المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ وهبت مهرها لزوجها فماتت فطالب ورثتها به وقالوا كانت الهبة في مرض موتها] - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٦

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ)

- ‌[سَبَب الْأُضْحِيَّة وَشَرَائِطهَا]

- ‌[مِنْ تجب عَلَيْهِ الْأُضْحِيَّة]

- ‌[مَا يُضَحَّى بِهِ]

- ‌[ مِمَّا تَكُون الْأُضْحِيَّة]

- ‌[كَيْفِيَّة التَّصَرُّف فِي لَحْم الْأُضْحِيَّة]

- ‌[ التَّصَدُّق بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّة]

- ‌[يذبح المضحي بِيَدِهِ]

- ‌[ذبح الْكِتَابِيّ لِلْأُضْحِيَّةِ]

- ‌[أَخْطِئَا وَذَبَحَ كُلٌّ أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ]

- ‌(كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ)

- ‌(كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ)

- ‌(مَسَائِلُ الشِّرْبِ)

- ‌[كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ]

- ‌{فَصْلٌ فِي طَبْخِ الْعَصِيرِ}

- ‌{كِتَابُ الصَّيْدِ}

- ‌[الِاصْطِيَاد بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّم وَالْفَهْد وَالْبَازِي]

- ‌[ التَّسْمِيَة عِنْد الإرسال للصيد]

- ‌[رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْو مِنْهُ]

- ‌ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ

- ‌[كِتَابُ الرَّهْنِ]

- ‌{بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ}

- ‌{بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ}

- ‌(بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ)

- ‌[فَصْلٌ رَهَنَ عَصِيرًا قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ بِعَشْرَةٍ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ]

- ‌(كِتَابُ الْجِنَايَاتِ)

- ‌(بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ)

- ‌[بَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ صُولِحَ عَلَى مَالٍ وَجَبَ حَالًّا وَسَقَطَ الْقَوَدُ]

- ‌[فَصْلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ]

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ)

- ‌[بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ]

- ‌[كِتَابُ الدِّيَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّفْسِ وَالْمَارِنِ وَاللِّسَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ]

- ‌(بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ]

- ‌(بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌(بَابُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ)

- ‌[فَصْلٌ قُتِلَ عَبْدٌ خَطَأً]

- ‌[بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ]

- ‌(بَابُ الْقَسَامَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْمَعَاقِلِ)

- ‌[مِنْ تجب عَلَيْهِ الدِّيَة فِي الْمَعَاقِلِ]

- ‌(وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ)

- ‌لَا يَعْقِلُ كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ

- ‌[ لَا يَعْقِل أَهْل مِصْر عَنْ أَهْل مِصْر آخِر]

- ‌[كِتَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَة فَعَلَى مِنْ تجب الدِّيَة]

- ‌[وَصِيَّة الْمُسْلِم لِلذِّمِّيِّ والذمي لِلْمُسْلِمِ]

- ‌ وَصِيَّةُ الْمَدْيُونِ

- ‌ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ

- ‌ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ

- ‌[الرُّجُوع عَنْ الْوَصِيَّة]

- ‌[ وَصِيَّة الْمُكَاتَب]

- ‌(بَابُ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ)

- ‌[بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ]

- ‌[بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ]

- ‌[بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَةِ]

- ‌[بَابُ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ لِلذِّمِّيِّ]

- ‌[بَابُ الْوَصِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَّهَادَةِ الْوَصِيَّانِ]

- ‌(كِتَابُ الْخُنْثَى)

- ‌[لَبِسَ الْخُنْثَى لِلْحَرِيرِ وَالْحِلِّي]

- ‌ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِيهِ غُلَامًا فَوَلَدَتْ خُنْثَى

- ‌[مَاتَ الْخُنْثَى قَبْل أَنْ يستبين أمره]

- ‌[قَبَلَ رَجُل الْخُنْثَى الْمُشْكِل بشهوة]

- ‌[تَزَوَّجَ الْخُنْثَى مِنْ خُنْثَى]

- ‌(مَسَائِلُ شَتَّى)

- ‌(إيمَاءُ الْأَخْرَسِ، وَكِتَابَتُهُ

- ‌[ مِيرَاث الْخُنْثَى]

- ‌[حَدّ قاذف الْخُنْثَى]

- ‌[لف ثَوْب نجس فِي آخِر طَاهِر]

- ‌[غنم مذبوحة وميتة حُكْم الْأَكْل مِنْهَا]

- ‌[سُلْطَان جَعَلَ الخراج لِرَبِّ الْأَرْض]

- ‌ نَوَى قَضَاءَ رَمَضَانَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْيَوْمَ

- ‌ ابْتَلَعَ الصَّائِمُ رِيقَ غَيْرِهِ

- ‌[ الْعَقَار الْمُتَنَازِع فِيهِ لَا يَخْرَج مِنْ يَد ذَوِي الْيَد]

- ‌[بَاعَ ضيعة ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقَفَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَاده]

- ‌[قَالَ لِآخِرِ وكلتك ببيع هَذَا فسكت]

- ‌[ وهبت مهرها لزوجها فَمَاتَتْ فطالب ورثتها بِهِ وقالوا كَانَتْ الْهِبَة فِي مَرَض موتها]

- ‌[كِتَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[أحوال الْأَب فِي الْمِيرَاث]

- ‌[أحوال الْأُمّ فِي الْمِيرَاث]

- ‌[للجدات أحوال فِي الْمِيرَاث]

- ‌[أحوال الزَّوْج فِي الْمِيرَاث]

- ‌[أحوال الزَّوْجَة فِي الْمِيرَاث]

- ‌[أحوال الْبِنْت فِي الْمِيرَاث]

- ‌[ أحوال الْجَدّ فِي الْمِيرَاث]

- ‌[الأخوات لِأَب وَأُمّ أحوالهن فِي الْمِيرَاث]

- ‌[ الْعُصُبَات فِي الْمِيرَاث]

- ‌[ الْفُرُوض المقدرة فِي الْمَوَارِيث]

- ‌[التصحيح فِي الْفَرَائِض]

- ‌[ خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: ‌[ وهبت مهرها لزوجها فماتت فطالب ورثتها به وقالوا كانت الهبة في مرض موتها]

أَقَرَّ بِهِ، وَلَسْت بِمُبْطِلٍ فِيمَا تَدَّعِيهِ عَلَيْهِ) مِنْ الْإِقْرَارِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ، وَعِنْدَهُمَا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ الْمُقَرِّ بِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ شَرْعًا فَلَا يُصَارُ مَعَهُ إلَى الْيَمِينِ كَالْبَيِّنَةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ احْتِمَالَ الْكَذِبِ فِيهِ أَبْعَدُ لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ الصَّكَّ إذَا أَرَادُوا الِاسْتِدَانَةَ قَبْلَ الْأَخْذِ ثُمَّ يَأْخُذُونَ الْمَالَ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ دَلِيلًا عَلَى اعْتِبَارِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَحْلِفُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِتَغْيِيرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ الْخِدَاعِ وَالْخِيَانَاتِ، وَهُوَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ، وَالْمُدَّعِي لَا تَضُرُّهُ الْيَمِينُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَيُصَارُ إلَيْهِ

[قَالَ لِآخِرِ وكلتك ببيع هَذَا فسكت]

قَالَ رحمه الله (لَوْ قَالَ لِآخَرَ وَكَّلْتُك بِبَيْعِ هَذَا فَسَكَتَ صَارَ وَكِيلًا) لِأَنَّ سُكُوتَهُ وَعَدَمَ رَدِّهِ مِنْ سَاعَتِهِ دَلِيلُ الْقَبُولِ عَادَةً، وَنَظِيرُهُ هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِنَّهُ إذَا سَكَتَ صَحَّتْ الْهِبَةُ، وَسَقَطَ الدَّيْنُ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ قَالَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا أَقْبَلُ بَطَلَ وَبَقِيَ الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ جَعَلْتُ أَرْضِي عَلَيْكَ وَقْفًا فَسَكَتَ صَحَّ، وَلَوْ قَالَ لَا أَقْبَلُ بَطَلَ، وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ الْوَقْفُ لَا يَبْطُلُ بِقَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ لِأَنَّهُ وَقَعَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَقَفْت دَارِي

قَالَ رحمه الله (وَكَّلَهَا بِطَلَاقِهَا لَا يَمْلِكُ عَزْلَهَا) لِأَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْيَمِينِ، وَهُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِفِعْلِهَا فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْيَمِينِ، وَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ جِهَتِهَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ، وَهِيَ عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَلَا تَكُونُ وَكِيلَةً بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ

قَالَ رحمه الله (وَكَّلْتُكَ بِكَذَا عَلَى أَنِّي مَتَى عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي يَقُولُ فِي عَزْلِهِ عَزَلْتُك ثُمَّ عَزَلْتُك) أَيْ ثُمَّ يَقُولُ عَزَلْتُك لِأَنَّ الْوَكَالَةَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالْعَزْلِ عَنْ الْوَكَالَةِ فَإِذَا عَزَلَهُ انْعَزَلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنَجَّزَة وَتَنَجَّزَتْ الْمُعَلَّقَةُ فَصَارَ وَكِيلًا جَدِيدًا ثُمَّ بِالْعَزْلِ الثَّانِي انْعَزَلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الثَّانِيَةِ

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي يَقُولُ رَجَعْتُ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ، وَعَزَلْتُكَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنَجَّزَةِ) لِأَنَّهُ لَوْ عَزَلَهُ عَنْ الْمُنَجَّزَةِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ لَصَارَ وَكِيلًا مِثْلَ مَا كَانَ وَلَوْ عَزَلَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا تَقْتَضِي تَكْرَارَ الْأَفْعَالِ لَا إلَى نِهَايَةٍ فَلَا يُفِيدُ الْعَزْلَ إلَّا بَعْدَ الرُّجُوعِ حَتَّى لَوْ عَزَلَهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ يَحْتَاجُ إلَى عَزْلٍ آخَرَ لِأَنَّهُ كَمَا عَزَلَهُ صَارَ وَكِيلًا فَلَا يُفِيدُ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى عَزْلٍ آخَرَ بَعْدَ الرُّجُوعِ، وَقِيلَ يَقُولُ فِي عَزْلِهِ كُلَّمَا وَكَّلْتُك فَأَنْتَ مَعْزُولٌ لِأَنَّهُ كَمَا صَارَ وَكِيلًا انْعَزَلَ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُ بِذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَهَذَا لَا يُفِيدُ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ كُلَّمَا تَوَكَّلَ لِأَجْلِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ بِتَوْكِيلٍ أَيْضًا كُلَّمَا انْعَزَلَ لِأَجْلِ الْيَمِينِ الْأُولَى فَيَبْقَى دَائِمًا وَكِيلًا مُنْعَزِلًا فَلَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِالرُّجُوعِ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ رحمه الله (قَبْضُ بَدَلِ الصُّلْحِ شَرْطٌ إنْ كَانَ دَيْنًا بِدَيْنٍ) بِأَنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى دَرَاهِمَ عَنْ دَنَانِيرَ أَوْ عَنْ شَيْءٍ آخَرَ فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الدَّائِنُ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ، وَهُوَ مَالٌ يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ فَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ صَارَ صَرْفًا أَوْ بَيْعًا، وَفِيهِ لَا يَجُوزُ الِافْتِرَاقُ عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ «لِنَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنًا بِدَيْنٍ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ لِأَنَّ الصُّلْحَ إذَا وَقَعَ عَلَى عَيْنٍ مُتَعَيِّنٍ لَا يَبْقَى دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَجَازَ الِافْتِرَاقُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَالَ الرِّبَا كَمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى شَعِيرٍ بِعَيْنِهِ عَنْ حِنْطَةٍ فِي الذِّمَّةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ.

قَالَ رحمه الله (ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى صَبِيٍّ دَارًا فَصَالَحَهُ أَبُوهُ عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ جَازَ إنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ بِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ عَادِلَةٍ لَا) لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، وَكَانَ الصُّلْحُ عَلَى مِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ بِقَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ كَانَ لِلصَّبِيِّ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، وَهِيَ سَلَامَةُ الْعَيْنِ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَالِحْ يَسْتَحِقُّهُ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ فَيَأْخُذُهُ فَيَكُونُ هَذَا الصُّلْحُ مِنْ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ مِنْ الْمُدَّعِي فَيُقَيَّدُ بِالْمِثْلِ، وَبِقَدْرِ مَا يُتَغَابَنُ فِيهِ عَادَةً لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ عَادِلَةٍ صَارَ الْأَبُ مُتَبَرِّعًا بِمَالِ الصَّبِيِّ بِالصُّلْحِ لَا مُشْتَرِيًا لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُدَّعِي شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لَوْلَا الصُّلْحُ فَلَا مَنْفَعَةَ لِلصَّبِيِّ فِي هَذَا الصُّلْحِ بَلْ فِيهِ ضَرَرٌ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] وَإِنْ كَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُدَّعِي لِلصَّغِيرِ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ وهبت مهرها لزوجها فَمَاتَتْ فطالب ورثتها بِهِ وقالوا كَانَتْ الْهِبَة فِي مَرَض موتها]

قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ جَعَلْتُ أَرْضِي إلَخْ) قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ أَقَرَّ بِمِلْكٍ لِرَجُلٍ فَصَدَّقَهُ يَمْلِكُهُ ظَاهِرًا أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا إنْ لَمْ يَسْبِقْ بَيْنَهُمَا مَا يُوجِبُ الْمِلْكَ وَفِي شَرْحِ بَكْرٍ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُقِرُّ الْمُقَرَّ بِهِ بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً وَفِي الْمُنْتَقَى لَك عَلَيَّ أَلْفٌ وَلَا يَعْلَمُ الْمُقَرُّ لَهُ بِذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا فَكَبُرَ وَفِي حِيلَ الْحَلْوَانِيِّ بِالْإِقْرَارِ كَاذِبًا هَلْ يَكُونُ نَاقِلًا لِلْمِلْكِ فِيهِ اخْتِلَافٌ.

وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي ادَّعَى أَنَّ ذَا الْيَدِ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ لَهُ قِيلَ لَا تُسْمَعُ مَا لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ مِلْكِي وَقَالَتْ الْعَامَّةُ تُسْمَعُ اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ مِلْكُهُ اهـ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَقُولُ رَجَعْت عَنْ الْوَكَالَةِ إلَخْ) وَإِنَّمَا يَقُولُ رَجَعْت عَنْ الْوَكَالَةِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ عِنْدَهُ الْعَزْلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا يَصِحُّ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ الْعَزْلُ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنْ يَقُولَ عَزَلْتُك عَنْ هَذِهِ الْوَكَالَاتِ فَيَنْصَرِفُ الْحَجْرُ ذَلِكَ إلَى الْمُعَلَّقِ وَالْمُنَجَّزِ. اهـ. فَتَاوَى قَاضِيخَانْ

ص: 224

لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِلصَّبِيِّ فِيمَا ادَّعَاهُ الْأَبُ لَهُ مِلْكٌ وَلَا مَعْنَى الْمِلْكِ، وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْأَخْذِ فَكَانَ مُحَصِّلًا لَهُ مَالًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مِلْكِ الصَّبِيِّ شَيْئًا بِمُقَابِلَتِهِ فَكَانَ نَفْعًا مَحْضًا، وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْمِثْلِ، وَبِأَقَلِّ قَدْرِ مَا يُتَغَابَنُ فِيهِ لِأَنَّهُ صَارَ فِي مَعْنَى الْمِلْكِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَخْذِ مِنْهُ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ، وَوَصِيُّ الْأَبِ فِي هَذَا كَالْأَبِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ.

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي فَبَرْهَنَ أَوْ لَا شَهَادَةَ لِي فَشَهِدَ تُقْبَلُ) وَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ عَلَى دَعْوَايَ هَذَا الْحَقَّ ثُمَّ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ تُقْبَلُ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ بِأَنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَنَسِيَهَا ثُمَّ ذَكَرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ لَا يَعْلَمُهَا ثُمَّ عَلِمَهَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ بَيِّنَتَهُ، وَمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ لَا شَهَادَةَ لِفُلَانٍ عِنْدِي فِي حَقٍّ بِعَيْنِهِ ثُمَّ شَهِدَ لَهُ بِهِ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ يَقُولُ نَسِيت، وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي لَيْسَ لِي عِنْدَ فُلَانٍ شَهَادَةٌ ثُمَّ جَاءَ بِهِ فَشَهِدَ لَهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ قَدْ نَسِيَهَا أَوْ لَا يَعْلَمُهَا ثُمَّ عَلِمَهَا، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُ لِي حَقًّا عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ حَقًّا تُقْبَلُ لِإِمْكَانِ الْخَفَاءِ عَلَيْهِ فَأَمْكَنَ التَّوْفِيقُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا حَيْثُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْمُنَاقَضَةَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالدَّعْوَى ثَابِتَةٌ فَلَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا، وَنَفْيُ الْحُجَّةِ فِي هَذَا كَنَفْيِ الشَّهَادَةِ لَا كَنَفْيِ الْحَقِّ حَتَّى إذَا قَالَ لَا حُجَّةَ لِي عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ أَتَى بِحُجَّةٍ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ يَقُولُ نَسِيَتْ، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لَيْسَتْ لِي أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِعَبْدٍ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الدَّارَ أَوْ الْعَبْدَ لَهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ حَقًّا لِأَحَدٍ، وَكُلُّ إقْرَارٍ لَمْ يُثْبِتْ بِهِ لِغَيْرِهِ حَقًّا كَانَ لَغْوًا، وَلِهَذَا تَصِحُّ دَعْوَى الْمُلَاعِنِ نَسَبَ وَلَدٍ نَفَى بِلِعَانِهِ نَسَبَهُ لِأَنَّهُ حِينَ نَفَاهُ لَمْ يُثْبِتْ بِهِ حَقًّا لِأَحَدٍ

قَالَ رحمه الله (لِلْإِمَامِ الَّذِي وَلَّاهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يَقْطَعَ إنْسَانًا مِنْ طَرِيقِ الْجَادَّةِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ) لِأَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ فِيمَا فِيهِ نَظَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِذَا رَأَى فِي ذَلِكَ

مَصْلَحَةً

لَهُمْ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْحِقَ ضَرَرًا بِأَحَدٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا رَأَى أَنْ يُدْخِلَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ

مَصْلَحَةٌ

لِلْمُسْلِمِينَ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَالْإِمَامُ الَّذِي وَلَّاهُ الْخَلِيفَةُ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِيفَةِ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ فَكَانَ فِيهِ مِثْلَهُ

قَالَ رحمه الله (مَنْ صَادَرَهُ السُّلْطَانُ، وَلَمْ يُعَيِّنْ بَيْعَ مَالِهِ فَبَاعَ مَالَهُ صَحَّ) أَيْ جَازَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ بِالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا بَاعَ بِاخْتِيَارِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ صَارَ مُحْتَاجًا إلَى بَيْعِهِ لِإِيفَاءِ مَا طُلِبَ مِنْهُ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْكُرْهَ كَالْمَدِينِ إذَا حُبِسَ بِالدَّيْنِ فَبَاعَ مَالَهُ لِيَقْضِيَ بِثَمَنِهِ دَيْنَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْكُرْهُ فِي الْإِيفَاءِ لَا فِي الْبَيْعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي التَّسْعِيرِ.

قَالَ رحمه الله (خَوَّفَهَا بِالضَّرْبِ حَتَّى وَهَبَتْهُ مَهْرَهَا لَمْ يَصِحَّ إنْ قَدِرَ عَلَى الضَّرْبَ) لِأَنَّهَا مُكْرَهَةٌ عَلَيْهِ إذْ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْمَالِ يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّ التَّرَاضِيَ شَرْطٌ فِي تَمْلِيكِ الْأَمْوَالِ وَالرِّضَا يَنْتَفِي بِمِثْلِهِ فَلَا يَصِحُّ

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الْخُلَعِ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَلَا يَسْقُطُ الْمَالُ) لِأَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ، وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ بِهِ إذْ الرِّضَا شَرْطٌ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ أَحَالَتْ إنْسَانًا عَلَى الزَّوْجِ ثُمَّ وَهَبَتْ الْمَهْرَ لِلزَّوْجِ لَا يَصِحُّ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُحْتَالِ عَلَى مِثَالِ الرَّهْنِ، وَإِنْ كَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ عِنْدَ مَوْتِهَا فَيُرَدُّ تَصَرُّفُهَا فِيهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمَرْهُونَ أَوْ وَهَبَهُ

قَالَ رحمه الله (اتَّخَذَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ أَوْ بَالُوعَةً فَنَزَّ مِنْهَا حَائِطُ جَارِهِ، وَطَلَبَ تَحْوِيلَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَقَطَ الْحَائِطُ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ، وَلِأَنَّ هَذَا تَسْبِيبٌ، وَبِهِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ إلَّا إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا كَوَضْعِ الْحَجَرِ عَلَى الطَّرِيقِ، وَاِتِّخَاذُ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ لَيْسَ بِتَعَدٍّ فَلَا يَضْمَنُ.

قَالَ رحمه الله (عَمَرَ دَارَ زَوْجَتِهِ بِمَالِهِ بِإِذْنِهَا فَالْعِمَارَةُ لَهَا، وَالنَّفَقَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهَا، وَقَدْ صَحَّ أَمْرُهَا بِذَلِكَ فَيَنْتَقِلُ الْفِعْلُ إلَيْهَا فَتَكُونُ كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي عَمَرَتْهُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهَا، وَهُوَ غَيْرُ مُتَطَوِّعٍ فِي الْإِنْفَاقِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا لِصِحَّةِ أَمْرِهَا فَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ قَالَ رحمه الله (وَلِنَفْسِهِ بِلَا إذْنِهَا فَلَهُ) أَيْ إذَا عَمَرَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْمَرْأَةِ كَانَتْ الْعِمَارَةُ لَهُ لِأَنَّ الْآلَةَ الَّتِي بَنَى بِهَا مِلْكُهُ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ، وَيَكُونُ غَاصِبًا لِلْعَرْصَةِ، وَشَاغِلًا مِلْكَ غَيْرِهِ بِمِلْكِهِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ إنْ طَلَبَتْ زَوْجَتُهُ ذَلِكَ قَالَ رحمه الله (وَلَهَا بِلَا إذْنِهَا فَالْعِمَارَةُ لَهَا، وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ) أَيْ إذَا عَمَرَهُ لَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا كَانَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَكْرَهَهَا إلَخْ) أَقُولُ إنْ كَانَ الْفَرْضُ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي أَكْرَهَهَا عَلَى قَبُولِ الْخُلْعِ فَكَيْفَ يُعَلِّلُ بِأَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ وَلَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيلُ إلَّا إذَا قُرِئَ إذَا أُكْرِهَا عَلَى الْخُلْعِ أَيْ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ أَيْ أَكْرَهَهُمَا إنْسَانٌ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ بِهِ) أَيْ بِالْإِكْرَاهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَحَالَتْ إنْسَانًا) أَيْ أَحَالَتْ بِمَهْرِهَا أَمَّا إذَا أَطْلَقَتْ الْحَوَالَةَ ثُمَّ وَهَبَتْ الْمَهْرَ صَحَّ إذْ لَا مُنَافَاةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ) أَيْ إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْمُحْتَالُ الْمُحَالَ بِهِ حَتَّى مَاتَ الْمُحِيلُ فَالْمُحْتَالُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي الدَّيْنِ الْمُحْتَالِ بِهِ وَقَالَ زُفَرُ يَخْتَصُّ بِهِ الْمُحْتَالُ وَقَدْ تَقَدَّمَ. اهـ.

ص: 225

الْبِنَاءُ لَهَا، وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي الْبِنَاءِ فَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِهِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي إيجَابِ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَقَدْ مَلَكَتْهُ هِيَ بِرِضَاهُ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ أَخَذَ غَرِيمَهُ فَنَزَعَهُ إنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ لَا يَضْمَنُ النَّازِعُ إذَا هَرَبَ الْغَرِيمُ لِأَنَّ النَّزْعَ تَسْبِيبٌ، وَقَدْ دَخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ضَيَاعِ حَقِّهِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَهُوَ هُرُوبُهُ فَلَا يُضَافُ إلَيْهِ التَّلَفُ كَمَا إذَا حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ فَأَبَقَ فَإِنَّ الْحَالَّ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ التَّلَفَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ بِفِعْلِ الْعَبْدِ مُخْتَارًا، وَكَدَلَالَةِ السَّارِقِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ فَإِنَّ الدَّالَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِ السَّرِقَةِ لَا بِالدَّلَالَةِ، وَكَمَنْ أَمْسَكَ هَارِبًا مِنْ عَدُوٍّ حَتَّى قَتَلَهُ الْعَدُوُّ فَإِنَّ الْمُمْسِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فَكَذَا هَذَا

قَالَ رحمه الله (فِي يَدِهِ مَالُ إنْسَانٍ فَقَالَ لَهُ سُلْطَانٌ ادْفَعْ إلَيَّ هَذَا الْمَالَ، وَإِلَّا أَقْطَعْ يَدَك أَوْ أَضْرِبْك خَمْسِينَ فَدَفَعَ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ لَمْ يَضْمَنْ الدَّافِعُ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَيْهِ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُكْرِهِ أَوْ عَلَى الْآخِذِ أَيَّهمَا شَاءَ الْمَالِكُ إنْ كَانَ الْآخِذُ مُخْتَارًا، وَإِلَّا فَعَلَى الْمُكْرِهِ فَقَطْ

قَالَ رحمه الله (وَضَعَ مِنْجَلًا فِي الصَّحْرَاءِ لِيَصِيدَ بِهِ حِمَارَ وَحْشٍ، وَسَمَّى عَلَيْهِ فَجَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَوَجَدَ الْحِمَارَ مَجْرُوحًا مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ) لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَذْبَحَهُ إنْسَانٌ أَوْ يَجْرَحَهُ، وَبِدُونِ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ، وَهُوَ كَالنَّطِيحَةِ أَوْ الْمُتَرَدِّيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ، وَتَقْيِيدُهُ بِالْيَوْمِ الثَّانِي وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَحِلُّ لِعَدَمِ شَرْطِهِ.

قَالَ رحمه الله (كُرِهَ مِنْ الشَّاةِ الْحَيَاءُ وَالْخُصْيَةُ وَالْغُدَّةُ وَالْمَثَانَةُ وَالْمَرَارَةُ وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَالذَّكَرُ) لِمَا رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ وَاصِلِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ «كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الشَّاةِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالْقُبُلَ وَالْغُدَّةَ وَالْمَرَارَةَ وَالْمَثَانَةَ وَالدَّمَ» قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه الدَّمُ حَرَامٌ، وَأَكْرَهُ السِّتَّةَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ عز وجل {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] الْآيَةَ فَلَمَّا تَنَاوَلَهُ النَّصُّ قَطَعَ بِتَحْرِيمِهِ، وَكَرِهَ مَا سِوَاهُ لِأَنَّهُ مِمَّا تَسْتَخْبِثُهُ الْأَنْفُسُ وَتَكْرَهُهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى سَبَبُ الْكَرَاهِيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما سُئِلَ عَنْ الْقُنْفُذِ فَتَلَا قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] الْآيَةَ فَقَالَ شَيْخٌ عِنْدَهُ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ «ذُكِرَ الْقُنْفُذُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ خَبِيثٌ مِنْ الْخَبَائِثِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَهُ فَهُوَ كَمَا قَالَهُ» ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ

قَالَ رحمه الله (لِلْقَاضِي أَنْ يُقْرِضَ مَالَ الْغَائِبِ وَالطِّفْلِ وَاللَّقَطَةِ) لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِخْلَاصِ فَلَا يَفُوتُ الْحِفْظُ بِهِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُلْتَقِطِ لِأَنَّهُمْ عَاجِزُونَ عَنْ اسْتِخْلَاصِ ذَلِكَ فَيَكُونُ تَضْيِيعًا إلَّا أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا أَنْشَدَ اللَّقَطَةَ، وَمَضَى مُدَّةَ النِّشْدَاتِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْإِقْرَاضُ مِنْ فَقِيرٍ لِأَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَازَ فَالْقَرْضُ أَوْلَى.

قَالَ رحمه الله (صَبِيٌّ حَشَفَتُهُ ظَاهِرَةٌ بِحَيْثُ لَوْ رَآهُ إنْسَانٌ ظَنَّهُ مَخْتُونًا وَلَا يُقْطَعُ جِلْدَةُ ذَكَرِهِ إلَّا بِتَشْدِيدٍ تُرِكَ كَشَيْخٍ أَسْلَمَ وَقَالَ أَهْلُ النَّظَرِ لَا يُطِيقُ الْخِتَانَ) لِأَنَّ قَطْعَ جِلْدَةِ ذَكَرِهِ لِتَنْكَشِفَ الْحَشَفَةُ فَإِنْ كَانَتْ الْحَشَفَةُ ظَاهِرَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَطْعِ، وَإِنْ كَانَتْ تُوَارِي الْحَشَفَةَ يُقْطَعُ الْفَضْلُ، وَلَوْ خُتِنَ، وَلَمْ يُقْطَعُ الْجَلْدَةُ كُلُّهَا يُنْظَرُ فَإِنْ قُطِعَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ يَكُونُ خِتَانًا لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ، وَإِنْ قُطِعَ النِّصْفُ فَمَا دُونَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِعَدَمِ الْخِتَانِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ، وَهُوَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَخَصَائِصِهِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ عَلَى تَرْكِهِ يُحَارِبُهُمْ الْإِمَامُ فَلَا يُتْرَكُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَعُذْرُ الشَّيْخِ الَّذِي لَا يُطِيقُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فَيُتْرَكُ.

قَالَ رحمه الله (وَوَقْتُهُ سَبْعُ سِنِينَ) أَيْ وَقْتُ الْخِتَانِ سَبْعُ سِنِينَ، وَقِيلَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُكْرِهِ أَوْ عَلَى الْآخِذِ) أَيْ فِيمَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَهُ لِإِنْسَانٍ اهـ

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَذْبَحَهُ إنْسَانٌ أَوْ يَجْرَحَهُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَجْرَحَهُ إنْسَانٌ أَوْ يَذْبَحَهُ وَلَمْ يُوجَدْ اهـ.

(قَوْلُهُ وَتَقْيِيدُهُ بِالْيَوْمِ الثَّانِي وَقَعَ اتِّفَاقًا) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الذَّبَائِحِ وَفِي الْأَصْلِ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الذَّبْحِ شَرْطٌ وَفِي الِاصْطِيَادِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ وَإِذَا نَصَبَ الْحَدِيدَةَ لِأَخْذِ الظَّبْيِ تُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْوَضْعِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَضَعَ مِنْجَلًا لِيَصِيدَ حِمَارَ الْوَحْشِ ثُمَّ وَجَدَ حِمَارَ الْوَحْشِ مَجْرُوحًا بِهِ مَيِّتًا لَا يَحِلُّ قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله وَهَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ الطَّلَبِ لِمَا أَنَّهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى اعْتَبَرَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ النَّصْبِ اهـ مَا قَالَهُ فِي الْخُلَاصَةِ.

قُلْت وَمَسْأَلَةُ الْمَتْنِ هِيَ مَسْأَلَةُ الْمُحِيطِ إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ الْمَتْنِ صَرِيحَةٌ فِي غَيْبَةِ الصَّائِدِ لِقَوْلِهِ فَجَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَعِبَارَةُ الْمُحِيطِ مُحْتَمَلَةٌ وَلَمَّا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ وَإِذَا نَصَبَ الْحَدِيدَةَ إلَخْ مُنَاقِضَةً لِمَسْأَلَةِ الْمُحِيطِ حَمَلَ مَسْأَلَةَ الْمُحِيطِ عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ الطَّلَبِ بِعْنِي بِأَنْ غَابَ كَمَا فِي الْكَنْزِ وَلَا يَخْفَى دَفْعُ التَّنَاقُضِ بِهَذَا الْحَمْلِ وَهُوَ حَمْلٌ حَسَنٌ وَعَلَى هَذَا فَفِي مَسْأَلَةِ الْكَنْزِ لَوْ لَمْ يَغِبْ الصَّائِدُ عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَ بِهِ الْمِنْجَلَ لِلْحِمَارِ حَلَّ أَكْلُهُ إذَا كَانَ سَمَّى عِنْدَ وَضْعِ الْمِنْجَلِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْخُلَاصَةِ.

لَكِنَّ تَعْلِيلَ الشَّارِحِ رحمه الله بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ إلَخْ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحِلِّ مُطْلَقًا أَعْنِي قَعَدَ الصَّائِدُ عَنْ الطَّلَبِ بِأَنْ غَابَ أَوْ لَمْ يَقْعُدْ وَقَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدَ هَذَا حَتَّى لَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا مِنْ سَاعَتِهِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْحِلِّ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ الطَّلَبِ وَاقْتَضَى كَلَامُ الشَّارِحِ عَدَمَ اعْتِبَارِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي اعْتَبَرَ التَّسْمِيَةَ فِيهَا عِنْدَ النَّصْبِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْخُلَاصَةِ

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ إلَخْ) قَالَ قَاضِيخَانْ لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ إقْرَاضُ مَالِ الْيَتِيمِ فَإِنْ أَقْرَضَ كَانَ ضَامِنًا وَالْقَاضِي يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ.

وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْأَبِ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَبَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ لَا بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي اهـ

ص: 226

لَا يُخْتَنُ حَتَّى يَبْلُغَ لِأَنَّ الْخِتَانَ لِلطَّهَارَةِ، وَلَا طَهَارَةَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَكَانَ إيلَامًا قَبْلَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَقِيلَ أَقْصَاهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَقِيلَ تِسْعُ سِنِينَ، وَقِيلَ وَقْتُهُ عَشْرُ سِنِينَ لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ عَشْرًا اعْتِيَادًا وَتَخَلُّقًا فَيَحْتَاجُ إلَى الْخِتَانِ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلطَّهَارَةِ، وَقِيلَ إنْ كَانَ قَوِيًّا يُطِيقُ أَلَمَ الْخِتَانِ خُتِنَ، وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله لَا عِلْمَ لِي بِوَقْتِهِ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِيهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا الْمَشَايِخُ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُمَةٌ لِلرِّجَالِ لِأَنَّهُ أَلَذُّ فِي الْجِمَاعِ، وَقِيلَ سُنَّةٌ، وَالْأَصْلُ أَنَّ إيصَالَ الْأَلَمِ إلَى الْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ شَرْعًا إلَّا لِمَصَالِحَ تَعُودُ عَلَيْهِ، وَفِي الْخِتَانِ إقَامَةُ السُّنَّةِ، وَتَعُودُ إلَيْهِ أَيْضًا مَصْلَحَتُهُ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «الْخِتَانُ سُنَّةٌ يُحَارَبُ عَلَى تَرْكِهَا» ، وَكَذَا يَجُوزُ كَيُّ الصَّغِيرِ وَبَطُّ قُرْحَتِهِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُدَاوَاةِ وَكَذَا يَجُوزُ ثَقْبُ أُذُنِ الْبَنَاتِ الْأَطْفَالِ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةَ الزِّينَةِ، وَكَانَ يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ عليه الصلاة والسلام إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَالْحَامِلُ لَا تَفْعَلُ مَا يَضُرُّ بِالْوَلَدِ، وَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَحْتَجِمَ مَا لَمْ يَتَحَرَّكْ الْوَلَدُ فَإِذَا تَحَرَّكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ تَقْرُبْ الْوِلَادَةُ فَإِذَا قَرُبَتْ فَلَا تَحْتَجِمُ لِأَنَّهُ يَضُرُّهُ، وَأَمَّا الْفَصْدُ فَلَا تَفْعَلُهُ مُطْلَقًا مَا دَامَتْ حُبْلَى لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى الْوَلَدِ مِنْهُ، وَكَذَا يَجُوزُ فَصْدُ الْبَهَائِمِ وَكَيُّهَا، وَكُلُّ عِلَاجٍ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهَا، وَجَازَ قَتْلُ مَا يَضُرُّ مِنْ الْبَهَائِمِ كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْهِرَّةِ إذَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْحَمَامَ وَالدَّجَاجَ، لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ، وَيَذْبَحُهَا ذَبْحًا، وَلَا يَضْرُ بِهَا لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَيَكُونُ تَعْذِيبًا لَهَا بِلَا فَائِدَةٍ.

قَالَ رحمه الله (وَالْمُسَابَقَةُ بِالْفَرَسِ وَالْإِبِلِ وَالْأَرْجُلِ وَالرَّمْيِ جَائِزَةٌ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا سَبْقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ، وَأَذِنَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنْ يُسَابِقَ رَجُلًا أَنْصَارِيًّا كَانَ لَا يَسْبِقُ، شَدًّا فَسَبَقَهُ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ» ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ كَانَتْ الْمُسَابَقَةُ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَالْأَرْجُلِ، وَلِأَنَّ الْغُزَاةَ يَحْتَاجُونَ إلَى رِيَاضَةِ خَيْلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالتَّعْلِيمُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ مُبَاحٌ

قَالَ رحمه الله (وَحُرِّمَ شَرْطُ الْجُعْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَبَّقَ بِالْخَيْلِ وَرَاهَنَ» ، وَمَعْنَى شَرْطِ الْجُعْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقَ فَرَسُك فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، وَإِنْ سَبَقَ فَرَسِي، فَلِي عَلَيْك كَذَا وَهُوَ قِمَارٌ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقِمَارَ مِنْ الْقَمَرِ الَّذِي يُزَادُ تَارَةً، وَيُنْقَصُ أُخْرَى، وَسُمِّيَ الْقِمَارُ قِمَارًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُقَامِرِينَ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ مَالُهُ إلَى صَاحِبِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَفِيدَ مَالَ صَاحِبِهِ فَيَجُوز الِازْدِيَادُ وَالِانْتِقَاصُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَصَارَ قِمَارًا.

وَهُوَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ، وَلَا كَذَلِكَ إذَا شُرِطَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقْتنِي فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، وَإِنْ سَبَقْتُكَ فَلَا شَيْءَ لِي عَلَيْك لِأَنَّ النُّقْصَانَ وَالزِّيَادَةَ لَا يُمْكِنُ فِيهِمَا، وَإِنَّمَا فِي أَحَدِهِمَا يُمْكِنُ الزِّيَادَةُ، وَفِي الْآخَرِ النُّقْصَانُ فَقَطْ فَلَا يَكُون مُقَامَرَةً لِأَنَّ الْمُقَامَرَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْهُ فَتَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا لِمَا رَوَيْنَا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْلِيقِ التَّمْلِيكِ عَلَى الْخَطَرِ.

وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِيمَا عَدَا الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ كَالْبَغْلِ وَإِنْ كَانَ الْجَعْلُ، مَشْرُوطًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَفِي الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ خَصَّصَ هَؤُلَاءِ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِبَاقُ بِالْجُعْلِ لِأَنَّ الِاسْتِبَاقَ بِلَا جُعْلٍ يَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُ مَا شُرِطَ فِيهِ الْجُعْلُ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْقِمَارُ، وَالتَّعْلِيقُ بِالْخَطَرِ، وَفِي الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِالْخَطَرِ لَا غَيْرُ فَلَيْسَ بِمِثْلٍ لَهُ حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهِ.

وَشَرْطُهُ أَنْ تَكُونَ الْغَايَةُ مِمَّا يَحْتَمِلُهَا الْفَرَسُ، وَكَذَا شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرَسَيْنِ احْتِمَالُ السَّبْقِ أَمَّا إذَا عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَسْبِقُ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لِلْحَاجَةِ إلَى الرِّيَاضَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا إلَّا إيجَابُ الْمَالِ لِلْغَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ بِشَرْطٍ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ،

وَلَوْ شَرَطَا الْجُعْلَ، مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَأَدْخَلَا ثَالِثًا مُحَلِّلًا جَازَ إذَا كَانَ فَرَسُ الْمُحَلَّلِ كُفْئًا لِفَرَسَيْهِمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ «لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ» ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ قُلْت وَتَجُوزُ أَيْضًا بِالْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ لِأَنَّ الْحَافِرَ يَشْمَلُهُمَا اهـ قُلْت يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْمَجْمَعِ وَالْمُخْتَارِ وَتَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَى الْأَقْدَامِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْإِبِلِ وَالرَّمْيِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ» .

وَالْمُرَادُ بِالْخُفِّ الْإِبِلُ وَبِالنَّصْلِ الرَّمْيُ وَبِالْحَافِرِ الْفَرَسُ وَالْبَغْلُ وَالْحِمَارُ اهـ فَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ لَكِنْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ بِأَنَّ الْمُسَابَقَةَ لَا تَجُوزُ فِيمَا عَدَا الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمَتْنِ كَالْبَغْلِ وَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مَشْرُوطًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْعَجَبُ مِنْ الْعَيْنِيِّ سَامَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ صَرَّحَ بِجَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ ثُمَّ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ ذَكَرَ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ فِيمَا عَدَا الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ.

وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ «لَا سَبَقَ» : السَّبَقُ بِفَتْحِ الْبَاء مَا يُجْعَلُ مِنْ الْمَالِ رَهْنًا عَلَى الْمُسَابَقَةِ وَبِالسُّكُونِ مَصْدَرُ سَبَقْت أَسْبِقُ الْمَعْنَى لَا يَحِلُّ أَخْذُ الْمَالِ بِالْمُسَابَقَةِ إلَّا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْخَيْلُ وَالسِّهَامُ وَقَدْ أَلْحَقَ بِهَا الْفُقَهَاءُ مَا كَانَ بِمَعْنَاهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بِفَتْحِ الْبَاءِ. اهـ. ابْنُ الْأَثِيرِ (قَوْلُهُ «وَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنْ يُسَابِقَ رَجُلًا» إلَخْ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْأَقْدَامِ. اهـ.

(قَوْلُهُ سَبَّقَ بِالْخَيْلِ) سَبَّقَ بِالتَّشْدِيدِ الْتَزَمَ السَّبْقَ وَهُوَ مَا يُتَرَاهَنُ عَلَيْهِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَفِي الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ خَصَّصَ هَؤُلَاءِ بِهِ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام أَوْ حَافِرٍ يَدْخُلُ فِيهِ الْبَغْلُ وَالْحِمَارُ فَلَا وَجْهَ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّخْصِيصِ عَدَا مَا ظَهَرَ لِي حَالَ الْمُطَالَعَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ

ص: 227

أَوْ يُسْبَقَ، وَإِنْ كَانَ يَسْبِقُ أَوْ يُسْبَقَ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ، وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُسْبَقَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ، وَهُوَ آمِنٌ أَنْ يُسْبَقَ فَهُوَ قِمَارٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُمَا، وَصُورَةُ إدْخَالِ الْمُحَلِّلِ أَنْ يَقُولَا لِلثَّالِثِ إنْ سَبَقْتَنَا فَالْمَالَانِ لَك، وَإِنْ سَبَقْنَاك فَلَا شَيْءَ لَنَا عَلَيْك وَلَكِنْ الشَّرْطُ الَّذِي شَرَطَاهُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ أَيُّهُمَا سَبَقَ كَانَ لَهُ الْجُعْلُ عَلَى صَاحِبِهِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ فَإِنْ غَلَبَهُمَا أَخَذَ الْمَالَيْنِ، وَإِنْ غَلَبَاهُ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا عَلَيْهِ.

وَيَأْخُذُ أَيُّهُمَا غَلَبَ الْمَالَ الْمَشْرُوطَ لَهُ مِنْ صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا لِأَنَّ الثَّالِثَ لَا يَغْرَمُ عَلَى التَّقَادِيرِ كُلِّهَا قَطْعًا وَيَقِينًا، وَإِنَّمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَأْخُذَ أَوْ لَا يَأْخُذَ فَخَرَجَ بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِمَارًا فَصَارَ كَمَا إذَا شُرِطَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْقِمَارَ هُوَ الَّذِي يَسْتَوِي فِيهِ الْجَانِبَانِ فِي احْتِمَالِ الْغَرَامَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَلَوْ قَالَ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُرْسَانِ أَوْ لِلِاثْنَيْنِ فَمَنْ سَبَقَ فَلَهُ كَذَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ قَالَ لِلرُّمَاةِ مَنْ أَصَابَ الْهَدَفَ فَلَهُ كَذَا جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّنْفِيلِ.

فَإِذَا كَانَ التَّنْفِيلُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَالسَّلَبِ وَنَحْوِهِ يَجُوزُ فَمَا ظَنُّك بِخَالِصِ مَالِهِ فَصَارَ أَنْوَاعُ السَّبْقِ أَرْبَعَةً ثَلَاثَةٌ مِنْهَا جَائِزَةٌ، وَوَاحِدٌ مِنْهَا لَا يَجُوزُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْجَمِيعَ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ، وَعَلَى هَذَا الْفُقَهَاءُ إذَا تَنَازَعُوا فِي الْمَسَائِلِ، وَشُرِطَ لِلْمُصِيبِ مِنْهُمْ جُعْلٌ جَازَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْخَيْلِ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَجْمَعُ الْكُلَّ إذْ التَّعْلِيمُ فِي الْبَابَيْنِ يَرْجِعُ إلَى تَقْوِيَةِ الدِّينِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ.

وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الْمُسَابَقَةِ الْحِلُّ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ الْمَغْلُوبُ مِنْ الدَّفْعِ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي، وَلَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَا يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ إلَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِ) لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ مِنْ التَّعْظِيمِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الدَّعَوَاتِ، وَهِيَ لِزِيَادَةِ الرَّحْمَةِ وَالْقُرْبِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِمَنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبُ.

وَإِنَّمَا يُدْعَى لَهُ بِالْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالتَّجَاوُزِ إلَّا تَبَعًا بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاخْتَلَفُوا فِي التَّرَحُّمِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ مِثْلُ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى بِهَذَا اللَّفْظِ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ مَرْحُومٌ قَطْعًا فَيَكُونُ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ، وَقَدْ اسْتَغْنَيْنَا عَنْ هَذِهِ بِالصَّلَاةِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مِنْ أَشْوَقِ الْعِبَادِ إلَى مَزِيدٍ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَمَعْنَاهَا مَعْنَى الصَّلَاةِ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ الْأَوْلَى أَنْ يَدْعُوَ لِلصَّحَابَةِ بِالرِّضَا فَيَقُولَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُبَالِغُونَ فِي طَلَبِ الرِّضَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجْتَهِدُونَ فِي فِعْلِ مَا يُرْضِيهِ، وَيَرْضَوْنَ بِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنْ الِابْتِلَاءِ مِنْ جِهَتِهِ أَشَدَّ الرِّضَا فَهَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِالرِّضَا، وَغَيْرُهُمْ لَا يَلْحَقُ أَدْنَاهُمْ وَلَوْ أَنْفَقَ مِلْءَ الْأَرْضِ ذَهَبًا.

وَلِلتَّابِعِينَ بِالرَّحْمَةِ فَيَقُولُ رحمهم الله، وَلِمَنْ بَعْدَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ وَالتَّجَاوُزِ فَيَقُولُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ، وَتَجَاوَزَ عَنْهُمْ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِمْ وَلِقِلَّةِ اهْتِمَامِهِمْ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ.

قَالَ رحمه الله (وَالْإِعْطَاءُ بِاسْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ لَا يَجُوزُ) أَيْ الْهَدَايَا بِاسْمِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ حَرَامٌ بَلْ كُفْرٌ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ رحمه الله لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَبَدَ اللَّهَ خَمْسِينَ سَنَةً ثُمَّ جَاءَ يَوْمُ النَّيْرُوزِ، وَأَهْدَى لِبَعْضِ الْمُشْرِكِينَ بَيْضَةً يُرِيدُ بِهِ تَعْظِيمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَدْ كَفَرَ، وَحَبِطَ عَمَلُهُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ إذَا أَهْدَى يَوْمَ النَّيْرُوزِ إلَى مُسْلِمٍ آخَرَ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ التَّعْظِيمَ لِذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَكِنْ مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَكْفُرُ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ خَاصَّةً، وَيَفْعَلُهُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ كَيْ لَا يَكُونَ تَشَبُّهًا بِأُولَئِكَ الْقَوْمِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ رَجُلٌ اشْتَرَى يَوْمَ النَّيْرُوزِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ يَشْتَرِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ بِهِ تَعْظِيمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ كَمَا يُعَظِّمُهُ الْمُشْرِكُونَ كَفَرَ، وَإِنْ أَرَادَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَالتَّنَعُّمَ لَا يَكْفُرُ.

قَالَ رحمه الله (وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْقَلَانِسِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهُ قَلَانِسُ يَلْبَسُهَا» ، وَقَدْ صَحَّ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ

قَالَ رحمه الله (وَنُدِبَ لُبْسُ السَّوَادِ وَإِرْسَالُ ذَنَبِ الْعِمَامَةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ إلَى وَسْطِ الظَّهْرِ) لِأَنَّ مُحَمَّدًا رحمه الله ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ الْغَنَائِمِ حَدِيثًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لُبْسَ السَّوَادِ مُسْتَحَبٌّ، وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُجَدِّدَ اللَّفَّ لِعِمَامَتِهِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْقُضَهَا كَوْرًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا جَائِزَةٌ) وَهِيَ اشْتِرَاطُ الْجُعْلِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جَانِبَيْنِ وَبَيْنَهُمَا مُحَلِّلٌ أَوْ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لِأَيِّهِمَا سَبَقَ اهـ.

(قَوْلُهُ وَوَاحِدٌ مِنْهَا لَا يَجُوزُ) وَذَلِكَ إذَا شَرَطَا الْجُعْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِلَا اشْتِرَاطِ مُحَلِّلٍ. اهـ.

ص: 228