الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التقوى والطاعة لله سبحانه، ويَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً: معناه: فرْقاً بين حقِّكم، وباطل مَنْ ينازعكم بالنصْر والتأييد، وعبَّر قتادة، وبعضُ المفسّرين عن «الفرقان» هاهنا بالنجاةِ «1» ، وقال مجاهدٌ والسُّدِّيُّ: معناه: مَخْرَجاً «2» ، ونحو هذا مما يعمه ما ذكَرْناه، وقد يوجَدُ للعرب استعمال «الفرقان» ، كما ذكر المفسِّرون وعلى ذلك شواهد منها قول الشاعر:
[الطويل]
وَكَيْفَ أُرَجِّي الخُلْدَ والمَوْتُ طَالِبِي
…
وَمَاليَ مِنْ كَأْسِ المَنيِّةِ فُرْقَانُ «3»
ت: قال ابن رُشْد: وأَحْسَنُ ما قيلَ في هذا المعنى قوله تعالى: يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً أي: فصلا بين الحق والباطل حتى يعرفوا ذلك بقلوبهم، ويهتدوا إليه. انتهى من «البيان» .
[سورة الأنفال (8) : الآيات 30 الى 31]
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)
وقوله سبحانه: وَإِذْ يَمْكُرُ/ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا
…
الآية: تذكيرٌ بحال مكَّة وضيقها مع الكفرة، وجميل صُنْع اللَّه تعالى في جميع ذلك، والمَكْرُ: المخاتلة والتداهي تقول:
فلانٌ يَمْكُرُ بفلان إِذا كان يستدرجه، وهذا المكر الذي ذكر اللَّه تعالى في هذه الآية هو بإِجماع من المفسِّرين: إِشارةٌ إِلى اجتماع قُرَيْش في «دار النَّدْوَةِ» بمحْضَر إِبْليسَ في صورة شيخٍ نَجْدِيٍّ على ما نصَّ ابن إِسحاق في «سِيَرِهِ» الحديثَ بطوله، وهو الذي كان خُرُوجُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه، ولا خلاف أن ذلك كان بَعْدَ مَوْت أبي طالب، ففي القصَّة: أن أبا جهْلٍ قال: الرأْيُ أنْ نأخذ من كل بطنٍ في قريشٍ فَتًى قويًّا جَلْدياً، فيجتمعون ثم يأخُذ كُلُّ واحد منهم سيفاً، ويأتون محمداً في مَضْجَعه، فيضربونه ضَرْبةَ رجُلٍ واحدٍ، فلا تَقْدِرُ بَنُو هاشِمٍ على قِتالِ قُرَيْشَ بأسرها، فيأخذون العَقْلَ، ونستريحُ منه، فقال النَّجْدِيُّ: صدق الفَتَى هذا الرأيُ: لَا رَأْيَ غيره، فافترقوا عَلَى ذلك، فأخبر اللَّه تعالَى بذلك نبيّه صلى الله عليه وسلم، وأذن له في الخُرُوجِ إِلى المدينة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من ليلته، وقال لعليّ بن أبي
(1) أخرجه الطبري (6/ 224) برقم: (15963) ، وذكره ابن عطية (2/ 518) ، والبغوي عن عكرمة (2/ 243) ، وابن كثير (2/ 301) ، والسيوطي (3/ 324) .
(2)
أخرجه الطبري (223) برقم: (1590، 15958) ، وذكره ابن عطية (2/ 518) .
(3)
ينظر البيت في: «البحر المحيط» (4/ 481) ، و «الدر المصون» (414) ، و «القرطبي» (7/ 396) . [.....]
طالب: «التف في بُرْدِيَ الحَضْرَمِيِّ، واضطجع فِي مَضْجَعِي فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّكَ شَيْء، فَفَعَل» ، فجاءَ فتْيَانُ قُرَيْشٍ، فجعلوا يرصُدُون الشخْصَ، وينتظرون قيامه، فيثورون به، فلما قام رَأَوْا عَلِيًّا، فقالوا له: أيْنَ صَاحِبُكَ؟ فقال: لا أدْرِي، وفي «السّير» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَيْهِم، وهُمْ في طريقه، فطَمَسَ اللَّه أعينهم عَنْه، وجعل عَلَى رأس كلِّ واحد منهم تراباً، ومضَى لوجهه، فجاءهم رجُلٌ، فقال: مَا تَنْتَظِرُونَ؟ قَالُوا: محمَّداً، قال: إِنِّي رأَيْتُهُ الآن جائياً من ناحيتكم، وهو لا مَحَالَة، وضَعَ الترابَ علَى رؤوسكم، فَمَدّ كلُّ واحدٍ يده إِلى رَأْسِهِ، فإِذا عليه الترابُ، وجاؤوا إلى مضجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فَوَجدوا عَلِيًّا، فركبوا وراءه حينئذٍ كُلَّ صَعْبٍ وذَلُولٍ، وهو بالغارِ، ومعنى: لِيُثْبِتُوكَ: لِيَسْجُنُوكَ قاله عطاء وغيره «1» وقال ابنُ عَبَّاس وغيره: ليُوثِقُوكَ «2» .
وقوله سبحانه: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا، يعني: القرآن، قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا، وقولهم: إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، أي: قَصَصُهُمُ المَكْتُوبةُ المسْطُورة، وأساطيرُ: جمع «أسطورة» ، ويحتمل جمع:«أَسْطَار» ، وتواترتِ الرواياتُ عن ابنِ جُرَيْج وغيره: أن قائل هذه المقالة هو النضر بن الحارِثِ وذلك أنه كان كَثِيرَ السَّفَرِ إِلى فَارسَ والحِيرَة، فكان قد سَمِعَ من قصص الرهبان وأخبار رُسْتُم وإسْفِنْديَار، فلما «3» سمع القرآن، ورأى فيه أخبار الأنبياء والأمم، قال: لو شئت لقلْتُ مثْلَ هذا، وكان النضْرُ من مردة قريش النائلين من النبيّ صلى الله عليه وسلم، ونزلَتْ فيه آيات كثيرة من كتاب اللَّه عز وجل، وأمْكَنَ اللَّه منْهُ يَوْمَ بدر، وقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم صَبْراً بالصَّفْرَاء مُنْصَرَفَهُ من بَدْرٍ في موضعٍ يقال له «الأَثيل» ، وكان أَسَرَهُ المِقْدادُ، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عُنْقِهِ، قال المقداد:
أَسِيرِي، يا رَسُولَ الله! فقال/ رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ في كِتَابِ اللَّهِ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ» ، ثُمَّ أَعَادَ الأَمْرَ بِقَتْلِهِ، فَأَعَادَ المقداد مقالته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُمَّ، أَغْنِ المِقْدَادَ مِنْ فَضْلِكَ» ، فَقَالَ المِقْدَادُ: هذا الّذي أردت، فضربت عنق النّضر «4» .
(1) أخرجه الطبري (6/ 225) برقم: (15975) ، وذكره ابن عطية (2/ 519) ، والبغوي (2/ 244) ، وابن كثير (2/ 302) نحوه.
(2)
أخرجه الطبري (6/ 225) برقم: (15971) ، وذكره ابن عطية (2/ 519) ، والبغوي (2/ 244) ، وابن كثير (2/ 203) ، والسيوطي (3/ 326) .
(3)
أخرجه الطبري (6/ 229) برقم: (15991) ، وذكره ابن عطية (2/ 520) ، والبغوي (2/ 245) ، وابن كثير (2/ 304) ، والسيوطي (3/ 327) .
(4)
أخرجه أبو داود في «المراسيل» (ص 248- 249) برقم: (337) عن سعيد بن جبير مرسلا.