الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تدعون لهم ويدعون لكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم".
ذكر عدلة وإنصافه
أمَّا عدله وإنصافه فإنَّه موضع الإعجاب وتضرب الأمثال في عدله فلقد كان ينصف من نفسه ويعاقب أولاده وأهل بيته إذا اعتدى منهم أحد أشد العقوبة ولقد ضرب أحد أنجاله ضربًا مبرحًا، وأمر به إلى القلعة يسجن فيها على انفراد فسجن ومكث في السجن مدة حتى أطلقه برجاء ولي العهد وهذا بسبب أنَّ النجل ضرب بدويًا فشكاه البدوي على أبيه وهو لا يعرفه فأحضر أبناءه ليتبين ضاربه فلما تبين غضب عليه غضبًا شديدًا وقال له: أضربته فصمت الابن ولم يرد جوابًا وعرف أن إنكاره واعترافه سيان وليس أحدهما بمنجيه عن العقاب فصمت ثم نظر ابن سعود إلى المعتدى عليه وسأله بمَّ ضربك فأجاب البدوي قائلًا: بالعصا يا طويل العمر، فقال له: قم فاضربه واقتص منه فاستجمع هذا الأعرابي باكيًا لعدل هذا الإِمام وقال: لا أستطيع، فقال: قُم هداك الله قُم يا رجل لا تخف إنَّ العدل سوى بينك وبينه بل أنت أعظم منه لأنَّ الحق لك وهو أصغر منك لأنَّ الحق عليه. فأجاب الأعرابي إنِّي متنازل عن حقي ويكفيني هذا العدل فلما تنازل المظلوم عن حقه ظنَّ الابن أنَّه سيسلم من العقاب فنظر ابن سعود إلى من بالمجلس نظرة ارتاعوا لها وصاح بابنه أتظن أن انتسابك إليَّ يمحو عنك العقاب أو يخولك الاعتداء قد بقي الحق العام ثم أدبه تأديبًا بليغًا. وتفقد مرة بعد صلاة الجمعة ابنًا له فلم يجده في المسجد ووجده في البيت فسأله عن سبب تأخره عن الصلاة فأجاب بأنَّه تأخر عن غير قصد فجاء ولم يدركها ورجع فأمر بسجنه وسجن خدمه جزاء لهم على هذا التأخُّر وليأتوا مبادرين إلى الجمعة. وقد عثر مرة على أناس كانوا في لهو ولعب ويجتمعون في موضع بلا مراعاة لحضور الصلوات فضربوا ضربًا مبرحًا وأزال تلك الحديقة التي كانوا يجلسون فيها ولقد وقفت على قصره ذات يوم امرأة مسنة تشكو إليه أمر قضية لها في
ميراث وقالت: ليس لي من يدافع عن حقوقي فناداها وأخذ ما بيدها من الأوراق وقال: أنا وكيلك وأدافع عن حقوقك فنظر في الحجج التي بيدها وأرسل بالقضية للمحكمة الشرعية وأخذ يسأل كل يوم عن تلك القضية حتى قررت المحكمة الشرعية في شأنها وأبلغ المرأة الحكم وأمر بإنفاذه.
فرحمة الله عليك من إمام عادل وليسجل التاريخ ما شاء من هذا العجب العجاب. ونمى إلى مسامعه أن تلاعبًا حصل في كتابة عقد من العقود في المحكمة الشرعية الكبرى بمكة وصودق عليه فما كان منه إلَاّ أن بعث خدمه إلى المحكمة الشرعية الكبرى بمكة المكرمة وأحضر ما هو في متداول أيدي القضاة من دفاتر وحقق أمامه موضوع التلاعب حتى كان على يقين من ذلك فأمر بعزل جميع موظفي المحكمة واستبدالهم بآخرين ولم يكتفِّ بذلك بل عزل معهم رئيس القضاة إذاك سماحة الشيخ عبد الله بن سليمان بن بليهد كذا قيل (1) وكان الشيخ موضع التقدير من جلالة الملك ولكنه لما كان لا يطلع على التلاعب لم يراع شيئًا أمام الله وأمام خلقه وكان يوظف في الوظائف الكبار من يرى فيه المؤهلات سواء كان كبيرًا أو صغيرًا ويضع في كل أمر من يسده وهو إلى جانب هذا يجمع ذوي الحل والعقد من سائر البلدان في المملكة ولا سيما كبار العلماء لكل مناسبة ويأخذ رأيهم ويدعوهم إلى التناصح ويبعث اللجان ويؤلفها وينتدب الهيئات إلى عموم الجهات للنظر والتحقيق في الشكايات التي ترفع إليه حتى يتضح الأمر جليًا وينفق من مال الدولة الشيء الكثير في هذا السبيل ويختار لهذه المهام من يثق به من ذوي الخبرة والنزاهة ويوصيهم بتقوى الله وتحري الحقائق والأخذ بيد المظلوم وحدثني طالب علم من الذين يدرسون سابقًا على فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم بأنَّها تأخرت مكافئاتهم الشهرية فبعثوا بكتاب إليه وطلبوا من جلالته
(1) ذكر ذلك عبد الحميد الخطيب في تاريخه "الإمام العادل".