المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر قواته وذخائره - تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان وذكر حوادث الزمان - جـ ٥

[إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن]

فهرس الكتاب

- ‌ثم دخلت سنة 1373 ه

- ‌ذكر مرض عاهل الجزيرة وفقيد العروبة

- ‌مصاب أليم والبقاء لله وحده

- ‌بلاغ رقم (1):

- ‌الأمة الإِسلامية تنعي فقيدها الأعظم

- ‌بلاغ رقم (2):

- ‌الصلاة على صاحب الجلالة الملك الراحل

- ‌طاعته وعبادته

- ‌تجرده ونهضته

- ‌غزواته وجهاده

- ‌حلمه وعفوه

- ‌حزمه ومقدرته

- ‌شفقته على الرعية

- ‌ذكر عدلة وإنصافه

- ‌كرمه وجوده

- ‌أخلاقه وبراعته

- ‌سطوته وشجاعته

- ‌لباسه وسجيته

- ‌ذكر حالاته الزوجية

- ‌ذكرى أنجال الملك عبد العزيز

- ‌ذكر قواته وذخائره

- ‌مقدمة

- ‌بيعة أهل مكة

- ‌بيعة أهل القصيم

- ‌الوفود والتعازي

- ‌أمر ملكي كريم

- ‌مرسوم ملكي

- ‌مرسوم ملكي

- ‌وفاة عالم كبير

- ‌ذكر صبره واحتسابه

- ‌ذكر مشائخه وتلامذته

- ‌ذكر الوظائف التي نالها

- ‌مكانته في العلم

- ‌ذكر أخلاقه وشمائله

- ‌اشتراك مديرية المعارف السعودية في مؤتمر وزراء معارف الدول العربية

- ‌تأسيس المعهد العلمي ببريدة

- ‌المساواة في المراعي

- ‌عدوان اليهود وفسادهم

- ‌جمال عبد الناصر يعبر عن العرب

- ‌تبرعات الملك لتعمير قرية قبية المنكوبة

- ‌تتويج ملك العراق

- ‌وفود تفد على الملك

- ‌زيارة حاكم باكستان

- ‌افتتاح محطة الكهرباء في مكة المكرمة والمسجد الحرام

- ‌مجلة الرياض

- ‌مؤسسة النقد العربي السعودي

- ‌سياحة الملك وجولته

- ‌احتفال أهل القصيم

- ‌العناية بشؤون الدين

- ‌تحويل مديرية المعارف إلى وزارة

- ‌حوادث وأخبار

- ‌زيارة الملك للبحرين وباكستان

- ‌إعانة الملك للفقراء لأداء الحج

- ‌ذكر استعراض الجيش السعودي

- ‌ثم دخلت سنة 1374 ه

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌ذكر شيء من التعريف بجمال عبد الناصر وأخباره

- ‌جلاء الإنجليز عن مصر

- ‌جولة وكيل وزير المعارف الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن حسن آل الشيخ

- ‌سياحة الملك

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌حلف نوري السعيد

- ‌ذكر ما جرى في مشكلة البريمي

- ‌اعتداء أثيم

- ‌جواب الملك للشعب

- ‌ذكر استنكار العالم لسياسة بريطانيا

- ‌تحمس أهالي المنطقة الشرقية

- ‌ذكر المدارس والمعاهد ومراحل التعليم

- ‌فتح مدارس بالقصيم

- ‌حفل يقام بمدينة الرس من أعمال القصيم

- ‌ذكر الاحتفال لإِكمال عمارة مسجد المصطفى في المدينة المنورة صلوات الله وسلامه عليه

- ‌النهضة الثقافية في نجد

- ‌عمارة المسجد الحرام سنة 1375 ه

- ‌إسناد الرئاسة إلى جمال عبد الناصر

- ‌المهرجانات الكبرى بعيد الجلاء

- ‌إصلاح أخلاقي

- ‌جهاد الجزائر لفرنسا

- ‌مفاسد حلف نوري السعيد

- ‌الفيضان في الهند وباكستان

- ‌ثم دخلت سنة 1376 ه

- ‌ذكر قناة السويس وما نال مصر بشأنها

- ‌اجتماعات ومفاوضات

- ‌زيارة الشاب ملك العراق

- ‌زيارة البانديت جواهر لال نهرو

- ‌غدر اليهود وأمور تحاك في الباطن

- ‌ذكر ضرب مصر سنة 1956 ميلادي

- ‌قطع العلاقات السياسية مع بريطانيا وفرنسا

- ‌إمارة محمَّد بن بتال في القصيم

- ‌أمطار تجتاح القصيم وتهدم البيوت

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌ سليمان المشعلي

- ‌ذكر الوظائف التي نالها

- ‌أخلاقه وشمائله

- ‌وممن توفي فيها من الأعيان الشيخ عبد الرحمن بن سعدي عالم عنيزة وفقيهها

- ‌أخلاقه وتواضعه

- ‌مؤلفات الشَّيخ

- ‌دور الأيتام

- ‌ممن توفي فيها من الأعيان الشيخ فيصل بن مبارك

- ‌مشائخه وتلقيه للعلم

- ‌مكانته في العلم ومؤلفاته

- ‌التضحية بالأموال

- ‌عيون تنبع في القصيم

- ‌عمارة المسجد الجامع ببريدة

- ‌ذكر تنازل الشيخ ابن حميد عن قضاء بريدة

- ‌ذكر زيارة ملك العراق وما جرى بعدها

- ‌ذكر مصرع الملك فيصل بن غازي 1377 هـ وقتل ولي عهده ونوري السعيد وإعلان العراق جمهورية

- ‌ذكر أشياء عن المملكة العربية السعودية

- ‌ذكر الأفعال الوحشية التي تعامل بها الجزائر من فرنسا

- ‌القمر الصناعي

- ‌عمارة الكعبة عام 1377 ه

- ‌الوحدة بين مصر وسوريا

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌وفاة رئيس القضاة

- ‌ذكر أخلاقه الزاهرة وصفاته الباهرة

- ‌سد وادي حنيفة

- ‌نشاط الحركة الزراعية

- ‌بريدة جنة فيحاء ولكنها مجهولة

- ‌استدراك:

- ‌بيان عن حج الماضي والحاضر

- ‌شركة كهرباء بريدة وضواحيها

- ‌زيارة ملك الحبشة

- ‌ذكر زيارة الملك سعود للقصيم في هذه السنة

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌بيان عن الصهاينة ومشكلة الشرق الأوسط

- ‌الحرب بين الجزائر وفرنسا

- ‌ثم دخلت سنة 1381 ه

- ‌وقف الحرب في الجزائر

- ‌استقلال الجزائر

- ‌تأسيس الجامعة الإِسلامية في المدينة

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌إضاءة مدينة بريدة بالكهرباء

- ‌وفاة رجل من الرجال والرجال قليل

- ‌سفر الملك سعود لأوروبا

- ‌ثم دخلت سنة 1382 ه

- ‌حادثة

- ‌خسف حوالي بلدة المذنب

- ‌ثورة في سوريا

- ‌ثورة العراق

- ‌هزة في إيران

- ‌البقاء لله وكل شيء هالك إلَّا وجهه

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌وممن توفي فيها من الأعيان في مدينة بريدة

- ‌تنبيه

- ‌ثورة السلال في اليمن

- ‌من هو عبد الله السلال

- ‌صفة الإنقلاب

- ‌ذكر تطويق القصر

- ‌محمد البدر حيّ يرزق

- ‌جلالته يشكر مجلس الوزراء السابق

- ‌تعبيد جبل كراء

- ‌تعبيد طريق الرياض

- ‌قدوم الملك سعود

- ‌وفاة أمير عفيف

- ‌صفاتة الخلقية

- ‌ثم دخلت سنة 1383 ه

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌حادثة من الحوادث

- ‌تكذيب خبر

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌خدمات الفقيد

- ‌زيارة الملك لمصر لحضور مؤتمر القمة العربي

- ‌إسناد الأمر إلى ولي العهد

- ‌ثم دخلت سنة 1384 ه

- ‌ولاية الملك فيصل بن عبد العزيز

- ‌حادثة غريبة

- ‌هزات أرضية

الفصل: ‌ذكر قواته وذخائره

في منازلهم. ولا ريب أنَّ هذا بتوجيه من رائدهم الأعلى جلالة الملك عبد العزيز.

وقد صاهر الملك عبد العزيز قبيلة الرشيد غير مرة. وذلك لاستجلاب المحبَّة والمودة. نسأل الله تعالى أن يوفق بنيه ويهديهم ويرزقهم اقتفاء طريقة والدهم، كما نسأله التوفيق والهداية لسائر المسلمين.

‌ذكر قواته وذخائره

لما كان لا قوام للأمة إلَّا بالسلاح القوي تدافع به الأعداء وتخيف به البغاة والظلمة، فإن المسلمين يجب عليهم اتخاذ القوة والسلاح الذي يتناسب مع كل جيل ويستعد به من بنادق ومدافع وآلة نسف ونقل في البر والبحر والجو وطيارات وغواصات ودبابات يأمر القرآن بها في عموم قوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} ، فهذه القوة يجب اتخاذها وإرصادها لمن حارب الله ورسوله. وما ترك قوم الجهاد إلَّا ذلوا وتلك المعدات وإن عظمت وكبر شأنها فلا بدَّ لها من سواعد تحملها تارة وتدفعها أخرى وأدمغة تخترعها وقلوب لا ترهبها ونفوس ترى الموت وشرف الحرية خيرًا من الحياة في ذلِّ العبودية للدول الأخرى.

فعلى المسلمين متى ما أرادوا الرقي وعز الدين والتقدم تربية الجنود والأبطال المخلصين وتكوين فرق الشجعان البواسل لتغذية الروح العسكرية وبناية المدارس الحربية والإِتيان بالأساتذة الخبراء وجلب التلاميذ بمختلف وسائل الترغيب إليها.

لذلك رأى عبد العزيز بن عبد الرحمن بثاقب نظره لما أناله الله الملك وفتح له كنوز الأرض من الذهب الأسود والذهب الأصفر فأغناه عمَّا سواه أن يعهد بهذا الأمر إلى أحد أنجاله وهو منصور بن عبد العزيز فقام بتدريب فني للجنود حتى أصبح الجندي السعودي له شأن عظيم.

ص: 45

ولما اختطفه أيدي المنون وخسرته الحكومة بسبب مرض مخوف وبعد وفاته عهد الملك بهذا الأمر إلى أخيه الوزير مشعل بن عبد العزيز فعينه وزيرًا للحربية فلبس اللباس العسكري حتى حببه إلى نفوس النَّاس لأنَّ العرب في اللباس العسكري في البلاد السعودية لم يألفوا التعاليم العسكرية ولم يتعودوا لباسها فأخذ وزير الدفاع يعني بالتعليم العسكري وأسس مدارس عسكرية في البلاد واستقدم بعثة من كبار ضباط الإِنجليز لتعليم الجند التمارين العسكرية وطريقة استعمال الأسلحة الحديثة كما استقدم بعثة أخرى من أمريكا لتعليم الجند استعمال المصفحات وأحدث المخترعات من سلاح وعتاد وأنواع الطائرات.

وكان من نتائج هذه الروح المتقدة في شخصية وزير الدفاع، وحسن إرشادات جلالة والده العظيم الحريص على تقدم شعبة في جميع الشؤون الحيوية، وخصوصًا منها الشؤون العسكرية أن صدرت إرادة جلالة الملك المغفور له المطاعة بابتعاث البعثات إلى لندن وأمريكا.

وقامت وزارة الدفاع تشجع الطلبة للالتحاق بالمدارس العسكرية بتخصيص الرواتب والإِعاشات وذلك ببذل رواتب وإعاشات تبذل. فللطالب 150 ريالًا و 40 ريالًا إعاشة. ومتى تخرج الطالب من المدرسة يتخرج برتبة ملازم ثانٍ وتعطيه الحكومة راتبًا شهريًا قدره 253 ريالًا و 40 ريالًا إعاشة.

ثم أنَّ الحكومة جعلت لمساعد الطيار 600 ريال وإعاشة 40 ريالًا وللقائد 900 ريال و 40 إعاشة ما عدا نفقات السفر للخارج والداخل بموجب نظام الطيران. أمَّا درجة المساعد الثانية فله 700 والأولى 800، وهذا ما عدا الإِعاشة. وما زالت الرواتب في علو وارتفاع بعد ذلك.

وما مات حتى كان عنده أكبر قوة عسكرية. فلقد تقرر عند العالم أجمع

ص: 46

ما أصبح لديه من القوة والسلاح فعنده قوة هائلة من العدد والعدة فعنده البنادق (البندقيات) على اختلاف أنواعها وأشكالها فمنها أمهات خمس القصار الألمانية والبلجيكا والشرفاء والشوزن امهات خمس والسلاح الأبيض من السيوف والخناجر وغيرها.

وكان قد أهدى إلى روزفلت رئيس أمريكا في اجتماعه به سيفين مرصّعين قيل إن أحداهما يقدر بمبلغ مائة ألف دولار وهدايا تذكارية كساوي أربع مكونة كل منها من بيشت وعقال وغترة وخنجر ذهب وساعة جيب ذهبية أرسلت إلى الرئيس على طائرة قامت من القاهرة ضحى الاثنين 6 ربيع الأول 1364 هـ أي بعد مغادرة الرئيس. كما أهدى الرئيس الملك كرسيه الخاص الذي كان جالسًا عليه تعبيرًا عن امتنانه وطائرة فخمة تقدم ذكرها.

كما أنَّ لدى جلالة الملك المسدسات على اختلاف أنواعها وعنده الرشاشات الناريَّة والبطاريات والسيارات المصفحة والمدافع الجبلية ومدافع الهاون والمدافع المضادة للطائرات، ولديه الطائرات الحربية والنفاثة وغير ذلك من الأسلحة الكافية. وعنده الجيش المزود بالرجال الذين يتفانون في سبيله ويحبونه حبًا جمًا.

فكان رجال شعبة يسيرون تحت إرشاداته ولو قذفهم في جحيم النَّار، ويستطيع أن يجند ثمانمائة ألف مقاتل لا يقفون دون ما يريد، ولديه الدبابات، ولديه المدرعات.

ولديه علاوة على ذلك المال والكنوز.

فأمَّا البندقيات والمسدسات والسيوف فإنَّه قد توفر من كل أنواعها عشرات الملايين كما أنَّ المدافع والدبابات والرشاشات والطائرات المجهزة بالقنابل الكافية لتعتبر من أحدث أنواع الأسلحة وأحسنها مزودًا هذا الجيش بأقصى ما يستطاع ومدربًا تدريبًا أصبح موضع الإِعجاب.

ص: 47

وناهيك به من سلاح قوي لا بأس به أضف إلى ذلك ما استوردته الحكومة بعد ذلك من المدافع الضخمة بعيدة المدى وأنواع الأسلحة.

وما كنت أظن من قام بهذه المهمات قد استكمل القوة. ولقد جدَّ في طلب أنواع الفنون الحربية والنظام السياسي والعسكري والاستعداد بالقادة المحنكين الذين أثبتت لهم التجارب حكمة وتقدمًا ببراعة فاقوا بها سائر الأمم. وأملنا عظيم في حكوماتنا أن يجدوا ويجتهدوا بصناعة الأسلحة وتعلم الرمي والركوب بما يناسب الزمان وأخذ الحذر والحيطة ما أمكن من الأعداء بالتحرز وبذل المستطاع بالاستعداد من قوة عقلية وسياسية وحسية ومعنوية، ولا يخفى أنَّه لا يتم التحرز من أضرار الأمم الأجنبية والتوقي من شرورها إلَّا بالوقوف على مقاصدهم ودرس أحوالهم وسياستهم وخصوصًا السياسة الموجهة منهم على المسلمين، فإن السياسة الدولية قد أسست على المكر والخداع وعدم الوفاء واستعباد الأمم الضعيفة بكل وسائل الاستعباد لأنَّ جهل المسلمين بها نقص كبير وضرر خطير. ولقد وفق الله هذا الملك بلفت النظر إلى ذلك. وفي الحقيقة عنده سلاح أعظم من كل سلاح وأنكى في نحر العدو وأمضى وقعًا وقمعًا للمفسدين. فإن قيل وما هذا السلاح الذي غلب على الديناميت الناسف والدخان الخانق والقنابل المدمرة والطائرات القاذفة وما ترميه من القخابل والقذائف النارية وتمطر به الأعداء من النيران المحرقة المهلكة وما الذي غلب على المفرقعات والرشاشات والمدافع الثقيلة ومدافع الهاون وما إلى ذلك من الأهوال التي حدثت وستحدث كالقنابل الذرية والهيدروجينية قيل كان عنده معاملة الله في حنادس الظلم انطراحه بين يديه ومعرفته به بحيث يسر الله له الأمور وفتح له مغاليقها كما قال تعالى لموسى لما بعثه إلى فرعون أنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي أيظن الذي يحاربني أن يقوم لي أو يظن الذي يغازيني أن يعجزني أو يظن الذي يبارزني أن يستغني كيف وأنا الثائر لأوليائي في الدنيا والآخرة.

ص: 48

ولهذا لما قيل لبعض العلماء: لو أنَّ الثاس كلهم مثل بشر الحافي يصومون ويصلون فمن للثغور يسدها ومن للأعداء يصدها فقال: والله لو كان النَّاس مثل بشر الحافي لكبروا تكبيرة تسقط لها أسوار قسطنطينية.

نعم لدينا والحمد لله قوة حسية وقوة معنويَّة وقوة ماديَّة. نعم كان عند إمامنا الملك عبد العزيز قدس الله روحه نصرة الشريعة وتحكيمها والتحاكم إليها يظهر أعلامها ويحمي حماها ويؤيِّد حماتها وينعم عليهم بأنواع الكرامات.

أمَّا نصب القضاة والمفتين والعلماء والمدرسين وأجرى لهم المخصصات والمرتبات وقام بمساعدة هيئات الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فلو سألت في أقصى مشارق الأرض ومغاربها وبحثت في تركيا وإيران والعراق والحبش والسودان وبلاد الصعيد والشام واليمن والهند والسند والصين بل طفت في روسيا وآسيا الكبرى والصغرى وأوروبا وأفريقيا وأستراليا والأمريكتين وما في خلال ذلك من المحيط الهادي والأطلنطي والمحيط الأطلسي والمحيط الهندي وغيرها عن الدين الذي لم تشبه التغييرات من دستور وغيره وطلبت حكومة تتقيد بالأديان السماوية ولا تخاف أحدًا في تمسكها لدلوك على الحكومة العربية السعودية وقالوا: إنَّ أردت ذلك فاطلبه لدى الملك السعودي.

فمرحبًا بهذه الحكومة وغفر الله لهذا الملك المسلم العربي الذي لا يوجد شرع الله الحقيقي إلَّا في حماه مع أننا نعتقد أن الأرض لا تخلو من قائم لله بحججه وبيناته ولكن أنى وكيف وهيهات وكلا أفمن يخشى من كثرة الأعداء الذين هم محنقون عليه لا يستطيع أن يرفع لسانه ويعرب عمَّا في حنانه مما كأنَّه بين أولئك الأعداء والأغيار إلَّا كالشاة بين جماعة الذئاب فتجد المسكين إن تكلم فإنَّه يرتقب كل ساعة ماذا يحل به وإن سكت فإنَّه

ص: 49

يتردد الحزن والكمد في صدره كمن هو آمن مطمئن منصور بالمساعدة القولية والفعلية.

فلا إله إلَّا الله ماذا أصبح به أهل الإِسلام من العزة والتمكين والنصرة والقوة والشرف الدنيوي والأخروي ولكنه مع الأسف كيف لا يتحد المسلمون ويتقاصدون ويتكاتفون حتى يكونوا كاليد الواحدة على الأعداء. وسنذكر بقية لذلك في غير هذا الموضع.

ولمَّا مات وفجعت الخليقة بوفاته كانوا لا يملكون إلَّا ذرف الدموع وانتحاب الصدور وأعلنت سائر الدول الإِسلامية العالمية بما في ذلك أمريكا وغيرها الحداد عليه ونكست الأعلام لموته وتوقفت الحركة في مشارق الأرض ومغاربها لذلك.

فمما قيل في رثائه ما باح به الشاعر الأستاذ خالد الفرج صاحب دمشق وهي هذه القصيدة: -

أمم البسيطة نكست أعلامها

مثل القلوب إذا شكت آلامها

حزنًا وإكبارًا لذكرى راحل

ملأ البلاد جنوبها وشامها

وتساءلت شمس الشروق وقد رأت

سحب الأسى: ما إذا أثار قتامها

ولم الجزيرة والبسيطة كلها

سوداء لم أسطع أنير ظلامها

وتساءلت كل البروق بلهفة

ما للإذاعة أسكتت أنغامها

قالوا قضى عبد العزيز ويا له

هول يهدّ من الأمور جسامها

رجل قضى فبكى الوجود لفقده

ثكلت به دنيا الكرام إمامها

وتساوت الأديان في تأبينه

فترى النصارى شاركت إسلامها

رجل على التاريخ سجل اسمه

بتحلة قد صغرت أعلامها

بطل العروبة والعروبة شهمها

سيان أعلن حربها وسلامها

قصص البطولة قد حوتها سيرة

عبد العزيز بساعديه أقامها

ص: 50

لا ألف ليلة حام حول عجيبها

حيث الوقائع حققت أحلامها

شقت سواعده الطريق إلى العلا

حتى تبوء في العلاء مقامها

كالنور يبدأ نقطة في موضع

وينير بعد وراءها وأمامها

نال المعالي بالفعال وحازها

إرثًا فكان عريقها وعصامها

فرد وهمته جموع أسست

أسًا فكان مليكها وإمامها

يا للخسارة للحمام فكيف لم

يرهب حماه بضربه أرقامها

يا للخسارة للجزيرة والمنى

لو لم يخلف ليثها ضرغامها

عبد العزيز مضى وخلف بعده

للمكرمات سعودها وهمامها

أسد الجزيرة وابنها وسعودها

حامي حماها دائمًا وذمامها

أسعود ما مات الذي أنت ابنه

كالشمس تبدل للورى أيامها

فيك العزاء لأمة قد علقت

آمالها بك ترتجى إتمامها

ومما قلت في رثاء المترجم عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل لما نكبت به الخليقة وفدحت بوفاته العالم وهذه خرجت من حرارة الجوى ومنزلته في الجنات ويسيل على ضريحه وابل الغفران والرحمات وأن يجبر كسر المسلمين ويلطف بالحال فمصيبته كبرى وثلمته عظمى فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.

لمن طلل به الإِلف يندب

بذرف دموع العين يهمى ويسكب

يثير همومًا ساكنات إلى الفضا

تكاد لهم صُمّ الجبال تكبكب

على فقد أحباب له طال نعيه

غرامًا بهم كيما يرقوا ويقربوا

يهدم أركان الجسوم فراقهم

وما فرقة الأحباب إلَّا تعذب

أمن فقد ليلى والرباب وزينب

تحن طويلًا نحوهم ثم تندب

وتنسى مصابًا معضلات خطوبه

فكل مصاب دونه ليس ينسب

مصاب به أهل البسيطة روّعوا

وطاشت عقول في الأنام وأرعبوا

مصاب به قد أرجفت كل أرضنا

مشارقها رنت جميعًا ومغرب

ص: 51

مصاب به أرواحنا قد تزلزلت

فيا هل ترى مثل المصاب وأصعب

لقد مات كهف الخائفين وحصنهم

إذا عظمت أهوالهم ثم خيبوا

لقد مات ذخر اللاجئين وأنسهم

إذا أزمت غير السنين وأجدبوا

لقد مات من في ظله أمْن خائف

ثمال اليتامى عيشهم حين يسغبوا

لقد مات من في كفه عدل منصف

وبر وإحسان إذا النَّاس جنبوا

لقد مات من قد هابه كل عابث

وخافته قطاع الطريق وتببوا

لقد مات طود العلم والفضل والنهي

وحامي حمى السمحا وعاهل يعرب

لقد مات ليث في المعارك يتقى

يلوذ به السكين يخشاه مذنب

ويقات به أهل الدائن والقرى

وفيه لعمري للرعية مخصب

سهام الرزايا قد أجادت بزخرها

وحر لظاها في الجوانب يلهب

ودين الهدى أضحى مريضًا مدنّفًا

حزينًا كئيبًا ضره متصعب

على فقده يبكي ظهيرًا مساعدًا

وحق له يبكي دوامًا ويندب

فيا عين جودي بالبكاء وبالأسى

وسجي دموعًا وكفها يتحلب

وأسعف دموع العين يا صاح جاهدًا

بذرف دماء فوقها تتسكب

وناد بأعلى الصوت إن كنت صارخًا

سلام على الدنيا إذا كان يذهب

لموت أبي تركي تراق مدامع

ويعلو نحيب حره يتلهب

فآهًا على عبد العزيز الذي به

بناء الهدى سيم خسفًا وينكب

هو الليث في اللقا إذا الحرب شمرت

وقد هابها شوس الرجال وأرعبوا

فمن مثله في النَّاس يخشى ويرتجى

هو العارض الهطال يرجى ويرهب

فخذ منه ما أملته وهو مقبل

وإياك واليوم الذي فيه يغضب

حبيب إذا سالمته متعطف

شديد إذا عاديته يترقب

له راية تردى الأعادي إلى الورى

ووثبة ضرغام إذا البأس ينشب

يصول بعزم باسل متوقد

بعضب يمان للجماجم يسلب

لقد كان ذا قلب سؤل لربه

مطيعًا منيبًا قانتًا يتقرب

ص: 52

له في الدجى ورد إذا الليل قد سجى

وما صده جاه عريض ومنصب

ويحثو صنوف المال حثوًا بكفه

إلى جوده تسعى الأنام وتطلب

فما حاتم يعطى عطاه جوده

ولا ابن لجدعان الذي كان ينسب

فيعطى جزيل المال لله وحده

يريد به أمنًا إذا الوزن ينصب

وكم جمع الأيتام في عقر داره

وأطعمهم من نيله إذ يقربوا

بلين مقال يجبر الضعف رفقه

حريصًا على إطعامهم يتحبب

فدع ذكر من بانوا إلى ذكر جوده

لقد كان إلى أعلى المكارم ينسب

يشن على الأعداء غارات محنق

بصدق لقاء في المعارك يعطب

أبي سياسي قدير وضيغم

هزبر أبو شبلين يسطو ويغلب

بهمة منهوم يخوض لظى الوغى

بيوم به أهل الشجاعة يغلبوا

هو البطل الغلاب والعاهل الذي

أقرت له بالسبق عجم وأعرب

سياسته أعيت جميع مقدم

برأي سديد ماهر ليس يغلب

له وثبات بالأعادي شهيرة

فسل كل من يروي ومن كان يكتب

وسائل بلاد العرب عن سطوة بها

وعن سيفه البتار كيف يقلّب

وسائل هذيلًا في الجبال إذا رْعَووا

وكفوا أكف البغي رغمًا وخيبوا

به أمّن الله البلاد وأهلها

ولولاه ما ساروا بها وتقلبوا

ولما ذاعت الأخبار أذكار موته

وقام بنا ناعيه يشدو ويندب

رثيناه جبرًا للقلوب لما بها

من الحزن والأشجان تغلي وتلهب

عليه من الرحمن أزكى تحية

وعفو وغفران يجود ويسكب

لأن كان رب العرش عنَّا أماته

ففينا من الأنجال شهم مهذب

أولئك قوم أشبهوا بفعالهم

مليكًا وبالسبق القديم تهذبوا

لقد أشبهت أفعالهم وخصالهم

سجايا حووها من أب يتعصبوا

وقد سرّت الأخبار عنهم بما أتوا

وسادوا به حيث الإمامة يرقبو

ومن شابه الآباء يومًا فإنَّه

بحق بلا ظلم أصيل منجب

ص: 53

وصلّ إلهي عدَّ ما أنت خالق

وما ماض برق في السماء وكوكب

على أحمد خير الأنام ومن له

جميع البرايا في القيامة تذهب

وأصحابه مع آله ثم من قفى

جميعًا على منهاجهم يتطلب

وقال الشاعر الحجازي محمد صالح جمال يرثي المترجم ويهنئ خليفته الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه:

راع العروبة في الجزيرة مصرع

إذ مات سيدها الهمام الأورع

لأعز مفقود وأعظم راحل

أودى فكل نادب متفجع

ودها المصاب الشرق في الرجل الذي

قد كان في الجلي إليه يفزع

فجفون من فيه عليه لتدمع

وقلوبهم كادت أسى تتصدع

ومضى الذي لم يخل من أثاره

بلد ولا جدواه منها موضع

رب الأيادي البيض ليس لعدها

حصر وأعمال أجل وأبدع

كم سجل التاريخ في صفحاته

ذكرى له بأريجها تتضوع

شمس وقد أفلت ولكن خلّفت

سعد السعود لضوئها يتتبع

نورمن الرحمن جل جلاله

بدا لآل سعود دهرا يسطع

تالله ما عبد العزيز قد انقضى

وسعود يبنى المكرمات ويرفع

أخليفة الملك الفقيد عزاؤنا

ورجاؤنا وإليك إذا نتطلع

ما أنت إلَّا مصلح ما تأتلى

في الخير جهدًا مؤثرًا ما ينفع

عش للعروبة موئلا وأسلم لها

خلفًا كريمًا خيره متوقع

إذ تتبع السلف العظيم وتقتدي

بفعاله متحريًا ما يصنع

وقال محمد علي قطب من سكان مكة المشرفة هذه المرثية التي كانت دمعة حارة على فقيد العروبة والإسلام جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود:

فجع الحجاز وناحت البلدان

فتقوضت من نفسي الأركان

ص: 54

وطغت على أرض العروبة لوعة

طاشت لهول بلائها الأذهان

نقل الأثير إليه من عبر الفضا

موت المليك فصمت الآذان

ما دار في خلد البرية كلها

أن الفخار يموت والإِحسان

والمجد والشرف الرفيع على المدى

يطويهما خطب ولا حد ثان

عبد العزيز لأنَّ غزتك منية

لا يستطيع دفاعها الإِنسان

فالفضل باق في النفوس على المدى

يشدو به التاريخ والأزمان

فلكم أسرت بجود كفك أنفسًا

ملتاعة يقسو بها الحرمان

ولكم أفضت على الفقير نوائلا

يحدو بك الإيمان والتحنان

فغدا الفقير بفضل جودك هانئًا

بالشكر تلفح قلبه الولهان

ولكم جهول ليس يعرف ما التقى

والدين قد أضحى له عرفان

فبدا بفضلك للفضيلة داعيًا

يدعو لها قلب له ولسان

ولكم أقمت مساجدًا ومدارسًا

فيها الصلاة تقام والفرقان

ولكم عمرت منازلًا وملاجئًا

يأوي إليها البائس الجوعان

فيقيم من أود ويروى من ظمأ

ودموعه من شكره إعلان

عبد العزيز لأنت أعظم فارس

ركب الجواد وضمه الميدان

ليث الكريهة كنت لا تخشى العدا

شهد الخصوم بذاك والأعوان

وتضيء في أفق الحوادث كوكبا

وضياء يذكي نوره الإيمان

فتجنبت هول الحوادث أمة

واستسلمت لسدادك الأذهان

الناس في حرب ضروس ساعر

تصليهمو الآلام والنيران

وملاء شعبك غبطة وسعادة

تذكو بما تحظى به وتعان

الشعب من وله يردد هاتفًا

باسم المليك تنوءه الأحزان

بالدمع يعرب عن جواه فهل ترى

يجدي البكاء والمدمع الهتان

مات المليك فمن ترى من بعده

يرجي لدفع الخطب وهو عوان

لا غرو إن ناح الجميع صبابة

وبكى الوليد علاك والشبان

ص: 55

فقدوا بموتك محسنًا بل والدًا

الجود يمثل فيه والإِحسان

أسعود أنت وحي العروبة كلها

بعد المليك وكلها أوطان

فاهنأ بملك قد أقام بناءه

شهم تهاب لقاءه الشجعان

واحكم بما فرض الإِله وسر بنا

نحو الفخار فكلنا أعوان

وليغمر الله الفقيد برحمة

فياضة ما ماست الأغصان

ويثبكم من أجره وثوابه

فيه يرخى الصبر والسلوان

ولتحيى موفور السعادة هانئًا

وبك الحقوق على الزمان تصان

وليحيى آل سعود ما شع السنا

وأهل غيث صيب هتان

وهذه أبيات بعثها عن طريق البرق الشيخ فيصل بن مبارك عضو مجلس الشورى إلى جلالة الملك سعود يرثى بها الفقيد العظيم:

أبكيه -يا دنيا- الرياسة والسيا

سة والكياسة في الخروج وفي الورود

ما أن شهدت مفاخرًا ومفاوضًا

ومحاولًا حفظ المواثق والعهود

كمليكنا وزعيمنا وإمامنا

وفقيدنا عبد العزيز بن السعود

إن غاب عنَّا ذلك البدر المنير

فلقد أضاء الكون عن سعد السعود

أو راح عنَّا ذلك البر الرحيم

فلقد أتانا بعده البر الودود

وقال حسان زمانه وشاعر جلالة الملك أحمد إبراهيم الغزاوي يرثي الفقيد بهذه القصيدة ويذكر هول الفاجعة والحادث الأليم:

فدح الخطب واستطار المصاب

وبكى الشعب حسرة والشعاب

وكأنَّ القلوب توقد نارًا

وكأن العيون مهل تذاب

ما يقول النعاة ويحي أرجف

زلزل الأرض أين مني الصواب

إنه الحق هكذا الموت فيه

تتساوى الفروق والأنساب

مات عبد العزيز رحماك ربي

أتغيض البحور وهي عباب

مات عبد العزيز إذ هو طوْدٌ

تفتديه شوامخ وهضاب

ص: 56

ما رأت مثله العصور عظيمًا

عبقريًا ولا تهادي الركاب

عاهل وطأ الجزيرة مجدًا

لبسته البلاد والأحقاب

طأطات دونه العروش وألقت

بعصاها الخطوب والأسباب

واستقرَّ التوحيد فيه هزبرًا

تتهادى بسيفه الأنصاب

أنجز وعد الله فيه حتى

أسلمته زمامها الآراب

يقف النصر والعتاد يقين

واقتضى الدهر ما طواه التراب

فإذا الصعب في يديه ذلول

وإذا الجدب في ذراه اختصاب

وإذا الدين للهداة منال

وإذا العلم في ضحاه قباب

وإذا العرب دولة ذات بأس

وهي من قبله لقى ويباب

وإذا الناقمون من كل قبل

وقبيل بشدقه أنياب

وإذا البأس والشقاء نعيم

وإذا الشاء والذئاب صحاب

وإذا الأرض بالكنوز تنزي

وإذا المال والثراء وطاب

وإذا البيد بالحدائق زهر

وإذا الغيد عفة وحجاب

جمع الله في هواه شتاتًا

وأباة ولم يعزه العقاب

وبه استمسك البناء وزانت

شرعة الحق وازدهى المحراب

أين أمضي وكيف لي بالمعاني

وسعت كل ما أحاط الكتاب

إنَّه للغرور، كل يراع

فيه يكبو ويعجز الإِطناب

لكأني أحس قلبي صلدًا

أو جمادًا طغى فيه الضباب

إنَّ خير البيان عندي صمت

هو في معرض الرثاء العجاب

فاقوي عليه إذ هو جمر

فيه ألقي وبالشواط أذاب

إلى أن قال:

ما مصابي كواحد من معد

بل معد بأسرها الانتحاب

بالعظيم العظيم يرتد عنه

كل طرف وتقصر الاحساب

بالذي فيه كل عين وقلب

لهب وافر وحزن صلاب

ص: 57

بالإمام الملك بابن سعود

قاهر الخصم إذ هو الوثاب

إيه يا عبرة تحور اختنافًا

أنت لا النزع للحياة استلاب

صاعق لم يذر ولم يبق ماء

في جفون غمادهن السحاب

آه آه الله ما قضى وإليه

يرجع الأمر كله والمتاب

أمة كالغمام تبكي فقيدًا

هو منها الضحى ومنها الرباب

بوغتت بالمنون لم ينج منها

ذو احتيال ولا نبي مجاب

جمد الدمع في العيون وذابت

بالسعير القلوب فهي انسكاب

إلى آخرها وهي طويلة أبان فيها الغزاوي ما فدحت به الأمة وما أصيبت بوفاته وكانت مبكية بتعداد مناقب الراحل العظيم.

وهذه مرثية قوية أنشأها الأديب عبد الله بن محمد بن خميس بالفقيد الراحل تغمده الله برحمته وكان الأوْلى بنا تقديمها وهي من بحر الكامل:

لا غرو وإن تلقى أخاك حزينًا

فاليوم -حتمًا-يكثر- الباكونا

اليوم تستمري الدموع وإنها

أدنى سبيلًا للعزا يأسونا

فاجهش بدمعك ما استطعت وهاته

حران يلتذع الخدود ثخينا

ليس الدموع وإن علون مكانة

يا عز من مهج القلوب يقينا

لله أفئدة تذوب وأنفس

ثكلى على المصاب طوينا

صعقت بهول لو يصاب بمثله

رضوى لا مسى في التراب دفينا

لولا اليقين بأن كلا راحل

وإلى سبيل واحد يغدونا

والصطفى للنَّاس أكبر قدوة

يهدى بها الماضون والباقونا

لاْبى الأولى عرفوا الحياة سعيدة

لم تمتزج بالحادثات سنينا

أن يشهدوا عبد العزيز وقد قضى

ولأقسموا ألا يموت يمينا

هل مثله بعد الخلافة قد أتى

أو مثله هل قد رأى الراؤونا

إن كان في شرع الطبيعة فلتة

تأتي بأمر لم يكن مضنونا

ص: 58

فهو الذي أعيا الزمان قرينه

وبمثله كان الزمان ضنينا

لو كان حي قد بكى حياله

خوف الممات لأكثروا التأبينا

من قبل أن يعلو المناكب نعشه

ولأسبلوا الدمع السخين هتونا

سل عنه أرجاء الجزيرة إذ أتى

وقد احتذت شرع الضراعم دينا

في كل صقع من حماها ناعق

ولكل نهج قادة يدعونا

في حيرة حاقت بها وضراعة

أودت بمجد رجالها الماضينا

فأراد أن تحيا حياة حرة

يشدو بخالد مجدها الشادونا

وانصاع يبعثها بعزم ثابت

مع قلة الأنصار والأهلينا

فتأمنت أرجاؤها وتفجرت

باليمن من ماء الحياة عيونا

وسرى بها نور الحضارة واغتدت

تبنى وتنشي قوة وفنونا

من ذا يظن بأنها في فترة

لما يجاوز عدها الخمسينا

تغدو بابها حلة عرفت بها

أمم سرى فيها الرقي قرونا

آثاره كالشمس في راد الضحى

فبأيها يتحدث الراوونا

والله لو كان الفداء شريعة

لفدته أرواح لنا وبنونا

لكنه لبى نداء مليكه

كيما يلاقي الصفوة الماضينا

في مقعد لا تعتريه حوادث

كلا ولا يخشى ذووه منونا

ولأن مضى بيد القضاء فإنه

ما زال حيًا في القلوب مصونا

ما دام أبقى صورة من شخصه

عدلًا تسر به البلاد ودينا

في ماجد عرف الأنام به الحجا

منذ اصطفاه لنا الفقيد أمينا

ملأ الإله به الجزيرة غبطة

وحباه نصرًا خالدًا ومبينا

وهذه مرثية لعلي حسن غسال ألقاها بين يدي الملك سعود بن عبد العزيز في القصر الملكي العامر بمكة المكرمة فنالت الإعجاب:

دهى الأرض زرء فادخ الوقع أوحد

غداة نعى الناعي وعز التجلد

وباح اليتامى والأيامي واعولوا

وفاضت عيون باكيات وأكبد

ص: 59