الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما أوصاه بلزوم مذهب الإِمام أحمد فهو حنبلي المذهب وله المكان اللامع في الأخلاق الفاضلة، وأخذ عن الشَّيخ علي بن داود وقد غزا مع جلالة الملك عبد العزيز في واقعة جراب، وفي هذه السنة أخذ عن الشَّيخ النمر وسافر إلى الإحساء فأخذ عن الشَّيخ عبد العزيز بن عبد الرحمن بن بشر وسافر إلى قطر فأخذ عن الشَّيخ محمَّد بن عبد العزيز بن مانع ثم سافر إلى الرياض وأخذ عن الشَّيخ محمَّد بن إبراهيم آل الشَّيخ. وإن أخذه عن هؤلاء العلماء الفطاحل الذين حازوا قصب السبق لأكبر دليل على توفيق الله له وعنايته به وجده واجتهاده في تحصيل العلوم من مظانها وعلو مكانته في العلم.
أمَّا الوظائف التي نالها فقد انتدبه الملك عبد العزيز هو وعبد الله بن راشد وابن جار الله إلى تهامة بالحجاز مرشدين ثم جعل قاضيًا في تثليث ثم نقل منها إلى أيها قاعدة عسير وانتفع في صحبة الشَّيخ عبد الله بن راشد وأكثر الأخذ عنه ولا سيما في الفرائض ثم نقل من أبها إلى بيشة ثم نقل منها إلى تربة ثم نقل منها إلى الخرمة ثم أعيد إلى أبها ومنها نقل إلى القنفذة ثم نقل منها إلى قرية ومنها نقل إلى ضرما ثم نقل إلى الجوف مقر عمله. وكان يحب مواساة الفقراء من جيبه وأديبًا وعفيفًا ونزيهًا ومحبوبًا وذا لسان ناطق وفكر ثاقب ومجالسه بحوث علمية واجتماعية ولا يحب الهزل مع تواضع ويكلم الكبير والصغير والغني والفقير بما يناسبه وقليل الاهتمام في حطام الدُّنيا.
مكانته في العلم ومؤلفاته
أمام مؤلفاته فمنها (بستان الأخبار مختصر نيل الأوطار) يقع في مجلدتين، وشرح عمدة الأحكام مطولًا ثم اختصره في جزئين ثم اختصرها فكانت في مجلد. مختصر الكلام في شرح بلوغ المرام وهو شرح وجيز
مفيد شرح الأربعين النووية سماه "محاسن الدين على متن الأربعين"، مفتاح العربيَّة على متن الأجرومية، مقام الرشاد بين التقليد والاجتهاد، غذاء القلوب ومفرج الكروب، الدلائل القاطعة في المواريث الواقعة، كلمات السداد على متن الزاد، السبيكة الذهبية على متن الرحبية. القول في الكرة الجسمة الموافق للفطر السليمة. كتاب المرقع المشبع من الروض المربع في أربع مجلدات. مختصر فتح الباري على صحيح البُخاريّ، سماه لذة القارئ يقع في ثمانية مجلدات. وله مؤلفات لم تنشر وما زال في جده واجتهاده وأخذ عنه طلاب كثيرون وفي آخر عمره اقتصر في بيته وانزوى لمرض أصابه حتَّى أتاه اليقين رحمة الله عليه. وقد قيل إن وفاته في السنة التي بعدها والصحيح ما أثبتناه.
وفي هذه السنة بعثت الحكومة رجالًا من جيش الجهاد إلى بريدة وغيرها كهيئة المرابطين وذلك لمصلحة رأتها الحكومة في ذلك فنزلت هذه القوات في بيوت في حارة الخبيب.
وقد بدئ في هذه السنة بتصدير زيت السقانية إلى الخارج فقد حملت الباخرة في صباح الأحد خامس شوال في خزاناته 126000 برميل من هذا الزيت الخام الحلو متوجهة به إلى اليابان، وقد أقيم لهذا احتفال رسمي حضره سمو الأمير عبد المحسن بن جلوي نائبًا عن سمو الأمير سعود بن جلوي وفي معية النائب الأمراء والوجهاء والأعيان ورؤساء العمال هناك. ولا تزال العمال في التنقيب وقد فاق عدد آبار الزيت التي استعملت في الإِنتاج في الكثرة.
وفي غرة شهر ذي الحجة من هذه السنة تفشى مرض كهيئة الحمى يصيب الكبار والصغار وقضى على كثير من الأطفال وكان يلبث المريض بهذا المرض ثلاثة أيَّام فبين سالم وعاطب. وحجَّ بالمسلمين في هذه السنة
صاحب الجلالة الملك سعود بن عبد العزيز وكانت التنظيمات في أحسن ما يكون، وذلك لما أقيم في السنة المتقدمة أميال في منى لمعرفة الشوارع فيها مرقمة وبينها قطع تهدي الحجاج وترشدهم إلى خيامهم وأمكنتهم فكان لذلك أثر طيب. وما زالت الحكومة جادة في إنشاء المستشفيات في منازل الحجاج ومواضع إقامتهم في مكّة والمشاعر المعظمة. وفي هذه السنة تقدمت الرياضة البدنية وقررتها وزارة المعارف مدارس نجد وأصبحت تعتبر في المنهج درسًا كبقية الدروس وأكبَّ طلاب المدارس الحكومية عليها بصفتها لديهم تقوي العضلات وتشد العزم وتشرح الصدور وتروح عن النفوس وتبعث النشاط ولذا أقيمت المباريات والملاعب في الفضاء لذلك ونسأل الله أن يجعل العاقبة إلى خير. وبكل حال فإنَّها لا تزال في تقدم ونهوض.
ثم دخلت سنة 1377 هـ استهلت هذه السنة والجزائر في مناضلتها لفرنسا ولا تزال تجاهد في سبيل طلب حريتها رغم ما كان يسعى الفرنسيون له، فإن فرنسا سمعت كل السعي وبكل وسائل لجعل الجزائر وطنًا فرنسيًا غير أنَّ الأهالي في الجزائر لا يزالون دائبين في التخلص من فرنسا وهبوا عن بكرة أبيهم مجاهدين في هذه الثورة التي لا تزال نيرانها متأججة وما زالوا يجاهدون حتَّى النَّفس الأخير، وهذه هي الجزائر المجاهدة ومن مدنها وهران وعنابة وأم العسكر وهذه المدينة أعني أم العسكر هي التي لعبت دورًا هامًا في ميدان البطولة والتضحية وهي بلدة المجاهد العربي الكبير عبد القادر الجزائري الذي خلد له التَّاريخ صفحات كلها جهاد وبطولة ويتألف شعب الجزائر من ثلاثة أقاليم: إقليم التل في الشمال وإقليم الهضاب العالية في الوسط والصحراء في الجنوب ومساحة الجزائر بما يتبعها من الصحارى 890 ألف كيلومتر مربع تقريبًا وعدد شعب الجزائر لا يقل عن سبعة ملايين عربي وفيها ما يقرب من 900 ألف نسمة من الأوروبيين والمستعمرين ولقد
كانوا يواجهون في هذه السنة والتي قبلها اعتداءات الفرنسيين بثبات وصمود لا تزعزعه قاذفات الصواريخ المحرقة ولا المدمرات الهدامة ولا نيران المدافع إذا كان الجزائري يقع على الأرض شهيدًا وما زال أهل الجزائر صامدين أمام دولة كبرى عريقة في الجلاد خبيرة في القتال والحرب وليس لديها ذرة من رحمة ولا هوادة ولا عطف بل كانت وحشًا كاسرة تقتل الشَّيخ الهرم في متعبده انتقامًا والعجوز الفانية والطفل في مهده وتستبيح كل المحارم وليس لديها ذرة من خلق ولا خردلة من شفقة ولا جناح بعوضة من إنسانية.
وفي أخريات رجب اشتدت الوطأة على الجزائر من ضرب فرنسا وقاسى الأهالي تقتيلًا وتدميرًا وإرهابًا وتعذيبًا وتشريدًا ولكنهم مع ذلك مستميتون في سبيل الدفاع والنضال ثابتون ثبات الرواسي الشوامخ وقد حملوا السلاح عن بكرة أبيهم رجالًا ونساء. حتَّى جاء عن مواطن جزائري لصديق له في المملكة العربيَّة السعودية رسالة يصف فيه الفظائع التي فعلتها فرنسا قال فيها: لا يخفى عليكم حالتنا اليوم في الوطن الجزائري أن جسدي كله مطعون بخناجر الاستعمار الغاشم الفرنسي ولم يسلم منه أحد من الأسرة ونعرفكم باستشهاد الأخ الأستاذ أحمد رضا وسبب إعدامه أنَّه وجهت إليه تهمة المستعمرين باغتيال مدير شرطة قسطنطينية هو وثلاثة وخمسون شخصًا معه كلهم أعدمهم الفرنسيون عن بكرة أبيهم كما أعرفكم بابنه مصطفى إنَّهم أعدموه أيضًا ومعه تسعة من الأسرة. أمَّا الأسرة فكل من يستطع حمل السلاح صعد به إلى الجبل مع جيش التحرير وبعضهم في السجون وما بقي في البلد إلَّا النساء وحدهن. ومما قال الشَّاعر اللبناني وديع ديب يصف حالة بعض البؤساء ويبوح بذكر الآلام المجتمعة وتحسسه بها، وبذلك تتجلى إنسانية هذا الشَّاعر في وصفه لبائع البسكوت:
يا بائع البسكوت ما طعمه
…
هلا كفاك العيش يا بائع