الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31] الْحَرَائِرُ، وَلَمْ تَدْخُلْ الْإِمَاءُ فِيهَا فَبَيَّنَ حُكْمَهُنَّ كَمَا بَيَّنَ حُكْمَ الْحَرَائِرِ؛ لِأَنَّا لَا نَعْرِفُ الْحُكْمَ إلَّا مِنْ الشَّارِعِ، وَهُنَّ لَمْ يُذْكَرْنَ فِي هَذَا الْمَعْنَى إلَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَكَانَتْ بَيَانًا لِحُكْمِهِنَّ، وَكَذَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَحْرَمٌ لَهَا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا مُؤَقَّتَةٌ فَصَارَتْ كَالْمُزَوَّجَةِ بِالْغَيْرِ أَوْ أُخْتِ زَوْجَتِهِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ مَعَهُ، وَلَوْ كَانَ مَحْرَمًا لَجَازَ.
قَالَ رحمه الله: (وَيَعْزِلُ عَنْ أَمَتِهِ بِلَا إذْنِهَا، وَعَنْ زَوْجَتِهِ بِإِذْنِهَا)؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ الْعَزْلِ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا، وَقَالَ لِمَوْلَى أَمَةٍ اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت؛ وَلِأَنَّ الْحُرَّةَ لَهَا حَقٌّ فِي الْوَطْءِ حَتَّى كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ قَضَاءً لِلشَّهْوَةِ، وَتَحْصِيلًا لِلْوَلَدِ وَلِهَذَا تُخَيَّرُ فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، وَلَا حَقَّ لِلْأَمَةِ فِي الْوَطْءِ وَالْعَزْلُ يُخِلُّ بِمَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ فَلَا يَمْلِكُ تَنْقِيصَ حَقِّ الْحُرَّةِ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَيَنْفَرِدُ بِهِ فِي حَقِّ الْأَمَةِ، وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةُ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ الْعَزْلُ إلَّا بِإِذْنِهَا؛ لِأَنَّهُ تَكْمِيلٌ لِحَقِّهَا وَالْوَطْءُ حَقُّ الزَّوْجَةِ وَلِهَذَا كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله الْإِذْنُ إلَى مَوْلَاهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي النِّكَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ)
قَالَ رحمه الله (مَنْ مَلَكَ أَمَةً حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا، وَلَمْسُهَا وَالنَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحُبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ» هَذَا يُفِيدُ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ بِسَبَبِ اسْتِحْدَاثِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ التَّعَرُّفُ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحْتَرَمَةِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ وَالْأَنْسَابِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ وَالْوَلَدِ عَنْ الْهَلَاكِ، وَذَلِكَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الشَّغْلِ أَوْ تَوَهُّمِهِ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ لَا يُدَّعَى الْوَلَدُ فَيَهْلِكُ مَعْنًى إذْ مَنْ لَا نَسَبَ لَهُ هَالِكٌ مَعْنًى أَوْ لِعَدَمِ مَنْ يُرَبِّيهِ، وَيُثَقِّفُهُ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ إرَادَةُ الْوَطْءِ وَالْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي يُرِيدُهُ دُونَ الْبَائِعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ الْإِرَادَةَ أَمْرٌ مَبْطَنٌ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى دَلِيلِهَا، وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ وَالتَّمَكُّنُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْمِلْكِ وَالْيَدِ فَانْتَصَبَ سَبَبًا وَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ تَيْسِيرًا فَكَانَ السَّبَبُ اسْتِحْدَاثُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ الْمُؤَكَّدِ بِالْيَدِ، وَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ، وَمِنْ الْمَرْأَةِ وَالْمَمْلُوكِ، وَمِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا الِاسْتِبْرَاءُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمُشْتَرَاةُ بِكْرًا لَمْ تُوطَأْ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ، وَإِدَارَةِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ دُونَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ، وَهِيَ فَرَاغُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةُ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ مَنْكُوحَةً فَالْإِذْنُ إلَى الْمَوْلَى فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا جَمِيعًا بِلَا خِلَافٍ مِنْهُمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي كِتَابِ الْآثَارِ أَيْضًا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْعَزْلِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ حَقُّهَا لَا حَقُّ مَوْلَاهَا. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْوَلَدَ حَقُّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ فَكَانَ الْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ إلَيْهِ كَالْحُرَّةِ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ يَعْزِلُ عَنْ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا خَوْفًا مِنْ الْوَلَدِ السُّوءِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي آخِرِ الْكَرَاهِيَةِ. اهـ.
[فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ]
(قَوْلُهُ: فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ)، وَهُوَ طَلَبُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ عَنْ الْحَمْلِ، وَهُوَ نَوْعَانِ مُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ أَنَّ الْبَائِعَ يَسْتَبْرِئُهَا إذَا أَرَادَ بَيْعَهَا وَوَاجِبٌ، وَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَعِنْدَ مَالِكٍ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْبَائِعِ صِيَانَةً لِمَائِهِ إذْ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا عَلَقَتْ مِنْهُ، وَلَنَا أَنَّهَا مِلْكُ الْبَائِعِ وَحَقُّهُ قَائِمٌ فِي الْوَطْءِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، وَمَا قَالَهُ مِنْ الصِّيَانَةِ يَحْصُلُ بِاسْتِبْرَاءِ الْمُشْتَرِي. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْطَاسٍ) مَوْضِعٌ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُسْتَبْرَأْنَ) بِالْهَمْزِ لَا غَيْرُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْبَائِعِ)، وَقَالَ النَّخَعِيّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الصِّيَانَةَ كَمَا تَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي تَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ، وَقَالَ الْبَتِّيُّ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لِصِيَانَةِ مَاءِ الْبَائِعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ. اهـ كَيْ (قَوْلُهُ: كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ) أَيْ وَالصَّدَقَةِ وَالْقِسْمَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ. اهـ. خَانْ
(قَوْلُهُ: وَالْكِتَابَةِ) أَيْ بِأَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى جَارِيَةٍ لَا يَحِلُّ لِلْمَوْلَى وَطْءُ الْجَارِيَةِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَلِكَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ كَمَا إذَا تَصَدَّقَ عَلَى الْفَقِيرِ بِجَارِيَةٍ يَجِبُ اسْتِبْرَاءُ الْفَقِيرِ، وَكَذَا إذَا آجَرَ دَارِهِ إلَى سَنَةٍ عَلَى جَارِيَةٍ لَا يَحِلُّ وَطْءُ الْمُؤَجِّرِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ كَالدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ) أَيْ بِأَنْ بَاعَهَا أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَمْلُوكُ) أَيْ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إذَا اشْتَرَى الْجَارِيَةَ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ اسْتِحْسَانًا بَيَانُهُ فِيمَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَ عَبْدِهِ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يُجْزِئَ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْ عِنْدَ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ رَقَبَتَهُ، وَمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْكَسْبِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِهِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَبْدَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ مُكَاتَبِهِ فَعَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَكَاسِبَ مُكَاتَبِهِ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَمِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا) أَيْ كَأُخْتِ الْبَائِعِ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ جَارِيَةٍ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ، وَأَبُوهُ اسْتَمْتَعَ بِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لَمْ تُوطَأْ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ) أَيْ، وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَا اسْتِبْرَاءَ فِي الْبِكْرِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَإِدَارَةُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ دُونَ الْحِكَمِ) هِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ جَمْعُ حِكْمَةٍ يَعْنِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي وُجُوبِ
الرَّحِمِ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا لِخَفَاءِ الشَّغْلِ فَيُعْتَبَرُ تَحَقُّقُ السَّبَبِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الشَّغْلِ، وَلَا يَعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا أَثْنَائِهَا، وَلَا بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَا بِالْوِلَادَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بَعْدَ الْأَسْبَابِ قَبْلَ الْقَبْضِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رحمه الله؛ لِأَنَّ السَّبَبَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ، وَقَبْلَ وُجُودِ الِاثْنَيْنِ لَا يَعْتَدُّ بِهِ إذَا الْحُكْمُ لَا يَسْبِقُ سَبَبَهُ، وَكَذَا لَا يَعْتَدُّ بِالْحَاصِلِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَلَا بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا صَحِيحًا لِمَا بَيَّنَّا، وَيَجِبُ إذَا اشْتَرَى نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَمَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى تَمَامِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ آخِرُ الْأَوْصَافِ، وَيُجْتَزَأُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا، وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ بِأَنْ كَاتَبَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمَجُوسِيَّةُ أَوْ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ لِوُجُودِهَا بَعْدَ السَّبَبِ، وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ، وَهُوَ مُقْتَضٍ لِلْحِلِّ وَالْحُرْمَةُ لِمَانِعٍ، وَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إذَا رَجَعَتْ الْآبِقَةُ وَرُدَّتْ الْمَغْصُوبَةُ وَالْمُسْتَأْجَرَةُ أَوْ فُكَّتْ الْمَرْهُونَةُ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ، وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ، وَهُوَ سَبَبٌ مُتَعَيِّنٌ فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وُجُودًا وَعَدَمًا. وَلَوْ أَقَالَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله أَوَّلًا يَقُولُ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهَا زَالَتْ عَنْ مِلْكِهِ وَالْآنَ مَلَكَهَا ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ لَا يَجِبُ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ بَعْدَمَا حَاضَتْ عِنْدَ الْعَبْدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ يَجْتَزِأُ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى وُجُودِ مِلْكِ الْمَوْلَى وَعَدَمِهِ، وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ، وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَبْطَلَ الْبَيْعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ لِعَدَمِ خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ، وَلَوْ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَتَهُ، وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَطَأْهَا، وَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا فَعَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ، وَلَوْ زَوَّجَهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
وَلَوْ زَوَّجَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجِبُ، وَإِذَا حَرُمَ الْوَطْءُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ حَرُمَ الدَّوَاعِي أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْوَطْءِ أَوْ يَحْتَمِلُ وُقُوعَهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الِاسْتِبْرَاءِ اسْتِحْدَاثُ مِلْكِ الْيَمِينِ وَالْيَدِ وَالْحِكْمَةُ تَعَرُّفُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَقَدْ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَيْ فِي الْمُشْتَرَاةِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ، وَمِنْ الْمَرْأَةِ، وَفِي الْمُشْتَرَاةِ الْبِكْرِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ مَعَهَا أَيْضًا، وَهُوَ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْحِكْمَةُ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا مَاءَ لَهُ وَالْمَرْأَةُ لَا تُوطَأُ وَالْبِكْرُ لَيْسَتْ بِمَوْطُوءَةٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ، وَلَا يَدُورُ مَعَ الْحِكْمَةِ فَاعْتُبِرَ تَحَقُّقُ السَّبَبِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الشَّغْلِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ حَقِيقَةُ الشَّغْلِ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُتَصَوَّرُ تَوَهُّمُ الشَّغْلِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ قُلْت يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ جَارِيَةُ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَرْأَةُ مَوْطُوءَةً بِشُبْهَةٍ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْوَاطِئِ فَيَثْبُتُ تَوَهُّمُ الشَّغْلِ، وَأَمَّا الْبِكْرُ فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُجَامِعُهَا فَيَسْبِقُ الْمَاءُ فَتَحْبَلُ مَعَ بَقَاءِ الْبَكَارَةِ فَيَثْبُتُ تَوَهُّمُ الشَّغْلِ أَيْضًا بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَا بِالْوِلَادَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بَعْدَ الْأَسْبَابِ إلَخْ) قَالَ قَاضِيخَانْ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ قَبَضَهَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ نِفَاسِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ يُجْتَزَأُ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ
1 -
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي الْأَصْلِ عِلَّةُ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ اسْتِحْدَاثُ حِلِّ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي فَرْجٍ فَارِغٍ مِنْ جِهَةِ الْغَيْرِ، وَشَرْطُهُ تَوَهُّمُ شَغْلِ الرَّحِمِ وَالْحِكْمَةُ صِيَانَةُ الْوَلَدِ. رَجُلٌ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً هِيَ بِكْرٌ أَوْ حَرَامٌ عَلَى الْبَائِعِ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ أَوْ اشْتَرَى جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ مِنْ الْجَارِيَةِ أَوْ يَمْلِكُ الْجَارِيَةَ بِالْإِرْثِ أَوْ الْخُلْعِ أَوْ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ. اهـ. فَقَوْلُهُ: أَوْ اشْتَرَى جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ أَيْ بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ الْجُزْءُ مُكَمِّلًا لِلْمِلْكِ فِي جَمِيعِ الْأَمَةِ أَمَّا لَوْ مَلَكَ ابْتِدَاءً جُزْءًا مِنْ أَمَةٍ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ قَلِيلًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ كَثِيرًا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَتِمَّ حِينَئِذٍ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَعْتَدُّ بِالْحَاصِلِ) أَيْ بِالِاسْتِبْرَاءِ الْحَاصِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي) أَيْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمَجُوسِيَّةُ) أَيْ بَعْدَمَا اسْتَبْرَأَهَا وَحَاضَتْ فِي حَالِ مَجُوسِيَّتِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إذَا رَجَعَتْ الْآبِقَةُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَفِي الْآبِقِ تَفْصِيلٌ لَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ أَبْقَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَتْ إلَى صَاحِبِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهَا، وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا، وَلَوْ أَخَذُوهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ آبِقَةٌ، وَأَحْرَزُوهَا فِي دَارِهِمْ مَلَكُوهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا فَإِذَا عَادَتْ إلَى مَوْلَاهَا فَعَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ الْآبِقَةِ فِي الْمَتْنِ هِيَ الَّتِي أَبْقَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يُحْرِزْهَا الْعَدُوُّ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى مَوْلَاهَا. اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا حَرُمَ الْوَطْءُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ حَرُمَ الدَّوَاعِي أَيْضًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ وَحَرُمَ الْوَطْءُ حَرُمَ دَوَاعِي الْوَطْءِ أَيْضًا مِنْ اللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رُوِيَ عَنْ أَبِي مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِالْقُبْلَةِ وَالْمُلَامَسَةِ بَأْسًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَانَ إنَّمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ، وَلَيْسَ فِي الْقُبْلَةِ وَالْمُلَامَسَةِ هَذَا الْمَعْنَى. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الدَّاعِيَ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُحْتَمَلُ وُقُوعُهُ) أَيْ وُقُوعُ الدَّاعِي. اهـ
فِي غَيْرِ الْمِلْكِ عَلَى اعْتِبَارِ الْحَبَلِ وَدَعْوَةِ الْبَائِعِ بِخِلَافِ الْحَائِضِ حَيْثُ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي فِيهَا؛ لِأَنَّ زَمَنَ الْحَيْضِ زَمَنُ نَفْرَةٍ فَلَا يَكُونُ دَاعِيًا إلَى الْوَطْءِ، وَكَذَا لَا يَحْتَمِلُ وُقُوعُهُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَفِي الْمُشْتَرَاةِ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، وَيُفْضِي إلَى الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ رَغْبَتَهُ فِيهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يَكُونُ أَصْدَقُ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي فِي الْمَسْبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ وُقُوعَهُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَالِاسْتِبْرَاءُ فِي الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ لِمَا رَوَيْنَا، وَفِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ بِالشَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ أُقِيمَ فِي حَقِّهِنَّ مَقَامَ الْحَيْضِ كَمَا فِي الْمُعْتَدَّةِ، وَإِذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ بَطَلَ الِاسْتِبْرَاءُ بِالشَّهْرِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ دُونَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ، وَإِنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا تَرَكَهَا حَتَّى إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَاقَعَهَا، وَلَيْسَ فِيهَا تَقْدِيرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ يَتَبَيَّنُ بِشَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَعَنْهُ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ اعْتِبَارًا بِعِدَّةِ الْحُرَّةِ أَوْ الْأَمَةِ فِي الْوَفَاةِ، وَعَنْ زُفَرَ سَنَتَانِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَلَا بَأْسَ بِالِاحْتِيَالِ فِي إسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الشُّفْعَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْمَأْخُوذُ بِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله فِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَقْرَبْهَا فِي طُهْرِهَا ذَلِكَ، وَيُؤْخَذُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ رحمه الله إذَا قَرَبَهَا، وَالْحِيلَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ الْمُشْتَرِي حُرَّةٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا، وَيَقْبِضَهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَهَذَا لَا يُفِيدُ إذَا كَانَ الْقَبْضُ بَعْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ فَيَجِبُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: عَلَى اعْتِبَارِ الْحَبَلِ وَدَعْوَةِ الْبَائِعِ) أَيْ الْوَلَدِ الْمُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْحَائِضِ حَيْثُ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي فِيهَا) أَيْ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ إنَّمَا حَرُمَ فِي الْحَيْضِ لِمَعْنَى الْأَذَى، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الدَّوَاعِي. اهـ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رحمه الله، وَلَوْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً فَحَاضَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَيْضَةً ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا لَمْ يَقْرَبْهَا الْبَائِعُ حَتَّى تَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً، وَكَذَا الْإِقَالَةُ. اهـ. قَالَ قَاضِيخَانْ رَجُلٌ بَاعَ جَارِيَةً وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ إقَالَةِ كَانَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ، وَلَوْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِهَذِهِ الْأَسْبَابِ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ، وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ تَقَايَلَا فِي الْمَجْلِسِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله إذَا تَقَايَلَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لَا يَجِبُ. اهـ
1 -
(فَرْعٌ) وَإِذَا زَنَتْ أَمَةٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ صِيَانَةُ الْمَاءِ عَنْ الْخَلْطِ إذَا كَانَ مُحْتَرَمًا، وَلَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزَّانِي فَإِنْ حَمَلَتْ مِنْ الزِّنَا لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَرَبَهَا صَارَ سَاقِيًا مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» لَكِنْ قَبْلَ ظُهُورِ الْحَبَلِ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ عِبَارَةٌ عَنْ الْحَبِّ النَّابِتِ، وَلَا نَبَاتَ قَبْلَ الْحَبَلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا) أَيْ بِإِيَاسٍ. اهـ. قَالَ قَاضِيخَانْ وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً، وَقَدْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيهِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يَسْتَبِينَ أَنَّهَا غَيْرُ حَامِلٍ، وَلَمْ يُؤَقِّتْ لِذَلِكَ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَقْرَبُهَا سَنَتَيْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَقْرَبُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَفِي رِوَايَةٍ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ كَانَ مُحَمَّدٌ يَقُولُ أَوَّلًا لَا يَقْرَبُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ وَالْمَشَايِخُ أَخَذُوا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَأْخُوذُ بِهِ إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رحمه الله رَجُلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً وَاحْتَالَ فِي إسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ الْبَائِعُ وَطِئَهَا ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ لَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْتَالَ لِلْإِسْقَاطِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يَحِلُّ لِرَجُلَيْنِ يُؤْمِنَانِ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ» ، وَإِنْ بَاعَهَا الْبَائِعُ بَعْدَ أَنْ حَاضَتْ عِنْدَهُ وَطَهُرَتْ، وَلَمْ يَقْرَبْهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحْتَالَ لِإِسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ لِانْعِدَامِ هَذَا النَّهْيِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْحِيلَةُ إذَا لَمْ تَكُنْ تَحْتَ الْمُشْتَرِي إلَخْ)، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ فَالْحِيلَةُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ يُزَوِّجُهَا الْبَائِعُ مِنْ رَجُلٍ يَثِقُ بِهِ ثُمَّ يَبِيعُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي فَيَقْبِضُهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا قَبْلَ أَنْ يُزَوِّجَهَا، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ طَلَاقُ الزَّوْجِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا إذَا قَبَضَهَا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا فَإِذَا قَبَضَهَا وَالْقَبْضُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهِيَ لَيْسَتْ فِي نِكَاحٍ، وَلَا عِدَّةٍ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ وَحِيلَةٌ أُخْرَى أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ التَّزْوِيجِ، وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ، وَلَا يُسَلِّمُ الْجَارِيَةَ إلَيَّ الْمُشْتَرِي ثُمَّ يُزَوِّجُهَا الْمُشْتَرِي مِنْ عَبْدِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ ثُمَّ يَقْبِضُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ فِي هَذَا النَّوْعِ شُبْهَةً فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا اشْتَرَاهَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَأَكَّدُ عِنْدَ الْقَبْضِ فَالتَّزْوِيجُ عِنْدَ الشِّرَاءِ لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ وَجَبَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ إلَّا أَنْ تَحِيضَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَيْضَةً قَبْلَ الطَّلَاقِ فَحِينَئِذٍ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي قَوْلِهِمْ وَحِيلَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْجَارِيَةَ يَتَزَوَّجُهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الشِّرَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِهِ حُرَّةٌ ثُمَّ يُسَلِّمُهَا إلَيْهِ الْمَوْلَى ثُمَّ يَشْتَرِي فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ
وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ الْجَارِيَةِ إلَيْهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَيْ لَا يُوجَدَ الْقَبْضُ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ بَعْدَ فَسَادِ النِّكَاحِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ ظَهِيرُ الدِّينِ عِنْدِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَدْخُلَ الزَّوْجُ بِهَا بِحُكْمِ النِّكَاحِ قَبْلَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ النِّكَاحَ يَفْسُدُ عِنْدَ الشِّرَاءِ سَابِقًا عَلَى الشِّرَاءِ ضَرُورَةَ أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَا يُجَامِعُ مِلْكَ الْيَمِينِ فَإِذَا كَانَ فَسَادُ النِّكَاحِ سَابِقًا عَلَى الشِّرَاءِ لَمْ تَكُنْ عِنْدَ الشِّرَاءِ مَنْكُوحَةً، وَلَا مُعْتَدَّةً أَمَّا إذَا دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فَإِذَا فَسَدَ النِّكَاحُ تَصِيرُ مُعْتَدَّةً قَبْلَ الشِّرَاءِ فَلَا يَلْزَمُ الِاسْتِبْرَاءُ. اهـ قَاضِيخَانْ (قَوْلُهُ: هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ) لَيْسَ فِي الْهِدَايَةِ، وَيَقْبِضُهَا بَلْ قَالَ يَتَزَوَّجُهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا. اهـ. مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ رحمه الله -
الِاسْتِبْرَاءُ بِالْقَبْضِ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ أَنْ لَوْ كَانَ الْقَبْضُ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَيْ لَا يُوجَدَ الْقَبْضُ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ بَعْدَ فَسَادِ النِّكَاحِ، وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ عِنْدِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَدْخُلَ قَبْلَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ يَفْسُدُ عِنْدَ الشِّرَاءِ سَابِقًا عَلَى الشِّرَاءِ ضَرُورَةَ أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَا يُجَامِعُ مِلْكَ الْيَمِينِ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَ الشِّرَاءِ مَنْكُوحَةً، وَلَا مُعْتَدَّةً بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى مُعْتَدَّةً مِنْهُ بَعْدَ فَسَادِ النِّكَاحِ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ بِهِ ذَكَرَهُ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَوْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ أَوْ يُزَوِّجُهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهَا بِيَدِهِ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا، وَيَقْبِضُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ، وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَرْجُهَا حَلَالًا لَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ، وَإِنْ حَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَانُ وُجُودِ السَّبَبِ كَمَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْمُظَاهِرُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الدَّوَاعِي كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، وَكَالْمُحْرِمِ وَالْمُعْتَكِفِ بِخِلَافِ حَالَةِ الْحَيْضِ وَالصَّوْمِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ سَبَبَ الْحَرَامِ حَرَامٌ إلَّا أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي حَالَةِ الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ، وَفِيهِ بَعْضُ الْحَرَجِ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْتَدَّانِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام كَانَ يُقَبِّلُ، وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُضَاجِعُ نِسَاءَهُ، وَهُنَّ حُيَّضٌ»
قَالَ رحمه الله (لَهُ أَمَتَانِ أُخْتَانِ قَبَّلَهُمَا بِشَهْوَةٍ حَرُمَ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَدَوَاعِيهِ حَتَّى يَحْرُمَ فَرْجُ الْأُخْرَى بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ عِتْقٍ)، وَلَوْ قَالَ حُرِّمَتَا حَتَّى يَحْرُمَ فَرْجُ إحْدَاهُمَا كَانَ الْأَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُمَا يَحْرُمَانِ عَلَيْهِ لَا إحْدَاهُمَا فَحَسْبُ، وَإِنَّمَا حُرِّمَتَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا أَوْ وَطْئًا لَا يَجُوزُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وَالْمُرَادُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَطْئًا، وَعَقْدًا؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ وَطْئًا، وَعَقْدًا، وَلَا يُعَارَضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3]؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لِلْمُحَرَّمِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه حِينَ سُئِلَ عَنْهُمَا فَقَالَ حَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ، وَأَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ فَتَلَا الْآيَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ الْحُكْمُ لِلْمُحَرَّمِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الدَّوَاعِي؛ لِأَنَّ الدَّوَاعِيَ إلَى الْوَطْءِ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ أَوْ؛ لِأَنَّ النَّصَّ مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُهُ الْوَطْءُ فَصَارَ كَأَنَّهُ وَطِئَهُمَا فَعِنْدَ ذَلِكَ تَحْرُمَانِ فَكَذَا هَذَا، وَمَسُّهُمَا بِشَهْوَةٍ أَوْ النَّظَرُ إلَى فَرْجِهِمَا كَتَقْبِيلِهِمَا حَتَّى يَحْرُمَا عَلَيْهِ إلَّا إذَا حَرُمَ فَرْجُ إحْدَاهُمَا بِمَا ذُكِرَ لِزَوَالِ الْجَمْعِ بِتَحْرِيمِ فَرْجِ إحْدَاهُمَا عَلَيْهِ. وَتَمْلِيكُ الْبَعْضِ كَتَمْلِيكِ الْكُلِّ، وَكَذَا إعْتَاقُ الْبَعْضِ كَإِعْتَاقِ الْكُلِّ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ يَتَجَزَّأُ لَكِنَّهُ يَحْرُمُ بِهِ الْفَرْجُ؛ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَكِتَابَةُ إحْدَاهُمَا كَإِعْتَاقِهَا؛ لِأَنَّ فَرْجَهَا يَحْرُمُ بِالْكِتَابَةِ فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ وَبِرَهْنِ إحْدَاهُمَا وَإِجَارَتِهَا، وَتَدْبِيرِهَا لَا تَحِلُّ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ فَرْجَهَا لَا يَحْرُمُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَقَوْلُهُ حَتَّى يَحْرُمَ فَرْجُ الْأُخْرَى بِمِلْكٍ أَرَادَ بِهِ التَّمْلِيكَ بِأَنْ يَمْلِكَ رَقَبَتَهَا مِنْ إنْسَانٍ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَكَالصُّلْحِ وَالْخُلْعِ وَالْمَهْرِ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ أَوْ نِكَاحٍ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ أَمَّا إذَا زَوَّجَ إحْدَاهُمَا نِكَاحًا فَاسِدًا لَا تَحِلُّ لَهُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ فَرْجَهَا لَمْ يَصِرْ حَرَامًا عَلَيْهِ بِهَذَا الْعَقْدِ الْمُجَرَّدِ إلَّا إذَا دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ فَحِينَئِذٍ تَحِلُّ لَهُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ عَلَيْهَا بِالدُّخُولِ فَيَحْرُمُ عَلَى الْمَوْلَى فَرْجُهَا فَلَمْ يَصِرْ جَامِعًا، وَلَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا دُونِ الْأُخْرَى حَلَّ لَهُ وَطْءُ الْمَوْطُوءَةِ دُونَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بِوَطْءِ الْأُخْرَى لَا بِوَطْءِ الْمَوْطُوءَةِ وَكُلُّ امْرَأَتَيْنِ لَا يَجُوزُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ يُزَوِّجُهَا الْبَائِعُ غَيْرَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا هُوَ، وَيَقْبِضُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ أَوْ يَشْتَرِيهَا أَوَّلًا ثُمَّ يُزَوِّجُهَا مِنْ رَجُلٍ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا ثُمَّ يَقْبِضَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ، وَإِنْ خَافَ الْبَائِعُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي، وَلَا يَشْتَرِيهَا، وَلَا يُطَلِّقُهَا فَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ زَوَّجْتُهَا مِنْك عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِي فِي التَّطْلِيقَتَيْنِ أُطَلِّقُهَا مَتَى شِئْتَ أَوْ يَقُولَ زَوَّجْتهَا مِنْك عَلَى أَنَّك إنْ لَمْ تَشْتَرِهَا مِنِّي الْيَوْمَ بِكَذَا فَهِيَ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي النِّكَاحَ، وَكَذَا الْحِيلَةُ إذَا خِيفَ عَلَى الْمُحَلِّلِ أَنْ لَا يُطَلِّقَ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ) تَقَدَّمَ فِي الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجِبُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اشْتَرَى جَارِيَةً، وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ عِدَّةَ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا يَوْمٌ أَوْ بَعْضُ يَوْمٍ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِالِاسْتِبْرَاءِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي تِلْكَ الْحَالَةِ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى أَمَةً مُعْتَدَّةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ حَالَةِ الْحَيْضِ) تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا يَمْتَدَّانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالصَّوْمُ قَدْ يَمْتَدُّ فِي الْفَرْضِ إلَى شَهْرٍ فَلَوْ حَرُمَ الدَّوَاعِي لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ شَرْعًا وَالنَّفَلُ تَابِعٌ لِلْفَرْضِ فَأُعْطِيَ حُكْمُهُ. اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْزِلَ عَنْ فِرَاشِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ فِعْلَ الْيَهُودِ، وَقَدْ نُهِينَا عَنْ التَّشَبُّهِ. اهـ ذَكَرَهُ فِي الْكَرَاهِيَةِ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الدَّوَاعِي) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَلَوْ قَبَّلَهُمَا جَمِيعًا بِشَهْوَةٍ فَقَدْ بَاشَرَ حَرَامًا وَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ وَطْئِهِمَا. اهـ. ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَطْئًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، وَعِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ وَالْأَصْلُ فِي الْأَبْضَاعِ الْحِلُّ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْحِلِّ، وَقَدْ وُجِدَ، وَهُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ، وَأَرَادَ بِآيَةِ الْإِحْلَالِ قَوْله تَعَالَى {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6]، وَأَرَادَ بِآيَةِ التَّحْرِيمِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ مَعَ الْمُبِيحِ إذَا اجْتَمَعَا فَالْمُحَرَّمُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَرَامَ يَجِبُ تَرْكُهُ وَالْمُبَاحَ لَا يَجِبُ فِعْلُهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ
الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا فَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْأُخْتَيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ رحمه الله: (وَكُرِهَ تَقْبِيلُ الرَّجُلِ، وَمُعَانَقَتُهُ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَاحِدٌ جَازَ كَالْمُصَافَحَةِ)، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَبِّلَ الرَّجُلُ فَمَ الرَّجُلِ أَوْ يَدَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ يُعَانِقَهُ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِالتَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَانَقَ جَعْفَرًا حِينَ قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَةِ، وَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَذَلِكَ عِنْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ، وَقَالَ لَا أَدْرِي بِمَاذَا أُسَرُّ بِفَتْحِ خَيْبَرَ أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ، وَعَانَقَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ» ، وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَفِي الْكَافِي كَانَ الْأَعْرَابُ يُقَبِّلُونَ أَطْرَافَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعَنْ عَطَاءٍ رحمه الله سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ الْمُعَانَقَةِ فَقَالَ أَوَّلُ مَنْ عَانَقَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ عليه السلام كَانَ بِمَكَّةَ فَأَقْبَلَ إلَيْهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ فَلَمَّا كَانَ بِالْأَبْطَحِ قِيلَ لَهُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَرْكَبَ بِبَلْدَةٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فَنَزَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ، وَمَشَى إلَى إبْرَاهِيمَ عليه السلام فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إبْرَاهِيمُ وَاعْتَنَقَهُ فَكَانَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ عَانَقَ، وَلَهُمَا مَا رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ «قُلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيَنْحَنِي بَعْضُنَا لِبَعْضٍ قَالَ لَا قُلْنَا أَيُعَانِقُ بَعْضُنَا بَعْضًا قَالَ لَا قُلْنَا أَيُصَافِحُ بَعْضُنَا بَعْضًا قَالَ نَعَمْ» وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ عليه السلام «نَهَى عَنْ الْمُكَامَعَةِ، وَهِيَ الْمُعَانَقَةُ» .
وَرُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام «نَهَى عَنْ الْمُكَاعَمَةِ، وَهِيَ التَّقْبِيلُ» ، وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ بِهِ، وَقَالُوا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا غَيْرُ الْإِزَارِ، وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِمَا قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ رحمه الله، وَفَّقَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ الْمَكْرُوهُ مِنْ الْمُعَانَقَةِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ، وَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ وَالْكَرَامَةِ فَجَائِزٌ وَرَخَّصَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَقْبِيلَ يَدِ الْعَالِمِ أَوْ الْمُتَوَرِّعِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ، وَقَبَّلَ أَبُو بَكْرٍ بَيْنَ عَيْنَيْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَمَا قُبِضَ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ تَقْبِيلُ يَدِ الْعَالِمِ أَوْ يَدِ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ سُنَّةٌ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ، وَمَا يَفْعَلُهُ الْجُهَّالُ مِنْ تَقْبِيلِ يَدِ نَفْسِهِ إذَا لَقِيَ الْغَيْرَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ فَلَا رُخْصَةَ فِيهِ، وَمَا يَفْعَلُونَ مِنْ تَقْبِيلِ الْأَرْضِ بَيْنَ يَدَيْ الْعُلَمَاءِ فَحَرَامٌ وَالْفَاعِلُ وَالرَّاضِي بِهِ آثِمَانِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَةَ الْوَثَنِ، وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِهَذَا السُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ التَّحِيَّةَ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رحمه الله السُّجُودُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ كُفْرٌ، وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ التَّقْبِيلَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ قُبْلَةِ الرَّحْمَةِ كَقُبْلَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَقَبَّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنهما، وَقُبْلَةِ التَّحِيَّةِ كَقُبْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَقُبْلَةِ الشَّفَقَةِ كَقُبْلَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدَيْهِ، وَقُبْلَةِ الْمَوَدَّةِ كَقُبْلَةِ الرَّجُلِ أَخَاهُ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَقُبْلَةِ الشَّهْوَةِ كَقُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ وَزَادَ بَعْضُهُمْ قُبْلَةَ الدِّيَانَةِ، وَهِيَ قُبْلَةُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ.
وَأَمَّا الْقِيَامُ لِلْغَيْرِ فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «خَرَجَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا فَقُمْنَا لَهُ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام لَا تَقُومُوا كَمَا تَقُومُ الْأَعَاجِمُ يُعَظِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» ، وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَكْرَهُ الْقِيَامَ، وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ كَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ يَقُومُ لَهُ، وَلَا يَقُومُ لِلْفُقَرَاءِ وَطَلَبَةِ الْعِلْمِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنَّ الْأَغْنِيَاءَ يَتَوَقَّعُونَ مِنِّي التَّعْظِيمَ فَلَوْ تَرَكْت تَعْظِيمَهُمْ تَضَرَّرُوا وَالْفُقَرَاءُ وَطَلَبَةُ الْعِلْمِ لَا يَطْمَعُونَ مِنِّي فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَطْمَعُونَ فِي جَوَابِ السَّلَامِ وَالتَّكَلُّمِ مَعَهُمْ فِي الْعِلْمِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَتَضَرَّرُونَ بِتَرْكِ الْقِيَامِ لَهُمْ، وَلَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّهَا سُنَّةٌ قَدِيمَةٌ مُتَوَارَثَةٌ فِي الْبَيْعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ صَافَحَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ وَحَرَّكَ يَدَهُ فِي يَدِهِ تَنَاثَرَتْ ذُنُوبُهُ» ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِ الْآثَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْمُكَامَعَةِ) فِيهِ أَنَّهُ نَهَى الْمُكَامَعَةِ هُوَ أَنْ يُضَاجِعَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَا حَاجِزَ بَيْنَهُمَا وَالْكَمِيعُ الضَّجِيعُ وَزَوْجُ الْمَرْأَةِ كَمِيعُهَا قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ. اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَتَفْسِيرُ الْمُكَامَعَةِ بِالْمُعَانَقَةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ وَغَيْرِهِ كَامَعَ امْرَأَتَهُ ضَاجَعَهَا، وَكَاعَمَ الْمَرْأَةَ قَبَّلَهَا، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمُكَاعَمَةِ وَالْمُكَامَعَةِ أَيْ عَنْ مُلَاثَمَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ، وَمُضَاجَعَتِهِ إيَّاهُ لَا سِتْرَ بَيْنَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ يَدِ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ سُنَّةٌ) قُلْت كَذَلِكَ يَجُوزُ تَقْبِيلُ يَدِ الْوَالِدَيْنِ وَالشَّيْخِ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهُ. اهـ عَيْنِيٌّ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ) أَيْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقُبْلَةِ الشَّفَقَةِ كَقُبْلَةِ الْوَلَدِ وَالِدَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّأْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقُبْلَةِ الْمَوَدَّةِ كَقُبْلَةِ الرَّجُلِ أَخَاهُ) أَيْ أَوْ أُخْتَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: عَلَى الْجَبْهَةِ) عَلَى الْخَدِّ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَقُبْلَةِ الشَّهْوَةِ كَقُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ) أَيْ عَلَى الْفَمِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْقِيَامُ لِلْغَيْرِ إلَخْ)، وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ أَوْ وَاحِدٌ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْ الْأَشْرَافِ قَالُوا إنْ دَخَلَ عَلَيْهِ عَالِمٌ أَوْ أَبُوهُ أَوْ أُسْتَاذُهُ جَازَ أَنْ يَقُومَ لِأَجْلِهِ، وَفِي سِوَى ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ) أَيْ الْحَكِيمِ السَّمَرْقَنْدِيِّ. اهـ غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَحَرَّكَ يَدَهُ فِي يَدِهِ تَنَاثَرَتْ ذُنُوبُهُ) الَّذِي وَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي غَالِبِ نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ وَحَرَّكَ فِي يَدِهِ تَنَاثَرَتْ إلَخْ وَوَقَفْت عَلَى نُسْخَةٍ كَمَا أَصْلَحْت هُنَا فَلْيُرَاجَعْ لَفْظُ الْحَدِيثِ. اهـ. وَاَلَّذِي وَقَفْت عَلَيْهِ فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ بِخَطِّهِ وَحَرَّكَ فِي يَدِهِ تَنَاثَرَتْ. اهـ. قَوْلُهُ: فِي غَالِبِ نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ أَيْ، وَفِي الْكَافِي لِلنَّسَفِيِّ وَحَرَّكَ يَدَهُ تَنَاثَرَتْ. اهـ