الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ وَصْفًا فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ إيجَابُ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ قَدْرًا
. قَالَ رحمه الله (وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ وَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا تَكْفِيرَ فِيهِ وَلَا حِرْمَانَ عَنْ الْمِيرَاثِ وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَمْدُهُ عَمْدٌ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ وَهُوَ ضِدُّ الْخَطَأِ فَمَنْ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْخَطَأُ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْعَمْدُ وَلِهَذَا يُؤَدَّبُ وَيُعَزَّرُ وَالتَّعْزِيرُ يَكُونُ عَلَى فِعْلٍ يَقَعُ عَمْدًا لَا خَطَأً وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ مُوجِبُهُ الْآخَرُ وَهُوَ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلٌ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِمْ فَصَارَ نَظِيرَ السَّرِقَةِ فَإِنَّهُمْ إذَا سَرَقُوا لَا تُقْطَعُ أَيْدِيهِمْ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ ضَمَانُ الْمَالِ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ لِمَا قُلْنَا وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلٌ لِلْغَرَامَةِ الْمَالِيَّةِ دُونَ الصَّوْمِ لِعَدَمِ الْخِطَابِ، وَكَذَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ عِنْدَهُ بِالْقَتْلِ وَلَنَا أَنَّ مَجْنُونًا صَالَ عَلَى رَجُلٍ بِسَيْفٍ فَضَرَبَهُ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه فَجَعَلَ عَقْلَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ؛ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ. قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا، فَلَيْسَ مِنَّا» وَالْعَاقِلُ الْمُخْطِئُ لَمَّا اسْتَحَقَّ التَّخْفِيفَ حَتَّى وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَهَؤُلَاءِ وَهُمْ أَغْرَارٌ أَوْلَى بِهَذَا التَّخْفِيفِ فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا كَانَ الْوَاجِبُ قَدْرَ نِصْفِ الْعُشْرِ أَوْ أَكْثَرَ بِخِلَافِ مَا دُونَهُ فَلَا يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ كَمَا فِي الْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَلَا نُسَلِّمُ تَحَقُّقَ الْعَمْدِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَصْدِ وَهُوَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِلْمِ وَالْعِلْمُ بِالْعَقْلِ وَهُمْ عَدِيمُو الْعَقْلِ أَوْ قَاصِرُوهُ فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ مِنْهُمْ الْقَصْدُ وَصَارُوا كَالنَّائِمِ وَحِرْمَانُ الْإِرْثِ عُقُوبَةٌ وَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا وَالْكَفَّارَةُ كَاسْمِهَا سِتَارَةٌ وَلَا ذَنْبَ لَهُمْ لِتَسَتُّرِهِ؛ وَلِأَنَّهُمْ مَرْفُوعُو الْقَلَمِ؛ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ بِمَعْنَى أَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ عِبَادَةٌ وَلَا عُقُوبَةٌ، وَكَذَا سَبَبُ الْكَفَّارَةِ يَكُونُ دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِتَكُونَ الْعُقُوبَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْحَظْرِ وَفِعْلُهُمْ لَا يُوصَفُ بِالْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِفِعْلٍ مَحْظُورٍ وَكُلُّ ذَلِكَ يَبْتَنِي عَلَى الْخِطَابِ وَهُمْ لَيْسُوا بِمُخَاطَبِينَ فَكَيْفَ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ
[فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ]
(فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ) قَالَ رحمه الله (ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا تَجِبُ غُرَّةٌ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ) الْغُرَّةُ الْخِيَارُ غُرَّةُ الْمَالِ خِيَارُهُ كَالْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ النَّجِيبِ وَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ الْفَارِهَةِ، وَقِيلَ إنَّمَا سُمِّيَ مَا يَجِبُ فِي الْجَنِينِ غُرَّةً؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مُقَدَّرٍ ظَهَرَ فِي بَابِ الدِّيَةِ وَغُرَّةُ الشَّيْءِ أَوَّلُهُ كَمَا سُمِّيَ أَوَّلُ الشَّهْرِ غُرَّةً وَسُمِّيَ وَجْهُ الْإِنْسَانِ غُرَّةً؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ يَظْهَرُ مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ دِيَةُ الرَّجُلِ، وَلَوْ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا وَفِي الْأُنْثَى عُشْرُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلِهَذَا لَمْ يُبَيِّنْ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ فَالْعُشْرُ مِنْ دِيَتِهَا قَدْرُ نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ فِي الْجَنِينِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَيَقَّنْ بِحَيَاتِهِ وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ إلَّا نُقْصَانُ الْأُمِّ إنْ نَقَصَتْ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ كَمَالُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ بِضَرْبِهِ مَنَعَ حُدُوثَ الْحَيَاةِ فِيهِ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ كَالْمُزْهِقِ لِلرُّوحِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى وَجَبَ قِيمَةُ وَلَدِ الْمَغْرُورِ فَإِنَّهُ مَنَعَ مِنْ حُدُوثِ الرِّقِّ فِيهِ، وَكَذَا وَجَبَ عَلَى الْمُحْرِمِ قِيمَةُ بَيْضِ الصَّيْدِ بِكَسْرِهِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّ «امْرَأَةً مِنْ هُذَيْلٍ ضَرَبَتْ بَطْنَ امْرَأَةٍ بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا، وَقَالَ مَالِكٌ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْجُزْءِ وَلَنَا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ» ؛ وَلِأَنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا. قَالَ عليه الصلاة والسلام «دُوهُ، وَالدِّيَةُ»
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ). لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْقَتْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْآدَمِيِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا فِي الْآدَمِيِّ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ الْجَنِينُ بَيَانُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ الْجَنِينُ مَا دَامَ مُجْتَنًّا فِي الْبَطْنِ لَيْسَتْ لَهُ ذِمَّةٌ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْأُمِّ وَلَكِنَّهُ مُتَفَرِّدٌ بِالْحَيَاةِ مُعَدٌّ لِيَكُونَ نَفْسًا لَهُ ذِمَّةٌ فَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ أَهْلًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ لَهُ مِنْ عِتْقٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَلِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ أَهْلًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ عَلَيْهِ فَأَمَّا بَعْدَمَا يُولَدُ فَلَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ وَلِهَذَا لَوْ انْقَلَبَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ فَأَتْلَفَهُ صَارَ ضَامِنًا وَيَلْزَمُهُ مَهْرُ امْرَأَتِهِ بِعَقْدِ الْوَلِيِّ عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْجَنِينُ وَالْجَنِينُ هُوَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِ الْأُمِّ سُمِّيَ بِهِ لِاجْتِنَانِهِ أَيْ لِاسْتِتَارِهِ فِي الْبَطْنِ اهـ.
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّمَا سُمِّيَ مَا يَجِبُ فِي الْجَنِينِ غُرَّةً إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِنَّمَا سَمَّى الْغُرَّةَ غُرَّةً؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْمَقَادِيرِ فِي الدِّيَاتِ وَأَقَلُّ الشَّيْءِ أَوَّلُهُ فِي الْوُجُودِ وَسُمِّيَ غُرَّةً لِمَعْنَى الْأَوَّلِيَّةِ وَلِهَذَا سُمِّيَ أَوَّلُ الشَّهْرِ غُرَّةً؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَبْدُو عِنْدَ النَّظَرِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ فِي الْجَنِينِ)؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي أَجِنَّةِ الْبَهَائِمِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ضَرَبَ شَاةً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا كَانَ عَلَيْهِ نُقْصَانُهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْجَنِينِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ) أَيْ لِلْإِلْزَامِ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُعْتَبَرُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلْزَامُ الْغَيْرِ كَمَا فِي رَضِيعٍ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ جَازَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ سَلَامَةُ الْأَعْضَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ وَلِيدَةٍ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ الْوَلِيدُ هُوَ الطِّفْلُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ثُمَّ قَالَ وَالْجَمْعُ وِلْدَانٌ وَالْأُنْثَى وَلِيدَةٌ وَالْجَمْعُ الْوَلَائِدُ، وَقَدْ تُطْلَقُ الْوَلِيدَةُ عَلَى الْجَارِيَةِ وَالْأَمَةِ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً.
اهـ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا)؛ لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَالْعَاقِلَةُ تَعْقِلُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَا تَعْقِلُ مَا دُونَهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالْغُرَّةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَوْجَبْنَا الْغُرَّةَ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
بَدَلُ النَّفْسِ وَتَجِبُ فِي سَنَةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُورَثُ وَبَدَلُ الْعُضْوِ وَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْعُضْوِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ» ؛ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَدَلَ النَّفْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَفْسٌ عَلَى حِدَةٍ فَهُوَ بَدَلُ الْعُضْوِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الِاتِّصَالُ بِالْأُمِّ فَعَلِمْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِالْأَوَّلِ فِي حَقِّ التَّوْرِيثِ وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِالْأُمِّ نُقْصَانٌ وَبِالثَّانِي فِي حَقِّ التَّأْجِيلِ إلَى سَنَةٍ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْعُضْوِ إذَا كَانَ ثُلُثَ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ يَجِبُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ أَجْزَاءِ الدِّيَةِ حَيْثُ يَجِبُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ عَشَرَةُ أَنْفُسٍ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُ الدِّيَةِ وَيَسْتَوِي فِي الْجَنِينِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْإِحْيَاءِ إنَّمَا ثَبَتَ لِتَفَاوُتِ مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ فِي الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّ الذَّكَرَ يَمْلِكُ الْمَالَ وَالنِّكَاحَ وَالْأُنْثَى لَا تَمْلِكُ سِوَى الْمَالِ فَكَانَ الذَّكَرُ أَزْيَدَ فِيمَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي الْجَنِينِ مَعْدُومٌ إذْ لَا يَمْلِكُ وَلَا يَسْتَحِقُّ سِوَى الْإِعْتَاقَ وَتَوَابِعَهُ، وَالنَّسَبُ وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ إلَّا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ فَيَسْتَوِي الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهَا؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يُعْرَفُ الذَّكَرُ مِنْ الْأُنْثَى فَيَتَقَدَّرُ الْكُلُّ بِمِقْدَارٍ وَاحِدٍ تَيْسِيرًا. قَالَ رحمه الله (فَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ فَدِيَةٌ) أَيْ تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ آدَمِيًّا خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَمَاتَتْ الْأُمُّ فَدِيَةٌ وَغُرَّةٌ) لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُمَا، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ أَثَرِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَمَى فَأَصَابَ شَخْصًا وَنَفَذَ مِنْهُ إلَى آخَرَ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ إنْ كَانَا خَطَأً وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ مَاتَتْ فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَدِيَةٌ فَقَطْ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تَجِبُ الْغُرَّةُ مَعَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ مَاتَ بِضَرْبِهِ ظَاهِرًا فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا وَهِيَ بِالْحَيَاةِ وَلَنَا أَنَّ مَوْتَ الْأُمِّ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ حَيَاتَهُ بِحَيَاتِهَا وَتَنَفُّسَهُ بِنَفَسِهَا فَيَتَحَقَّقُ بِمَوْتِهَا فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ إذْ الِاحْتِمَالُ فِيهِ أَقَلُّ فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا بَعْدَمَا مَاتَتْ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ دِيَةُ الْأُمِّ وَدِيَةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُمَا فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَتْهُ حَيًّا وَمَاتَا
. قَالَ رحمه الله (وَمَا يَجِبُ فِيهِ يُورَثُ عَنْهُ وَلَا يَرِثُ الضَّارِبُ فَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَتِهِ فَأَلْقَتْ ابْنَهُ مَيِّتًا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ غُرَّةٌ وَلَا يَرِثُ مِنْهَا) وَإِنَّمَا يُورَثُ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْغُرَّةُ بَدَلُهُ فَيَرِثُهَا وَرَثَتُهُ وَلَا يَرِثُ الضَّارِبُ مِنْ الْغُرَّةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ مُبَاشَرَةً ظُلْمًا وَلَا مِيرَاثَ لِلْقَاتِلِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ
. قَالَ رحمه الله (وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ لَوْ ذَكَرًا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ أُنْثَى)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ فِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ وَجْهٍ وَضَمَانُ الْأَجْزَاءِ يُؤْخَذُ مِقْدَارُهَا مِنْ الْأَصْلِ وَلِهَذَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ عُشْرُ دِيَتِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْغُرَّةُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «قَضَى فِي الْجَنِينِ يُقْتَلُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ فَقَالَ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ كَيْفَ أُغَرَّمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا هُوَ مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ»
، وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَيْضًا أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ اسْتَبَّتَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينًا فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ» قَالَ مُحَمَّدٌ وَبِهَذَا نَأْخُذُ إذَا ضُرِبَ بَطْنُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ خَمْسُونَ دِينَارًا أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ أُخِذَ مِنْهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْغَنَمِ أُخِذَ مِنْهُ مِائَةٌ مِنْ الشَّاءِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي مُوَطَّئِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَسْتَوِي فِي الْجَنِينِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْوَاجِبَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ خَمْسُمِائَةٍ سَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلَا يُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى فِي إيجَابِ الْغُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِاسْمِ الْجَنِينِ مُطْلَقًا وَمُطْلَقُهُ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ: وَلِهَذَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ عُشْرُ دِيَتِهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَنَا أَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا وَجَبَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَصْلًا فِي نَفْسِهِ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ جُزْءًا فَإِنَّ ضَمَانَ الْجُزْءِ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ ظُهُورِ النُّقْصَانِ فِي الْأَصْلِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ، وَإِذَا كَانَ بَدَلَ نَفْسِهِ فَكَانَ تَقْدِيرُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ جَبْرًا لِلْفَائِتِ وَالْمَقْتُولُ هُوَ الْجَنِينُ فَكَانَ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ قِيمَةِ أُمِّهِ غَيْرَ أَنَّا أَوْجَبْنَا عُشْرَ الْقِيمَةِ أَوْ نِصْفَ عُشْرِ الْقِيمَةِ اعْتِبَارًا بِجَنِينِ الْحُرَّةِ فَإِنَّهُ ثَمَّ يَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ إنْ كَانَ ذَكَرًا أَوْ عُشْرُ الدِّيَةِ إنْ كَانَ أُنْثَى وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَالْقِيمَةُ فِي الْمَمَالِيكِ كَالدِّيَةِ فِي الْأَحْرَارِ.
فَيَجِبُ اعْتِبَارُ الدِّيَةِ بِالْقِيمَةِ فَيُؤَدِّي إلَى هَذَا ضَرُورَةً فَإِنْ قِيلَ فِيهِ تَفْضِيلُ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ؛ لِأَنَّ عُشْرَ قِيمَتِهِ إذَا كَانَ أُنْثَى أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ قِيمَتِهِ إذَا كَانَ ذَكَرًا وَفِي الدِّيَاتِ يُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى وَلَا يُفَضَّلُ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ قُلْنَا هَذَا تَسْوِيَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَالتَّسْوِيَةُ جَائِزَةٌ بَيْنَنَا بِالِاتِّفَاقِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ هُنَا كَالدِّيَةِ وَدِيَةُ الْأُنْثَى عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الذَّكَرِ فَصَارَ الْعُشْرُ مِنْ هَذَا مِثْلُ نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْ الذَّكَرِ وَالتَّفْضِيلُ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ تَفَاوُتِ الْحَالِ بِتَفَاوُتِ الْمَالِكِيَّةِ، وَهَذَا يَكُونُ فِي الْمُنْفَصِلِ لَا فِي الْأَجِنَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكِيَّةٌ فِي الْجَنِينِ وَإِنَّمَا يَجِبُ ضَمَانُ الْجَنِينِ بِاعْتِبَارِ قَطْعِ النُّشُوِّ وَالْأُنْثَى فِي مَعْنَى النُّشُوِّ تُسَاوِي الذَّكَرَ وَرُبَّمَا تَكُونُ الْأُنْثَى أَسْرَعَ نُشُوًّا كَمَا بَعْدَ الِانْفِصَالِ.
فَلِهَذَا جَوَّزْنَا تَفْضِيلَ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ لَوْ تُصُوِّرَ اهـ. وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي جَنِينِ الْمَمْلُوكِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى وَهُمَا فِي الْمِقْدَارِ سَوَاءٌ مِنْ حَيْثُ الشَّرْعُ لِقِيَامِ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقَامَ الدِّيَةِ فَحِينَئِذٍ لَا مُعْتَبَرَ بِالتَّفَاوُتِ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابَةِ الْمُسَمَّى بِمُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ إنْ كَانَ ذَكَرًا نِصْفُ عُشْرِ
وَلَنَا أَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ فَلَا يُقَدَّرُ بِغَيْرِهِ إذْ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ نُقْصَانُ الْأَصْلِ، وَلَوْ كَانَ ضَمَانَ الطَّرَفِ لَمَا وَجَبَ إلَّا عِنْدَ نُقْصَانِ الْأَصْلِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ مَوْرُوثٌ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الطَّرَفِ لَمَا وُرِثَ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ لَا يَخْتَلِفَانِ فِي ضَمَانِ الطَّرَفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ، وَلَوْ كَانَ ضَمَانَ الطَّرَفِ لَمَا وُرِثَ فِي الْحُرِّ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ ضَمَانُ النَّفْسِ كَانَ دِيَتُهُ مُقَدَّرَةً بِنَفْسِ الْجَنِينِ لَا بِنَفْسِ غَيْرِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَضْمُونَاتِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْغُرَّةَ مُقَدَّرَةٌ بِدِيَةِ الْأُمِّ، بَلْ بِدِيَةِ نَفْسِ الْجَنِينِ أَنْ لَوْ كَانَ حَيًّا فَيَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَعُشْرُ دِيَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى فَكَذَا فِي جَنِينِ الْأَمَةِ تَجِبُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُقَدَّرًا مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ فَهُوَ مُقَدَّرٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَيَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ ضَمَانُ نُقْصَانِ الْأُمِّ إنْ انْتَقَصَتْ بِذَلِكَ اعْتِبَارًا بِجَنِينِ الْبَهَائِمِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِي قَتْلِ الرَّقِيقِ ضَمَانُ مَالٍ عِنْدَهُ مُطْلَقًا وَلِهَذَا يُجَاوِزُ بِهِ دِيَةَ الْحُرِّ عِنْدَهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ اعْتِبَارًا بِالْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لِلصِّيَانَةِ وَهُمَا فِي الْحَاجَةِ إلَيْهَا سَوَاءٌ هَذَا إذَا كَانَ الْجَنِينُ مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا وَمِنْ غَيْرِ الْمَغْرُورِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ الْغُرَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ. قَالَ رحمه الله (فَإِنْ حَرَّرَهُ سَيِّدُهُ بَعْدَ ضَرْبِهِ فَأَلْقَتْهُ فَمَاتَ فَفِيهِ قِيمَتُهُ حَيًّا وَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْعِتْقِ)؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالضَّرْبِ وَالضَّرْبُ صَادَفَهُ وَهُوَ رَقِيقٌ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ حَيًّا؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاتِلًا لَهُ وَهُوَ حَيٌّ فَاعْتَبَرْنَا حَالَتَيْ السَّبَبِ وَالتَّلَفِ فَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقِيمَةَ بِاعْتِبَارِ حَالَةِ السَّبَبِ وَهُوَ الضَّرْبُ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ حِينَئِذٍ وَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ جَمِيعَ قِيمَتِهِ بِاعْتِبَارِ حَالَةِ التَّلَفِ كَأَنَّهُ ضَرَبَهُ فِي الْحَالِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ مَا نَقَصَ بِضَرْبِهِ إلَى أَنْ يُوجَدَ الْعِتْقُ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ أَوْ جَرَحَهُ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى، ثُمَّ مَاتَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْيَدِ وَالْجَرْحِ وَمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ إلَى الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ لَكِنْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْحَالَتَانِ فَجُعِلَ كَأَنَّ الضَّرْبَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْجَنِينِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالضَّرْبِ الْأُمُّ وَأَوْجَبَ الْقِيمَةَ دُونَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاتِلًا لَهُ بِالضَّرْبِ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَمَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْوَلِيُّ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهِ السَّهْمُ فَمَاتَ فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالْمَحَلِّ فَلَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ بِدُونِ الِاتِّصَالِ بِخِلَافِ الْقَطْعِ وَالْجَرْحِ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ فِي الْحَالِ وَالْعِتْقُ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ وَمَعَ هَذَا تَجِبُ الْقِيمَةُ دُونَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاتِلًا لَهُ مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُ الْفِعْلُ الْمَمْلُوكُ لَهُ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ. قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَعْنَى قَوْلِهِ ضَمِنَ أَيْ الدِّيَةَ، وَقَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ لَيْسَ هُوَ مِنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الضَّرْبَ وَقَعَ عَلَى الْأُمِّ فَلَمْ يُعْتَبَرْ جِنَايَةً فِي حَقِّ الْجَنِينِ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ حَيًّا وَلِذَلِكَ لَمْ تَنْقَطِعْ سِرَايَتُهُ بِخِلَافِ مَنْ جَرَحَ فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَةُ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَمَّتْ مِنْهُ لَكِنْ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْجَنِينِ مَقْصُودًا إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَأَشْبَهَ الرَّمْيَ الَّذِي تَمَّ مِنْ الرَّامِي وَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْإِصَابَةِ، وَقِيلَ هَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجِبُ قِيمَتُهُ مَا بَيْنَ كَوْنِهِ مَضْرُوبًا إلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مَضْرُوبٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ
. قَالَ رحمه الله (وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْجَنِينِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ فَتَجِبُ احْتِيَاطًا لِمَا فِيهَا مِنْ الْعِبَادَةِ وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ زَاجِرَةً وَفِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، وَقَدْ عُرِفَ وُجُوبُهَا فِي النُّفُوسِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا يَتَعَدَّاهَا؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْقِيَاسُ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ مُتَنَاقِضٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْتَبِرُهُ جُزْءًا حَتَّى أَوْجَبَ عَلَيْهِ عُشْرَ قِيمَةِ الْأُمِّ وَهُنَا اعْتَبَرَهُ نَفْسًا حَتَّى أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ وَنَحْنُ اعْتَبَرْنَاهُ جُزْءًا مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ كُلُّ الْبَدَلِ فَكَذَا لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ الْأَعْضَاءَ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا إلَّا إذَا تَبَرَّعَ بِهَا هُوَ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا، فَإِذَا تَقَرَّبَ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ أُنْثَى اعْتِبَارًا بِالْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْغُرَّةَ فِيهِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الذَّكَرِ وَعُشْرُ دِيَةِ الْأُنْثَى إلَّا أَنَّ الدِّيَةَ مُقَدَّرَةٌ وَالْقِيمَةُ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ.
فَتَتَفَاوَتُ غُرَّةُ جَنِينِ الْأَمَةِ بِتَفَاوُتِ الْقِيمَةِ اهـ وَقَالَ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ الْمُسَمَّى بِالْغُرَرِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَنِصْفُ قِيمَتِهِ حَيًّا وَعُشْرُهَا أُنْثَى؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّرْعِ لَمَّا وَرَدَ فِي جَنِينٍ حُرٍّ بِعُشْرِ دِيَةِ حُرَّةٍ وَلَمْ يَرِدْ فِي جَنِينِ رَقِيقٍ وَجَبَ التَّقْدِيرُ فِيهِ مِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْمَمْلُوكِ كَالدِّيَةِ فَفَرَّقُوا فِيهِ بَيْنَ ذَكَرٍ وَأُنْثَى بِمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ نَفْيًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ غُرَّتَيْهِمَا إذْ فِي الْعَادَةِ قِيمَةُ الذَّكَرِ أَزْيَدُ مِنْ قِيمَتِهَا بِكَثِيرٍ، وَإِذَا اشْتَبَهَ ذُكُورَتُهُ وَأُنُوثَتُهُ أُخِذَ بِالْأَقَلِّ الْمُتَيَقَّنِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ حَالُ الْوِلَادَةِ وَتُصْرَفُ إلَى سَيِّدِهِ اهـ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَخْ) وَجَنِينُ الْمُسْلِمَةِ وَالْكَافِرَةِ سَوَاءٌ وَبِهِ صُرِّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ) أَيْ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرَحَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ). قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْقِيمَةَ تَكُونُ لِلْمَوْلَى أَوْ تَكُونُ مِيرَاثًا مِنْ الْمَضْرُوبِ.
فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ مِيرَاثًا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا أَعْتَقَهُ فَقَدْ بَطَلَ حَقُّ نَفْسِهِ فَصَارَ فِي الْمِيرَاثِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقِيمَةَ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ الْقِيمَةُ صَارَ كَأَنَّ الرَّجُلَ قَتَلَ مَمْلُوكَهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ اسْتَنَدَ إلَى الضَّرْبِ وَوَقْتَ الضَّرْبِ كَانَ مَمْلُوكًا كَذَا قَالَ الْفَقِيهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ: فَصَارَ فِي الْمِيرَاثِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ اهـ كَاكِيٌّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَى الضَّارِبِ فَلِأَنَّ الْقَتْلَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ لِجَوَازِ أَنَّ الْحَيَاةَ لَمْ تُخْلَقْ فِيهِ وَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا تَجِبُ