الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفاحشة. فما كان إلَاّ قليل حتى قامت الدوريات وأحاطت بهم، فما هي إلَاّ دقائق حتى أُلقي القبض عليهم وصدر الأمر بإعدامهم.
ونقل إليه أن أناسًا أفطروا في شهر رمضان فأمر بالقبض عليهم وكانوا قد خرجوا إلى البرية لأنَّ لا يطلع على إفطارهم أحد، ثم أمر بأن يطاف بهم في أسواق الرياض على الحالة التي وجدوا فيها، فجيء بهم وكان أحدهم يحمل طستًا، والآخر يحمل إبريقًا وأكوابًا، والثالث يحمل القدر على رأسه. ولما أن طيف بهم على هذه الصفة الشنيعة التي تنبئ عن انتهاكهم لحرمة شهر رمضان أمر بضربهم بالخشب في الصفاة وتعذيبهم بأبلغ العقوبات حتى نجم عن ذلك أن كان كل شخص على العموم يطيق الصيام فإنَّه لا يفطر، كائنًا من كان، اللَّهُمَّ إلَاّ مريضًا أو مسافرًا.
وكان إذا غضب فإنَّه لا يوقف في طريقه، هاذا اعترى فإنَّ الحاضرين والسامعين ومن بلغه الأمر يشتغل كل بنفسه في التفكير في أعماله وذنوبه.
لباسه وسجيته
كان لباسه عربيًا فيضع الكوفية والعقال الذهبي (الشطفة) على رأسه ويلبس قميصًا أبيض طويلًا فوق جسمه وتحته السراويل الواسعة ويضع فوقه ثوبًا وفوق الثوب عباءة، ويكون الثوب من الجوخ في الشتاء، ومن القماش الأبيض في الصيف. وألبسته غالبًا تنسج وتخاط في دمشق وترسل إليه وليس فيها ما يفضله أو يميزه على أحد عماله أو رجاله الآخرين ويلبس الشرابات وفوقها الخف على طريقة أهل الحجاز ونجد، وقد ينزعه عند ركوبه الخيل، وشعاره البساطة التامَّة في كل شيء، ويحب المباسطة على المائدة خلال تناول الطعام، وطعامه اليومي المعتاد هو الأرز واللحم المسلوق واللبن الرائب ولبن الإِبل والخبز ويأكل الفواكه إذا وجدت ويحب القهوة العربية ويجلس إلى مائدته التي مدت على الأرض وحوله ضيوف
ويأكل بيده إذا كانوا من أهل نجد والحجاز، أمَّا إذا كانوا أجانب أو هناك رجال رسميون فيأكل بالملعقة ويجلس إلى موائد نظمت على الطراز الحديث.
أمَّا في الأسفار والحروب والغزوات فإنَّه يحارب الراحة وتمر به ليال لا ينام في خلالها إلَاّ غرارًا على ظهور الإِبل أو الخيل مواصلًا سرى الليل بسير النهار لا يأكل إلَاّ قليلًا ولا يشرب إلَاّ نادرًا.
وقد اضطر في بعض غزواته إلى شق بطون النياق لاستخراج ما فيها من ماء وشربه لندرة الماء. وكثيرًا ما قضى الأيام والليالي طاويًا لعدم وجود ما يأكله.
ولقد أكرم جميع الذين ساهموا معه في استعادة الملك لما فتح الله عليه وحرص على مكافآتهم وحشمتهم وأفسح لهم المجال. وكثيرًا ما يستعرض ماضيه ويذكر أصدقاءه القدماء ويتحدث بنعمة الله عليه.
وكان له تهجد من آخر الليل. فإذا صلَّى ما كتب له وقرأ ما تيسر من القرآن وأوتر إذا قد حضر وقت الفريضة فيصلي الغداة ثم يظل في ورده وقراءته لأنَّه كان له حضر من الورد فيقرأ في ورد الشيخ سليمان بن سحمان. ثم أنَّه ألف ورده المشهور بالورد المصفَّى المختار من كلام الله تعالى وكلام سيد الأبرار ويتحصن به. وقد طبع عدة مرات ووزع بكثرة فيلبث حتى قرب طلوع الشمس فينام وبعد ما يستيقظ يتناول القهوة ويجرع كميات من لبن الإِبل ثم يخرج إلى الديوان فينظر في الشؤون المعروضة عليه ويوافيه عامل اللاسلكي كل صباح بتقارير عماله وأمراءه وكل حاكم مدينة عندهم يسمى أميرًا يتصل به عن طريق البرق فيوافيه بجميع ما جرى من آخر نهار أمس في منطقته فلا يكاد يفوته شيء مما يقع بل يطلع على كل ما جرى حتى أنَّ المملكة تكون بين يديه كأنَّها دكان بقالة، ويبلغه عماله
أخبار الشد والرحيل من السياح حتى أنَّه لا يستطيع أحد أن ينتقل إلَاّ بإذن منه فينقل إليه من فتنة بين قبائل الشمال إلى سيارة تعطلت في الوحل في الطريق الفلاني ثم يأتيه المترجمون للأخبار الخارجية كما سمعوها فيعرضونها عليه حتى أنَّه ليتبلغ السياسة لمعرفته بالحرب أعظم مما يتبلغها معظم الموظفين في تلك المملكة وكان يتسقط أخبار الحكومات والبلاد المجاورة ولديه مصلحة استخبارات منظمة تنقل إليه جميع ما يحدث بالضبط والتفصيل، فلا يكاد يفوته شيء ويأتيه عماله بتقارير سرية يوافونه بها، وله عناية عظيمة بالصحف على اختلاف أنواعها وقد يأتيه مترجموه للأخبار الخارجية عند وقوعها بشيء لا تبلغه العبارة في التدقيق.
ومن عادته في رحلاته أن يقف اثنان من رجاله وبيد كل واحد منهما بندقية على سيارته هذا من اليمين وذاك من الشمال خوف وقوع حادث مفاجئ وتكون إلى جانبه في السيارة بندقية خاصة به، ويضع سائق سيارته الخاصة بندقية في جانبه. وكان يمازح جلساءه ورجال خاصته ويحادثهم أحاديث طلية، لا أثر فيها للكلفة، ويعاملهم معاملة الصديق للصديق والند للند ويحبونه حبًا عظيمًا. فلقد كان محبوبًا جدًا وموضع التقدير، على أنَّه لا يتأخر عند الحاجة من تأديب بعض من يذنب منهم بيده، وهو مشهور بالإفاضة في الحديث فإذا بدأ بموضوع لا يتركه قبل أن يلم به من جميع نواحيه ولا يدع زيادة لمستزيد، فإذا قاطعه جليسه أو محدثه مستدركًا على شيء أو مبديًا رأيًا لاح له أو فكرة مرت بخاطره قال له: إسمع أنا أعلمك أي أخبرك أو إسمع، اسمع الله يهديك أو ما تسمع الله يسلمك ويردد هذه الجمل كثيرًا في محادثاته اليومية.
فقد عرفت أنُّها القارئ أنَّه معظّم ومحبوب ومن النَّاس من يكون معظمًا غير محبوب ومنهم من يكون محبوبًا غير معظم وأن أكمل الصفات محبة يصحبها التعظيم.