الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصحفي في زيارته للقصيم بحيث امتدح المواطنين السعوديين وأنَّه لم يرَ مثل مالهم ونحلهم وأخلاقهم الكريمة وعواطفهم فقال في يوم السبت الموافق 4/ 4 يعني من هذه السنة 78 تسنى لي أن أقوم في رحلة صحفية إلى بريدة رحلة خاصة إلى العين التي ظهرت فيها بعض البوادر التي تدل على أنَّ في جوفها شيئًا من البترول أو ما يشبه البترول فامتطيت السيارة الخاصة إلى هناك لهذا الغرض فمكثنا يومًا وبعض يوم وقد كان بودنا أن نمكث أسبوعًا بعد أن رأينا بريدة وما تستحقه من طول الرحلة ولكن ظروفي الخاصة حالت دون ذلك فعدت أدراجي إلى الرياض مسرعًا ولكن بعد أن جلت فيها بعض الشيء وأخذت عنها فكرة وصورة موجزة عن واقعها ولذا سنكتب عنها بقدر إلى أن تتاح لنا الفرصة مرة أخرى لزيارتها وزيارة أكبر جزء ممكن عن منطقة القصيم العظيم وقد رأيت الأستاذ عثمان شوقي وزارني وجلس معي وكان سوداني الأصل والوطن لكنه يفيض أدبًا وبشاشة وعقلًا قال عن بريدة لما قدمها ورأى فيها ما يعجبه.
بريدة جنة فيحاء ولكنها مجهولة
ليست بريدة بحديثة العهد فيما نعتقد فإنها على أقل تقدير يرجع تاريخها إلى العهد القديم وإن لم يأت ذكرها في معجم البلدان والكتب التاريخية وربما جاءت هناك باسم آخر كما ذكرت بعض البلدان الأخرى القريبة منها. ويرجح بعض المطلعين على أن تاريخها يرجع إلى القرن العاشر ثم قال: تبلغ مساحة القصيم 90000 كيلومتر مربع كما يبلغ عدد سكانه برمته اليوم مليونًا بالتقريب أو يزيدون أو ينقصون قليلًا منهم مائة ألف يقطنون العاصمة بريدة التي كانت ولم تزل منذ عهد بعيد مرموقة المكانة في عالم الاقتصاد والتجارة والصناعة في أسواق الحبوب وصناعة النحاس والأحذية وإنتاج التمور وبيع الإِبل والأغنام. ولهذه المناسبة فإني أذكر أن كثيرًا من إخواننا السعوديين من أبناء القصيم ومنذ عهد طويل كانوا يزورون السودان زيارات
تجارية كثيرة لشراء الإِبل من هناك وتصديره إلى المملكة بل يكادون أن يكونوا هم وحدهم من أبناء هذه البلاد الذين يزورون ذاك القطر العربي الشقيق المجهول من كثير من المواطنين على الرغم من الجيرة القريبة والقريبة جدًّا لهذه البلاد ولذا فلا بدع إذا كان كثير منهم يعلم شيئًا عن السودان على الرغم من جهل الآخرين له ثم ذكر اتصاله بالأمير سعود بن هذلول أمير منطقة القصيم وذكر من أخلاقه الأمر الذي جعله يؤمن كثيرًا بأنَّ شعب القصيم بأسره وأهل بريدة خاصة من ألمع نجوم شعب هذا البلد الكريم إلى أن قال: والماء في كل زمان ومكان من أهم العناصر التي تعني بها الحكومات والمسائل التي يهتم لها وبها حياة سائر الناس وقصة الماء في المملكة العربية السعودية من أكبر القصص التي تعتني السلطات الحكومية والجماعات والأفراد خاص عنايتها فانشغلت بها الأذهان ولا زالت منشغلة بها في كثير من المدن والقرى. ومنذ عهد ليس بالبعيد قرر بعض الخبراء الذين استقدمتهم السلطات الحكومية أن ليس بأرض بريدة الماء الذي يكفي حاجتها أكثر مما كان عليه فخاب أمل أهلها وحزنوا كثيرًا لهذه النتيجة وهم الذين يتطلعون إلى حياة أفضل وأوسع في مجال التطوير العمراني والزراعي. وما هي إلَّا أعوام قصيرة حتى انبثقت أرض بريدة وتفجرت منها المياه الغزيرة دافقة أدهشت النَّاس جميعًا وخاصة عندما يتذكرون تقرير أولئك الخبراء القاطع بأن ليس ببريدة الماء الكافي لسد حاجتها المطلوبة وعلى العكس من ذلك حدثني أحد أعيان بريدة البارزين في أنَّ لديه تقريرًا خطيًّا من أحد المهندسين الجيولوجيين البريطانيين اجتمع به منذ عشرة أعوام تقريبًا يشير إلى أن بريدة تنهض على نهر جار من الماء تحت الأرض وقد صدق عزم هذا المهندس بل كان أقل من الحقيقة التي شاهدتها بعيني وإني وإن لم أعرف شيئًا عن علم طبقات الأرض إلَّا أني أكاد أجزم أن أرض بريدة تقوم على سطح إحدى المحيطات العذبة الحلوة هناك ببريدة لأن أكثر
من يأتي عين -أي بئر- كلها حلوة ذكرتني بالنيل الذي لم أذق ماءه منذ ثمانية أعوام ونصف حتى عادني الحنين إلى السودان ومنابع النيل العظيم ومرتع الأهل والأحباب شاهدت تلك العيون والماء يندفع من مواسيرها من غير أي قوة دافعة مواسير كان كل قطر لها ستة بوصات والماء ينساب من فوهاتها في قوة هائلة على امتداد الأرض يبلغ مداه الأدنى خمسة عشر مترًا ومداه مرتفعًا إلى السماء إلى خمسة وثلاثين مترًا ويقيني لو كانت هناك قوة دافعة كالكهرباء مثلًا لما فعلت واستطاعت أن تنقل مثل هذه الطبيعة الخارقة للعادة ولا أشك أبدًا أن هذه القوة المائية الطبيعية إذا اجتمعت في صعيد واحد لولدت قوة كهربائية عظيمة يحسدها مشروع السد العالي المزمع بناؤه بمصر. ومن هذا الماء النمير ومن هذه العيون الدافقة قامت مزارع ومشاريع زراعية كبيرة ورياض وبساتين لم تحلم بها بريدة من قبل وسوف يأتي الحديث عن هذه المزارع ومن هذه العيون تسعة عيون فقط يشرب منها سكان بريدة خمسة منها حكومية وأربعة أهلية فلم يخل أي بيت هناك من ماسورة ماء وبثمن بخس جدًّا 35 ريال فقط في السنة من العيون الأهلية ثم قال: وكانت هناك حوالي خمس عيون معدنية كبريتية كشفت عليها السلطات الحكومية الصحية وتأكدت من أنَّها كبريتية. وهنا تذكرت حلوان الحمامات بمصر وتذكرت حماماتها المعدنية التي يؤمها عدد كبير من المصابين ببعض الأمراض الجلدية للاستحمام فيها من أجل الشفاء. والحالة هذه فإنَّ بريدة اليوم هي أعظم من حلوان مصر بعيونها الكبريتية هذه ولكنها لم تجد العناية بهذه الناحية والدعاية لها فقد تكون المدينة الأولى لا في الشرق فحسب بل المدينة الأولى في العالم الغنية بالمياه الكبريتية القاضية على الأمراض الجسدية. . . إلخ. هذا ما ذكره الصحفي عثمان شوقي السوداني ولا تظن أيها المنصف أنَّ في كلامه مجازفة فهي المدينة المجهولة المحسودة وأراك إذا تجولت فيها ورأيت تلك الدوائر والمؤسسات والشركات والأمم من
الشام واليمن والهند والسند والفيليبين والكوريين والمصريين والعراقيين يطلبون الرزق فيها ويخدمون ويبنون تصدقني وأنَّها أصبحت الآن موضع الإِعجاب. ولله در الحافظ ابن القيم رحمه الله حيث يقول في بعض المناسبات والأمثال تضرب للناس:
فيا محنة الحسناء تهدي إلى امرئ
…
ضرير وعنين من الوجد خاليا
فقل للعيون الرمد إياك أن تري
…
سنا الشمس فاستغشي ظلام اللياليا
خفافيش أعشاها النهار بضوئه
…
ولاءمها قطع من الليل باديا
وقال أبو الأسود الدؤلي الذي وضع علم النحو بأمر الإمام علي بن أبي طالب له رضي الله عنه من قصيدة عظيمة:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه
…
فالقوم أعداء له وخصوم
وترى اللبيب محسدًا لم يحترم
…
شتم الرجال وعرضه مشتوم
وكذلك كل من عظمت عليه نعمة
…
حساده سيف عليه صروم
ومن تأمل قصائد الشاعر العوني ولا سيما الخلوج فإنَّه يتبين له عظمة المدينة وقد قدمنا في ديباجة التاريخ شيئًا من ذكرها وتطورها.
رجعنا إلى ما نحن في صدده.
وفيها عين عبد المحسن الحمد التويجري مديرًا لفرع الزراعة في القصيم بدلًا عن عبد المحسن بن محمد بن سيف نظرًا إلى ما لعلَّ العناية في الزراعة تتحسن بمنطقة القصيم.
وفيها أعيد فتح المدرسة العسكرية في بريدة وافتتح باب القبول للطلاب حتى في السنة الخامسة الدراسية والسادسة وللطالب مكافأة مقدارها مائة ريال مع الإِعاشة والملابس في القسم الابتدائي ومائتا ريال عدا الإِعاشة والملبس للقسم المتوسط وكان رئيس المدرسة الأستاذ حسن مستور من أهالي مقاطعة عسير وفيه مؤهلات وقد اتسم بالأخلاق الفاضلة رأيته لما