الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سرى نعيه في الأرض حتى اقضها
…
وطاف بها لون من الحزن يكمد
نعاه ضحى الاثنين لا كان من ضحى
…
فكل ضحى قد حالف الحزن أسود
فلم يبق من لم يحترق لوفاته
…
ولم يبق من لم يخترمه التوجد
سل الجود كم أعطى وصدق واثقى
…
وكم من يد أسدى تنافسها يد
سل العفوكم قد صير الخصم مخلصًا
…
وماتت به كل السخائم والحقد
وكم قد عفى وهو القدير على الأذى
…
ولكن نفس الحر بالعفو تسعد
وكم من صفات فيه كانت كريمة
…
سيذكرها في الخالدات له الغد
عليه من الرحمن رحماته التي
…
يفوز بها العبد الشكور الموحد
وقد أطنب في المديح ولما أن ذكر صفات الراحل أخذ في مديح اللاحق فقال:
وإنك أنت اليوم عاهل أمة
…
تناهت ولاء منك والله يشهد
تعهدتها بالصالحات ومن يكن
…
لامته يومًا يذبها التودد
لها منك عطف سابغ وتعهد
…
ومنها لك الحب الوطيد المؤكد
وما الملك إلَّا العطف والعفو والتقى
…
بذلك أوصانا النبي محمد
وكم أسر العطف القوب وكم عنا
…
له كل جبار فغيظ الهند
فسر نحو ما تصبو وأنت موفق
…
وشعبك للحب المقيم يجدد
يمينك في مسعاك فيصلك الذي
…
هو اليوم في دنيا السياسة سيد
ولدت مع الملك العظيم سعوده
…
وإنك أنت اليوم فيه المقلد
يباريك منَّا الحب فاستكمل الذي
…
بناه العصامي الفقيد المخلّد
مقدمة
وقال الأستاذ المعروف ضياء الدين رجب عضو مجلس الشورى هذه المرثية الرائعة التي جادت بها قريحته:
لا ينطوي المجد يا صمصامة العرب
…
ولا يقيم الهدى في غمرة الحقب
صنعتها أمل التاريخ ناطقة
…
عظائما أن تغب والله لم تغب
سباقة ركزت في الشهب رايتها
…
أعظم به موكبًا في داره الشهب
ست وسبعون قد أودعتها حقبًا
…
ضاقت بها سير الأجيال في الكتب
موصولة بالمعاني الغر واصلة
…
مجد العروبة والإسلام في النسب
توحدت هدفًا واستنجزت أملًا
…
كنت المناط له في وحدة العرب
هذي ظلال المنى في الخلد وارفة
…
زمرًا يقول لم أسلفت من قرب
وذي جموع الأسى أورثتها حرقًا
…
ما بين مضطرم واه ومضطرب
تلفتوا ولهول الرزء جلجلة
…
وللفجيعة فتك السمر والقضب
واستنطقوا مجدك الغالي فطمأنهم
…
منك الصدى في وريث الملك والحسب
شاموا محياك طلقًا في طليعته
…
شاموا النجابة في أعراقها النجب
تنوروك فما أقصتك قاصية
…
ولا دلجت بك عنهم غفوة الحجب
هذا سعودك هذا سر مُنَجّبُه
…
ابن نماه إلى الأمجاد خير أب
ورثته يقظة الراعي وحكمته
…
وإنها في الجهاد الحر والدأب
وفي العدالة والرحمن ما جمعت
…
لا في المظاهر والألقاب والرتب
فكان ما شئت آمالًا وتوصية
…
وذاك مرجي الأماني البيض عن كثب
والفيصل العضب قد كانت ولايته
…
للعهد أجمل مأمول ومرتقب
نجم السياسة لا زيف ولا ملق
…
الواصل الأرب المرموق بالإرب
فيا سعود عزاء العرب قاطبة
…
ما قد وليت من الأعباء والنصب
ومن يفز برضاء الله يكلؤه
…
رضاه ثم رضاء الوالد الحدب
فطيب الله مثواه ومرقده
…
بواكف الرحمات الهاطل السكب
وهذا آخر ما أردنا إيراده من القصائد التي رثي بها وقد تركنا غالبها خشية الإِطالة. ونرجع إلى ما نحن في صدده فنقول: لما كان في عصر يوم وفاة الراحل العظيم استقبل صاحب الجلالة الملك سعود بن عبد العزيز بالقصر الملكي بالطائف وفودًا كثيرة من مختلف الطبقات لتقديم تعازيها لوفاة
الرجل ورفع تهانيها لجلالة الملك الجديد ومبايعته على السمع والطاعة.
وفي صباح يوم الثلاثاء 3 ربيع الأول حضر إلى القصر الملكي العامر بالطائف قواد الجيش وضباطه وموظفوه وعلى رأسهم حضرة صاحب السمو الملكي الأمير وزير الدفاع والطيران حيث تشرفوا بمقابلة جلالته وأقسموا له يمين الولاء والإِخلاص والطاعة. وهذا نص اليمين التي أقسم بها مشعل "أقسم بالله العظيم أن أخلص في جميع أعمالي لجلالة الملك سعود ملك المملكة العربية وأن أكون مطيعًا في إنفاذ أوامر جلالته وصادقًا وأمينًا في واجباتي الرسمية. والله على ما أقول وكيل".
فأجابه جلالة الملك بهذا الجواب الموجه إليه وإلى ضباط الجيش: "إنَّ ثقتي بالله ثم بك يا مشعل. وأنا لا أعتبرك أخًا بل وابنًا من أبنائي. وكل ما يهمني هو أن أرى جيشنا العزيز بفضل مجهوداتك الموفقة ومجهودات هؤلاء الضباط ورجال الجيش السعودي الباسل على أحسن ما أرجوه في حياتي. سيروا على بركة الله. وسأذلل لكم بحول الله جميع الصعاب التي تصادفكم. والله ولي التوفيق".
ولمَّا كان في وقت شروق الشمس من يوم الأربعاء 4/ 3/ كان مطار جدة غاصًا بجموع المستقبلين الذين قدموا لاستقبال حضرة صاحب الجلالة الملك الجديد وكان في مقدمة المستقبلين صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن فيصل وسمو ولي عهد اليمن وكبار رجالات الدولة وكبار الشخصيات العربية والأجنبية وجماهير غفيرة من رجال الشعب. ثم إنَّه امتطى ومن معه الطائرات من مدينة الطائف وحلقت في الساعة الرابعة ونصف في سماء جدة الطائرات الملكية تقل حضرة صاحب الجلالة وصاحب السمو الملكي ولي العهد وأصحاب السمو الأمراء. وقوبل بالهتاف المدوي بحياة جلالته من الجماهير المحتشدة.
ولمَّا أن نزل من الطائرة تشرف المستقبلون بالسلام عليه ثم استقلَّ سيارته المكشوفة بين ترحيب وهتاف من الجميع من مطار جدة إلى قصره الملكي الذي كان زاخرًا بالأمة الذين قدموا للسلام والتعزية والتهنئة له بتوليه عرش المملكة. ولما كان في عصر ذلك اليوم قدم سماحة المفتي فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ على رأس وفد من الرياض يتقدم الوفد أصحاب الفضيلة العلماء للسلام على الملك سعود وتقديم مسنون التعزية له في فقيد البلاد وتهنئة جلالته بتقلده شرف إمامة المسلمين. وبعدما حصلت المقابلة في وقت كان المجلس فيه غاصًا بحضرات أصحاب السمو الملكي أمراء البيت المالك والعلماء ورؤساء القبائل والوزراء وكبار موظفي الدولة وقواد الجيش والأمن العام تكلم الشيخ محمد بن إبراهيم موجهًا الكلام إلى صاحب الجلالة فقال: بايعتك بيعة قبول ورضاء على أن أسمع لك وأطيع على دين الله ورسوله من حماية حوزة الدين وتحكيم الشرع المطهر وإقامة العدل وإنصاف المظلوم والقيام بحقوق الأمانة. والله على ما أقول وكيل.
ثم تلاه إخوته وأنجاله ثم بقية العلماء من بينهم الشيخ محمد بن الشيخ حمد بن فارس.
ثم تلاهم الجميع على مثل بيعة المفتي الأكبر.
وقد تقبل البيعة جلالته بالتقدير وعلق عليها بأنَّه يستعين بالله وحده في تحمل هذا العبأ الكبير لخدمة أمته وشعبه في دينهم ودنياهم وأنَّه يتشرف برعاية هذين الحرمين ورعاية الشعب السعودي في كل أنحاء هذا الوطن الشاسع. ووالى عليهم قوله: "بأنني أرجو وآمل من الله تعالى المطلع على خائنة الأعين وما تخفي الصدور أن يوفقني لإحقاق الحق وإزهاق الباطل" إلى آخر كلامه.
فأقام في جدة حتى عصر الخميس 5/ 3 وقد كانت غاصة بالأمم على
اختلاف طبقاتها. ولما أن كان في الساعة العاشرة والنصف تحرك ركابه على السيارة الملكية الخاصة في موكب مهيب من جدة ميممًا مكة المكرمة تحف بسيارته دراجات الحرس النارية وسيارات الحرس العسكرية يرافقه ولي العهد وأمراء البيت الملك ويتبعهم رجال الديوان الملكي والحاشية الكريمة على رتل طويل من السيارات.
وقد ودع في جدة بحفاوة فخمة.
هذا وقد كانت الجماهير الحاشدة على جانبي الطريق من قصر جلالته بجدة إلى مكة المكرمة تحييه وتهتف بحياته. وكان قد وفد إلى القصر العالي بمكة في الساعة الثانية والنصف من صباح يوم الجمعة 6 ربيع الأول رئيس القضاة فضيلة الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ وفي معيته معاونوه وأعضاء رئاسة القضاء ورئيس المحكمة الكبرى بمكة المكرمة والقضاة الشرعيون للسلام عليه مؤكدين لجلالته البيعة المسنونة.
فاستقبلهم بالترحيب والإِكرام وحادثهم بما هو معهود فيه من اللطف والبشر.
أمَّا ما كان من دخوله مكة المكرمة تلك الليلة فإنَّ أهالي مكة لما علموا بمسيره من جدة أقفلوا دكاكينهم وأبطلوا حركة الأعمال واندفعوا بجموعهم الحاشدة كالسيل المتدفق إلى ظاهر مكة المكرمة فاحتشدوا على جوانب الطريق التي يمر فيها إلى المسجد الحرام ومنه إلى القصر الملكي العامر بأعلى مكة بحيث لم يبق موضع شبر في جوانب هذا الطريق خاليًا من الجماهير.
ولمَّا أن دخل مكة بين ذلك التصفيق المدوي في الفضا مصحوبًا بالهتاف الذي يشق عنان السماء أدت الجنود المصطفة هناك التحية العسكرية وعزفت الموسيقى العسكرية وأطلقت مدفعية مكة إحدى وعشرين طلقة وكان حينئذٍ