الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ، ظاهر هذه المخاطبة: أنها لجميع المؤمنين كافَّة، وهي باقيةُ الحُكْمِ إلى يوم القيامة، وروتْ فرقة أنها نزلَتْ في الحَضِّ على الهجرة، ورفضِ بلادِ الكفر.
وقوله سبحانه: قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ
…
الآية: هذه الآيةُ تقوِّي مذهب مَنْ رأى أن هذه الآية والَّتي قبلها إنما مقصودُهُما الحَضِّ على الهجْرة، وفي ضمْن قوله: فَتَرَبَّصُوا: وعيدٌ بيِّن.
وقوله: بِأَمْرِهِ، قال الحَسَنُ: الإشارة إلى عذابٍ أو عقوبةٍ من الله تعالى «1» .
وقال مجاهدٌ: الإِشارة إِلى فتح مكَّة «2» ، وذكر الأَبناء في هذه الآية دون التي قَبْلَها، لما جلبتْ ذِكرهم المَحَبَّة، والأبناء: صَدْرٌ في المحبة وليسوا كذلك، في أن تتبع آراؤهم كما في الآية المتقدمة، واقترفتموها: معناه: اكتسبتموها، ومساكِنُ: جَمْعُ مَسْكَنٍ- بفتح الكاف:، مَفْعَلٌ من السُّكْنَى، وما كان من هذا معتلَّ الفاءِ، فإِنما يأتي على مَفْعِلٍ (بكسر العين) كموعد وموطن.
[سورة التوبة (9) : الآيات 25 الى 27]
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27)
وقوله سبحانه: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ، هذه مخاطبةٌ لجميع المؤمنين يعدِّد الله تعالى نِعَمَهُ عليهم، والمواطِنُ المُشَارُ إلَيْها بَدْرٌ والخَنْدَق والنَّضير وقُرَيْظة وخَيْبَر وغيرها، وحُنَيْنٌ وادٍ بين مكَّة والطائِف.
وقوله: إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ، روي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال حين رأى جملته اثني عشر
(1) ذكره ابن عطية (3/ 18) .
(2)
أخرجه الطبري (6/ 339) برقم: (16584) ، وذكره ابن عطية (3/ 18) ، والبغوي (2/ 277) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (3/ 403) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.
أَلْفاً: «لَنْ تُغْلَبَ الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ» «1» ، وروي أَنَّ رجلاً من أصحابه قالها فأَراد الله تعالى إظهار العجز فظهر حين فَرَّ الناسُ.
ت: العجب جائزٌ في حقِّ غير النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو معصوم منه صلى الله عليه وسلم، والصوابُ في فَهْمِ الحديث، أَنه خَرَجَ مَخْرَجَ الإِخبار، لا على وجه العُجْب وعلى هذا فَهِمُه ابنُ رُشْدٍ وغيره، وأَنه إِذا بلغَ عَدَدُ المسلمين اثني عشر ألفاً حُرِمَ الفِرَارُ، وإن زاد عددُ المُشْرِكين على الضِّعْف وعليه عَوَّلَ في الفتوى، وقوله تعالى: وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ، معناه: بِرُحْبها كأنه قال: عَلَى ما هي عليه في نَفْسها رَحْبةً واسعة، لشدّة الحال وصعوبتها ف «ما» : مصدرية.
وقوله سبحانه: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ، أي: فرارا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم واختصار هذه القصّة: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا فتح مكّة، وكان في عشرة آلاف منْ أصحابه، وانضاف إِليهم ألفانِ من الطُّلَقَاءِ، فصار في اثني عشر ألفا، سمع بذلك كفَّار العرب، فشَقَّ عليهمِ، فجمعتْ له هوازنُ وألفافها، وعليهم مَالِكُ بن عوفٍ النصريُّ، وثقيفٌ، وعليهم عبْد يَالِيلَ بْنُ عَمْرُو/ وانضاف إِليهم أَخلاطٌ مِنَ الناس حتى كانوا ثلاثين ألفا، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اجتمعوا بحُنَيْنٍ، فلما تصافَّ الناسُ، حمل المشركون من مَحَانِي الوادِي، وانهزم المُسْلِمون، قال قتادة: وكان يقال: إِن الطلقاء مِنْ أَهْل مكَّةَ فرُّوا، وقصدوا إِلقَاءَ الهَزيمة في المُسْلمين «2» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى بغلته البَيْضَاء قد اكَتَنَفَهُ العَبَّاس عمُّه، وابنُ عَمِّه أبو سفيانَ بْنُ الحارثِ بنِ عبد المُطَّلبِ، وبَيْنَ يدَيْهِ أَيْمَنُ بْنُ أُمِّ أيمن، وثمّ قتل رحمه الله والنبيّ صلى الله عليه وسلم يقولُ:
أَنَا النَّبيُّ لَا كَذِبْ
…
أَنا ابن عبد المطّلب
فلما رأى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم شدَّةَ الحالِ، نَزَلَ عن بَغْلَتِهِ إِلى الأرض قاله البَرَاءُ بنُ عازب «3» ، واستنصر اللَّه عز وجل، فأَخَذَ قبضةً مِنْ ترابٍ وحصًى، فرمَى بها في وُجُوه الكُفَّار، وقال:«شَاهَت الوُجُوه» ، ونادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنصارِ، وأمَرَ العبَّاسَ أنْ ينادِيَ:
«أَيْنَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ؟ أَيْنَ أَصْحَابُ سُورَةِ البَقَرةِ؟» فَرَجَعَ النّاسُ عَنَقاً واحداً للحَرْبِ، وتصافحوا بالسُّيوفِ والطَّعْنِ والضرب، وهناك قال عليه السلام:«الآنَ حَمِيَ الوَطِيسُ» «4»
(1) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 404) ، وعزاه للبيهقي في «دلائل النبوة» .
(2)
أخرجه الطبري (6/ 340) برقم: (16588) نحوه، وذكره ابن عطية (2/ 19) . [.....]
(3)
أخرجه الطبري (6/ 343) برقم: (16595) وذكره ابن عطية (3/ 19) .
(4)
تقدم في: سورة الأنفال.