الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مع الله كان الله معه ومن وجد الله فما فقد شيئًا. واصطحب الطاعة واتخذ القرآن نديمًا حتى لقد عظمت فيه هذه الخصال في أيام ملكه حتى جعل نفسه تحب القرآن وتلاوته واعتاد أن يتلو القرآن في الصباح والمساء مما يملأ قلبه إيمانًا وأكب على الأوراد وكان يلهج بترتيل كتاب الله والأوراد أضف إلى ذلك أنَّه يستمع كل يوم مرتين أو أكثر إلى قارئ يقرأ قسمًا من تفسير ابن كثير وبعضًا من كتب الحديث وكتب الوعظ وآداب القرآن يفقه بها نفسه ويتعظ بها كل من حوله من زائر أو حارس أو خدم. ولقد تقيد بتعاليم الإِسلام فأقام الحدود وألزم النَّاس القيام بما أمر الله به. وإذا تتبعت سيرته وجدت القائد له فيما يورد ويصدر وينوي ويعيد هو الإِسلام ومبادئ القرآن مبادئ ثلاثة حب الله وخوف الله ورجاء الله وثقة به يعرف ذلك منه كل من رافقه أو عاش معه أو سمع خطبه في المجالس والمجتمعات، ولو أردنا أن نستقصي أمر هذا البطل لضاق بنا نطاق هذا المقال ولكننا نجتزئ ليدرك القارئ السرّ في هذا النجاح الذي أحرزه عبد العزيز بين أفذاذ أبطال العالم.
تجرده ونهضته
لمَّا انتقل به والده وهو صبي إلى الكويت من جملة عائلته كانت نفسه توحي إليه بمعالي الأمور فكان يلبس العقال بغيبة من والده ثم يأخذ محجانًا بيده ويجلس بين صحبه وخدمه فيأخذ يضرب الأرض بشدة حتى يطير التراب من شدة الضرب كأنَّه ينتقم ثم يقول: أترون صاحب هذا المحجان سيملك نجدًا. ولما أن أراد أن ينهض لم يكن لديه مال قد ادخره من أبويه ليسترجع به ملك آبائه وأجداده ولا قوة من رجال ولا عدة من عدد الحرب وكل ما ورثه من آبائه وما استعده إلَاّ شيئًا واحدًا لا ثاني له هو إيمانه وثقته بربه واعتماده عليه. فلقى أباه على انفراد في مكان خال خارج المدينة واستوقفه. فقال والده: ما تريد؟ فقال أريد الحديث معك، وألقى عباءته
على الأرض. وقال: إجلس يا عبد الرحمن. فعلم والده أنَّ هنا بادرة. جلس الإمام عبد الرحمن الفيصل فقال عبد العزيز: أنت بين خطتين، إمَّا أن تأمر أحد عبيدك بانتزاع رأسي فأستريح من هذه الحياة، وإمَّا أن تنهض إلى مبارك بن صباح فلا تخرج من منزله إلَاّ بوعد في تسهيل خروجي للقتال في بطن نجد. فشقَّ ذلك على والده شفقة عليه لأنَّ الظروف لا تساعد على طلبه وذهب إلى أم الفتى يستعرض عليها ما وقد في قلب عبد العزيز فتوسطت أمه إلى أبيه لما ترى من نزعة الفتى وهي بين عاملين: حب الابن والإِشفاق عليه من تلك المغامرة لأنَّه يريد أن يزج نفسه في المعارك والنزول على طلبه لفتح الباب له على مصراعيه. فوافق الوالد على مضض لما رأى من تصميم عبد العزيز وسعى إلى مبارك يسأله تسهيل الأمر له ثم قال: يا عبد العزيز ترى أنَّ ليس لي قصد في الوقوف في سبيلك إلَاّ كما ترى من حالتنا، وبكى وذرفت عيناه بالعبرة ودعا له بالعزِّ والظفر فأعطاه مبارك بن صباح أربعين ذلولًا وثلاثين بندقًا ومأتى ريال وبعض الزاد. فخرج من الكويت بعدما استأذن أباه ليسمح له بهذا الخروج، فما كان يهاب موتًا ولا حلو الحياة ولا مرها إنَّما يهمه أن يرفض والده طلبه وهو لقاء الأعداء ومنازلة الخصوم، ذلك لما يكنه من الحب والاحترام والطاعة لأبيه. ولما سمح له ودعا له غامر ولاقى من الانتصارات عذبها ومن الانكسارات آلامها، فما اغترَّ بانتصار ولا هان لانسكار وكان إيمانه بربه يخلق في نفسه من الضعف قوة وإقدامًا. وأمام الشدائد والمحن ثباتًا ينبهر له عقل الحكيم. كان في الكويت لا يملك غير قوت يومه الذي يتناوله في بيت أبيه وآل رشيد لهم الحكم والسيطرة على نجد صنديدُهم عبد العزيز بن متعب قد ملك نجدًا بطولها وعرضها والدولة العثمانية بسلطانها تكتنف الجزيرة العربية من أطرافها والحكومة البريطانية وطريق الهند وأمراء العرب. فالدنيا كلها مقفلة بين عدو عنيد ورقيب عتيد ومشفق حاسد وهازئ ومستهتر حتى كان