الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمطار تجتاح القصيم وتهدم البيوت
لمَّا كان في 12/ 5 الموافق 22 من برج القوس من هذه السنة هطلت أمطار على القصيم واستمرت طيلة ذلك اليوم ومن الغد وبعد الغد وهكذا خمسة أيَّام لم يتوقف نزول الماء حتَّى انماعت روس الحيطان وجعلت تنهار من كثرة نزول مياه الأمطار، فلقد مضى على الأمَّة خمسة أيَّام متوالية والأهالي في القصيم ينتظرون بفارغ الصبر أن يمسك الله السماء عنهم وبما أن بريدة وضواحيها لا تزال مهددة من خطر السيول نتيجة 120 ساعة لم تتوقف الديمة عنها وكانت سائر القصيم كذلك غير أن شدة وقعة كانت على بريدة وضواحيها. كان مما يعجب له خوف أوقعه الله في القلوب من سكنى البيوت حيث كانوا يتوقعون أنَّها ستنطبق عليهم. وفي يوم الأربعاء 17 جمادى الأولى هطلت أمطار وسيول زيادة عما هم فيه من الديمة المتواصلة فتعطلت الدراسة منذ ذلك اليوم ولم يستطع البشر الجلوس داخل المنازل لشدة خرير السقوف وهذا مما يدل على قدرة الخالق وضعف المخلوق. وإذا كانت البلاد قد أُقيمت من لبن وطين ومرَّ عليها سنون لم تنزل عليها تلك الأمطار واعتادوا نزول الماء على قدر والآن لم يتوقف المطر ستة أيَّام عن الانهمار عليها فكيف تكون حالتهم. ولمَّا كان في 18/ 5 خرجت الأمَّة إلى البراري خوفًا من سقوط البيوت وأصبحوا مهددين بالأخطار. هذا ولا تزال السماء منطلقة الوكاء تصب المياه صبًا وكان قد انخاط الجو وأظلمت الدُّنيا لفقدهم ضياء الشَّمس وكان القوي من يملك بساطًا يرفعه بأعواد فيجلس وعائلته تحته. وفي ليلة 19 ليلة الجمعة أقبلت سحب متراكمة وجعل البرق يخرج من خلالها زيادة على ما هم فيه وقعقعت الصواعق ولمعت البروق وجعلت البيوت تتساقط يسمع لها دوي عظيم كصوت المدافع ولمَّا أن اشتدت الضربة ووقعت الكربة وضاقت الحيلة فتح المسلمون أبواب البيوت وفروا هاربين إلى الصحراء لا يلوي أحد على أحد
وذهلوا أموالهم ونسوا أولادهم وهنالك لا ترى أحدًا يلتفت إلى أحد، وعجت الخليقة إلى ربها وفاطرها فلا تسمع بإذن من الصراخ والبكاء والضجة واختلط الحابل بالنابل وقام ضعفاء النَّاس متشوشين فصعدوا إلى رؤوس المنائر وجعلوا يكبرون وينادون بالأذان في منتصقف الليل وسمعت ضجة عظيمة للخلائق هذا يؤذن وذاك يصرخ والآخر يئن ويصيح من البلل وشدة البرد ونزلوا في الفضاء والتجأوا إلى شجر الإثل الذي لا يغني عنهم شيئًا يهطل عليهم الماء من فوقهم ويفيض من تحتهم، والقليل منهم التجأوا إلى ظل خيام صارت أشبه شيء بزرائب الحيوانات من كثرة من ينطوي تحت سقوفها. وكنت لمَّا ذهبت إلى مسجدي لصلاة الفجر وجدت القوم صفوفًا في رحبة المسجد تهطل الأمطار عليهم فلما استفهمت منهم أجابوا بأنَّ العوائل من النساء والأطفال في الخلوة والمصابيح لا تغني شيئًا من الخرير ولمَّا خرجت الأمة إلى الصحاري افترشوا الغبراء فكان غالبهم الأرض فراشهم والسماء غطاؤهم بعد التقلب على الآرائك الأثيرة وأصبحوا جياعًا بعد التلذذ بصنوف المأكولات وأصبحت منازلهم أطلالًا بعدما كانت قصورًا شامخة وانقطعت بهم السبل فلا السيارات تصلهم ولا الطائرات تهبط عليهم. هذا وقد تهدمت مساكنهم على أموالهم وأثاثهم وأرزاقهم وأصبحوا معدمين إلَّا من رحمة الله ربهم ثم عطف حكومتهم وبني جنسهم ممن لم يصابوا بمثل مصيبتهم وقد اختطوا مساجد في الفضاء بعدما تهدمت بعض المساجد وبقيتها لا تكنهم سقوفها بعد ما كانت عامرة. وسقط المسجد الجامع في بريدة فوزع الأهالي في صلاة الجمعة في ثمانية مساجد لأنَّه لم يبقَ من الجامع إلَّا أكواخ قليلة، واستمرَّ هطول الأمطار إلى اليوم 27/ 5 ثم أعقب ذلك ظلَّ وغيوم. هذا وما كان النَّاس يستطيعون دخول البيوت إلَّا لأخذ الطَّعام ثم يعودون وهجرت البيوت والمساكن وظلت خاوية على عروشها. ولقد حاول البريد الجوي الهبوط في مطار بريدة فلم يستطع إلى
ذلك سبيلًا وانقطع البريد. وقد بعثت الحكومة بعض الخيام والمأكولات إلى المنكوبين في غرة جمادى الثَّانية ومن ضمنها خيمتان عظيمتان تكن المصلين في الجامع الكبير أوقات الصلوات فضربتا في رحبة المسجد لما لم يبقَ منه ما يكن صفين وذلك في 8/ 6. فكانوا يصلون فيهما نهارًا وفي الليل لا يستطيعون الجلوس فيهما لشدة البرد القارس واستمرت السحب متلاحمة قد انخاط الجو كقطعة من حديد ويتوقف المطر ثم يعود. فلا إله إلَّا الله لو رأيت ساحة البلاد وقد نضدت بالخيام والبسط والحصير واستمرَّ المطر والظل إلى 18/ 6 ولمَّا كان في 21/ 6 الموافق ليوم الثلاثاء اشتدَّ البرد وتراكم السحاب ثم نزل في غده جليد وبرد بسكون الراء لم يعهد مثله ثم في 4/ 7 تراكمت الغيوم وهطلت أمطار واشتدَّ البرد ثلاثة أيَّام فشهران سوى يومين لم ترَ الشّمس فيها هذا والفقير لا يدري إلى أين يذهب بل كانت الأرض فراش الفقراء والسماء غطاءهم وتقدر البيوت التي سقطت من هذه السيول في العاصمة بريدة نفسها بثلاث آلاف بيت هذا سوى ما كان بسيطًا من جدار وشيء يسير. ومن العجائب أنَّ الله تعالى وقى النفوس البشرية. فمن النَّاس من إذا دخل بيته وأخذ ما يصلحه من بلغة الطَّعام والشَّراب ثم خرج سقط البيت لأنَّ الضربة كانت في الأموال. وقد جرى وادي الرمة وكان جريه عظيمًا وكان لا يجري إلَّا إذا عظم هطول الأمطار كما أن وادي الفاجرة الذي كان مجراه في قلب الخبيب جرى ومنع الداخلات والخارجات من السيارات. وقد أكثر نزول الأمطار في سائر الجهات. وكانت غالب مدن القصيم قد نكبت بخسائر من هذه السيول كعنيزة والرس والكيرية وغيرها. كما هطلت أمطار على الزلقي من تاريخ نزول الأمطار على القصيم 12/ 5 إلى تاريخ 2/ 6 فنتج عنها ما لم يرَ مثله منذ عشرات السنين من أضرار بالغة في المباني والأموال فقد انهار كثير من البيوت والدكاكين وغيرهما كما أنَّه هطل في يوم الأحد الموافق 28/ 5 صيب من الأمطار على الغاط وضواحيها