الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استعصى به المرض فقد يجد لديه من لطف الله فرجًا ويعطف على الأيتام والأرامل فكان يربي الأرامل في قصره ويتفقدهم. قال راوي الحديث: وقد شاهدت الأيتام متحلقين على الطَّعام وهو من بينهم يأكل معهم، ورأيته يخيط ثياب من يرى منهم متمزق الثياب، وكان يقوم من آخر الليل يسخن الماء في الأواني في الشتاء لِخَدَمِهِ ورجاله إذا قاموا لصلاة الفجر، ويهيئ لهم القهوة بنفسه مباشرة وتواضعًا. وبكل حال فإنَّ هذه صفات غريبة عجيبة فليسطر التاريخ ما شاء من المفاخر والمكارم.
صفاتة الخلقية
كان تقيًّا ذكيًّا نزيهًا كريمًا قويًّا شجاعًا سلس الحديث، راوية لجميع الوقعات التي شاهدها وخاض غمارها، ويحفظ ما قيل من الشعر في هذه الوقعات، ولا يمل حديثه، فقد تأتي رجال البادية وشيوخها إلى مجالسه يتلقون الأخبار عنه وقد يأخذ في رواية بعض الحوادث من الصباح حتَّى يقوم رجاله لأداء صلاة الظهر، وكل إنسان من الجالسين لا يفارق مجلسه حتَّى يفرغ من الحديث. وأتى برجل قد انتفخ بطنه مبشومًا يحمله أهله إليه فذهب وجاء بقطعة حلتيت فأذابها وسقاه إياها، وقال: إذا تحركت أمعاؤه فأخبروني. فلم يفده ذلك من شيء فدعى بقطعة أخرى من الحلتيت وأذابها وسقاه إياها ثم أمر أن يذهب به للبراز فما كان إلَّا أن خرج منه جميع الفضلات وعادت إليه صحته. وأتى برجل أصيب بعرق النساء وعجز الأطباء عن علاجه وكان محمولًا بنعش فأخذ حزامًا في بطن أحد الأعراب الذين في معيته وكان مجموعة من السيور مضفورًا طويلًا فأقام الرجل إلى عمود وشد على فخذه من أصلها إلى العرقوب ثم فصد ما تحت الكعب فخرج منه دم أسود وشفى من مرضه وكان ذلك المريض قد فصل من العمل لما أقعده مرضه فقام كأنَّما نشط من عقال فطلب منه الأمير سويلم أن يستقر عنده فأبى وقال: والله لا أبرح حتَّى آتي الذين قضوا بعدم صلاحيتي للعمل حتَّى يروا
عجزهم في الطب وكمال قدرة الله. وكان قاضي الخاصرة يقول عن الأمير: الحمد للهِ الذي وفقني لأمير تقي طبيب ومحسن وقاضٍ ومصلح وكريم. وكان قد جعل أكياس الأرز والسكر والهيل وصناديق الدهن وصناديق الشاي في الدهليز أمام رجاله وخدمه يتناولون ويأكلون ويشربون من غير مراقبة ومن جاء ضيفًا أو زائرًا فإته يتناول الطَّعام والشراب ويجد ترحيبًا وانبساطًا. فكان الأمير لا يمسك شيئًا مما أتاه الله. ولمَّا أن لبث في إمارة الخاصرة تلك المدة نقل إلى أكبر منها وهي إمارة عفيف حيث لبث فيه مدة أربع سنين وتوفي وهو على رأس العمل في هذه السنة. وكان إلى ذلك نزيهًا متعففًا نظيف الملابس كثير التطيب يشم منه دائمًا رائحة الطيب على البعد وله معاملة مع الله في صلاة الليل. وإنَّها لبادرة حسنة أن يكون من رجالنا وبني أوطاننا نحن العرب المسلمين من تشنف الأسماع بذكرهم ويسمر في أخبارهم.
وقد ذكرنا في هذه السنة ما حصل فيها من المؤامرات والثورات. ومما قال بعض الأدباء تبصرة وذكرى وتذكيرًا وتأسفًا، وهذا القائل يدعى حسن بن حامد المحضار وهي تغيض بالنعي للفضائل والديانة والأخلاق وكيف وصلت الأحوال إلى هذا الوضع:
درني لأمزج دمها بدمائي
…
فلعلَّ في ذرف الدموع شفائي
إنِّي تأمَّلْتُ الحياة فلم أجد
…
إلَّا عناء أخذًا بعناء
فسامتها حدثًا وعفت شؤونها
…
في حين يجدر عيشها بولائي
ماذا رَأَيتُ رَأَيتُ كل كريهة
…
شنعاء من حقد ومن بغضاء
ورأيتهم متنهمين لأكل لحـ
…
ـم النَّاس أمواتًا بدون حياء
ورأيتهم أرخو العنان شقاوة
…
لنفوسهم في الظلم والفحشاء
ورأيتهم طرحوا الفضائل والنُّهى
…
ورضوا بكل رذيلة وعناء
ورأيتهم نبذوا الكتاب وحكمة
…
سعيًا مع الشيطان والأهواء
وأشد ما أذى الفؤاد وغاظه
…
قوم بلوا بالضعف والخيلاء
ومع البلادة يحسبون بأنَّهم
…
إن حدثوا فبحكمة الحكماء
والله لم نرم الرام متممًا
…
ما لم نقم بالشرعة السمحاء
فهي الكفيل لنا بكل سعادة
…
ستكون في الأخرى أو الدنياء
وهو المحيط وكل نهر جاري
…
لم يجر إلَّا بفضل هذا الماء
فإذا قرأت الذكر أي سكينة
…
تلقى أو أي سعادة السعداء
ذكر يذكر بالجنان وأهلها
…
ونعيمها ورياضها الفيحاء
يا أيها الإخوان فاتعظوا وعوا
…
حتَّى متى في غفلة كالشاء
خلد الرجال وقد مضوا وعصورهم
…
عنكم ومتم موتة الأحياء
يا غربة الدين الحنيف وغربة
…
الساجيار والأبرار والفصحاء
أين البطولة والفحولة والحجى
…
في قيمة الأعمال والآراء
أين الديانة والأمانة والوفا
…
وصنائع الأجداد والآباء
أين الزهادة والعبادة والتقى
…
وفضائل الأمجاد والعلماء
أين الأطمة والأئمة والهدى
…
أم أن هذا الدهر للغوغاء
فلقد تطاولت الرعاع سفاهة
…
لتنال من أهل المقام الناء
يا ويلهم ظنوا بأنَّ نباحهم
…
سيغادر الدنيا إلى الجوراء
من يبلغ الأنذال أن هواءهم
…
عبث وإنَّ صنيعهم كهباء
أو أن تعرض للنصيحة فاضل
…
قامت على قيامة الجهلاء
قالوا مضى عهد الحرافة وانقضى
…
فتخل عن عقليه القدماء
وح القديم واطوين بمساطه
…
واعلم بال العصر عصر قضاء
أو ما ترى الصاروخ يأخذ شكله
…
رمز الدمار ولعنة الأمناء
هذا وعندك من غريب صنيعهم
…
كم من أمور حار فيها الرائي
يا أيها الفطن النجيب كفاية
…
بعض الذي قد كان من إملائي
وإليك من حكم الكلام نصائحًا
…
أودعن ضمن خريدة عصماء
لا يدهشنك صنعهم فمآلهم
…
شر المآل وخيبة الأرجاء