الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قدير ولقد أصبحت تلك الفياض والرياض في البطين مياهًا عذبة متدفقة تجري على وجه الأرض ذلك لقوة العيون المتفجرة فيها. وهناك تجد العمال والمزارعين يواصلون العمل ليلًا ونهارًا فهؤلاء يحصدون، وهؤلاء يقطفون، وأولئك يجمعون، وأولئك يشحنون السيارات قد جدوا في التحميل من البطيخ والجزر والبطاطس والطماطم والخس وغير ذلك من منتوجات الأرض من البصل والقثاء والعنب والرمان والقمح والذرة. فلقد أنتجت إحدى المزارع من القمح في وقت الحصاد سبعة عشر مليونًا من الكيلوغرام 17000000 وهذا شيء نادر الوقوع حتَّى أيها لتصدر تلك الفياض يوميًا ما لا يقل عن حمولة مائة سيارة مرسيدس من الشاحنات إلى سائر الجهات من نجد وغيرها مثل الكويت والحجاز ودمشق وقطر وبيعت منتوجات القصيم في لبنان وبيروت وغيرها. وحدثني مزارع أنَّه باع من الطماطم في مزرعته بسبعين ألف ريال وساقية واحدة من إحدى العيون بيع بصلها بثلاثين ألفًا.
عيون تنبع في القصيم
في العشر الأولى من رمضان نبعت عينان إحداهما في رياض البطين بأمر من جلالة الملك والأخرى في الجهة الشمالية من بريدة للتاجرين محمَّد العلي الصانع وصالح العلي الصانع. كما قد نبعت قبل ذلك عين في وهطان المعروف ببريدة من عمق 1800 قدم وكانت وفيرة الماء حتَّى كان يزيد إنتاج الواحدة عن مليون جالون في الأربع والعشرين ساعة وبذلك تكون قرية وهطان قبلة للزراعة بعد ما كان ماؤها القديم ملحًا أجاجًا. أن وهطان المذكور قرية تقع في الشرق الجنوبي عن مدينة بريدة على مسافة ثلاثة كيلوات فيما مضى ولكنها في الأعوام الأخيرة تكاد تتصل ببريدة لزحف العاصمة من كل جهة وهي روضة محيطة بالآبار والمزارع وتمتد شمالًا وجنوبًا بين كثبين من الرمل غربًا وشرقًا وتقدر مسافة طولها جنوبًا وشمالًا بميلين وكانت في غابر الأزمان قوية الحراثة وفيها النخيل الكثير فكانت
الواجهة فيها مظلمة وقد يصطاد فريق الصيف من الطيور بالأيدي بين تلك الواحات المتراكمة وفيها أشجار العنب والتين ثم إنّها ما والت في انحطاط لتغير الماء فيها بالملوحة والنضوب. وفي هذه الأزمنة لا ترى فيها غير قليل من النخيل الطوال وشيئًا من شجر الأثل القديم وكان من الأسر هناك آل نغيمشي وآل مضيان وآل بديوي وآل حجيلاني وآل حفير وآل فوزان في أناس آخرين وآل حميد وقد هلك معظمهم وفرَّ بقيتهم لما رأوا من البوار والفقر هناك. ويروي لنا التَّاريخ أنَّ تلك القرية مشهورة بالغنى إذ ذاك أعني في الربع الأوَّل من القرن الرابع عشر الهجري، فإنَّه أصبح بالتقير لجهاد عساكر الأتراك الذين جرهم على القصيم الأمير عبد العزيز بن متعب بن رشيد وزحف غزو أهالي العكيرشة القرية الأخرى المجاورة لوهطان من الجهة الشمالية قالوا لأمير بريدة إذ ذاك صالح بن مهنا زودنا فلسنا كأهالي وهطان الذين لا يأكلون إلَّا تمرًا عبارة أنَّه لم يحصل لهم من المأكولات ولا تمر النخل لأنَّ من يحصل له قوت من التمر فيعد من الأغنياء وكانت قرية وهطان تحتوي على سبعة مساجد أحدها الجامع الذي تقام فيه صلاة الجمعة وقد امتلأت بالمصلين ومنذ واقعة السباخ التي تقدم ذكرها فإنَّها أخذت بالانحطاط وإن ظهور الماء العذب فيها ليبشر بالخير إمَّا للزراعة أو لسقيا القاطنين فيها. أمَّا عن العكيرشة فكانت في موضع استراتيجي وكانت منذ خمسين عامًا مأهولة بالسكان وذات مزارع ومساجد كثيرة وفيها أمة من النَّاس من بين تلك الأسر آل عثيمين وآل حسين وآل الدغيري وآل دخيل وآل عياف وآل القعير وآل الربيش وآل حميد وآل سيف وآل مرزوق في أُناس آخرين ولهم ميل في العقيدة والمحبة إلى أهل الدين وكان من الأعيان فيها عبد الله بن إبراهيم الباحوث عالمًا مشهورًا بالعبادة والزهد، ومن العلماء العاملين. وكانت بقية الآثار والأطلال فيها تدل على قوتها ففيها المساجد والقصور المتهدمة وكانت في متسع من الأرض وأرضها للزراعة ثم أنَّها
أخذت في الانحطاط عام 1330 هـ لتغير المياه إلى الملوحة وجلى أهلها الذين كانوا ساكنين فيها وما زالت في تأخر حتَّى لم يبق فيها ساكن ولا مساكن ولا ديار ولا نافخ نار ولا ترى فيها إلَّا اليوم والثعالب وأصبحت تلك النخيل خاوية على عروشها وبئرًا معطلة وآثار قصر مشيد. قال الله تعالى في ذكر تقلب الأيَّام: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} وتفرق أهلها بعد مرور الجوع والفقر عليهم وهجرت وأصبحت مساجدهم وقصورهم جاثمة خاوية على أصولها. ويحدثنا التَّاريخ عن بشر الحاكم حسن بن مهنا الواقعة في شرقيها وكيف كانت أثرًا بعد عين ولقد خرجت صحبة والدي قدس الله روحه في عام 1346 هـ وعمري يناهز الحادية عشرة وكان قد دعي إلى وليمة الغداء في خب القبر المعروف لدى علي عبد الرحمن بن سلمى فكنا نسير على أقدامنا ولما نزلنا على العكيرشة من موضع يسمى الجادول نظرت إلى تلك الخربات والأطلال الدامرة وجذوع النخل الخاوية هناك فنفج ثعلب من بين تلك الخربات فضحك الوالد رحمه الله متعجبًا وقال لي: انظر أملاك الدغارا وكيف كانت بعض القصور مأوى للثعالب فأخذنا بذات اليمن إلى أن وصلنا مزرعة من بقية مزارع وهطان كان صاحبها قد طلب من الوالد المرور عليه فيها لأنَّه في طريق من كُنَّا ذهبنا لدعوته فجلسنا لديه للراحة وتناول شراب القهوة ورؤية تلك الآثار. وفي عام 1380 هجرية دبت فيها روح الحياة وأقبل عليها النَّاس يقيموها قصورًا ومساكن بعدما كانت مزارع مهجورة وذلك لما زحفت الجهة الشرقية من العاصمة إليها واتصلت بها المساكن بعدما كان ما بينها وبين المدينة قرابة كيلوين. وكانت المحكمة الشرعيّة بمدينة بريدة قد وسدت إليَّ الأمر بتوزيعها على الورثة المستحقين لها لكوني
عالمًا بقسمة المواريث فقمت بتوفيق من الله تعالى ثم جعلت أوقاف آبائهم وأجدادهم على حلتها في الجهة الغربية وأقيم لها وكيل يصبرها لمدة خمسين سنة قطعًا قطعًا جعل على كل متر ريالًا وقسمت أملاكًا كثيرة بالمتر والسنتمتر وعرف كل وارث حقه فأقيم فيها بيوت ومساجد ومدارس ولا سيما موضع إحدى المدارس فإنّه اشترته الحكومة بمبلغ سبعة ملايين وأقيم فيها مسكن كبير جدًا لكلية الشريعة واللغة العربيَّة استأجرته الحكومة بمبلغ مليونين وستمائة ألف ريال. أمَّا عن الأوقاف التي كانت عليها بعد سبع سنين فيما مضى لا تزيد عن مائة ريال وخمسين ريالًا فإنَّها بعد القسمة والتأجير والتعمير أصبح ريعها أو غلتها ثلاثين ألف ريال تقتسمها الأسرة فيما بينهم بعد نوائب الموصين وأصبحت أراضي العكيرشة حارات كالفاضلية والفاخرية والرفيعة والرفيعة بالتصغير والقوارة وما إلى ذلك بحيث أقيمت فيها بعض القصور التي تضاهي في العظمة قصور مدينة جدة.
رجعنا إلى ذكر المياه والعيون العذبة التي نبعت في القصيم فقد نبعت عين أيضًا في واحة التغيرة شمالي بريدة وكان ظهورها من عمق 500 قدم وكانت مساوية لعين وهطان في كثرة الماء وأنهما لتعدان من أعظم ما ظهر من العيون قبل ذلك كما ظهرت عيون أخرى منها واحدة في حارة السادة من بريدة والثانية في شمال بريدة. وهاتان العينان تمدان المدينة بالماء بالإضافة إلى العيون المتقدمة. وفي أوائل شهر ربيع الثَّاني نبعت عين في واحات السباخ فيحان القريب من مدينة بريدة، وهذه العين ظهرت لأول مرَّة في السباخ المعروف وكانت على نفقة الملك سعود ليتزود السكان من مائها المذهب الزلال. ونحن نشير هنا إشارة لطيفة عن التغيرة الموضع الواقع عن مدينة بريدة إلى جهة الشمال عن طريق الوادي فنقول عنها كانت صحراء قاحلة تبعد عن نفس المدينة بكيلوين ونصف كيلو وذلك في عام ألف وثلاثمائة وست وخمسين هجرية ولكنها ما زالت المدينة تزحف شمالًا حتَّى
تجاوزتها بسبع كيلوات فأصبحت من جملة حاراتها ولما أن اشتراها الرجلان المواطنان إبراهيم بن محمَّد البليهي وصالح عبد الكريم بن طويان بثمن بخس وجدوا فيها آثارًا من الفخار وكان أول من احتفر منها بئرًا غادية محمَّد بن محمَّد السديري ابن أمير بريدة بعد محمَّد بن عبد الله أبا الخيل فقام بقية آل أبي عليان وهم آل أبو حشرم يدعون ملكيتها وانتهت المشكلة بتعويضهم عنها بسبعين ريالًا نقدها لهم محمَّد السديري فاشترياها منه بأربعمائة وخمسين ريالًا فكانت صبية إبراهيم منها الشرقية وإلى جانبها من جهة الجنوب كثيب من الرمال. كان جلالة الملك عبد العزيز ينزل فيه بخيمه إذا قدم إلى مدينة بريدة لنظافته وعلوه وحسن موقعه. وقد احتجز لمجيئه مدة ثم وزعته الإِمارة على جملة من المواطنين ولما أن من الله على المسلمين بتلك المياه المتدفقة بدون رافعات احتفر المذكوران آبارًا ارتوازية كغيرهم وتدفقت المياه هناك وغرسوا أنواع النخيل والأشجار والبساتين وكانت الأرض قابلة للحراثة والزراعة ولما أن حرثوها وجدوا فيها جملة من الآثار وأواني الفخار والبرم التي كانت آثار الطبخ فيها وقد حدثني إبراهيم البليهي أَنَّه وجد مهراسًا من الحجارة وأواني مكسرة من الفخار ووجد بكثرة أحجارًا تقوم عليها أرجل الأبواب مما يسميه العامة دوّاسات الأبواب وهناك أحجار للدق وأحجار خضر غريبة لسن الأقواس والسكاكين. وسيأتي بقية لذكر التغيرة بعد خمس سنين في ترجمة المذكور إن شاء الله تعالى. وقد نبعت عين جديدة في وادي الرمة بين بريدة وعنيزة وتدفق ماؤها هناك وجميع هذه العيون قد حفرت بواسطة الحفارات الإرتوازية الدريل التابعة لشركة مشروع الري الزراعي ببريدة.
وفيها عملت الحكومة السعودية فئة الأربعة قروش وهي عملة معدنية منقوش عليها اسم حضرة صاحب الجلالة الملك سعود.
وفيها في 7 جمادى الأولى واليوم الذي بعده هطلت أمطار على شمالي
المملكة وجنوبيها مشت منها الأودية واستمرت ديمه على القصيم في ليلة 8/ 5 سبع ساعات وخرج المسلمون للبعل في رياض القصيم.
وفيها قام الملك سعود بزيارة للقصيم فقدم بريدة في يوم الأربعاء الموافق 26 من جمادى الأولى وقام أهالي مدينة بريدة باحتفال عظيم في المطار والشماس ودعي لذلك الأعيان من كل مدينة وقرية. ولمَّا أن هبطت الطائرة المقلة لجلالته ولرفقته وخدمه فتح باب الطائرة وأطلقت المدفعية إحدى وعشرين طلقة تحية لقدومه وقامت الموسيقى العسكرية تعرَّف لإبداء التحية وبعدما تقدم الأهالي على اختلاف الطبقات للسلام عليه والتحية جلس في ذلك السرادق المعدّ له فألقيت الخطب والقصائد وكان ذلك يومًا مشهودًا تزينت فيه البلاد واجتمع أهالي القصيم بأبهة عظيمة ثم نهض للمجلس العظيم الذي هيأه له الأهالي في الشماس فألقيت هناك خطب وقصائد وجلس على المائدة الفخمة هناك ثم إنَّه قام إلى مخيمه ولمَّا أن كان في وقت صلاة العصر دخل مدينة بريدة وجلس في دار القاضي الشَّيخ عبد الله بن محمَّد بن حميد ومنها زار المكتبة الكبرى العلمية وبعض الأعيان ثم ظهر لاحتفال هيئة التعليم في ربعة وهطان وشاهد المباريات الرياضية في وقت كانت الأمة مزدحمة في ذلك الملعب ثم ذهب إلى عين آل راشد هناك ليرى تدفق المياه فصلَّى المغرب وشاهد تدفق المياه من عين وهطان ثم أَنَّه سار بموكبه إلى تناول طعام العشاء في قصر الأمير محمَّد بن بتال.
ولمَّا أن كان من الغد الموافق ليوم الخميس ذهب إلى المعهد العلمي وجلس فيه ريثما سمع الخطب والكلمات. ومما يجمل بنا ذكره أن الجزارين في بريدة أقاموا له احتفالًا في شارعهم وعطلوا أعمالهم ثلاثة أيَّام حتَّى لم يذبح للبيع شيء في ظرف يومين لاشتغالهم بهذا الاحتفال فسار من المعهد العلمي إلى حفل الجزارين وجلس في بيتهم لتناول الطيب والقهوة وقدموا له عشرين من النياق فقبلها شاكرًا ثم أنَّه ذهب