الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأضعف الله لك الأجر يا أبا تركي وأكثر من أمثالك وإنَّه لواجب على التاريخ أن ينشر هذه الفضيلة ويسطر ما شاء من تلك المناقب ويشنف الأسماع بتلك الأخبار. وكان من مزاياه الحميدة اعترافه بأنَّه لم يتعلم العلوم ولم يرزق حظ الإِحاطة بها وهو يكرر ذلك دائمًا في معظم المناسبات ويقول: (حنا) أي نحن ما تعلمنا فيجب على الذين تعلموا أن يساعدونا ويرشدونا.
هذا وقد كان عالمًا واسع الاطلاع غير أنَّه لا يحب تزويق الكلام وتشقيق العبارات بل كانت سليقته ولهجته لهجة العلماء الصادقين السلفيين وخطبه في المواسم والمناسبات كثيرة موجودة يستشهد بالآيات والأحاديث. ومن عادته أنَّه يخطب جالسًا ويشير بسبابة يده اليمنى أو بقضيب صغير يحمله في يده على أداء ما في فكرته، ويرسل الكلام إرسالًا من دون أن يتقيد بأساليب البلغاء أو بقواعد اللغة بل يخطب بلهجة أهل نجد، وتغلب على خطبه النزعة الدينية وكثيرًا ما يستشهد بآيات قرآنية وأحاديث نبويَّة في خلالها. ولقد تغلب على الفصحاء وحيرت سياسته جميع السياسيين وخضعوا لهيبته وأقروا له بالتقدم ونظروا إليه بعين التعظيم والاحترام والإِعجاب.
سطوته وشجاعته
قد تمَّ له بفضل سياسة الحزم والعزم والشدة التي يسير عليها في إدارة بلاده وأقطاره الواسعة إقرار الأمن على منوال غير معروف في أعظم البلاد رقيًا وحضارة فاطمأنَّ النَّاس على أرواحهم وأموالهم في غدوهم ورواحهم حتى أصبحت المرأة تسير على قدميها وحدها بين القرى والضواحي تحمل على رأسها الأشياء الثمينة فلا يتعرض لها بن ولا فاجر حتى لقد ندر وقوع الحوادث العادية. والباعث لذلك هو يقظته الزائدة وأخذه المجرمين بالشدة والبطش الشديد بقطاع الطريق والعابثين بالأمن العام فلا يرحمهم ولا يشفق
عليهم ولا تنفع عنده فيهم شفاعة. ولم يخلد إلى الدعة والسكينة منذ ما أصبح قادرًا على تقلد الحسام وامتطاء الجواد بل واصل الحرب والقتال مدة أربع وثلاثين سنة تمَّ له فيها وفي خلالها إنشاء هذه المملكة الطويلة العريضة من الشام إلى اليمَن ومن البحر الأحمر إلى الخليج العربي. وقد قاتل على كل شبر أرض منها كما يقول عن نفسه ولم يشرق نجمه ويتألق إلَاّ بعد الحرب العظمى، ولم يتلألأ كوكب مجده إلَاّ بعد الانتصارين العظيمين الذين أدركهما في وقت يكاد يكون واحدًا. فقد قضى في تربة على جيش الحسين الشريف فأصبح بذلك يملك أكبر قوة عسكرية في شمال الجزيرة، كما أنَّ فوزه الحاسم يوم فتح حايل وتقويضه إمارة آل رشيد جعله سيد نجد غير مدافع وصاحب الكلمة العليا فيها فانصرف إلى ضم الحجاز وإلى تعزيز نفوذه في خارج نجد فاحتلَّ منطقة عسير بلا عناء ووسع حدوده من جهة الشرق وأقام ينتظر الفرص ليضرب ضربته الكبرى وليبسط نفوذه على الجزيرة كلها ويدخلها في طاعته وهو الحلم الذي يحلم به ويطمع أن يوفق إلى تحقيقه على أنَّه كان ذا حظ، فهو محظوظ كما يقول عن نفسه، وشاهد هذا فتح الطائف وبعض الفتوحات التي سهلها الله العلي الكبير بدون كبير أمر يذكر غير أنَّها ترجع لإظهاره القوة وصدق العزيمة وكان بابه مفتوحًا للضيف والمظلوم وكيسه مفتوحًا للبذل والعطاء. كما أنَّ سيفه مسلول للتأديب.
وقد ساد قومه بهذه المزايا الثلاث: العدل والكرم والشجاعة، ونال ما لم ينله غيره من آل سعود.
ولقد سطا في استرجاع الملك من آل رشيد سطوات يشيب من هولها الوليد، وألقى نفسه في المعاطف، فكان لا يهاب أحدًا ولو أنَّ النَّار في وجهه لألقى نفسه فيها ولكن بحسن تدبير وسياسة مجندل عجلان. وكان يتحدث عن فتح الرياض وما جرى في تلك الساعة من الأهوال قال: لم
يكن معي في تلك اللحظة غير بندقي ومعه سيفه فردَّ لي السيف وهو يرمي إليَّ به ووجه السيف ما هو طيب فغطيت وجهي وهجمت بالبندق ولكنها لم تقض عليه بل ثارت وسمعت طيحة السيف في الأرض ومن تدبر هجومه على عجلان ورجاله رأى العجب العجاب ولاحق الصنديد عبد العزيز بن متعب حتى ألقاه مضرجًا بدمائه على وجه الأرض بعد هول شديد وما زال يشن الغارة على الشريف وأبنائه حتى طردهم عن الحجاز وحلَّ مكانهم.
وكان طويل القامة ضخم الجثة واسع الفم إذا تكلم وهو غاضب ظننت أنَّ الجمل يهدر ويندر في نجد أنَّه يوجد من يدانيه في الطول فكأنَّه المفرد العلم إذا وقف بينهم ويرى في جسمه كثير من الجروح التي أصيب بها في المعارك وإحدى أصابعه مشلولة.
ولقد نزل على حدود العراق لما فرَّ منه الدويش وابن حثلين وابن لامي والتجأوا إلى حكومتها وجعل يتهدد ويتوعد المسؤولين ويحتج حتى حملتهم الحكومة الإِنجليزية بطائرة وألقتهم بين يديه.
ولمَّا أن تولى الحجاز كانت السبل هناك غير آمنة وقوي الأعراب ينهب الضعيف وحجاج بيت الله غير مطمئنين من نهب الحرامية وقطاع الطريق. فاستطاع بشدة سطوته وضروب سياسته أن يضرب على أيدي العابثين ويكف أيدي قطاع الطريق حتى أصبح السائر بين تلك الجبال كأنَّما يسير بصحن بيته.
ومن النكت أنَّه سجن جماعة من قبل قاضي تحقيق بغير حق بل كان سجنهم ظلمًا فقدموا لصاحب الجلالة شكوى فبعث هيئة تدرس الموضوع جيدًا. وبعد ما تبين ظلم الآمر بسجنهم أمر بأن يخرجوا من السجن ويسجن الآمر مدة توازي مدتهم.
وقام ثلاثة من الأشقياء بسيارتهم فنهبوا صبيًا وفروا به إلى البر ليفعلوا به