَيْنِ قَالَ رحمه الله (وَبَطَلَ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ رَهَنَهُ عَبْدَهُ وَقَبَضَهُ) مَعْنَاهُ أَنَّ رَجُلًا فِي يَدِهِ عَبْدٌ فَأَقَامَ رَجُلَانِ بَيِّنَةً أَنَّهُ رَهَنَهُ الْعَبْدَ الَّذِي فِي يَدِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ بَيِّنَتَهُ أَنَّهُ رَهَنَهُ كُلَّ الْعَبْدِ فَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْوَاحِدَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ رَهْنًا لِهَذَا وَكُلُّهُ رَهْنًا لِهَذَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ بِهِ لِأَحَدِهِمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا وَجْهَ إلَى الْقَضَاءِ بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الشُّيُوعِ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ فَتَهَاتَرَتَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ كَأَنَّهُمَا ارْتَهَنَاهُ مَعًا اسْتِحْسَانًا لِجَهَالَةِ التَّارِيخِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى الْعَمَلِ بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَضَتْهُ الْحُجَّةُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَثْبَتَ بَيِّنَتَهُ حَبْسًا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى تَمَلُّكِ كُلِّ الْعَبْدِ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَبِالْقَضَاءِ يَثْبُتُ حَبْسٌ يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى تَمَلُّكِ شَطْرِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَكُونُ عَمَلًا عَلَى وَفْقِ الْحُجَّةِ فَكَانَ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ أَوْلَى لِقُوَّةِ أَثَرِهِ الْمُسْتَتِرِ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُثْبِتُ الْحَقَّ بِبَيِّنَةٍ عَلَى حِدَّةٍ وَلَمْ يَرْضَ بِمُزَاحَمَةِ الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا ارْتَهَنَا جُمْلَةً؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ وَاحِدٌ وَهُنَا يُثْبِتُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدًا آخَرَ وَالرَّهْنُ بِعَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَا يَجُوزُ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ الْفَرْقِ، فَإِذَا وَقَعَ بَاطِلًا
فَإِذَا هَلَكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا حُكْمَ لَهُ هَذَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا، فَإِذَا أَرَّخَا كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَقْدَمِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَهُ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِهِ كَدَعْوَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ أَوْ شِرَاءِ عَبْدٍ مِنْ وَاحِدٍ قَالَ رحمه الله:(وَلَوْ مَاتَ رَاهِنُهُ وَالْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا فَبَرْهَنَ كُلٌّ عَلَى مَا وَصَفْنَا كَانَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ رَهْنًا بِحَقِّهِ)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي الْقِيَاسِ هَذَا بَاطِلٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ الْحَبْسُ لِلِاسْتِيفَاءِ، وَهُوَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ لِعَقْدِ الرَّهْنِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِهِ حُكْمًا بِعَقْدِ الرَّهْنِ إذْ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِ عِلَّتِهِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ لِلشُّيُوعِ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يُرَادُ لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ لِحُكْمِهِ، وَحُكْمُهُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ الْحَبْسُ وَالشَّائِعُ لَا يَقْبَلُهُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ الِاسْتِيفَاءُ بِالْبَيْعِ مِنْ ثَمَنِهِ وَالشَّائِعُ يَقْبَلُهُ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى رَجُلَانِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ أَوْ ادَّعَتْ أُخْتَانِ أَوْ خَمْسُ نِسْوَةٍ النِّكَاحَ عَلَى رَجُلٍ فَإِنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ تَهَاتَرَتَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَقَبِلْنَاهَا بَعْدَ الْمَمَاتِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ ثُبُوتُ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَهُوَ لَا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ وَلَا الشَّرِكَةَ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ ثُبُوتُ مِلْكِ الْمَالِ بِالْإِرْثِ، وَهُوَ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ وَالِانْقِسَامَ وَقَوْلُهُ وَالْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَإِنْ تَهَايَآ إلَخْ) قَالَ فِي الْإِيضَاحِ فَإِذَا تَهَايَآ فَأَمْسَكَ هَذَا يَوْمًا وَالْآخَرُ يَوْمًا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَمْسِكُ كَالْعِدْلِ فِي حَقِّ الْآخَرِ إذَا هَلَكَ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِمَّا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا فَالْكُلُّ رَهْنٌ عِنْدَ الْآخَرِ) قَالَ فِي الشَّامِلِ وَلَوْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ لَمَا عُرِفَ أَنَّهُ رَهْنٌ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ بِتَمَامِهِ فَإِنْ هَلَكَ عِنْدَهُ بَعْدَ مَا قَضَى دَيْنَهُ يَسْتَرِدُّ مَا أَعْطَاهُ كَمَا لَوْ كَانَ وَاحِدًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَإِذَا رَهَنَ رَجُلَانِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مَذْكُورَةً فِي الْجَامِعِ (قَوْلُهُ فَالْبَيِّنَتَانِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فَإِنَّ الْبَيِّنَتَانِ اهـ.