الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شقراء، ثم سار في يوم الخميس والساعة في العاشرة تزيد 30 دقيقة إلى الرياض فقدمها بعد العصر. وكان لما أن نزلت ست طائرات في صحن مطار بريدة القريب على مسافة ثلاثة كيلومترات في الجهة الشرقية الشمالية من مدينة بريدة وهو مطارها الفسيح القريب الجميل، كان بوجود ثمانين ألفًا من المستقبلين فيه وما يزيد على خمسة آلاف سيارة وما بين ذلك من الخيام والسرادق والكراسي وما إلى ذلك لم يضق على الطائرات بالنزول والصعود. ثم أنَّه نقل المطار عن مكانه لقربه من البلد إلى جهة المليداء ليكون عالميًّا بين مدن القصيم وكان مسافة ما بينه وبين المدن تتراوح ما بين عشرين كيلو فما فوق.
ذكر ما جرى فيها من الحوادث
ففيها تكالبت الثعالب والكلاب وأصابها السعار فكانت تصول على من أمامها من نوع الإِنسان والحيوان والبهائم، وأحدث ذلك نوعًا من الأذى. وقد ينهش الثعلب ستة أشخاص في لحظة، وإذا لم يجد حيوانًا فإنَّه يعض على أصل شجرة أو شيئًا من الإجرام ثم يهلك الثعلب. أمَّا عن المصاب فإذا لم يعالج فإنَّه بعد مضي أربعين يومًا يهلك وقد استمرت الحالة كذلك آخر هذه السنة وستة أشهر من السنة التي بعدها. ولا ريب أن هذا من عقوبات الله التي يعاقب الله بها خلقه. وذكر العلماء العارفون أن هذا السعار داء يصيب الكلاب والثعالب وتقول العرب: عضه المقلوث لأنَّهم يسمون الكلب المصاب أو الثعلب المقلوث وتقول العرب: كلب كَلِب. ولمَّا اشتكى الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جملهم الذي كانوا يسيرون عليه ويسقون وقالوا: إنَّه استصعب علينا ومنعنا ظهره وقد عطش الزرع والنخل. فقال لأصحابه: "قوموابنا إليه فقاموا فدخل الحائط والجمل في ناحيته فمشى النبيُّ صلى الله عليه وسلم نحوه فقالت الأنصار: يا نبيَّ الله إنَّه قد صار مثل الكلب الكَلِب وإنَّا نخاف عليك صولته، فقال: ليس عليَّ منه بأس فلما نظر الجمل إلى
الرسول أقبل نحوه حتى خرَّ ساجدًا بين يديه فأخذ بناصيته أذل ما كان قط حتى أدخله في العمل". وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم إنَّه قال: "سيخرج من أمتي قوم تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلَّا دخله" وهذا العارض يصيب الكلاب كالجنون وهو مرض سوداني علامته أن تحمر عيناه وتسترخي أذناه ويندلع لسانه ويكثر لعابه وسيلان أنفه كأنَّه سكران ويطأطئ رأسه ويتحدب ظهره ولا يزال يدخل ذنبه بين رجليه فإذا عقر إنسانًا عرض له أمراض رديئة ويمتنع من شرب الماء حتى يهلك عطشًا وإذا استحكمت هذه العلة فقعد للبول خرج منه على هيئة الكلاب الصغار ويرى وجهه في المرآة صورة كلب وربما إذا تمَّ له أربعون يومًا يطلب الماء فإذا شرب نبح ومات. وكانت الأعراب يتعالجون لذلك بدم البرزاني وهم طائفة من الأعراب يزعمون أن دم أحد هذه القبيلة علاج لعضة الكلب الكَلِب. وقد طالبت الأمة بإبادة تلك الفئة المسعورة وإيجاد علاج لهذه الكارثة.
وفيها كسدت الأراضي وأصبح الذين يتاجرون في المساهمات وكانت رأس ماليهم بتدهور شديد جدًّا ونقص كبير وأرادت الجهات المسؤولة أن تسعى لتحسين الموضوع فلم توفق المسألة لحل. والله على كل شيء قدير. وهذا في الرياض وعم ذلك لجميع الذين ساهموا.
وفيها ولدت امرأة من أهل مطرية بالجمهورية العربية المتحدة أربع بنات توائم واسمها مبروكة كانت دعت الله أن يهبها بنتًا فاستجاب الله دعاءها ووهب لها أربع توائم والله على كل شيء قدير.
وفيها عزمت الحكومة على فتح مدارس للبنات وصدر الأمر الملكي بما نصه -الحمد لله وحده وبعد فقد صحت عزيمتنا على تنفيذ رغبة علماء الدين الحنيف في المملكة في فتح مدارس لتعليم البنات العلوم الدينية من
قرآن وعقائد وفقه وغير ذلك من العلوم التي تتمشى مع عقائدنا الدينية كإدارة المنزل وتربية الأولاد وتأديبهم مما لا يخشى منه عاجلًا أو آجلًا أي تغيير على معتقداتنا لتكون هذه المدارس في منأى عن كل شبهة عن المؤثرات التي تؤثر على النشء في أخلاقهم وصحة عقيدتهم وتقاليدهم وقد أمرنا بتشكيل هيئة من كبار العلماء الذين يتحلون بالغيرة على الدين لتسرف على تنشئة المسلمين في تنظيم هذه المدارس ووضع برامجها بمراقبة حسن سيرها بما أنشئت له وتكون هذه الهيئة مربوطة بوالدهم حضرة صاحب السماحة المفتي الأكبر الشيخ محمد بن إبراهيم.
وفيها وفاة الشيخ عبد الله بن عونة رحمه الله تعالى وهذه ترجمته: هو العالم الزاهد ذو العقيدة والمعرفة الشيخ عبد الله بن عونة بن عبد الله بن علي بن سليمان آل سعوي يرجع نسبه إلى قبيلة عنزة وكان منشأه من قرية المريدسيّة من أعمال بريدة. ولد سنة 1308 هـ وفي السابعة من عمره أدخل مدرسة أهلية للدراسة وتعلم القرآن فأخذ يتعلم حتى ختم القرآن ثم تعلم مبادئ الكتابة والحساب على حسب سير الدراسة إذ ذاك. ولمَّا حفظ القرآن وكان قد بلغ من العمر اثنتي عشرة سنة أخذ يطلب العلم من المشائخ فأخذ عن الشيخ عيسى الملاحي وأخذ عن الشيخ عبد الله بن حسين أبا الخيل وأخذ عن الشيخ عبد الله بن فداء العالم الزاهد وجعل يتردد إلى مدينة بريدة فأخذ عن الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم وعن الشيخ عمر بن محمد بن سليم وكان ورعًا ناسكًا وعليه السكينة والوقار وله سمت حسن. وفي عام 1346 هـ عين إمامًا وواعظًا ومرشدًا في قرى بني مالك ولمَّا أن كان في 1353 هـ وطلبت الحكومة من الشيخ عمر بن محمد بن سليم قضاة وأئمة ووعاظًا إلى جهة عسير وجيزان كان من ضمن الذاهبين فكان قاضيًا في صبياء ثم نقل إلى قضاء جيزان فكان رئيسًا لمحاكمها هناك ثم أنَّه نقل إلى الدمام في المنطقة الشرقية فكان رئيسًا للمحاكم هناك واستمرَّ على
سيرته وكان مسددًا في أقضيته ويحرص على الصلح لِيُرضي الخصمين وكان متأنيًا ومعه خوف من الله تعالى مديمًا على ذكره وصولًا لرحمة ويجب الإِصلاح بين النَّاس متحريًا العدل والإِنصاف إلى أن شعر بالشيخوخة فتقدم بطلب إحالته إلى المعاش فأجابت الحكومة طلبه وعاد إلى وطنه بريدة. كان له حظ في الوظائف التي نالها ومع مزاولة هذه الأعمال فإنَّه لم يشاغب أحدًا ولم يتقدم خصم بشكاية ضده متظلمًا بل كان موضع الإِعجاب من حكومته وأمته. وأسرة الشيخ عبد الله مشهورة في القصيم وكان للشيخ عبد الله أخ يدعى عبد العزيز بن عونة له تمسك في الديانة ومحبة لأولياء الله من أهل الدين والفضل وثبات في العقيدة السلفية وكان فلاحًا يأكل من كسب يده ويصل الفقراء ويواسيهم بماله. وفي بعض السنين أصيبت الأمة بسنة وجدب فقام وقسم مزرعته من البر والشعير نصفين بحبل فقال هذا الشطر لي ولمن أمونه والشطر الثاني لله عز وجل ثم وزعه على الفقراء والمساكين وكان في زمنه عالم كبير السن متعطل الأسباب ذو عائلة فكان يقوم بنصف مؤنته على الدوام وكان يبش بزواره من أهل الخير والصلاح ويقدم لهم ما تيسر من الموجود لديه في وقت كان قليل التمر واللبن والقهوة والبر أكبر ضيافة. والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا. وكان يزار ولا يزور أحد لأنَّه معتزل عن النَّاس إذا رأيته وجدته متقشفًا في لباسه وقد تصدعت يداه ورجلاه من مكابدة الأعمال مع تقدمه في السن ثم يذهب وقت العبادة إلى المسجد فيكون واقفًا أو راكعًا أو ساجدًا بين يدي الله وللبيت حظ من عبادته لله تطوعًا ولبث ثماني عشرة سنة لم يقدم مدينة بريدة. لمَّا توفرت فيها المصنوعات المستحدثة لا لتحريمها ولكن للسلامة من المشتبهات وقد قدمنا أنَّه من زملاء محمد بن مقبل وصالح اللهيمي وسليمان بن ناصر السعوي. ومن أسرة المترجم رجال متمسكون بالديانة يوالون في الله أهل طاعته ويعادون أهل معصيته وينتمون إلى الفضل والصلاح من أشهرهم
الشيخ سليمان الناصر السعوي. كان محبًا لأهل الدين ومواليًا للمؤمنين ومقبولًا لدى أهل زمانه وهو إمام القرية ويأتي ذكر ترجمته إن شاء الله تعالى. أمَّا سبب وفاة المترجم فإنَّه أصيب بمرض مخوف فرأت الحكومة أيدها الله بعزه وتوفيقه أن تبعثه إلى مصر للعلاج ولكنه وافاه أجله المحتوم فيها فتوفي في يوم الاثنين سادس ذي القعدة من هذه السنة عن عمر يناهز 72 سنة ودفن فيها. ومن صفاته أنَّه غر كريم دمث الأخلاق متواضع طلق المحيا ومما جرى بينه وبين واضع التاريخ من الاتصال أني زرت قريته منذ سبع وعشرين سنة لقبض كمية من التمر من إنسان يتعامل مع الوالد فوافيت المترجم وحصلت بيني وبينه ألفة ومحبة فكان يتواضع لي في المجلس وإن كنت إذ ذاك صغيرًا ويخدمني وإن كان هو الأحق بالخدمة وينصح لي ويبشر بالاجتماع ووافيته حينما أراد السفر للحج عام 1353 هـ لمَّا ابتعثته الحكومة لقضاء صبياء ضمن الذين بعثوا في تلك السنة فرأيته في حال استقامة وصلاح ووافيته لما رجع من تلك الجهات وكان لبيبًا وغرًا كريمًا لا يحمل الحقد، ووافيته مرة في الحرم الشريف بمكة لدى مجلس علوي المالكي بعد المغرب في إحدى ليالي ذي القعدة من عام 1361 هـ وجلسنا نستمع لتدريس الشيخ وهو يتكلم في حالة الأغنياء حيث يقول: إن صدقوا في المعاملات وسلموا من الرياء فقد قال عليه الصلاة والسلام: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين، وإن كذبوا وغشوا فيصدق عليهم حديث أن التجار هم الفجار". قالو يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس قد أحلَّ الله البيع. قال: "بلى، ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون". وذكر الجمع بين الحديثين بما فسراه من الأمر.
وفي الحرم وافيته عام 1362 هـ مساء بعد المغرب من اليوم الذي توفي فيه الشيخ عمر بن محمد بن سليم فأخبرني بوفاته وأنَّه تأثر لذلك وقال: إني بكيت كثيرًا لهذا النبأ وكان يزورني في بيتي ويوصيني بأولاده خيرًا
لانَّهم إذ ذاك يدرسون عليَّ وكان في صفته متواضعًا غير متزمت ولا متعاظم نحيفًا ولا يمل مجلسه.
وممن توفي فيها من الأعيان عبد الله الراشد الحميد وكانت وفاته على إثر سكتة قلبية من غير ما مرض في شهر ذي الحجة من هذه السنة فأحْدث ذلك رنة أسف في قلوب أحبابه وذويه وكان من أسرة الراشد الأثرياء وأخًا لإبراهيم وعبد العزيز وسليمان أبناء راشد المشهورين الذين تقدم نشاطهم في الزراعة والمشاريع. ويمتاز عبد الله بالكرم والسخاء ولقد رثاه بعض الشعراء النبطيين بمرثية باح فيها بما في مكنونه وأظهر أسفه الشديد لفقده ودعا له وأثنى عليه وعزى قرابته ونفسه بموته وكانت وفاته عن عمر يناهز السادسة والأربعين. نسأل الله تعالى أن يغفر له ويحسن عزاء المصاب. فمن أبيات القصيدة قول الشاعر وهو علي بن حمد الصفراني:
مرحوم يا من كل الأعيان تبكيك
…
وكل القصيم اهتز من شد فرقاك
مرحوم يا شيخ إلى حل طاريك
…
تبكى عيوني والحشا فيه تكاك
مرحوم يا من لا تعد حسانيك
…
وكل الخصال الطيبة ما تعداك
عبد الله الراشد عسى الله يجازيك
…
بالجنة الخضراء مقرك وسكناك
أنت الشهيد وربنا ما يخليك
…
عساك بالجنة مقرك ومثواك
في جنة الفردوس والحور تتليك
…
هذا جزاك وما عملته بدنياك
لو مت في قبرك فلا مات طاريك
…
يحيون ذكرك من مشوا مثل ممشاك
وفيها ارتفعت مهور النساء إلى حد عظيم وطالب أهل الأدب والعلم بوضع حد لهذا الأمر ونشرت المقالات في الصحف والمجلات والجرائد ونادى الخطباء على رؤوس المنابر بالتزام أوامر الشريعة. غير أنَّها لم تجد أذنًا صاغية وطال النقاش حول هذه المهمة التي لا تزال متطلبات المهور في ازدياد وبما أن تكاليف الزواج منذ خمسة وعشرين عامًا لا تتجاوز مائة وخمسين ريالًا فقد بلغت في هذه السنة اثني عشر ألفًا من الريالات ولا تزال
في ارتفاع. وقام العلماء يفكرون في درس هذا الموضوع مما اضطر صاحب السماحة المفتي الأكبر الشيخ محمد بن إبراهيم إلى وضع نشرة عظيمة أصدرها في النهي عن ذلك وغلظ وذكر أنَّه ينبغي جعل رقابة على من تجاوز الحد وأنَّ لولي الأمر أن يضع حدًّا وسيأتي ذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى. وإنَّه لمما يؤسف ويندي له الجبين أن تكون المسألة تتطور إلى هذا الوضع وتقف الأمة هذا الموقف أمام تلك المشاكل التي {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} . أما قال الرسول المشرع صلى الله عليه وسلم: "لو أن رجلًا أعطى امرأة صداقًا ملء يديه طعامًا كانت له حلالًا". أما قال لمن قال له: تزوجت امرأة على أربع أواق مُنكِرًا عليه تزوجه بهذا المهر "كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ما عندنا ما نعطيك". ولمَّا جاءت المرأة الواهبة إلى صفوة الخلق تهب نفسها له رغبة في صهره الشريف وكان إذ ذاك لم يكن له بها حاجة فقام رجل من الصحابة وطلب من الرسول أن يزوجه إياها. قال له الهادي صلوات الله وسلامه عليه: "هل عندك من شيء تصدقها". فقال: ما عندي إلَّا إزاري هذا فقال: "إزارك إن أعطيتها إيَّاه جلست ولا إزار لك فالتمس شيئًا". فقال: "فالتمس ولو خاتمًا من حديد". فالتمس فلم يجد شيئًا. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "زوجتكها بما معك من القرآن". وفي رواية "هل معك من القرآن شيء". قال: نعم سورة كذا أو سورة كذا لسور سماها. فقال: "قم فعلمها عشرين آية". وإنَّ بسبب غلاء المهور يكثر الفساد وتفسد الأخلاق وتذهب المروءات ويقل الحياء والشيمة من جانب الرجال والنساء وعلى من سن هذه البدعة ما يستحقه. ومن العجائب تجميد هذه المعضلة فلا الأولياء يزوجون ولا الأمة من ذلك يضجون ولا يوجد حل لهذه الأزمة. كيف وقد قال الهادي عليه الصلاة والسلام: "إذا أتاكم من ترضونه دينه وخلقه فزوجوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير". وأملنا عظيم بأهل العقد والحل أن يلفتوا النظر إلى
ذلك. ولكن الذي يفت العزم ما أخرجه عبد الرزاق أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لا تغالوا في مهور النساء فقالت امرأة: ليس ذلك لك يا عمر إنَّ الله يقول: {وَآتَيتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا مِنْ ذَهَب} . وكانت هذه قراءة ابن مسعود. فقال عمر: امرأة خاصمت عمر فخصمته. وفي رواية أنَّه قال: امرأة أصابت ورجل أخطأ. فهذا هو الذي حمل الجهات المسؤولة وأهل الحل والعقد من عدم الإِلزام بذلك.
وفيها في رمضان ابتدى بإطلاق مدفعين للإِفطار والإِمساك في عاصمة القصيم وقامت المدن الأخرى إذا لم يكن هناك مدافع فإنَّهم يجعلون ألغامًا في الجبال تطلق وقت الحاجة للإِعلام بالإِمساك والإِفطار.
وفيها قام الأدباء من أهالي القصيم يطالبون الحكومة بجعل بلديات في مدنهم وقسم مرور وغير ذلك مما تطلبه البلاد ويساوون بقية مدن المملكة، ذلك لما دبَّ في نفوسهم من معرفة المصالح العائدة عليهم في بلدانهم ومعيشتهم، وأن اليوم ليس كالأمس. ونشرت جريدة القصيم في العدد 24 ما يأتي- إنَّ مدينة بريدة تلك المدينة التي تعد من أكبر مدن القصيم والتي تزخر بالسكان الذين يقدرون بمائة وعشرين ألف نسمة (1) وذلك كما جاء بإجابة سمو أمير القصيم سعود بن هذلول على سؤال سكرتير هذه الصحيفة الفتية والمنشور بالعدد الثالث من هذه الجريدة، ومع ذلك فإنَّه لا يوجد فيها بلدية تقوم برعاية شؤونها ومراقبة الجزارين وبائعي الفواكه إلى آخر المقال. كما أن من المثقفين من يطالب بإيجاد مدارس للبنات فيها. ولا ريب في أن الحكومة قد فتحت أبوابها لكل من يقترح اقتراحًا وجيهًا لا سيما إذا كان يعود على مصلحة البلاد فإنَّ الحكومة تؤيد ذلك غير أنَّه يوجد في البلاد من لا يحبذ هذه الفكرة وسنعود عن قريب.
(1) هذا في حال وضع التاريخ وإلَّا فقد تضاعفت الكمية بحيث تزيد الآن عن مائتي ألف.
وفيها في يوم الجمعة الموافق 26/ 5 وفاة الشيخ محمد الذبيب قاضي بلدة رحيمة ومدير المدرسة الأولى بالزلفي سابقًا وذلك على إثر سكتة قلبية أصابته. وكان لموته رنة حزن وأسى في القلوب لما ذكر عنه من الأخلاق الفاضلة والصفات النبيلة رحمه الله وعفا عنه.
هذا ولا يزال مستشفى بريدة فاتحًا أبوابه لكل المراجعين والمرضى وكان يوجد فيه ثلاث حكيمات وخمس ممرضات وتسعة ممرضين منهم ثلاث سعوديون ومساعد فني للأشعة ومساعد فني للمختبر كما يوجد فيه ثمانية عشر موظفًا إداريًّا وستة وخمسون خادمًا منهم خمس خادمات اختصاصهم لقسم النساء وأناس مناوبون وكانت معداته من أحدث ما يوجد في العالم كما يوجد هناك بعض الأجهزة والمعدات الأخرى احتياطية في المستودع ويعمل فيه ستة أطباء اختصاصهم كما سيأتي: طبيب جراح للرجال وطبيبة جراحة للنساء وطبيب أطفال وطبيب باطني وطبيب عام وطبيب أسنان بالإِضافة إلى صيدلي قانوني يعاونه اثنان من مساعدي الصيادلة وطبيب ألماني أخصائي بأمراض العيون من بينهم الطبيبة الدكتورة الألمانية جي توياولترز. وقد قرر الأطباء أن جو بريدة وطقسها جيد جدًّا حيث هو معتدل صيفًا وشتاءً وهواؤها عليل حتى في أيام شدة الحر وخصوصًا بالليل وحالتها الصحية بوجه عام جيدة. أمَّا مساحة المستشفى من الشمال إلى الجنوب فتبلغ خمسمائة متر ومن الغرب إلى الشرق قريبًا من ذلك هذا وإنَّ الأمة لتعلق آمالها بالله ثم بحكومتهم في استجلاب الأطباء الماهرين المخلصين الذين يسهرون لمصلحة الأمة وإيجاد ممرضين نزيهة أكفهم وأخلاقهم. وما ذاك على الله بعزيز. ومما يندى له الجبين ويجرح العواطف أن يؤتى بالمريض المدنف إلى بعض المستشفيات فلا يجد مباشرة ولا رأفة ولا رحمة ولا عطفًا. فلا حول ولا قوة إلَّا بالله العلي العظيم.
ثم دخلت سنة 1380 هـ استهلت هذه السنة والرئيس في أمريكا كندي
ويوصف بالقوة والشهامة والسياسة المتفوقة كما أن رئيس الجمهورية السوفييتية هو خروتشوف وكان عظيمًا في تلك الجهات وصاعقة في إذاعاته وخطبه. وقد زار أمريكا ويعتبر هذا الاجتماع الأول بين الرئيسين كما أن الرئيس في السودان هو إبراهيم عبود. أمَّا رئيس الجمهورية العراقية فهو عبد الكريم قاسم، ورئيس الجمهورية المصرية جمال عبد الناصر. أمَّا عن الهند فكان الرئيس في الوزراء جواهر لال نهرو. ويقدرون شخصيته هناك لما فيه من المؤهلات. وكان على المملكة اليمانية الإِمام أحمد بن يحيى حميد الدين، وعلى أفغانستان الملك محمد ظاهر شاه، وفي الباكستان رئيسًا على جمهوريتها الرئيس محمد أيوب خان، وعلى حكم الكويت الأمير عبد الله السالم بن صباح. هذا ولا تزال الحرب بين أهل الجزائر وفرنسا. وقد صمدت الجزائر وثبتت لتحقيق استقلالها ونضالها لا يزال مستمرًا رغم ما تصليها فرنسا من التقتيل والأعمال الوحشية وكانت المعركة دامية مستمرة. وقد عينت العرب أسبوعًا للتبرع كل سنة للجزائر المظلومة واستمرت الدفعات للجزائر تقوية لها ومساندة من العرب.
وفيها في اليوم التاسع من ربيع الثاني توفي (فلبي) رحمة الله على أموات المسلمين وهذه ترجمته: هو هادي سانت جون فلبي ولد في جزيرة سيلان في 3 من شهر أبريل 1885 م الموافق لسنة 1300 هـ، وكان أبوه إذ ذاك يعمل مزارعًا للشاي وعندما كبر قليلًا أدخله والده كلية دستمنستر بلندن وكلية ترينتي التابعة لجامعة أوكسفورد. وفي أوكسفورد تخصص في دراسة اللغات وفي عام 1907 م تخرج بشهادة بكالوريوس علوم. وفي نفس العام اجتاز اختبار الجامعة المدنية ثم سافر إلى الهند وتقلب فيها بعدة وظائف حتى وصل إلى منصب مساعد تفتيش مركز ثم إلى سكرتارية مقاطعة البنجاب. وبعد ذلك بعام عين عضوًا بسكرتارية لجنة الامتحانات بكلكتا في الهند ثم نقلته حكومة بلاده إلى العراق حيث عين ضابطًا سياسيًّا في القوات
البريطانية في الشرق الأوسط. وكان مركز علمه البصرة وهناك وصلت بداءة صلته بالعالم العربي وتنقل في عدة مناصب منها منصب مساعد خاص لكبير الضباط السياسيين السير برسي كوكس. ولمَّا أن كان في عام 1917 ميلادي وقد أتى إلى المملكة العربية السعودية لأول مرة ضمن وفد بريطاني مرسل إلى الرياض وقابل جلالة الملك عبد العزيز. وأعجب بشخصية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن وبطولته وشجاعته ومن هناك سافر المستشرق فلبي إلى جدة ومكث فيها بعض الوقت. وفي أثناء بقائه هناك اختلف مع حكومته في السياسة التي كانت تريد اتباعها في الشرق الأوسط فترك جدة وعاد إلى الرياض عن طريق مصر وفلسطين. وبعد ذلك رجع إلى العراق ليقدم تقريرًا عن مهمته التي أوفد من أجلها، ولنتيجة خلافه مع حكومته في سياستها في الشرق الأوسط استقال من وظيفته وعاد إلى إنجلترا بعد أن قضى أحد عشر عامًا بعيدًا عنها. وهناك انتدبته الحكومة البريطانية ليرافق الوفد الدبلوماسي السعودي برئاسة صاحب السمو الملكي إذ ذاك الأمير فيصل إلى إنجلترا وألقى أثناء إقامته بإنجلترا عدة محاضرات بالجمعية الجغرافية وعمل على إنجاز خرائط كان قد أعدها أثناء تنقلاته في المملكة. وفي عام 1920 م رجع إلى الشرق الأوسط واشترك في مؤتمر العقير الذي عقد بين الملك عبد العزيز والسير برسي كوكسن. وفي السنة التالية عمل مستشارًا لوزارة الداخلية في حكومة العراق الانتقالية كما عمل أربع سنوات في منصب كبير ممثلي بريطانيا في شرق الأردن وتقدم إلى جدة أثناء حصارها مع السيد طالب كوسيط للصلح بين الملك عبد العزيز وبين الشريف علي. ولم تنجح الوساطة كما قدمنا. وقد قيل إنَّه مستشار غير رسمي للملك عبد العزيز. والصحيح أنَّه لم يكن كذلك بل كان صديقًا للملك عبد العزيز. وقد استقال من منصبه لخلافاته المستمرة مع حكومته حول سياستها في الشرق الأوسط ثم عاد مرة أخرى إلى إنجلترا وبعد أن
قضى عامًا هناك عاد إلى جدة كمواطن إنجليزي وذلك عام 1926 م وعاد بصفته مواطنًا عاديًا يعمل في التجارة وقام بشركات وجعل يؤلف تاريخًا لإِلمامه بالممكة العربية السعودية. ولمَّا أن كان في عام 1930 م أسلم وسمَّى نفسه عبد الله وقام في ظرف عشر سنوات بعدة رحلات استكشافية في المملكة العربية السعودية منها عبوره الربع الخالي. وقد ألف المستشرق عبد الله عن المملكة العربية السعودية حوالي اثني عشر مجلدًا منها قلب الجزيرة، ومنها: جزيرة العرب في عهد الوهابيين، وجزيرة العرب والربع الخالي وبنات سبا وحاج في الجزيرة العربية وأيام العرب. وفيه سرد قصة حياته وتجاربه منذ طفولته وأعماله وتجولاته واكتشافاته في صحراء الجزيرة وأخيرًا تخليه عن العمل مع الحكومة البريطانية. ومن مؤلفاته: مرتفعات الجزيرة العربية ومنها يوبيل الجزيرة العربية ومنها المملكة العربية السعودية ومنها أرض مدين ومنها أرض الأنبياء ومدائن صالح. ولا ريب أنَّه سياسي ماهر ومن أعيان القرن الرابع عشر. فالله المستعان.
وفيها شرع المهندسون في تركيب مكائن شركة الكهرباء لبريدة وضواحيها ولا يزال العمل مستمرًا لإِنهاء المشروع. وكان هذا العمل جبارًا بالنسبة إلى تأخر مقاطعة القصيم عن سائر المملكة. وأمَّا بالنسبة إلى التطوُّر الحديث فلم تتقدم المملكة إلَّا في تلك الآونة كانت قبل ذلك أي منذ خمس عشرة سنة من هذه السنة، تضاء شوارع مكة المكرمة بالفوانيس. ولم تدخل الدورات المائية في كثير من بيوتها. كما أن بئر زمزم يستخرج ماؤها بالدلاء. وكانت مكائن الكهرباء في بريدة لما وضعت متقنة التصميم جدًّا. وكانت الشبكة الكهربائية يركبها مهندس ألماني. هذا وقد كانت الأمة بحاجة إلى الكهرباء لتطور الحياة وكانوا قبل ذلك بقليل يستخدمون مواتير صغيرة. كما قامت شركة الغاز بإيجاده في المملكة العربية السعودية لتوفير الراحة للأهالي. فكان لذلك أحسن وقع. وبما أن العمال والمهندسين شرعوا في
مد الشبكة الكهربائية في مدينة بريدة ورفعت الخزانات الكهربائية على خط 220 وخطت المدينة خطوات متقدمة. فقد شرع العمال الآخرون أيضًا في مد شبكة خطوط التليفونات السلكية لربط جهات ما يلي بريدة إليها كعنيزة والرس والبكيرية والخبراء ورياض الخبراء والبدائع وغيرها. وبهذا يسهل الاتصال بين أجزاء تلك المنطقة. وبما أن الأمة قامت بتركيب أسطوانات الغاز وأجهزته المختلفة وبدأت الشركة بالتوزيع فإنَّ حوادث الانفجارات قليلة ولله الحمد.
وفيها تفضلت الحكومة بتجهيز أناس من الجنود لقتل الثعالب المسعورة وجعلت الحكومة مثوبة لمن قتل ثعلبًا وإن من جاء إلى أمير بلدة من البلدان أو أمير قرية برأس ثعلب فله مكافأة. ولقد ضحت الأمة من أذى الثعالب وأصبحت تهدد حياة الإِنسان وقد ظهرت نتائجه عندما بدأت بالهجوم على الفلاحين ومن استهدف لها وقد كان أحد المواطنين نائمًا بإحدى المزارع في قرية البدائع بقرب مسكنه وإذا به يفاجأ وهو نائم بالثعلب يعضه فأدخل المستشفى وأصيب آخرون في مدينة الرس ماتوا نتيجة ذلك.
وفيها وفاة الشيخ ابن تركي، وهذه ترجمته: هو الشيخ العالم الزاهد محمد بن علي محمد بن منصور بن عبد الله بن تركي بن حميدان من قبيلة بني خالد. ولد المترجم عام 1299 م في مدينة عنيزة بلده وبلد عشيرته وأخذ في أول نشأته في الدراسة واشتغل في التجارة مع أخيه إبراهيم وذلك لأنَّه لم يكن لأهل نجد إذ ذاك ما يساعد على الدراسة من تأمين للمعيشة فكان ذلك حافزًا له على طلب الرزق لأنَّه انشغل بها في سن مبكرة قبل بلوغه. ولمَّا تمَّ له من العمر ما يقارب الأربعين قام برحلات إلى الشرق فزار الهند وما يضمه من المدن ومرَّ في سفره هذا عائدًا على الخليج وذلك لأنَّه مولع في الأسفار والتعرف في الأمصار وذهب إلى فلسطين ومصر وألقى دروسًا هناك، فأعجب به من رآه كما ذهب إلى سوريا ولبنان وما
حواليها من القرى والبلدان وقام بتجولات كثيرة في الإحساء والقطيف وما إلى ذلك من مدن الخليج. وقد أخذ العلم عن علماء مكة وأخذ عن علماء عنيزة. وكان له بحث ومناقشة في العلوم مع الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي ومع الشيخ صالح بن عثمان القاضي في عنيزة وغيرهما ويقدرونه لما يرون من حرصه واجتهاده وكان يحب كثرة المناقشة والجدل وله إلمام في الفقه والتفسير في الحديث وسائر العلوم العربية وله استشهادات بأبيات الشعراء والأدباء المتقدمين. ونال قضاء المدينة المنورة ووظيفة مساعد قاض في مكة المكرمة. وبما أنَّه كان صريحًا في القول ولا تأخذه لومة لائم ولا يداري فإنَّه لم يساعده الزمان بل تخلى عن الوظائف. وقد طلب للتدريس في معهد الرياض العلمي وكان إذ ذاك يدرس في مدرسة العلوم الشرعية. فاعتذر لأنَّه أبدى أن بقاءه في المدينة المنورة مدرسًا في المدرسة المذكورة أكبر نفعًا وأجدى مصلحة وكان يحرص على إطابة مطعمه وطلب أن يكون زرقه من المالية من مصلحة البريد ويصل إليه مساعدات من أجواد الأمة داخل المملكة وخارجها ويفرق كثيرًا منها على الفقراء والمحتاجين. وقد رأيت له ترجمة بقلم الشيخ فيصل بن محمد بن مبارك لما توفي فقال: مات العالم الزاهد طيب الله ثراك أيها المتوفَّى الحبيب وأسكنك فسيح جناته. حقًّا لقد مات الشيخ محمد العلي التركي وواروه في التراب. إنَّها سُنة الله في خلقه، {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} . حقًّا لقد مات الشيخ بعد عمر مديد وسعيد قضاه في خدمة العلم وأهله. نعم مات بعد عمر مديد سعيد لم تلطخه المشاحنات على هذه الدنيا الفانية ولم ينخدع ببريق المناصب الرفيعة والرواتب الضخمة والمراكب الفارهة والقصور الأنيقة والعقار الفني بالدخل الثري. كل هذه وأكثر منها أتت إليه منقادة، فركلها برجله الطاهرة، مفضلًا عيش القناعة، متلذذًا بما ملأ الله به جوفه من جواهر العلوم النافعة متخذًا الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر
بطريقته المعهودة والمحببة إلى النفوس حتى نفوس مرتكبي الخطيئة، كان يرسلها إشارات عامة في دروسه العامة فكم معروف قام، وكم منكر زال بتلك الإِشارات الحكيمة. رحمه الله رحمة الأبرار. حقًّا لقد مات الشيخ العالم العامل الورع الزاهد ذو اليد البيضاء التي ترفعت عن أكل الحرام أو المشتبه كما ترفع قلبه الكبير ونفسه الزكية عن الحقد والحسد وصغرت في عينيه الدنيا بما فيها. حقًّا لقد مات العالم القدوة في الأعمال قبل الأقوال. حقًّا لقد مات الشيخ محمد العلي التركي الذي يفخر الطالب بالانتساب إليه ولو لم يجلس معه إلَّا مجلسًا واحدًا. مات الشيخ الذي يرى فيه طلابه أبًا ودودًا ويراهم أبناء بررة. نعم غيب الشيخ محمد العلي رحمه الله في الثرى وغيبت معه كنوز العلم. وإنَّ موته خسارة لا تقدر كما قيل:
إذا ما مات ذو علم وتقوى
…
فقد ثلمت من الإِسلام ثلمه
مات الشيخ الذي لا يجابي ولا يخدع. كان رحمه الله صريحًا في أمره صريحًا في نهيه صريحًا في نصحه شجاعًا في ذلك كله. نعم إنَّك لتعجب إذا رأيته أمامك في أطمار وعباءة عمرها عشرون سنة ودريهمات حمر في جيبه يقتات بها قوت الزاهدين. نعم تعجب عندما ترى ذلك الجسد النحيل الذي لا يزن أكثر من ستين رطلًا في تلك الأطمار البالية كيف يضم بين جنبيه ذلك البحر العباب من العلم وذلك القلب الكبير والصدر الرحب الذي لا يضيق بالسائلين وما أكثرهم، فلا يخرج من بيته معتمدًا المسجد ولا غيره إلَّا ترى هذا عن يمينه وهذا من شماله يتناوبه السائلون في شتى الأسئلة حتى مشاكل دنياهم فيصدرون عن معين لا ينضب وهكذا حاله في المسجد ما أن يلتفت من صلاته إلَّا هذا قائم من عنده وهذا جالس لديه فلست تراه إلَّا مصليًا أو تاليًا كتاب الله أو ذاكرًا حزبه أو مجيبًا على سؤال. وهذه ثروته ولم يخلف رحمه الله دينارًا ولا درهمًا ولا عقارًا ولا شيئًا يقتنى، وإنَّما خلف الذكر الحسن الذي ستتناقله الأجيال ويبقى ما بقي ذكر أهل الخير.
وصفت جنازته في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام بأنَّها أضخم جنازة عرفت في العصور الأخيرة. اللَّهُمَّ وفقنا تكثر من المصلين علينا والحاملين لنا إذا متنا واحرسنا من فتنة الدنيا وغرورها. إنَّ هذا الذي خرجت المدينة بأسرها مع جنازته لم يكن ثريًّا ولا أميرًا ولا وزيرًا ولا قاضيًا ولا موظفًا مرموقًا بل كان رجلًا فقيرًا معدمًا وصالحًا إذا ذكر الصالحون أو العباد والزهاد والأدباء والعلماء الصرحاء:
فلو كان الفداء يرد ميتًا
…
فديتك بالطريف وبالتلاد
ولو كان البكاء يفيد شيئًا
…
بكاك الأكثرون من العباد
ولكن البكاء يزيد نحوًا
…
يسر الشامقين من الأعادي
هكذا وجدت بقلم واضع هذه الترجمة فيصل المبارك وإني لأثني على من قامت به هذه الصفات التي هي الزهد والورع والتقشف وخفض الجناح والإِحسان إلى من قصده للسؤال والاسترشاد ولم يكن مشاحنًا ولا حقودًا. فالله المستعان. وقد رأيته مرة في سباخ بريدة النخيل المسمى فيحان لأنَّه كان يزور القصيم في كل سنة إذا ما أينعت الثمار في الصيف ويوضع له بالليل فوق تلك الرمال العذبة مجلس حافل ويخرج إليه بالليل والنهار أناس يفرحون به ويحبون الاجتماع به فيكون موطوء العقب لأنَّه لا يقل عدد الذين يمشون خلفه إذا زار تلك المنطقة عن مائة وخمسين رجلًا فكان نحيف الجسم قصير القامة محدودبًا أصفر الوجه، وذلك في عام 1356 هـ. والصحيح أنَّه أقل مما رفعه إليه في الدرجة بعض أحبابه وأفْرطوا في مديحه وغلوا فيه وأرفع درجة عما تنقصه بعض المتفرضين لأنَّه كان والله يغفر له معاندًا ولا يبالي في مجالسة أحد من الخلق سواء كانوا صالحين أو طالحين، ولكل جواد عثرة. ومن جهة أخرى فقد كان يضرب في الأرض كثيرًا ويسافر إلى الأمصار ويجلس بها ويجتمع بعلماء غير محققين، وعليه مآخذ، كان يلبس العقال فوق رأسه لأنَّه لا يداري ولا يبالي بأحد ومدارات
النَّاس أمر مطلوب وأيضًا كان اتصاله بآل سليم ضعيفًا بل معدومًا مضافًا إلى ما تقدم من الأشياء الأخيرة التي ذكرناها.
وفيها ارتفع مستوى الماء في الأرض المنخفضة في مدينة بريدة وتقدم الأهالي بطلب الإِغاثة من الحكومة عن خطر يهددهم منذ زمن بين الحين والآخر بسبب تكاثر المياه التي غمرت الكثير من المنخفضات. فأمر جلالة الملك بإرسال لجنة تتكون من وزير الصحة ووزير الزراعة يرافقهما خبراء فنيون وذلك لوضع حد لتسرب المياه التي أخذت كل عام تزداد وتهدد المدينة وليس هذا بالأمر الهين إذا كان بيوت المدينة من الطين والتّبن فإنَّه إذا ارتفع منسوب الماء إلى سطح الأرض فسيأتي على البيوت من قواعدها. وبعدما قدم أولئك أعضاء الوفد أخذوا يدرسون الوضع ولكنه لم ينته بصورة قطعية وسيأتي بقية ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
وفيها في اليوم الخامس من شهر ربيع الثاني هبطت طائرة خاصة تقل هيئة نظر منتدبة من قبل مصلحة الطيران للبحث عن موضع مناسب لأن يكون مطارًا للقصيم بالجملة وقررت الهيئة بعد التفكير وقضاء مهمتها أن يكون في المليداء وعادت لعرض المهمة على الجهات المختصة.
وفيها غارت المياه بمنطقة سدير ونضب أكثر الآبار فأصبح السكان يكابدون مصاعب الحياة ومتاعب جمة ويعيشون ظروفًا قاسية جدًّا مما أدى إلى عطش الزروع وموت الخضروات وهلاك النخيل والأشجار. والله على كل شيء قدير. ووصلت الحالة بهم إلى أن عدمت في تلك المنطقة بعض النخيل أو أكثرها وأصبح لها منظر مُؤلم ومُحزن.
وفيها في الساعة الثالثة عربي تزيد ثلاثين دقيقة من ليلة الأحد سادس ربيع الأول انقض كوكب فاستضاء له الجو حتى كان له أثر عظيم ولبث عشر دقائق ثم وقع على الأرض فسمع له وجنة عظيمة جدًّا لما وقع غير أننا لم
نصل إلى أي جهة وقع وكانت رؤية مخيفة لمَّا رمى به من الجهة الشرقية فطاف إلى الغربية.
وفيها أمر جلالة الملك سعود بطبع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية لجعلها في مجموعة لتسهل مراجعتها وندب لذلك فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم فقام الشيح بأعباء هذه المهمة وساعده ابنه محمد بن عبد الرحمن. ولمَّا أن منَّ الله بإحياء هذا التراث كان من المتبادر إلى تأليفها وجمع شواردها لتكون مرتبة على ترتيب الفقهاء. إنَّ فتاوي شيخ الإِسلام يوجد منها أجزاء طبعها مقبل الذكير من ضمن مطبوعاته بمطبعة كردستان العلمية. كما أنَّه طبع منها أجزاء العالم محمد رشيد رضا ولقد سار الشيخ ابن قاسم إلى بيروت ودمشق والعراق ومصر وباريس وغيرها يتطلب من سائر مكاتب العالم فرتبها وطبعت بمطابع الرياض وقد تكلفت الطباعة فيها لعدد خمسة آلاف نسخة كل نسخة أربعة وثلاثون مجلدًا والخامس والثلاثون، وبعده مجلدان للفهارس طبعت بمطبعة الحكومة فبلغ مجموعها سبعة وثلاثين مجلدًا بلغت قيمة طبع الأربعة والثلاثين مليون ريال. وساهم جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز بطباعة الثلاثة الأخيرة. "والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا". فظهرت المجموعة كأحسن ما يكون في الحرف والورق وتقدم قبلها طباعة كتاب الإنصاف الذي بلغ اثني عشر مجلدًا ووزعت على طلاب العلم، وإنَّها لحسنات خالدة لمن قام بها وبذل النفقات في طباعتها. ولا ننسى ما نشره آل ثاني حكام قطر جزاهم الله خيرًا فقد جادوا بطباعة مجموعة التوحيد ومجموعة الحديث وغاية المنتهى وشرحها وكتاب المقنع والكافي لابن قدامة وتاريخ العصامي والفروع لابن مفلح ومشكاة المصابيح وتفسير ابن الجوزي وطباعة كتب أخرى كثيرة جليلة. وهذا بتوجيه من الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع. فيا أيها المحسنون ليهنكم ما بذلتموه في سبل الخيرات وأبشروا بالخلف من الله وحسن ثوابه،
وإنَّا لنرجو من أهل الثروة والجدة إنشاء الملاجئ وفتح أبواب التبرعات في سبيل الخير من عمارات المساجد وإعانة تدريس القرآن وتشجيع لطبع الكتب الشرعية والإِحسان إلى العجزة البائسين والضعفاء المستحقين: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ} وجاهدوا يا ذوي الأموال في سبيل الله ببناء المدارس والمساجد والمستشفيات وكفالة الأيتام وتشغيل العاطلين. وعلى ذوي الأموال أن ينفقوا في سبيل الله ولا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة التي سببها الجبن والبخل وأن يساهموا في المشاريع الخيرية والأعمال الجليلة ويواسوا الفقراء والضعفاء ويقضوا حوائج النَّاس ويعينوا الملهوف وينصروا المظلوم ويحسنوا. إنَّ الله يحب المحسنين. فكم من عجوز وشيخ كبير وطفل صغير ومقعد وضرير ومريض لا يفارق فراشه تظنه بمظهره ومنظره من الأغنياء المياسير ويده فارغة وبطنه جائع وليس في محصوله غير ما يجمع من كراء البيت الذي لو تأخر عن دفعه لكانت الفرصة السانحة لإِخراجه من بيته وحمله لفراشه وأثاثه على ظهره. وهؤلاء هم الذين تكون عليهم الصدقة وتمد إليهم يد المساعدة وإن الله ليدفع بالصدقة على مثل هؤلاء البلاء عن صاحبها. وقال صلى الله عليه وسلم: "باكروا بالصدقة فإنَّ البلاء لا يتخطاها وكم من فقير متعفف يحسبه الجاهل بحالته غنيًّا من التعفف". ويروي لنا التاريخ أن خالد بن عقبة باع داره بسبب دين كان عليه على عبد الله بن عامر وكانت دارًا في السوق بتسعين ألفًا وأمر أهله بالرحيل فلما كان الليل وجعل أهل خالد ينقلون متاعهم ويبكون قال لأهله: ما لهؤلاء قالوا: يبكون على دارهم. فقال يا غلام: ءاتهم فاعلمهم أن الدار والمال لهم جميعًا. وكان لعبد الله بن المبارك جار يهودي فأراد أن يبيع داره فقيل له بكم تبيع قال: بألفين. فقيل له: إنَّها لا تساوي إلَّا ألفًا. قال: صدقتم، ولكن ألف للدار وألف لجوار عبد الله.
فأخبر ابن المبارك فدعاه وسأله. قال: علي دين فأعطاه ثمن الدار وقال:
لا تبعها. فرحمة الله على ابن عامر وعلى ابن المبارك، وما أحسن ما قالته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها يا ويح لبيد حيث يقول:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
…
وبقيت في خلف كجلد الأجرب
قالت: فكيف لو أدرك زماننا هذا.
وممن توفي فيها من الأعيان ملك المغرب محمد الخامس، وكانت وفاته ليلة الخميس 12 رمضان على إثر عملية أجريت له. وكان موصوفًا بالمواقف الصلبة في وجه الاستعمار والمستعمرين بحيث تحمل بسببها الطرد والتشريد عن وطن ومواطنيه. فلا حول ولا قوة إلَّا بالله ورحمة الله على أموات المسلمين. وكان قد عاد إلى العرش بعد ما سطر له التاريخ صحيفة من الفخر والشهامة. وإنَّها لمصيبة عظمى أن تفقد البلدان رجالها ورؤساءها المخلصين.
وفيها أعلنت الحكومة السعودية القرار رقم 389 بتاريخ 15/ 8 بمنع أعمال الحفر لأبيار إرتوازية حتى تنظر في شأن المياه لما أصبحت المياه لغزارتها تهدد بالأخطار المحيطة في مدينة بريدة ورحبت من جميع الأهالي وأرباب الحفارات التعاون مع مجلس الوزارة حول هذا الطلب.
وفيها تولى عرش إمارة قطر الحاكم أحمد بن علي بن عبد الله بن ثاني. فتنازل له والده عن العرش ليأخذ راحته فباشر الحاكم الجديد عمله.
وفيها في سادس عشر من شوال قام صاحب الجلالة الملك سعود بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية بزيارة للكويت بدعوة من أميرها عبد الله السالم بن صباح فكانت هذه الزيارة رمزًا للصداقة ودليلًا على حسن الصلات إذ كان مسقط رأس الملك سعود وفرصة سانحة لتقوية روابط الإِخاء والود بين البلدين وأنَّه لا يوجد بينهما فوارق وأظهرت الحكومة والشعب فرحتهم وغبطتهم بهذا الاجتماع. نسأل الله تعالى أن يوفق العرب