الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالى مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيا واتقوا النِّسَاءَ» «1» لِنَبْلُوَهُمْ أي: لنختبرهم، وفي هذا وعيدٌ مَّا.
قال سفيانُ الثَّوْريُّ: أحسنهم عملاً: أزهدهم فيها «2» ، وقال أبو عاصم العَسْقَلَانِيُّ:
أَحْسَنُ عَمَلًا. الترك لها «3» .
قال ع «4» : وكان أبي رحمه الله يقولُ: أحسن العَمَلِ: أخْذٌ بحقٍّ، وإِنفاقٌ في حقٍّ، وأداء الفرائض، واجتناب المحارِمِ، والإِكثار من المندوب إِليه.
وقوله سبحانه: وَإِنَّا لَجاعِلُونَ مَا عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً أي: يرجع ذلك كُّله تراباً، «والجُرُز» : الأرض التي لا شيء فيها مِنْ عمارةٍ وزينةٍ، فهي البَلْقَعُ، وهذه حالة الأرض العَامِرَةِ لا بُدَّ لها من هذا في الدنيا جزءاً جزءاً من الأرض، ثم يعمُّها ذلك بأجمعها عند القيامة، و «الصعيدُ» وجْه الأرض، وقيل:«الصّعيد» : التراب خاصّة.
[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 10]
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10)
وقوله سبحانه: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً، أي:
ليسوا بعجب من آياتِ اللَّهِ، أي: فلا يَعْظُمْ ذلك عليك بحسب ما عَظَّمه السائلون، فإِن سائر آيات اللَّه أعظَمُ من قصتهم، وهو قول ابن عباس «5» وغيره، واختلف الناس في الرَّقِيمِ ما هو؟ اختلافاً كثيراً، فقيل:«الرقيم» كتابٌ في لوحِ نُحَاسٍ، وقيل: في لوحِ رَصَاصٍ، وقيل: في لوحِ حجارةٍ كتبوا فيه قصَّة أهْل الكهفِ، وقيل غير هذا، وروي عن ابن عباس
(1) أخرجه مسلم (4/ 2098) كتاب «الرقائق» باب: أكثر أهل الجنة الفقراء، حديث (99/ 2742)، والترمذي (4/ 483) كتاب «الفتن» باب: ما جاء ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة، حديث (2191)، وابن ماجه (2/ 1325) كتاب «الفتن» باب: فتنة النساء، حديث (4000) ، وأحمد (3/ 19، 22، 46)، وأبو يعلى (2/ 352- 353) برقم:(1101) ، وابن حبان (3221) من حديث أبي سعيد الخدري.
(2)
ذكره ابن عطية (3/ 497) ، والسيوطي (4/ 383) ، وعزاه لابن أبي حاتم.
(3)
أخرجه الطبري (8/ 178) برقم: (22878) ، وذكره ابن عطية (3/ 497) . [.....]
(4)
ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 497) .
(5)
أخرجه الطبري (8/ 180) برقم: (22890) بنحوه، وذكره ابن كثير (3/ 73) ، والسيوطي (4/ 384) بنحوه، وعزاه لابن أبي حاتم.
أنه قال: ما أدْرِي مَا الرَّقِيم «1» ؟
قال ع «2» : ويظهر من هذه الرواياتِ أنهم كانوا قوماً مؤَرِّخين، وذلك مِنْ نُبْل المملكة، وهو أمر مفيدٌ.
وقوله سبحانه: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ: الْفِتْيَةُ، فيما روي قوم من أبناء أشرافِ مدينةِ دِقْيُوس المَلِكِ الكافِرِ، ويقال فيه «دقيانوس» ، وروي أنهم كانوا مُطَوَّقين مسَوَّرين بالذهب، وهم من الروم، واتبعوا دينَ عيسَى، وقيل: كانوا قبل عيسَى، واختلف الرواةُ في قصصهم، ونذْكُر من الخلافِ عُيُونَه، وما لا تستغني الآية عنه: فروي عن مجاهدٍ عن ابن عباس، أن هؤلاء الفتية كانوا في دينِ مَلِكٍ يعبد الأصنام «3» ، فوقَع للفتيةِ عِلْمٌ من بعض الحواريِّين، حَسْبما ذكره النَّقَّاش، أو من مؤمني الأمم قبلهم، فآمنوا باللَّه، ورأَوا ببصائرهم قَبِيحَ فعْل الناس، فرفع أمرهم إِلى المَلِك، فاستحضَرَهُمْ، وأمرهم بالرجُوعِ إِلى دينه، فقالوا/ له فيما روي: رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
…
[الكهف: 14] الآية، فقال لهم الملك: إِنَّكُمْ شُبَّانٌ أغْمَارٌ، لا عَقْل لكم، وأَنا لا أعْجَلُ عليكم، وضَرَبَ لهم أجلاً ثم سافر خِلَالَ الأجَلِ، فتشاور الفتْيَةُ في الهروبِ بأديانهم، فقال لهم أحَدُهم: إِني أعْرِفُ كهْفاً في جَبَلِ كذا، فلنذهب إِليه.
وروت فرقةٌ إنَّ أمر أصحاب الكهْف إنما كان أنهم من أبناء الأشْرَافِ، فحضر عيدٌ لأهْلِ المدينة، فرأى الفتْيَةُ ما ينتحله الناسُ في ذلك العِيدِ من الكُفْرِ وعبَادة الأصنام، فوقع الإِيمانُ في قلوبهم، وأجمعوا على مفارقة دِينِ الكَفَرة، وروي أنهم خَرَجُوا، وهُمْ يلعبون بالصَّوْلَجَانِ والكَرة، وهم يدحرجونها إِلى نحو طريقهم لئلَاّ يشعر الناس بهم حتى وصلوا إِلى الكهف، وأما الكلب فرِوِيَ أنه كان كَلْبَ صيدٍ لبعضهم، وروي أنهم وجدوا في طريقهم رَاعياً له كلْبٌ، فاتبعهم الراعي على رأيهم، وذهب الكلْبُ معهم، فدخلوا الغَارَ، فروت فرقة أن اللَّه سبحانه ضَرَبَ على آذانهم عند ذلك، لما أراد مِنْ سَتْرهم وخَفِيَ على أهْل المملكة مكانُهم، وعَجِبَ الناسُ من غَرَابة فَقْدهم، فأرَّخوا ذلك ورقَّموه في لوحَيْنِ من رصاصٍ أو نحاسٍ، وجعلوه على باب المدينةِ، وقيل على الرواية: إن الملك بنى باب
(1) أخرجه الطبري (8/ 182) برقم: (22905) ، وذكره ابن عطية (3/ 498) ، وابن كثير (3/ 73) ، والسيوطي (4/ 384) ، وعزاه لابن جرير من طريق ابن جريج.
(2)
ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 497- 498) .
(3)
ذكره ابن عطية (3/ 498) .