الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانَ قَتْلًا فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ فَيَضْمَنُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرُوا مِنْ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ، وَكَذَا الْفِعْلُ وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْبَزَّاغِ وَالْفَصَّادِ وَالْحَجَّامِ وَالْخَتَّانِ بِالْعَقْدِ، وَإِقَامَةُ الْوَاجِبِ لَا تَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْوَلِيُّ مُخَيَّرٌ، بَلْ الْعَفْوُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقِ كَالْمُرُورِ عَلَى الطَّرِيقِ وَكَضَرْبِ الزَّوْجَةِ فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ
. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ قَطَعَ يَدَ الْقَاتِلِ وَعَفَا ضَمِنَ الْقَاطِعُ دِيَةَ الْيَدِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ يَدًا مِنْ نَفْسٍ لَوْ أَتْلَفَهَا لَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ، ثُمَّ أَسْلَمَ، ثُمَّ سَرَى، وَهَذَا لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ إتْلَافَهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ إذْ الْأَجْزَاءُ تَبَعٌ لِلنَّفْسِ فَبَطَلَ حَقُّهُ بِالْعَفْوِ فِيمَا بَقِيَ لَا فِيمَا اسْتَوْفَى وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَعْفُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْيَدِ، وَكَذَا إذَا عَفَا، ثُمَّ سَرَى لَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَالْقَطْعُ السَّارِي أَفْحَشُ مِنْ الْمُقْتَصِرِ أَوْ قَطَعَ وَمَا عَفَا وَمَا سَرَى، ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ أَوْ بَعْدَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ قِصَاصٌ فِي الْيَدِ فَقَطَعَ أَصَابِعَهُ، ثُمَّ عَفَا عَنْ الْيَدِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ أَرْشَ الْأَصَابِعِ مِنْ الْكَفِّ كَالْأَطْرَافِ مِنْ النَّفْسِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ فَيَضْمَنُ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَتْلِ لَا فِي الْقَطْعِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ إذْ كَانَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ الطَّرَفَ تَبَعًا لِلنَّفْسِ، وَإِذَا سَقَطَ الْقَوَدُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ فِي الْحَالِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَصِيرَ قَتْلًا بِالسِّرَايَةِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَحَقُّهُ فِي الطَّرَفِ ثَبَتَ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ حَقِّ الْقَتْلِ وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ لَا قَبْلَهُ، فَإِذَا وُجِدَ الِاسْتِيفَاءُ ظَهَرَ حَقُّهُ فِي الطَّرَفِ تَبَعًا، وَإِذَا لَمْ يَسْتَوْفِ لَمْ يَظْهَرْ حَقُّهُ فِي الطَّرَفِ لَا أَصْلًا وَلَا تَبَعًا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْفُ فَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ لِمَانِعٍ وَهُوَ قِيَامُ الْحَقِّ فِي النَّفْسِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَمْلِكَ قَتْلَهُ وَتَكُونَ أَطْرَافُهُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بِالْعَفْوِ ظَهَرَ حُكْمُ السَّبَبِ، وَإِذَا سَرَى فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ لِلْقَتْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْعَفْوَ كَانَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَوْ قَطَعَ وَمَا عَفَا وَبَرَأَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ، وَلَوْ قَطَعَ، ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ انْعَقَدَ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ السِّرَايَةَ فَكَانَ حَزُّ الرَّقَبَةِ تَتْمِيمًا لِمَا انْعَقَدَ لَهُ الْقَطْعُ فَلَا يَضْمَنُ حَتَّى لَوْ حَزَّ رَقَبَتَهُ بَعْدَ الْبُرْءِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ ظُهُورَ حَقِّهِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ فِي التَّوَابِعِ وَإِنَّمَا دَخَلَتْ فِي النَّفْسِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْ إتْلَافِهَا وَالْأَصَابِعُ تَابِعَةٌ قِيَامًا وَالْكَفُّ تَابِعٌ لَهَا عَرَضًا؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ تَقُومُ بِالْأَصَابِعِ بِخِلَافِ الطَّرَفِ فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ
(بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ)
قَالَ رحمه الله (وَلَا يُقَيَّدُ حَاضِرٌ بِحُجَّتِهِ إذَا أَخُوهُ غَابَ عَنْ خُصُومَتِهِ فَإِنْ يَعُدْ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهِ لَيَقْتُلَا، وَلَوْ خَطَأً أَوْ دَيْنًا لَا) أَيْ إذَا قَتَلَ شَخْصٌ وَلَهُ وَلِيَّانِ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ فَأَقَامَ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَتْلِ لَا يُقْتَلُ الْقَاتِلُ قِصَاصًا فَإِنْ عَادَ الْغَائِبُ، فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَقْتُلَاهُ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ، بَلْ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ إعَادَةِ تِلْكَ الْبَيِّنَةِ لِيَقْتُلَاهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا لَا يُعِيدُ، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً أَوْ دَيْنًا لَا يُعِيدُهَا بِالْإِجْمَاعِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ يُحْبَسُ إذَا أَقَامَ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالْقَتْلِ وَالْمُتَّهَمُ يُحْبَسُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالْقِصَاصِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْغَائِبُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِصَاصِ الِاسْتِيفَاءُ وَالْحَاضِرُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ خَطَأً أَوْ دَيْنًا؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ مَتَى أَقَامَهَا مَنْ لَهُ الْخُصُومَةُ تَكُونُ مُعْتَبَرَةً مُلْزَمَةً فَلَمْ يَجِبْ إعَادَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَأَحَدُ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنْ شُرَكَائِهِ فِيمَا يَدَّعِي لِلْمَيِّتِ وَعَلَى الْمَيِّتِ كَمَا فِي دَعْوَى الْخَطَأِ وَدَعْوَى الْمَالِ وَالْقِصَاصِ مَوْرُوثٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَإِنْ قَطَعَ) أَيْ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ اهـ (قَوْلُهُ: وَالْقَطْعُ السَّارِي أَفْحَشُ مِنْ الْمُقْتَصِرِ) فَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ السَّارِيَ لَا يَضْمَنُ الْمُقْتَصِرَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ فِي الْحَالِ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَ الْمَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ فِي الْحَالِ وَلَا يَتَوَقَّفَ عَلَى الْبُرْءِ كَمَا فِي الْجِنَايَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ)؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْبُرْءِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَطْعَ بِغَيْرِ حَقٍّ. اهـ.
[بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ]
(بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ). لَمَّا كَانَتْ الشَّهَادَةُ بِالْقَتْلِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْقَتْلِ أَوْرَدَهَا عَقِيبَ حُكْمِ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ صَارَ كَالتَّابِعِ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً إلَخْ) قَالَ فِي الْحَقَائِقِ، وَلَوْ كَانَتْ دَعْوَى فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ بِالدِّيَةِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ، وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يُكَلَّفُ إعَادَةَ بَيِّنَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْقِصَاصُ مَوْرُوثٌ) أَيْ يُثْبِتُ مِلْكَ الْقَوَدِ لِلْمُوَرِّثِ، ثُمَّ لِلْوَارِثِ اهـ. (فَرْعٌ). قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ لِلْأَبِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُمَا، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ.
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الصُّلْحِ عَنْ النَّفْسِ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَذَكَرَ فِي الصُّلْحِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْقَاضِي ذَكَرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ لِلصَّغِيرِ لَا فِي النَّفْسِ وَلَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا أَنْ يُصَالِحَ، وَذَكَرَ فِي الصُّلْحِ إذَا قَتَلَ رَجُلًا لَا وَلِيَّ لَهُ عَمْدًا لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يُصَالِحَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ وَيَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ مَنْ يَسْتَحِقُّ مِيرَاثَهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ، وَكَذَا الدِّيَةُ اهـ. وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ؛ وَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ وَالْمُسْتَحِقُّ لِلْقِصَاصِ مَنْ يَسْتَحِقُّ مَالَ الْقَتِيلِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ، وَكَذَا الدِّيَةُ اهـ.
عَنْ الْمَيِّتِ حَتَّى تَجْرِيَ فِيهِ سِهَامُ الْوَرَثَةِ وَيَصِحَّ عَفْوُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَتُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهُ إذَا انْقَلَبَ مَالًا، وَكَذَا تُنَفَّذُ وَصَايَاهُ مِنْهُ كَمَا فِي الدِّيَةِ، فَإِذَا لَمْ تَجِبْ إعَادَةُ الْبَيِّنَةِ فِي أَحَدِ بَدَلَيْ الدَّمِ وَهُوَ الدِّيَةُ فَكَذَا فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ وَهُوَ الْقِصَاصُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْقِصَاصَ غَيْرُ مَوْرُوثٍ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِلتَّشَفِّي وَدَرْكِ الثَّأْرِ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ بِسَبَبٍ انْعَقَدَ لِلْمَيِّتِ أَيْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فَيَسْتَحِقُّونَهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمَيِّتِ كَالْعَبْدِ يَقْبَلُ الْهِبَةَ يَقَعُ الْمِلْكُ فِيهِمَا لِلْمَوْلَى ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِلْكُ الْفِعْلِ فِي الْمَحَلِّ بَعْدَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْفِعْلُ مِنْ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا صَحَّ عَفْوُ الْوَرَثَةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ وَإِنَّمَا صَحَّ الْمَجْرُوحُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ انْعَقَدَ لَهُ وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33]، نَصَّ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الدِّيَةِ وَالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَهْلٌ لِمِلْكِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ يَمْلِكُهُ وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ حَقُّ الْوَرَثَةِ عِنْدَهُ وَحَقُّ الْمَيِّتِ عِنْدَهُمَا، فَإِذَا كَانَ الْقِصَاصُ يَثْبُتُ حَقًّا لِلْوَرَثَةِ عِنْدَهُ ابْتِدَاءً لَا يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ خَصْمًا عَنْ الْآخَرِينَ فِي إثْبَاتِ حَقِّهِمْ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ مِنْهُ فَبِإِقَامَةِ الْحَاضِرِ الْبَيِّنَةَ لَا يَثْبُتُ الْقِصَاصُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ فَيُعِيدُهَا بَعْدَ حُضُورِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنَّ الْقِصَاصَ إذَا انْقَلَبَ مَالًا يَصِيرُ حَقًّا لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْقَلَبَ مَالًا صَارَ صَالِحًا لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِ فَصَارَ مُفِيدًا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِصِحَّةِ عَفْوِ الْمُوَرِّثِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُوَ مُعَارَضٌ بِعَفْوِ الْوَارِثِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ بَعْدَ الْجَرْحِ اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ السَّبَبِ فَلَوْلَا أَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ لَهُ ابْتِدَاءً لَمَا صَحَّ عَفْوُهُ
. قَالَ رحمه الله (فَإِنْ أَثْبَتَ الْقَاتِلُ عَفْوَ الْغَائِبِ لَمْ يُقَدْ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا كَانَ الْحَاضِرُ خَصْمًا وَسَقَطَ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى حَقًّا عَلَى الْحَاضِرِ وَهُوَ سُقُوطُ حَقِّهِ فِي الْقِصَاصِ وَانْقِلَابُ نَصِيبِهِ مَالًا وَلَا يُتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِهِ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ فَانْتَصَبَ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِذَا قُضِيَ عَلَيْهِ صَارَ الْغَائِبُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُ
. قَالَ رحمه الله (وَكَذَا لَوْ قُتِلَ عَبْدُهُمَا وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ) أَيْ لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقُتِلَ عَمْدًا وَأَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ غَائِبٌ فَحُكْمُهُ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْوَلِيَّيْنِ حَتَّى لَا يُقْتَلَ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا الْحَاضِرُ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ بَعْدَ عَوْدِ الْغَائِبِ، وَلَوْ أَقَامَ الْقَاتِلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا فَالشَّاهِدُ خَصْمٌ وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ لِمَا بَيَّنَّا فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِثْلُ الْأُولَى فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَا يَكُونُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا فِي الْكُلِّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فِي الْخَطَأِ أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ خَصْمٌ عَنْ الْبَاقِينَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا كَذَلِكَ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ
. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ شَهِدَ وَلِيَّانِ بِعَفْوِ ثَالِثِهِمَا لَغَتْ) أَيْ إذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ ثَلَاثَةً فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى الثَّالِثِ أَنَّهُ عَفَا فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا نَفْعًا وَهُوَ انْقِلَابُ الْقَوَدِ مَالًا وَهُوَ عَفْوٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا زَعَمَا أَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ سَقَطَ وَزَعْمُهُمَا مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا. قَالَ رحمه الله (فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ فَالدِّيَةُ لَهُمْ أَثْلَاثًا) أَيْ صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ دُونَ الْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ إيَّاهُمَا أَقَرَّ لَهُمَا بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ فَيَلْزَمُهُ لَكِنْ يَزْعُمُونَ كُلُّهُمْ أَنَّ نَصِيبَ الْوَلِيِّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ عَفْوُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ) قَالَ قَاضِيخَانْ فِي الْوَصَايَا جَرِيحٌ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُعْفَى عَنْ قَاتِلِهِ وَالْقَتْلُ عَمْدٌ كَانَ بَاطِلًا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِصَاصَ غَيْرُ مَوْرُوثٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْمَيِّتِ مِنْ وَجْهٍ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً مِنْ وَجْهٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي وَدَرْكِ الثَّأْرِ، وَهَذَا حَقٌّ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ حَقُّ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا إذَا انْقَلَبَ مَالًا تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ، وَإِذَا كَانَ الْقِصَاصُ حَقًّا لِلْوَرَثَةِ مِنْ وَجْهٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَصِبَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْوَارِثِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ حَقَّ نَفْسِهِ لَا حَقَّ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ وَلِيٍّ آخَرَ، فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْمَيِّتِ مِنْ وَجْهٍ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ مِنْ وَجْهٍ ثَبَتَ الْقَتْلُ مِنْ وَجْهٍ أَيْضًا وَالثُّبُوتُ مِنْ وَجْهٍ أَوْرَثَ الشُّبْهَةَ وَالْمُتَّهَمُ يُحْبَسُ بِخِلَافِ الدِّيَةِ فَإِنَّهُ حَقُّ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا فَجَازَ أَنْ يَنْتَصِبَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَالشَّاهِدُ خَصْمٌ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَاضِرُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَكَذَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ اهـ فَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. .
1 -
(فَرْعٌ). اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ ثَلَاثَةً فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى الثَّالِثِ بِالْعَفْوِ فَلَا يَخْلُو الْحَالُ مِنْ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ لَا زَائِدَ عَلَيْهَا الْأَوَّلُ أَنْ يُصَدِّقَهُمَا الْقَاتِلُ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، الثَّانِي أَنْ يُكَذِّبَهُمَا الْقَاتِلُ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، الثَّالِثُ أَنْ يُصَدِّقَهُمَا الْقَاتِلُ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، الرَّابِعُ عَكْسُهُ وَهُوَ أَنْ يُكَذِّبَهُمَا الْقَاتِلُ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، فَالثَّانِي وَالثَّالِثُ حُكْمُهُمَا مَعْلُومٌ مِنْ الْمَتْنِ وَالرَّابِعُ ذَكَرَ حُكْمَهُ الشَّارِحُ وَالْأَوَّلُ الْحُكْمُ فِيهِ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ نَصِيبُ الشَّاهِدَيْنِ مَالًا وَيَبْطُلُ حَقُّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ اهـ. وَهَذَا التَّقْسِيمُ مِمَّا ظَهَرَ لِي حَالَ الْمُطَالَعَةِ، ثُمَّ رَأَيْت الْأَتْقَانِيَّ رحمه الله ذَكَرَهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ اهـ. (فَرْعٌ آخَرُ). قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ بِسَيْفٍ، وَقَالَ الْآخَرُ إنَّهُ طَعَنَهُ بِرُمْحٍ أَوْ شَهِدَ أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ رَمَاهُ بِسَهْمٍ أَوْ اخْتَلَفَا فِي مَكَانِ الْقَتْلِ أَوْ وَقْتِهِ أَوْ مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ مِنْ بَدَنِهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ اهـ
الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَدْ سَقَطَ بِعَفْوِهِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ عَلَيْهِ وَيُحَوَّلُ نَصِيبُهُ أَيْضًا مَالًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ كُلُّ الدِّيَةِ. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ كَذَّبَهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُ الدِّيَةِ) أَيْ إنْ كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ أَيْضًا بَعْدَ أَنْ كَذَّبَهُمَا الْوَلِيُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ فَلَا شَيْءَ لِلْوَلِيَّيْنِ الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ أَقَرَّا بِبُطْلَانِ حَقِّهِمَا فِي الْقِصَاصِ فَصَحَّ إقْرَارُهُمَا فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا وَادَّعَيَا انْقِلَابَهُ مَالًا فَلَا يُصَدَّقُ دَعْوَاهُمَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلِلْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا الْعَفْوَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُنْكِرُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَفْوِ مِنْهُمَا فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَيَنْقَلِبُ نَصِيبُهُ مَالًا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقِصَاصِ مُضَافٌ إلَيْهِمَا وَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْوَلِيُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ دُونَ الْقَاتِلِ ضَمِنَ الْقَاتِلُ ثُلُثَ الدِّيَةِ لِلْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ لَهُ الثُّلُثُ وَهُوَ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْئًا بِدَعْوَاهُ الْعَفْوَ قُلْنَا ارْتَدَّ إقْرَارُهُ بِتَكْذِيبِ الْقَاتِلِ إيَّاهُ فَوَجَبَ لَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ عَلَيْهِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَانَ هَذَا الثُّلُثُ لِلشَّاهِدَيْنِ لَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ عَفَا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلِلشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْقَاتِلِ ثُلُثَا الدِّيَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَاَلَّذِي فِي يَدِهِ وَهُوَ ثُلُثُ الدِّيَةِ مَالُ الْقَاتِلِ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمَا فَيُصْرَفُ إلَيْهِمَا لِإِقْرَارِهِ لَهُمَا بِذَلِكَ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَيْسَ لِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ لِفُلَانٍ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا كُلُّهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْقَاتِلَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْقَاتِلِ وَلَمْ يَثْبُتْ لِإِنْكَارِهِ وَمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاتِلُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَدْ بَطَلَ بِإِقْرَارِهِ بِالْعَفْوِ لِكَوْنِهِ تَكْذِيبًا لَهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَاتِلَ بِتَكْذِيبِهِ الشَّاهِدَيْنِ قَدْ أَقَرَّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ سَقَطَ بِشَهَادَتِهِمَا كَمَا إذَا عَفَيَا وَالْمُقَرُّ لَهُ مَا كَذَّبَ الْقَاتِلَ حَقِيقَةً، بَلْ أَضَافَ الْوُجُوبَ إلَى غَيْرِهِ بِجَعْلِ الْوَاجِبِ لِلشَّاهِدَيْنِ وَفِي مِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ الْإِقْرَارُ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَيْسَ لِي وَلَكِنَّهُ لِفُلَانٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ ضَرَبَهُ فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ يَقْتَصُّ)؛ لِأَنَّهُ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَفِي ذَلِكَ الْقِصَاصُ عَلَى مَا عُرِفَ وَالشَّهَادَةُ عَلَى قَتْلِ الْعَمْدِ تَتَحَقَّقُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُخْطِئًا لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يُطْلِقُوهُ، بَلْ يَقُولُونَ قَصَدَ غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ بِسَبَبِ الضَّرْبِ إنَّمَا يُعْرَفُ إذَا صَارَ بِالضَّرْبِ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَدَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ وَتَأْوِيلُهُ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِشَيْءٍ جَارِحٍ
. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْقَتْلِ فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ فِيمَا وَقَعَ بِهِ الْقَتْلُ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِعَصًا، وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ أَدْرِ بِمَاذَا قَتَلَهُ بَطَلَتْ)؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَكَرَّرُ فَالْقَتْلُ فِي زَمَانٍ أَوْ فِي مَكَان غَيْرُ الْقَتْلِ فِي مَكَان آخَرَ أَوْ زَمَانٍ آخَرَ، وَكَذَا الْقَتْلُ بِآلَةٍ غَيْرِ الْقَتْلِ بِآلَةٍ أُخْرَى وَتَخْتَلِفُ الْأَحْكَامُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَكَانَ عَلَى كُلِّ قَتْلٍ شَهَادَةُ فَرْدٍ فَلَمْ يُقْبَلْ؛ وَلِأَنَّ اتِّفَاقَ الشَّاهِدَيْنِ شَرْطٌ لِلْقَبُولِ فَلَمْ يُوجَدْ؛ وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ بِكَذِبِ أَحَدِهِمَا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ مَا ذَكَرْنَا فَلَا يُقْتَلُ بِمِثْلِهِ، وَكَذَا لَوْ كَمُلَ النِّصَابُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَتَيَقَّنَ الْقَاضِي بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ وَعَدَمُ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالْقَبُولِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَمُلَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ دُونَ الْآخَرِ حَيْثُ يُقْبَلُ الْكَمَالُ مِنْهُمَا لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ، وَأَمَّا إذَا بَيَّنَ أَحَدُهُمَا الْآلَةَ، وَقَالَ الْآخَرُ لَا أَدْرِي بِمَاذَا قَتَلَهُ فَلِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُغَايِرُ الْمُقَيَّدَ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَالْمُقَيَّدُ مَوْجُودٌ فَاخْتَلَفَا، وَكَذَا أَيْضًا حُكْمُهُمَا مُخْتَلِفٌ فَإِنَّ مَنْ قَالَ قَتَلَهُ بِعَصَا يُوجِبُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَنْ قَالَ لَا أَعْلَمُ عَلَى الْقَاتِلِ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ فَبَطَلَتْ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِعَصَا، وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ أُرِدْ بِمَاذَا قَتَلَهُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَتْلِ مُعَايَنَةً وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِذَلِكَ كَانَ بَاطِلًا لِاخْتِلَافِ الْمَشْهُودِ بِهِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا فِعْلٌ وَالْآخَرَ قَوْلٌ
. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَقَالَا لَا نَدْرِي بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَهُ وَجَبَ فِيهِ الدِّيَةُ) فِي مَالِهِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِقَتْلِ مَجْهُولٍ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ إذَا جُهِلَتْ فَقَدْ جُهِلَ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ، فَيَكُونُ هَذَا غَفْلَةً مِنْ الشُّهُودِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ وَالْمُطْلَقُ لَيْسَ بِمُحْمَلٍ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِ فَيَجِبُ أَقَلُّ مُوجِبَيْهِ وَهُوَ الدِّيَةُ وَلَا يُحْمَلُ قَوْلُهُمَا لَا نَدْرِي عَلَى الْغَفْلَةِ، بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمَا سَعَيَا لِلدَّرْءِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ فِي الْعُقُوبَاتِ إحْسَانًا لِلظَّنِّ بِهِمَا وَمِثْلُ ذَلِكَ سَائِغٌ شَرْعًا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَطْلَقَ الْكَذِبَ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ عَلَى مَا. قَالَ عليه الصلاة والسلام
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ قَوْلُ) الَّذِي فِي نُسْخَةِ الْعَلَّامَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَنُسْخَةِ الزراتيني الْمُقَابَلَةِ عَلَى نُسْخَةِ الشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْآخَرُ قَوْلُ وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَهُ إلَخْ، وَلَيْسَ فِيهِمَا قَالَ رحمه الله. اهـ.