المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر أخلاقه الزاهرة وصفاته الباهرة - تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان وذكر حوادث الزمان - جـ ٥

[إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن]

فهرس الكتاب

- ‌ثم دخلت سنة 1373 ه

- ‌ذكر مرض عاهل الجزيرة وفقيد العروبة

- ‌مصاب أليم والبقاء لله وحده

- ‌بلاغ رقم (1):

- ‌الأمة الإِسلامية تنعي فقيدها الأعظم

- ‌بلاغ رقم (2):

- ‌الصلاة على صاحب الجلالة الملك الراحل

- ‌طاعته وعبادته

- ‌تجرده ونهضته

- ‌غزواته وجهاده

- ‌حلمه وعفوه

- ‌حزمه ومقدرته

- ‌شفقته على الرعية

- ‌ذكر عدلة وإنصافه

- ‌كرمه وجوده

- ‌أخلاقه وبراعته

- ‌سطوته وشجاعته

- ‌لباسه وسجيته

- ‌ذكر حالاته الزوجية

- ‌ذكرى أنجال الملك عبد العزيز

- ‌ذكر قواته وذخائره

- ‌مقدمة

- ‌بيعة أهل مكة

- ‌بيعة أهل القصيم

- ‌الوفود والتعازي

- ‌أمر ملكي كريم

- ‌مرسوم ملكي

- ‌مرسوم ملكي

- ‌وفاة عالم كبير

- ‌ذكر صبره واحتسابه

- ‌ذكر مشائخه وتلامذته

- ‌ذكر الوظائف التي نالها

- ‌مكانته في العلم

- ‌ذكر أخلاقه وشمائله

- ‌اشتراك مديرية المعارف السعودية في مؤتمر وزراء معارف الدول العربية

- ‌تأسيس المعهد العلمي ببريدة

- ‌المساواة في المراعي

- ‌عدوان اليهود وفسادهم

- ‌جمال عبد الناصر يعبر عن العرب

- ‌تبرعات الملك لتعمير قرية قبية المنكوبة

- ‌تتويج ملك العراق

- ‌وفود تفد على الملك

- ‌زيارة حاكم باكستان

- ‌افتتاح محطة الكهرباء في مكة المكرمة والمسجد الحرام

- ‌مجلة الرياض

- ‌مؤسسة النقد العربي السعودي

- ‌سياحة الملك وجولته

- ‌احتفال أهل القصيم

- ‌العناية بشؤون الدين

- ‌تحويل مديرية المعارف إلى وزارة

- ‌حوادث وأخبار

- ‌زيارة الملك للبحرين وباكستان

- ‌إعانة الملك للفقراء لأداء الحج

- ‌ذكر استعراض الجيش السعودي

- ‌ثم دخلت سنة 1374 ه

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌ذكر شيء من التعريف بجمال عبد الناصر وأخباره

- ‌جلاء الإنجليز عن مصر

- ‌جولة وكيل وزير المعارف الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن حسن آل الشيخ

- ‌سياحة الملك

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌حلف نوري السعيد

- ‌ذكر ما جرى في مشكلة البريمي

- ‌اعتداء أثيم

- ‌جواب الملك للشعب

- ‌ذكر استنكار العالم لسياسة بريطانيا

- ‌تحمس أهالي المنطقة الشرقية

- ‌ذكر المدارس والمعاهد ومراحل التعليم

- ‌فتح مدارس بالقصيم

- ‌حفل يقام بمدينة الرس من أعمال القصيم

- ‌ذكر الاحتفال لإِكمال عمارة مسجد المصطفى في المدينة المنورة صلوات الله وسلامه عليه

- ‌النهضة الثقافية في نجد

- ‌عمارة المسجد الحرام سنة 1375 ه

- ‌إسناد الرئاسة إلى جمال عبد الناصر

- ‌المهرجانات الكبرى بعيد الجلاء

- ‌إصلاح أخلاقي

- ‌جهاد الجزائر لفرنسا

- ‌مفاسد حلف نوري السعيد

- ‌الفيضان في الهند وباكستان

- ‌ثم دخلت سنة 1376 ه

- ‌ذكر قناة السويس وما نال مصر بشأنها

- ‌اجتماعات ومفاوضات

- ‌زيارة الشاب ملك العراق

- ‌زيارة البانديت جواهر لال نهرو

- ‌غدر اليهود وأمور تحاك في الباطن

- ‌ذكر ضرب مصر سنة 1956 ميلادي

- ‌قطع العلاقات السياسية مع بريطانيا وفرنسا

- ‌إمارة محمَّد بن بتال في القصيم

- ‌أمطار تجتاح القصيم وتهدم البيوت

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌ سليمان المشعلي

- ‌ذكر الوظائف التي نالها

- ‌أخلاقه وشمائله

- ‌وممن توفي فيها من الأعيان الشيخ عبد الرحمن بن سعدي عالم عنيزة وفقيهها

- ‌أخلاقه وتواضعه

- ‌مؤلفات الشَّيخ

- ‌دور الأيتام

- ‌ممن توفي فيها من الأعيان الشيخ فيصل بن مبارك

- ‌مشائخه وتلقيه للعلم

- ‌مكانته في العلم ومؤلفاته

- ‌التضحية بالأموال

- ‌عيون تنبع في القصيم

- ‌عمارة المسجد الجامع ببريدة

- ‌ذكر تنازل الشيخ ابن حميد عن قضاء بريدة

- ‌ذكر زيارة ملك العراق وما جرى بعدها

- ‌ذكر مصرع الملك فيصل بن غازي 1377 هـ وقتل ولي عهده ونوري السعيد وإعلان العراق جمهورية

- ‌ذكر أشياء عن المملكة العربية السعودية

- ‌ذكر الأفعال الوحشية التي تعامل بها الجزائر من فرنسا

- ‌القمر الصناعي

- ‌عمارة الكعبة عام 1377 ه

- ‌الوحدة بين مصر وسوريا

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌وفاة رئيس القضاة

- ‌ذكر أخلاقه الزاهرة وصفاته الباهرة

- ‌سد وادي حنيفة

- ‌نشاط الحركة الزراعية

- ‌بريدة جنة فيحاء ولكنها مجهولة

- ‌استدراك:

- ‌بيان عن حج الماضي والحاضر

- ‌شركة كهرباء بريدة وضواحيها

- ‌زيارة ملك الحبشة

- ‌ذكر زيارة الملك سعود للقصيم في هذه السنة

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌بيان عن الصهاينة ومشكلة الشرق الأوسط

- ‌الحرب بين الجزائر وفرنسا

- ‌ثم دخلت سنة 1381 ه

- ‌وقف الحرب في الجزائر

- ‌استقلال الجزائر

- ‌تأسيس الجامعة الإِسلامية في المدينة

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌إضاءة مدينة بريدة بالكهرباء

- ‌وفاة رجل من الرجال والرجال قليل

- ‌سفر الملك سعود لأوروبا

- ‌ثم دخلت سنة 1382 ه

- ‌حادثة

- ‌خسف حوالي بلدة المذنب

- ‌ثورة في سوريا

- ‌ثورة العراق

- ‌هزة في إيران

- ‌البقاء لله وكل شيء هالك إلَّا وجهه

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌وممن توفي فيها من الأعيان في مدينة بريدة

- ‌تنبيه

- ‌ثورة السلال في اليمن

- ‌من هو عبد الله السلال

- ‌صفة الإنقلاب

- ‌ذكر تطويق القصر

- ‌محمد البدر حيّ يرزق

- ‌جلالته يشكر مجلس الوزراء السابق

- ‌تعبيد جبل كراء

- ‌تعبيد طريق الرياض

- ‌قدوم الملك سعود

- ‌وفاة أمير عفيف

- ‌صفاتة الخلقية

- ‌ثم دخلت سنة 1383 ه

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌حادثة من الحوادث

- ‌تكذيب خبر

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌خدمات الفقيد

- ‌زيارة الملك لمصر لحضور مؤتمر القمة العربي

- ‌إسناد الأمر إلى ولي العهد

- ‌ثم دخلت سنة 1384 ه

- ‌ولاية الملك فيصل بن عبد العزيز

- ‌حادثة غريبة

- ‌هزات أرضية

الفصل: ‌ذكر أخلاقه الزاهرة وصفاته الباهرة

وزهده ويحجم كثيرًا عن الفتوى ولا يتجرأ عليها لورعه مع عذل مشائخه له في الأحجام لأنَّه في درجة الفتيا والقضاء ويؤم في المسجد الجامع بالنيابة عن الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم ويستخلفه الشيخ عمر لذلك وكان ملازمًا للاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان وإذا أخذ في الخطبة أو القراءة فإنَّه يبكي ويُبكي من حوله وبكل حال فإنَّه من قوم كانوا فبانوا وختم به الزهاد وقلَّ أمثاله في العباد وأحبه الخاص والعام وقبله جميع أهل الإسلام فكان يتمتع بعقل وسمت عظيم. فأشهد بالله ما رأيت له عدوًا وذلك بأنَّه لم يؤذ أحدًا ولم يرزأ مسلمًا ولم يعب صاحبًا ولم يتكبر على أحد وربما ضمني وإياه مجلس فكان يقدمني ويحترمني كأستاذٍ له مع صغر سني فكنت بالنسبة إليه كحفيد له فسبحان من منَّ عليه بفضله {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} وقد توفي بكره صالح في ريعان الشباب وأعاضه الله بآخرين.

‌ذكر أخلاقه الزاهرة وصفاته الباهرة

رحمة الله عليك يا أبا صالح كنت مؤمنًا تقيًّا ووليًا لله زكيًّا متواضعًا لإِخوانك مرضيًا لأهل زمانك لا فظًا غليظًا ولا مازحًا ولا متهكمًا لا تغضب ولا تحرج ولا تحقد بل كنت حسن السريرة صبورًا على الفقر شكورًا لله في السراء تحب أهل الدين وتميل إليهم وتبغض في الله أهل معصيته وتشرف بك المجالس ويحبك القريب والبعيد ولا يملّك الجليس.

كان المترجم رحمة الله عليه حليمًا وقورًا إذا رأيته ذكرت الرسول عليه الصلاة والسلام وذكرت الصحابة والتابعين لهم بإحسان وذكرت السلف الصالح ورق قلبك لرؤيته وكان نظيفًا حبيبًا كريمًا لينًا سمحًا طلق المحيا مربوع القامة يميل إلى الطول أبيض أزهر له لحية كثة جميلًا محبوبًا كأنَّ الشمس تشرق من وجهه يتعفف في لباسه ويحب البياض من الثياب

ص: 220

والمشلح وعلى الدوام يلبس شماغًا ولباسه دائمًا نظيف ولا يطلع على سره أحد وكان إذا جلس فإنَّه يقدم أهل الفضل على نفسه في المجلس ويتواضع ثم يأخذ في تذكر مشائخه وإخوانه الماضين ويترحم عليهم ويدعو لهم بشفقة ولهجة طهرها الله من النفاق والقلق فإذا ذكرهم فإنَّه يُبكي من حوله ولكلامه وقع في القلوب وقبول في النفوس ولا يحب القصص مثال ذلك أن يقول: كان الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم عالمًا رحمة الله عليه وألحقنا الله بآثاره كان يقول لأولاده كذا ويرشدهم ويبين لهم طريق الحق ويعظمه آل سعود ثم ينتحب ويقول الله المستعان قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "يذهب الصالحون الأول فالأول سبحان الله العظيم". يا أخي أن الحالة لتؤسف وأن الشيخ عمر كان محتسبًا في كثرة تدريساته وأنَّ عبد العزيز العبادي غفر الله له كان صابرًا محتسبًا وأظهر الله من تعليمه فائدة وأنَّه يا أخي ينبغي مساعدة أهل الدين ويشير بذلك لطلاب العلم إذ ذاك فإنَّهم كانوا في فقر مدقع وينبغي يا أخي لطالب العلم أن يجتهد ويجعل له نية طيبة لأنَّه يسعى في طلب وراثة الرسل والله يا أخي إنَّا نحب طالب العلم ونفرح بمجلسه ونرحب به إذا جاء إلينا للمطالعة أو يريد إعارة كتاب هذا الذي نقدر عليه ويا ليت أننا نملك شيئًا للمساعدة ولكلامه ذوق بحيث لا يجهر في الكلام ولا يكلف السامع ولا يمل مجلسه ولقد يرجى له أن يكون ممن قال فيهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم في وصف أهل الجنة: "ورجل رخيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم وعفيف متعفف ذو عيال"، ونذكره عند قوله صلى الله عليه وسلم:"خيار عباد الله الذين إذا رأوا ذكر الله"، ونذكره عند قوله صلى الله عليه وسلم: "أغبط أوليائي عندي المؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من الصلاة أحسن عبادة ربه وأطاعه في السر وكان غامضًا في النَّاس يشار إليه بالأصابع وكان رزقه كفافًا فصبر على ذلك ثم نقر بيديه فقال: عجلت منيته. قلت بواكيه قل تراثه ولما قيل يا رسول الله أي النَّاس أفضل قال: كل مخموم القلب صادق اللسان قالوا: صدوق

ص: 221

اللسان نعرفه فما مخموم القلب قال: هو النقي التقي لا إثم عليه ولا بغي ولا غل ولا حسد وبالجملة فإنَّه من الرجال الذين يدافع الله بهم العذاب عن أهل الأرض". ولمَّا وقعت النكبة على أهل بريدة من جراء السيول التي ألقت البيوت على وجه الأرض مهدمة وتركتها خرابًا يبابًا حتى أنَّ المسلمين من قام يهدم أعالي بيته لعله أن يخف الحمل على الأساس واشتدت الكربة وعظمت الفادحة جعلت أتذكر أولياء الله الأحياء الذين يطفؤون غضب الرب ويرحم الله بهم العباد والبلاد فلم أرَ على وجه البسيطة ممن كنت أعرفهم سوى ثلاثة رجال هو أحدهم (1) ومن الغرباء الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: "طوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد النَّاس" وفي رواية: "يصلحون ما أفسد النَّاس" وفي رواية: "يصلحون ما أفسد الناس من سنتي" وكان يأكل من كسب يده لأنَّه كان خطاطًا ونسخ كتبًا بيده كثيرة وكان موضع الثقة في العقود والوثائق ونفع الناس وقد تأتيه مساعدات قليلة على مونة الدنيا من بيت مال المسلمين ونزر يسير من الأجواد وبكل حال فإنَّه يظهر نعمة الله عليه ولا يطلب الدنيا من أحد وقد لبث في طلب العلم ما يقرب من أربعين سنة قضاها في الدراسة والمراجعة.

ولم تأخذه عزة النفس عن أن يأخذ العلم من أحد العلماء كائنًا من كان

(1) فسر بعض العلماء قوله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} أنَّه يدخل في ذلك دفع الله العذاب على العصاة بأهل الطاعة وورد في بعض الآثار يقول الله عز وجل: إذا أردت إنزال عذاب بأهل الأرض نظرت إلى المشائين على أقدامهم إلى الجمعات والمتعلقة قلوبهم بالمساجد والمستغفرين بالإسجاد فاصرف العذاب عن الناس ورأى بعض السلف فريقًا من ملائكة نزلت فقال بعضهم لبعض: أخسفوا بهذه القرية فقال بعضهم: كيف نخسف بها وفلان فيها قائم يصلي، ورأى بعض المتقدمين في منامه منشدًا يقول:

لولا الذين لهم ورد يصلونا

وآخرون لهم سرد يصومونا

لدكدكت أرضكم من تحتكم سحرًا

لأنكم قوم سوء ما تطيعونا

ص: 222

وآخر من أخذ عنه من المدرسين هو الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد وقد جلس لتدريس تلامذة الشيخ عمر بن محمد بن سليم بعد وفاته حتى قدم الشيخ عبد الله بن حميد لذلك ولمَّا أن كان قبل وفاته بسنة حدث فيه ضعف وفقد كثيرًا من قوته وعزمه واستمرَّ ضعفه ثم أنَّه أغمي عليه في وسط النهار من آخر أيامه وهو جالس يتحدث مع بعض أحبابه وتوفاه الله ظهر يوم الخميس المذكور عن عمر يناهز الحادية والسبعين رحمة الله عليه وكان قد خلف أربعة بنين وله أخ تولى وظيفة الأذان في المسجد الجامع بعد أبيه وهو محمد بن رشيد كان جهوري الصوت وشجاعًا مقدامًا ولمَّا أن توفي المترجم تأخر تجهيزه لصلاة المغرب ونودي في الأسواق بوفاته واجتمعت الأمة من كل صوب وحدب وصلَّى عليه جمع لم يعهد مثله بحيث أنَّهم لما خرجوا به إلى المقبرة صلَّى عليه المسلمون الذين لم يحضروا الصلاة عليه في المسجد الجامع الكبير فلم يتمكن المصلون من متابعة الإمام في التكبير حتى كان هناك سبعة منبهين وضجَّ المسلمون وانتحبوا وبكوا عليه وترحموا وكان موضع قبره في المقبرة الجنوبية في بريدة فالله المستعان.

وممن توفي فيها من الأعيان الشيخ محمد حامد فقي رئيس جمعية أنصار السنة في مصر كان الشيخ محمد حامد ناصرًا للسنة مجاهدًا في سبيل العقيدة السلفية مدافعًا عنها باليد واللسان والجنان وقد بدأ حياته بذلك. وأنَّه ليشكر على ذلك وإذا كان منتسبًا للسنة وناصرًا لها ومعاديًا لأعدائها ونجد في كلامه في مقدمة المنتقى وشرح التوحيد والبلوغ ما يدل على قوة تمسكه بالسنة وعيبه على أهل البدع، فما بال أعدائه من الحساد وأبناء جنسه ينالون من عرضه ويذمونه ويشوهون سمعته ولقد كانت مقدمته التي وضعها أمام شرح التوحيد آية في توحيد الله والثناء عليه ووصفه بما وصف به نفسه ووصفه به ورسوله ونعته الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم بما يليق به. ثم قال: أما بعد فإنَّ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب مجدد القرن الثاني عشر قد قام

ص: 223

بالدعوة إلى الله والجهاد في سبيل نصرة الدين الخالص صادقًا مخلصًا صابرًا محتسبًا وصمد لشياطين الجن والإِنس يرد عن الإسلام كيدهم ويبطل بساطع حججه وثابت عزمه وصادق قوله أباطيلهم ويقضي تشهب حقه المؤسر على الكتاب والسنة على دجلهم وضلالهم ويظهر بشموس أدلته زيوف غيهم وزخارف غرورهم وظلمات بدعهم وفساد أكاذيبهم وهم يقابلون كل ذلك من شيخ الإسلام بكل ما استطاعوا من سماجة وصفاقة ويقابلونه بكل ما يملكونه من عصبية وجمود على ما يغلغل في قلوبهم المنتنة من إرث عن الآباء والأجداد والشيوخ الذين اتخذوهم من دون الله أربابًا يجمعون له جموعهم ويجلبون عليه بخيلهم ورجلهم وأباطيلهم ومخترعات كتبهم التي ضاهوا أصدق الحديث وخير الهدي ويرسلون من ألسنتهم وأقلامهم وأيديهم حمم الغيظ الذي يأكل قلوبهم ويحرصون الحرص كله على إطفاء نور الله الذي أشعله شيخ الإِسلام ليهدي به الضال ويرد به الحائر. . . إلخ. وأطال ثم إنَّه امتدح آل سعود بما قاموا به من مساعدته وبذل الجهد في نصرة دعوته وبذلهم سواعدهم تحمل السيوف لإِعلاء كلمة الله حتى أظهر الله التوحيد ونشر العلم على ألوية الجيوش السعودية المظفرة وكتب الله النصر لشيخ الإِسلام ولقد امتدح المترجم شيخ الإِسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية وانتصر له وصاح ينادي أعوانه وذكر ما من الله به عليه من المقامات الدينية.

وأشاد بذكره حتى أخرش والبنية من لا يكون في صفه وساق له ترجمة حافلة في مقدمة اقتضاء الصراط المستقيم وذكر أنَّه خرج في زمان أطفئت فيه أنوار الرسالة فقام بجد واجتهاد ولنصرة دين الله ورسوله وما زال هذا شأنه حتى أتاه الله الإمامة ليهدي النَّاس بأمر ربه إلى صراطه المستقيم. ولكنَّ النَّاس تلقوه بمثل ما تلقى سلفهم رسل الله لأن دعوته هي دعوة رسول الله إلى توحيد عبادة الواحد وإلى تخليص الإنسان من ذل عبادته

ص: 224

للإِنسان وإلى رفع الإِنسان إلى درجات الكمال بتخليصه من أغلال ظلم الإنسان وهوى الإِنسان إلى أن قال: فصبر شيخ الإسلام وجاهد ونزل الميدان متسلحًا بقوة الحجة وذخائر كنوز الكتاب والسنة وفصاحة اللسان وثبات الجنان وشجاعة القلب وصدق العزيمة وقوة الإِرادة وإخلاص القصد لوجه ربه. ثم ذكر نبذة مما جرى من أعداء الشريعة عليه إلى أن قال: أمَّا بعد فهذا كتاب اقتضاء الصراط المستقيم قنبلة من أقوى ما ألقى شيخ الإسلام على حزب الشيطان من قنابل الحق والهدى ثم أطال بذكر فضله إلى أن قال فيها: أيها الناصح لنفسه الحريص على نجاتها من غضب الله ولعنته في الدنيا والآخرة اقرأ كتاب اقتضاء الصراط المستقيم واحرص على قراءته بتدبر وفهم وعقل سليم لتعرف ما عمَّ مجتمعك من شرور البدع والأهواء والشهوات فتنفيها عن نفسك وتنأى عنها بجانبك وتنجى بعد ذلك إلى الركن الوثيق والحصن الحصين. . . إلخ. وكذلك أيضًا امتدح الإمام ابن القيم رحمة الله عليه وبما أن هذين الإِمامين هما الميزان لمعرفة صلاح العباد من فساده فلا يحبهما إلَّا مؤمن ولا يبغضهما إلَّا منافق فإنَّا نشكر المترجم على مسلكه ذلك وقد لقي في سبيل الدفاع عن السُّنَّة وانتصاره لها أذىً ومحنًا فصبر واحتسب وظلَّ في كفاحه مستمرًا وأنشأ مجلة الهدي النبوي فكان لها أثرها الفعال بين المنتسبين إلى الدين في مصر والسودان وغيرهما من البلاد الإِسلامية كما أنَّه أقام في المملكة السعودية مدة من الزمن وأسهم عمليًّا في رفع مستوى الثقافة الدينية فيها بإصدار مجلة دينية أدبية اجتماعية كما أنَّها تهتم بنشر أخبار الحركة العلمية والأدبية في البلاد وكذلك اضطلع بهمة التدريس في المعهد العلمي الإِسلامي والوعظ والإِرشاد في الحرم الشريف زمنًا طويلًا.

وزود المكتبة العربية الإِسلامية البعيدة عن شوائب البدع والخرافات بكتب قيمة نادرة قديمة وتصحيحها وإعادة طبعها ونشرها في العالم العربي

ص: 225

الإِسلامي ولقد حضرت وعظه وإرشاده في المسجد الحرام أوقات الموسم غير مرة فلم أنتقده بشيء بل كان سلفي العقيدة مجتهدًا غير أنَّه والله يغفر له يتعاظم ويرى نفسه بالمكان الأسمى أضف إلى ذلك أني رأيت له كلامًا ذم به الشيخ الإمام العالم العلامة محمد منير آغا الدمشقي وسماه متعنتًا أو متطفلًا على العلماء وما حق محمد منير أن يسمى متعنتًا أليس الذي قد وقف نفسه لله تعالى وأشاد مباني السنة ونشر مؤلفات أهلها وعلق عليها تعليقات يشكر عليها وفسر مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب وانتصر لها فهذه مآخذه بسيطة عليها ولكننا نقيم له عذرًا بأنَّه كغيره من العلماء الذين يحسد بعضهم بعضًا وبما أنَّنا لا نسمع بالمترجم فكذلك لا نسمع تنقصه لغيره قال ابن عباس رضي الله عنهما استعملوا علم العلماء ولا تصدقوا بعضهم على بعض فوالذي نفسي بيده لهم أشد تغاورًا من التيوس في زربها رحمة الله على أموات المسلمين.

وممن توفي فيها من الأعيان فوزان العثمان من الشخصيات البارزة في مدينة بريدة وهو فوزان بن عثمان بن فوزان بن صالح بن عبد العزيز بن سابق بن صالح بن فوزان من قبيلة الوداعين من الدواسر كان عاقلًا ممتلئ الجسم أبيض اللون شهد الطرفية والبكيرية وجراب في صفوف المسلمين وكان في تجارة عقيل إلى الشام والعراق ومصر ومن رجالهم الذين يتقيدون بالصلوات الخمس وكان صاحب الجلالة الملك عبد العزيز يقدر له مواقفه ويواسيه. ومن أنجال المترجم سليمان بن فوزان الذي سبق ذكره في المقاولات للمعهد العلمي ببريدة والمسجد الجامع الكبير والمستشفى المركزي فيها والمكتبة العلمية. وكانت وفاة المترجم في آخر ذي الحجة من هذه السنة رحمة الله عليه.

إنَّ عقيلات المشهورين في تجارة الإِبل وغيرها يسافرون على ظهور الإِبل مستصحبين المواشي من الإِبل والخيل كل بحسبه ويتخذون ما يتطلبه

ص: 226

السفر من قرب الماء والأحواض والمحال والحبال والخيام والأعمدة والفرش وأواني الطبخ وما إلى ذلك من الخدم كل على حسب مقدرته.

فقد قيل إنَّ محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن بسام بلغت إبله التي ذهب بها مرة إلى الشام ستمائة رعية وكان زعيم العقيلات أو من زعمائهم ولكن الله سبحانه قدر على هذا التاجر بأن أصبح غنيًّا وأمسى فقيرًا في لحظة ذلك بأنَّها كسدت السكة المتعامل بها وهي أكثر ثروته فكان لا شيء ويروي لنا التاريخ أنَّ رجلًا اسمه ابن رومي من أكبر تجار اللؤلؤ بين الكويت والبحرين وقطر وما إلى ذلك يبيع ويشتري فقدر أنَّهم لما توسطوا في اللجة وحان وقت الغداء قدموا طعام الغداء الذي كان مؤلفًا من أنواع القثاء والبطيخ وما إلى ذلك فوضع صرة عظيمة من اللؤلؤ أمامه ولمَّا أن فرغوا من الطعام وقام لتغسيل يديه ورجع إذا بالخادم قد احتمل الخوان لم يظنها فيه ولم يعلم بها وقد اختفت من بين القشور وألقى جميع الفضلات في اللجة فسأل الخادم عن الفضلات فأفاد بأنَّه رماها في البحر فأسرها في نفسه ولما أن قربوا من الساحل قال لرفقته الذين كانوا في السفينة معه ما ينبغي أن نكون فريسة للأمة فتكسد بضاعتنا بيعوا علي أو اشتروا مني فلمعرفتهم بغناه باعوا عليه جميع ما لديهم وأخبرهم أن الوفاء بعد التصفية ولمَّا أن نزلوا في البحرين نفقت البضاعة لأنَّها لم توجد إلَّا عنده وباع بأسعار باهظة جدًّا حتى أعاد الله له الكرة وجعل أصحابه يعجبون من حظه ويقولون: إنَّ الأموال تتبع الأموال وحسدوه فوفاهم حقوقهم بعدما أخبرهم بنكبته وكيف أنَّه جلس يتغدى من أغنى الخلق ثم رجع لا يملك من مال الله شيئًا. وكثيرًا ما يجري على العقيلات مخاوف ومهالك فقد سار أناس من عقيل في زمن أسفارهم إلى مصر والشام والعراق فلما أن كانوا في الصمان وكانت إذ ذاك مهلكة ومقطعة لا ماء فيها ذهبوا لبعض حوائجهم وخلفوا أحد الرفقة وهو إبراهيم بن عمير الحجيلان في رحلهم ليحفظه وجعلوا بين يديه إبريقًا من

ص: 227

الماء لأنَّ الصمَّان مضماة في لغة العامة فمرَّ به راكب بعير يحمل ماء كثيرًا فاعترض له إبراهيم وسأله قليلًا من الماء في إناء كان يحمله وقال له: انظر لحالتي في هذه الأرض المهلكة فردَّ عليه ردًّا قاسيًا وأبى أن ينعشه بشيء من الماء فقال: أحسن إليَّ فقد ذهب رفقتي ولا أعلم متى يرجعون فلم يعره اهتمامًا بل ذهب وتركه فرجع إلى رحله مكسوف البال ولمَّا أن وصل وجد كلبًا قد خلفه واحتفر حفرة يتمرغ في الثرى من شدة العطش فعلم ما أصابه ورق لحالته وصب له من الإِبريق رحمة له وثقة بالله بأنَّه لا يضيعه فقدر أن غمامة ساقها الله عز وجل إلى المخيم فصبت ماءها بقدر منزلهم وجعل يغترف من الماء حتى ملأ جميع ما بين يديه من الأوعية ثم نشفت الأرض. أمَّا عن صاحب الجمل فقد عثر جمله بعد ذهابه ورجع إلى إبراهيم يقول: اشتروا الجمل فقد عثر وانكسرت بعض قوائمه فقال: إليك عني فلا رغبة لنا بالجمل وإنَّك معاقب بتركك رحمتي بهذه الأرض المهلكة فلما أيس الأعرابي من حياة الجمل تركه مسيبًا وذهب لعلمه أنَّه سيهلك ولمَّا أن رجع الرفقة من آخر الليل وجدوا الجمل بآخر رمق فنحروه وأكلوه وفي ذلك عبرة لمن كان له قلب وأنَّ المسلم ينبغي له مساعدة أخيه إذا احتاج إليه ونظرًا إلى أنَّ الله سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

رجعنا إلى ما نحن في صدده، فممن توفي فيها أيضًا من الأعيان الشيخ طاهر الدباغ وكانت وفاته في رجب وطاهر هذا هو الذي جعل يكلم الحسين الشريف بالتليفون ويتحدث معه بشأن تنازله بينا أنَّ الحسين يضرب أخماسًا بأسداس بين مصدق ومكذب وكان طاهر مناصرًا للبيت الهاشمي في أيام الحسين بن علي ولمَّا أن أرادوا خلع الحسين وتولية ابنه علي وتأسس الحزب الوطني الحجازي كان طاهر هو سكرتير الحزب ولمَّا أدار الله دوائر السوء على الحسين وأولاده ونزحوا عن الحجاز فرَّ طاهر وبعض الشخصيات الكبرى إلى الخارج إلى مصر وبورتسودان ومصوع وذلك لما

ص: 228

سلم علي بن الحسن لابن سعود فأقام مبعدًا إلى 1354 هـ ولمَّا أن استصدر الوزير المفوض في بغداد إبراهيم بن معمر من صاحب الجلالة الملك عبد العزيز عفوًا عامًا لطاهر وأصحابه لم يرَ الملك عبد العزيز بذلك بأسًا فأصدر في 1353 هـ مرسومًا ملكيًّا برقم 23/ 1 / 19 بالعفو عن جميع المبعدين وإلغاء التدابير المتخذة ضد بعض الممنوعين من دخول البلاد والإِقامة بها أو العودة إليها فهاب جميع المبعدين خوفًا من أن ينكل بهم صاحب الجلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن غير أن طاهر الدباغ ومحمد عبد الله صادق رجعا ليلقيا بأيديهما إلى ابن سعود وينطرحا بأعتابه وذلك بعد ما نشر في الصحف المصرية حل حزب الأحرار الحجازي وإنَّما خافوا قياسًا على ما طبع عليه أمراء الحجاز من التنكيل بالمجرم ولكن رئيس الحزب طاهر الدباغ استعدَّ بأن يضحي بنفسه فيكون هو أول المسافرين ولما أن قدما على صاحب الجلالة تلقاهما بالعفو والترحيب وهكذا الرجال يعفون عند القدرة فخطب طاهر خطبة بليغة بين يدي صاحب الجلالة وعاهد على السمع والطاعة وأعرب بها عما قضاه الله وقدره عليه من الغواية وإن الخجل بلغ به إلى حد بعيد وأن الحيرة وسوء التدبير قضت بذلك وأنَّه تاب ونزع وقال في خطبته: إن هذا الخادم المخلص الماثل الآن بين يدي جلالتكم والخجل أخذ منه كل مأخذ ليعترف في كثير من الأسف بأنَّه كان بعيدًا عن معرفة ما خصَّ الله به جلالتكم من مزايا سامية وأخلاق عالية وسجايا علوية وشمائل مصطفوية جعلتكم أحق الناس طرًا بتبوء هذا العرش العربي العزيز على الأمة العربية. وأطال إلى أن قال: فإذا أخطأنا محجة الصواب فيما مضى فوالله لنتمسكن بها إن شاء الله بعد إذ هدانا الله إليها تمسك من يعتقد أن في الخروج عنها خسران الدنيا والآخرة وأنا منذ وفقنا الله للعودة إلى أحضان الحق قد عرضنا عهدنا بالسمع والطاعة والإِخلاص خطيًا لا عتاب جلالتكم السامية بواسطة خادم جلالتكم المخلص القائم بأعمال مفوضية

ص: 229

جلالتكم ببغداد. واسمحوا لي يا صاحب الجلالة بأن أعيد هذا العهد بين يدي جلالتكم تقريرًا لغرض ديني محتم وواجب وطني لازم فأقول لكم علي يا صاحب الجلالة عهد الله وميثاقه على السمع والطاعة في السر والعلن فيما أحببت وكرهت وعلي أن أكون مخلصًا لجلالتكم ولأولياء عهودكم ولهذا البيت السعودي الكريم إخلاصًا تامًّا ظاهرًا وباطنًا في السراء والضراء في كل الأحوال أوالي من واليتم وأعادي من عاديتم وأسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم والله على ما أقول وكيل وهو حسبي وكفى بالله شهيدًا إلى آخرها، والخطبة عجيبة غريبة. أمَّا ما كان من خطبة الشيخ عبد الرؤوف الصبان بين يدي جلالة الملك فإنَّه باح بما لديه من الاعتراف بخطئِه وأعرب عن صفات الملك عبد العزيز وقال في معرضها: إني يا مولاي الخادم المقر بذنبه والمعترف بإثمه والمذعن لأمر مولاه وها أنا بين يدي جلالتكم فإن عاقبتم فبعدلكم وإن عفوتم فبفضلكم وجلالتكم على كلتا الحالتين محمود العمل مشكور الفضل، وهي طويلة عظيمة لولا خشية الإِطالة لأتينا بها. وقال فيها: وإنَّا لنود يا مولاي لو كشف لكم عمَّا جعله الله في قلوبنا لجلالتكم من حب صادق وإخلاص تام وإجلال وإكبار لما خصكم الله به من مواهب عظيمة وأخلاق رضية كريمة حتى ننال الشرف الأعظم بنيل ثقتكم ورضاكم وهما غاية أمنيتنا ومنتهى ما نرجوه. إلى أن قال: والله على ما نقول وكيل، وأتى بشيء عظيم من الترحم والاستعطاف على ما تستطيعه الطاقة البشرية ولله در القائل:

رايتك محض الحلم في محض قدرة

ولو شئت كان الحلم منك المهتدا

وما قتل الأحرار كالعفو عنهم

ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

وقد بعث الأمير عبد الله من شرق الأردن إلى وكيل حزب الأحرار عبد الحميد الخطيب يستنكر هذا وهل رجوع طاهر على علم منه وأن ذلك

ص: 230

يجرح عواطف الهاشميين فبعث عبد الحميد للأمير يقول: نعم سافر لأن ابن سعود عرف كيف يستميل خصومه بينما إنكم لم تستطيعوا الاحتفاظ بأصدقائكم. ولما أن قدم طاهر الدباغ ومحمد عبد الله صادق ووقفا أمام حضرته مستغفرين ونادمين قال لهما: عفوت عنكما عن الماضي وإنِّي أريد منكما أن تعاهداني على الإخلاص للدين والوطن وأمَّا شخصي فدعوه جانبًا. وبعد المعاهدة قال: لا شك إن المعارف هي أساس نهضة الأمة وهي قلب الدولة النابض ولذلك فقد أمرت بإسناد مديرية المعارف العامة في المملكة العربية إليك ليعلم الناس إنا وضعناك في قلوبنا ثم أسند أيضًا مديرية إحصاء النفوس العامة في المملكة العربية إلى محمد عبد الله صادق. ولمَّا أن تولى المترجم إدارة المعارف أدارها إدارة حسنة وفي إدارته تأسست أول مدرسة ثانوية باسم تحضير البعثات ومهمتها إعداد شباب البلاد المتعلم للتعليم الجامعي وقد نمت هذه الدوحة وأثمرت وأنتجت جيلًا من الشباب المتعلم الذي شغل أعلى المناصب وأهم المراكز في الدولة وكان قد عُيِّن بعد ذلك عضوًا في مجلس الشورى فشغل هذه الوظيفة. وما زال من أعيان الحجاز حتى توفاه الله تعالى في هذه السنة.

وممن توفي فيها من الأعيان الأستاذ رشدي ملحس وكانت وفاته في يوم الأربعاء 12 رجب وكان وزيرًا مفوضًا ومدير الشعبة السياسية ويسمى رشدي بك ملحس كان أديبًا بحاثة بدأ حياته في هذه المملكة العربية السعودية كمدير ورئيس تحرير في جريدة أم القرى وكان مولعًا بالأبحاث التاريخية فنشر في جريدة أم القرى أبحاثًا تاريخية عن تاريخ هذه البلاد وحقق كتاب تاريخ مكة للأزرقي وأعاد طبعه ونشره بين الناس بعد أن كان الكتاب نادرًا لا يحصل عليه إلَّا عند من يقتني المخطوطات النادرة وكانت مدته التي قضاها في جريدة أم القرى معبرة عن نشاطه وبعد أن انتقل إلى الشعبة السياسية بديوان الملك انصرف بكليته للأعمال الرسمية والشؤون السياسية

ص: 231

وبالرغم من انهماكه في الأعمال السياسية كان على صلة تامة بالمطبوعات الحديثة لا سيما ما يتعلق بالتاريخ. فالله المستعان.

وممن توفي فيها من الأعيان الدكتور عبد الوهاب عزام ذكر عنه أنَّه كان شخصية علمية راقية في العلم العربي والإِسلامي وأنها حزنت عليه الأمة العربية عامة لأعماله التي قام بها في حقول الإِسلام والعروبة والسياسة لكونه من القلائل الذين جمعوا بين ثقافة الشرق والغرب وإتقانه اللغات الغربية والشرقية والفارسية والأردية ويوصف بأنَّه كأول مدير لأول جامعة في البلاد السعودية إلى غير ذلك مما عرف عنه من الثقافة والوعي فالله المستعان.

وفيها في آخر يوم من محرم سافر رئيس مجلس الوزراء وولي العهد فيصل بن عبد العزيز إلى القاهرة فوصلها واستقبل استقبالًا حافلًا فاجتمع بالرئيس جمال عبد الناصر وأمّل المسلمون من هذه الزيارة كل خير كما أنَّ العرب في شتى الأقطار ليعلقون على هذه الرحلة بعبد الله أكبر آمالهم لخير بلادهم.

وفيها في يوم الاثنين 15 ذي الحجة نبعت عين في جنوبي مدينة بريدة وكان ظهورها والحفر في 1400 دراع وكانت قوة الماء باهرة ونفقة هذه البئر مساهمة من بين القائمين والمشتركين فيها وهم أهل المحلة لسقيا بيوتهم وقد ساعدهم على ذلك بعض الأجواد من خارج المقاطعة. والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا. وتكلفت مصروفات هذه البئر وشبكتها التي مدت إلى البيوت بتسعين ألفًا من الريالات كما أنَّها نبعت عين في واحة النخيل الجنوبية الغربية التي تتصل في موضع السباخ وكانت آية في قوتها وكثرة مياهها العذبة المتدفقة رغم أنَّها انفجرت من مبلغ 1200 ذراع فللَّه الحمد على ذلك لا نحصي ثناء عليه.

وفيها وقع حوادث مؤسفة منها أنَّ الملك حسين بن طلال كان متوجهًا

ص: 232

من الأردن بطائرته الخاصة إلى سويسرا لقضاء ثلاثة أسابيع في أوروبا للاستجمام وقد توغلت طائرته قليلًا عرضًا في الأراضي السورية وهناك قامت بعض من طائرات الميج للجمهورية العربية المتحدة بالهجوم على طائرته مما اضطرها للعودة إلى الأردن. ولمَّا أن وصل إلى عمان أذاع بيانًا حارًّا يستنكر منه هذه المحاولة التي فهم منها كثيرًا أنَّه سيتخذ إجراءات حاسم لرد اعتباره واعتبار مملكته ثم دعى إلى البرلمان للاجتماع حالًا والنظر في هذا الموضوع الخطير. أمَّا راديو القاهرة فقد أذاع مكذبًا هذا النبأ زاعمًا أن طائرات الجمهورية العربية المتحدة كانت تقصد فقط إبعاد طائرته من سمائها حيث ولجتها من غير استئذانها ولا ريب أن هذا النبأ يؤسف لصدوره بين ملوك العرب ورؤسائها.

وفيها عثر على أناس يقطعون السبيل ويأخذون أخاوة على الحجاج وغيرهم وكانوا يلبسون ثيابًا رسمية فألقت الحكومة القبض عليهم وحوكموا ثم أعدموا وهكذا يصنع بمن فقد الإِنسانية وعصى الله ورسوله وسعى في الأرض فسادًا والله لا يحب المفسدين.

ومن الأمور المؤسفة ذهاب رجال خدموا الدولة بإخلاص وصدق ورجال دين وعلم خسرتهم الدولة وخسرتهم البلاد في هذه السنة وأصبحوا هدفًا للموت مضافًا إلى ذلك استمرار الأذى والتقتيل والتشريد على أهل الجزائر الذين كانوا فريسة لمخالب فرنسا في هذه السنة والتي قبلها ولكن أهل الجزائر لا يزالون صامدين ولنصر الله منتظرين يدافعون عن النفس والأهل والوطن.

أمَّا ما يتعلق بالإصلاح والعطف فقد سار الملك سعود لزيارة المقاطعة الشرقية في ربيع الثاني ولمَّا أن وصل تفقد أهل تلك الجهة وأصدر عفوًا شمل المسجونين بتلك المنطقة في قضايا الحقوق الشخصية والديات حيث

ص: 233