الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأَمَّا العاملون: فهم جُبَاتها يستنيبهم الإِمامُ في السعْي على الناس، وجَمْعِ صَدَقَاتهم، قال الجُمْهور: لَهُمْ قَدْر تعبهم ومؤنتهم، وأما الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، فكانوا مُسْلِمين وكافرينَ مستَتِرِينَ مُظْهرين للإِسلام حتى وثَّقه الاستئلاف في أكثرهم، واستئلافهم إِنما كان لِتُجْلَبَ إلى الإِسلام مَنْفَعة، أو تُدْفَعَ عنه مَضَرَّة، والصحيحُ بَقَاءُ حكمهم إِن احتيج إِليهم، وأَما الرِّقابِ، فمذْهَبُ مالك وغيره هو ابتداء عِتْق مؤْمِن، وأما الغَارِمُ: فهو الرجُلُ يرْكَبه دَيْن في غير مَعْصِيَة ولا سَفَه، كذا قال العلماء، وأما فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فهو الغازِي، وإِن كانَ مَلِيًّا ببَلَده، وأمَّا ابْنِ السَّبِيلِ، فهو المسافِرُ، وإِن كان غنيًّا ببلده، وسمي المُسَافِرِ ابْنَ السبيلِ لملازمته السبيلِ.
ومَنِ ادعى الفقْر صُدِّق إِلَاّ لريبة فيكلَّف حينئذٍ/ البيِّنة، وأمَّا إِن ادعى أنه غارمٌ أو ابن السبيل أو غازٍ، ونحو ذلك مما لا يُعْلَم إِلا منه، فلا يعطَى إِلا ببينة، وأهلُ بلد الصَّدقة أَحقُّ بها إِلا أن تَفْضُل فضلةٌ، فتنقل إِلى غيرهم.
قال ابنُ حَبِيب: وينبغي للإِمام أن يأمِر السُّعَاة بتَفْريقها في المواضِعِ التي جُبِيَتْ فيها، ولا يحمل منها شيْءٌ إِلى الإِمام، وفي الحديثِ:«تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» «1» .
وقوله سبحانه: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ: أي: موجبةً محدودةً.
[سورة التوبة (9) : الآيات 61 الى 62]
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (62)
(1) أخرجه البخاري (3/ 261) كتاب «الزكاة» باب: وجوب الزكاة، حديث (1395)، ومسلم (1/ 50) كتاب «الإيمان» باب: الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، حديث (29/ 19) ، وأبو داود (2/ 242، 243) كتاب «الزكاة» باب: في زكاة السائمة، حديث (1584)، والترمذي (2/ 69) كتاب «الزكاة» باب: ما جاء في كراهية أخذ خيار المال في الصدقة، حديث (621)، والنسائي (2/ 5) كتاب «الزكاة» باب: وجوب الزكاة، وابن ماجه (1/ 568)، كتاب «الزكاة» باب: فرض الزكاة، حديث (1873) ، وأحمد (1/ 233)، من حديث ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن، قال:«إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حجاب» .
وقوله سبحانه: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ: أي: ومن المنافقين، ويُؤْذُونَ: لفظ يعمّ أنواع إذاءتهم له صلى الله عليه وسلم، وخص بعد ذلك مِنْ قولهم: هُوَ أُذُنٌ، وروي أن قائل هذه المقالة نَبْتَلُ بْنُ الحارثِ، وكان من مَرَدَةِ المنافقين، وفيه قال صلى الله عليه وسلم:«مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الشَّيْطَانِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى نَبْتَلِ بْنِ الحَارِثِ» «1» ، وكان ثائر الرأس، منتفشَ الشَّعْر، أحمر العينَيْن، أسْفَع الخدَّيْن، مشوَّهاً.
قال الحسن البصريُّ ومجاهد: قولهم: هُوَ أُذُنٌ: أي: يسمع معاذيرنا ويقبلها «2» ، أي: فنحن لا نُبَالِي من الوقوع فيه، وهذا تنقُّص بقلَّة الحزم، وقال ابن عبَّاس وغيره: إِنهم أرادوا بقولهم: هُوَ أُذُنٌ: أي: يسمع كلَّ ما ينقَلُ إِليهِ عنا، ويصغَي إِليه «3» ويقبله، فهذا تَشَكٍّ منه عليه السلام، ومعنى أُذُنٌ: سماع، وهذا من باب تسمية الشيْء بالشيء، إِذا كان منْهُ بسبب كما يقال للرؤية: عيْن وكما يقال للمسنَّة من الإِبل التي قد بَزَلَ نابها:
نَاب.
وقيل: معنى الكلامِ: ذو أُذُنٍ، أَي: ذو سماع، وقيل: إِنه مشتقٌّ من قولهم: أَذِنَ إِلَى شَيْءٍ إِذا استمع ومنه قول الشاعر: [البسيط]
صُمٌّ إِذَا سَمِعُوا خَيْراً ذُكِرْتُ بِه
…
وَإِنْ ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوا
وقرأ نافع: «أذن» - بسكون الذال فيهما-، وقرأ الباقون «4» بضمِّها فيهما، وكلُّهم قرأ بالإِضافة إِلى «خير» إِلا ما رُوِيَ عن عاصمٍ، وقرأ الحسن «5» وغيره:«قُلْ أُذُنٌ خَيْرٌ» - بتنوين
(1) أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 116) بسنده عن ابن إسحاق، فذكره بلاغا. وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم كما في «الدر المنثور» (3/ 253) ، عن ابن عباس موصولا.
(2)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (6/ 406) برقم: (16917- 16918- 16919) نحوه، وذكره ابن عطية (3/ 52) ، وابن كثير (2/ 366) نحوه، والسيوطي في «الدر المنثور» (3/ 454) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن أبي شيبة.
(3)
أخرجه الطبري (6/ 405- 406) برقم: (16916) ، وذكره ابن عطية (3/ 52) ، وابن كثير (2/ 366) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (3/ 454) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.
(4)
وكأن نافعا استثقل ثلاث ضمات فسكّن.
ينظر: «السبعة» (315) ، «الحجة للقراء السبعة» (4/ 198، 203)، «حجة القراءات» ص:(319) ، «إعراب القراءات» (1/ 250) ، «إتحاف» (2/ 94) ، و «العنوان» (102) ، و «شرح شعلة» (412) .
(5)
وقرأ بها عاصم في رواية الأعشى عن أبي بكر عنه. والمعنى حينئذ: «قل يا محمد فمن يستمع منكم ويكون قريبا منكم قابلا للعذر خير لكم» .
«أُذن» ، ورفع «خير» -، وهذا جار على تأويله المتقدِّم، والمعنى: من يقبل معاذيركم خيرٌ لكم، ورُوِيَتْ هذه القراءة عن عاصمٍ، ومعنى «أذن خيرٍ» على الإِضافة: أي سَمَاعُ خيرٍ وحقٍّ، ويُؤْمِنُ بِاللَّهِ: معناه: يصدِّق باللَّه، وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ: قيل: معناه: ويصدِّق المؤمنين، واللام زائدة، وقيل: يقال: آمَنْتُ لك، بمعنى: صدَّقتك ومنه: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا [يوسف: 17] .
قال ع «1» : وعندي أن هذه التي معها اللامُ في ضِمْنها بَاءٌ، فالمعنَى: ويصدِّق للمؤمنين بما يخبرونه به، وكذلك قوله: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا بِمَا نَقُوله.
ت: ولما كانَتْ أخبار المنافقين تصلُ إِلى النبيّ صلى الله عليه وسلم تارةً بإِخبار اللَّه له، وتارةً بإِخبار المؤمنين، وهم عدولٌ، ناسب اتصال قوله سبحانه: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ بما قبله، ويكون التصديقُ هنا خاصًّا بهذه القضيَّة، وإِن كان ظاهر اللفظ عامّا إذ من المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يَزَلْ مصدِّقاً باللَّه، وقرأ جميع السبعة إِلَاّ حمزة و «رَحْمَةٌ» - بالرفع- عطفاً على «أُذُن» ، وقرأ حمزة وحْده: و «رَحْمَةٍ» - بالخفض- عطفاً على «خَيْرٍ» ، وخصَّص الرحمة للذين آمنوا إِذ هم الذين فازوا ونَجْوا بالرسول عليه السلام، يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ: يعني: المنافقين.
وقوله: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ: التقدير عند سيبَوَيْهِ: واللَّه أحقُّ أَن يرضوه، ورسوله أحَقُّ أن يرضُوه، فحذف الخَبَر من الجملة الأولَى، لدلالة الثانية عليه.
وقيل: الضمير في «يرضوه» عائدٌ على المذكور كما قال رُؤْبَةُ: [الرجز]
فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَلَقْ
…
كَأَنَّهُ فِي الجلد توليع البهق «2»
أي: كأنّ المذكور.
ينظر: مصادر القراءة السابقة، و «معاني القراءات» (1/ 457) ، و «المحرر الوجيز» (3/ 53) ، و «البحر المحيط» (5/ 64) ، وزاد نسبتها إلى مجاهد، وزيد بن علي، وهي في «الدر المصون» (3/ 477) .
(1)
ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 53) .
(2)
ينظر: «ديوانه» ص: (104) و «أساس البلاغة» ص: (509)(ولع) و «الأشباه والنظائر» (5/ 63)، و «تخليص الشواهد» ص:(53) و «خزانة الأدب» (1/ 88) ، و «شرح شواهد المغني» (2/ 764) ، و «لسان العرب» (8/ 411)(ولع) ، (10/ 29)(بهق) ، و «المحتسب» (2/ 154) ، و «مغني اللبيب» (2/ 678) وبلا نسبة في «شرح شواهد المغني» (2/ 955) .