الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين وأعيان ووجهاء الرياض وغيرهم من سائر المملكة.
وفاة رئيس القضاة
ففي الأسبوع الأول من شهر رجب سابع 7 فقدت البلاد عالمًا جليلًا وركنًا كبيرًا من أحفاد مجدد الدعوة الإِسلامية في الجزيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهو الشيخ عبد الله بن حسن وهذه ترجمته: هو الشيخ الإِمام العالم العلامة عبد الله بن حسن بن حسين بن علي بن حسين ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وعفا عنه. ولد رحمه الله في أواخر سنة 1286 هـ فنشأ نشأة طيبة وأنبته الله نباتًا حسنًا تحت رعاية والده الشيخ حسن بن حسين. ولمَّا أن ختم القرآن وأتقنه أخذ يطلب العلم ويتعلم من والده ثم سمت به همته إلى حلق المشائخ فأخذ عن الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف وأخذ عن الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن وأخذ عن الشيخ عبد الله بن راشد بن جلعود وكان هذا العالم مشهورًا بعلم الفرائض وأخذ عن الشيخ حمد بن فارس وأخذ عن الشيخ سعد بن حمد بن عتيق وأخذ عن الشيخ محمد بن إبراهيم بن محمود وجد واجتهد فنبغ من بين الأقران وكان الملك عبد العزيز معجبًا به لما يراه من نجابته وعقله فكان يستصحب الملك في أسفاره وينتدبه لمهام الأمور ثم كان رئيس القضاة في المملكة العربية السعودية فكان مصدر الهيبة والحب والتعظيم ذا رجولة وغيرة أضف إلى ذلك عقلًا رزينًا وكان يحمل بجانب هذا علمًا وافرًا ونفسًا زكية طاهرة بعيدة عن الزخارف وسفاسف الأمور. ولمَّا أن تولى رئاسة القضاء أضيف إليه رئاسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هناك والإِشراف العام على المسجد الحرام وتعيين القضاة والأئمة والمؤذنين ومراقبة الكتب الواردة وكان له سمت العلماء ومهابة العظماء وطهارة الزهاد وعاش زمنًا طويلًا يقارب من قرن. لمَّا أن قدم مع جلالة الملك عبد العزيز إلى مكة المكرمة سنة 1343 هـ تقلد عدة وظائف دينية هامة وكان قبل ذلك إمامًا في مسجد
الإمام عبد الرحمن الفيصل في الرياض ثم كان إمامًا وخطيبًا في المسجد الحرام وحضر قتال جدة في معية جلالة الملك وآخر الوظائف رئاسة القضاة أسندها إليه لمَّا استولى على الحجاز بعد فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن بليهد تولاها ثلاثين سنة أو تزيد ولقد كان عالمًا وداعية إلى الحق وصلبًا في دين الله إذا اقتنع بعدالة قضية من القضايا لم يستطع أحدً كائنًا من كان أن يحوله أو يحول دونه ودون تنفيذها وكان في أحكامه لا يتأثر باتجاه أحد أو رأيه مهما كانت مكانة أحد من الناس، وكان ذا جاه عظيم ويسمع كلامه ويخضع لأوامره ونواهيه ولقد شغل هذا المركز الكبير الخطير فكان موضع الإِعجاب وصفة الأب الحنون والرئيس المنصف والحاكم العادل الذي لا تميل به الغرائز البشرية عن مناهج الحق والعدالة ولا تنطوي عليه مواطن الحيف والهوى. ولقد كان محبوبًا ومرهوبًا ولم يكن له أعداء بالرغم من وقته وهيبته وعاش عزيزًا كريمًا مهابًا ومات عزيزًا كريمًا مهابًا لم يستطع أحد أن سجل عليه طيلة حياته المديدة موقفًا واحدًا من المواقف التي تعيب العلماء أو تنال من مكانتهم في النفوس وكان محظوظًا لدى آل سعود لما قام به من حسن السياسة ودماثة الخلق وطيب السريرة، أضف إلى حسن تدبيره أنَّه قوي وذو صلابة في الحق والغيرة على الحرمات والتمسك بالمثل العليا وثبات على المبدأ مهما بلغت قوة التيارات التي تتقاذف حوله وما كان في قسوته في بعض المواقف وصرامته في بعض الأحكام ليكون مكروهًا والسر في ذلك حسن نيته. وقد رأيته مرة جاء لتفقد واعظ في المسجد الحرام لم يؤذن له في الوعظ وسألني عن أبي موضع كان يجلس فيه وقال: إن وجدته فأخبرني عن موضعه. فكان ربعة من الرجال قد لوحته الشمس عليه أثار الهيبة والتعظيم وحدثني الرجل الزكي المحب في الله عبد العزيز بن إبراهيم الحسين أنَّه اشترى بقرة له ولرفقته في الحج ضحى يوم عرفة ليذبحوها هديًا من الغد فوسمها في الرقبة وواعد الراعي أن يأتيه بها صباح الغد يوم العيد
سوى أن الأيادي قد اختلفت فيها. ولمَّا أن حضر لأخذ البقرة وجدها ولم يجد صاحبها فلما أن أراد أن يأخذها ويذهب بها امتنع الذي كانت بيده وذكر أنَّه اشتراها فوقعت خصومة واشتكى إلى بعض الدوائر فكانوا يماطلونه يومًا بعد يوم فذهب إلى الشيخ عبد الله وانطرح بين يديه وقال: هذه صبيحة رابع يواعدوني وقد انقضى زمن الذبح ونحن فقراء بعت بالأمس عباءة لإِحدى النساء وأكلنا ثمنها فكيف نصنع اليوم فبكى لحالته وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل ثم ناوله عشرين ريالًا فضة تناولها من عن يمينه من أسفل قطيفة كان جالسًا في بيته عليها وقال: كلوها في هذا اليوم ودعى بأحد أنجاله كنت أظنه عبد العزيز ثم قال:
خذ بيد هذا الشايب ولا تفارقه حتى يسلم بقرته كائنًا من كان. . . قال: فذهبنا من موضع إلى موضع ومن دائرة إلى أخرى وكان النجل يقول للمسؤولين عن أمر عبد الله بن حسن يسلم بقرته فما زال به من موضع إلى موضع حتى استلمها قال فقال لي آخرهم: أشكر فضيلة الشيخ عبد الله بن حسن فلولا قيامه معك لم تحصل عليها إلَّا بعد شهر كاملًا قال فذبحناها عن أمر الشيخ وطفنا طواف الوداع وسرنا مسافرين. وكانت مجالسة ندوة حافلة يجتمع فيها علماء المسلمين من المشرق والمغرب لا سيما في مواسم الحج ويختلف إليه العرب والعجم للتعارف والتفاهم معه في المسائل الدينية والأحكام الشرعية التي تختلف وجهة أنظارهم فيها أو التحقيق في الأقوال التي ينسبها دعاة السوء إلى أهل نجد، فيستمع إليهم وإلى أقوالهم بكل هدوء ويجيبهم بما يقنعهم ويزيل عنهم الشكوك والأوهام ويزودهم بالكتب التي تشرح عقائد السلف الصالح وتوضحها. ومن جاء مسترشدًا أو مستوضحًا فإنَّه لا يخرج من عنده إلَّا مقتنعًا مطمئنًا على بصيرة وعلم. فرحمة الله عليه وجبر الله الإسلام بفقده. أمَّا تلامذته الذين أخذوا عنه فجم غفير فمنهم أخوه عمر بن حسن رئيس هيئات الحسبة في نجد وعالم كبير
وعلم شهير والشيخ محمد بن عثمان الشاوي وعبد العزيز الشتري المعروف أبو حبيب والشيخ عبد الرحمن بن عقلا والشيخ فالح بن عثمان والشيخ عبد الظاهر أبو السمح إمام وخطيب المسجد الحرام والشيخ علي بن زيد والشيخ صالح بن سليمان بن سيف قاضي المضيق والمؤرخ الأديب عبد الغفور عطار والشيخ محمد بن داود والشيخ سليمان أباظة والشيخ سليمان بن عبد الله المشعلي وأبناؤه الثلاثة الشيخ محمد بن عبد الله بن حسن والشيخ عبد العزيز بن عبد الله والشيخ حسن بن عبد الله والشيخ علي بن محمد الهندي ومحمود شويل وأناس كثيرون.
وممن توفي فيها من الأعيان عبد الله الرشيد، وهذه ترجمته: هو الشيخ الزاهد الورع الزكي الطاهر العالم المتعفف أبو صالح عبد الله بن رشيد الفرج بن إبراهيم بن زايد القفاري نسبه إلى قفار ولد في عام 1308 هـ وتوفي في يوم الخميس الموافق 21 محرم من هذه السنة نشأ في عبادة الله لأنَّ والده مؤذن المسجد الجامع الكبير في بريدة وشرب من زلال ينابيع الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم فأثرت هذه البركة في المترجم. وبعد ما حذق في معرفة القرآن أخذ يطلب العلم، فأخذ عن الشيخ المذكور وأخذ عن الشيخ عبد الله بن فداء وأحذ عن الشيخ عبد الله بن سليمان بن بليهد. ثم لازم الشيخين الإمامين عبد الله بن محمد بن سليم والشيخ عمر بن محمد بن سليم، وأكثر الأخذ عنهما ولازم الشيخ عمر بن محمد واستمسك بغرزه في الحضر والسفر وأحبته مشائخه وقدموه في المجالس وذلك لأنَّه كان وليًّا لله محترمًا، ذلك لمَّا قام بهذا العبد الصالح من سلامة المصدر والأمانة والصبر على حلو الزمان ومره وكان يدرس عليه في الكتب الكبار السامية كالمغني، والشرح الكبير، والبداية والنهاية للحافظ ابن كثير وتفسير القرآن له، وأخذ عن الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم العبادي وكان خطيب المسجد الجامع في بريدة، ولديه كتب كثيرة، غير أنَّه لم يتول وظيفة في القضاء ولا غيره لورعه