الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابنُ العربيِّ: ولا شكَّ أن الضيْفَ كريمٌ، والضِّيافة كرامَةٌ، فإِن كان عديماً، فهي فريضة انتهى، وأَوْجَسَ معناه: أحس والتوجيس: ما يعتري النفْسَ عنْد الحَذَرِ، وأوائلِ الفَزَعِ.
وقوله سبحانه: فَضَحِكَتْ قال الجمهور: هو الضَّحِكُ المعروفُ، وذكر الطبري «1» أن إِبراهيم عليه السلام لَمَّا قَدَّم العجْل، قالوا له: إِنَّا لا نأكل طعاماً إِلَاّ بثمنٍ، فقال لهم:
ثمنُهُ: أنْ تذْكُروا اللَّه تعالَى عليه في أَوَّله، وتَحْمَدوه في آخره، فقال جبريلُ لأصحابه: بحَقٍّ اتخذ اللَّهُ هَذَا خَلِيلاً، ثم بَشَّر الملائكةُ سَارَّة بإِسحاق، وبأَنَّ إِسحاقَ سَيَلِدُ يعقُوبَ، ويسمَّى ولَدُ الوَلَد وراء، وهو قريبٌ من معنى «وراء» في الظرف، إِذ هو ما يكونُ خَلْف الشيء وبَعْده.
وقال ص: «وراء» هنا: استعمل غَيْرَ ظرفٍ، لدخولِ «مِنْ» عليه، أي: ومن بعد إسحاق. انتهى.
وقولها: يا وَيْلَتى: الألفُ بَدَلٌ من ياء الإِضافة، أصلها: يَا وَيْلَتِي، ومعنى:
«يَا وَيْلَتَا» في هذا الموضع: العبارةُ عَمَّا دَهَمَ النَّفْسَ من العَجَبِ في ولادة عجوز، ومِنْ أَمْرِ اللَّهِ: واحدُ الأمور.
وقوله سبحانه: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ: يحتمل أنْ يكون دعاءً، وأنْ يكون خبراً.
ص: ونصبُ أَهْلَ الْبَيْتِ على النداءِ أو على الاختصاص، أو على المَدْحِ، انتهى. وهذه الآية تعطي أَنَّ زوجة الرجل مِنْ أَهْلِ بيتِهِ.
ت: وهي هُنَا منْ أهْل البيت على كلِّ حال، لأنها من قرابَتِهِ، وابنة عَمِّه، و «الْبَيْتُ» ، في هذه الآية، وفي «سورة الأحزاب» بيتُ السكْنَى.
وقوله: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا: أي: أخذ يُجادِلُنا «في قوم لوط» .
[سورة هود (11) : الآيات 75 الى 76]
إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)
(1) ذكره الطبري (7/ 70- 71) بنحوه برقم: (18328) .
وقوله تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ وُصِفَ عليه السلام بالحِلْمِ، لأنه لم يغضَبْ قطُّ لنفسه إِلَاّ أَنْ يغضب للَّه، وأمْرُهُ بالإِعراض عن المُجَادلة يقتضي أنها إِنَّما كانَتْ في الكفرة، حرصا على إسلامهم، وأَمْرُ رَبِّكَ واحدُ الأمور، أي: نفذ فيهم قضاؤُهُ سبحانه، وهذه الآية مقتضيةٌ أنَّ الدعاء إِنما هو أنْ يوفِّق اللَّه الداعِيَ إِلى طَلَب المَقْدور، فأما الدُّعاء في طَلَبِ غير المقدورِ، فغير مُجْدٍ ولا نافع.
ت: والكلام في هذه المسألة متَّسعٌ رَحْبٌ، ومن أحسن ما قيل فيها قولُ الغَزَّالِيِّ في «الإِحياء» : فإِنْ قلت: فما فائدة الدعاء، والقضاء لا يرد؟ فالجوابُ: أَنَّ من القضاءِ رَدَّ البلاءِ بالدعاءِ، فالدعاءُ سَبَبٌ لردِّ البلاء، واستجلاب الرحمة كما أن التُّرْسَ سبَبٌ لردِّ السهم، والماء سبَبٌ لخروجِ النباتِ، انتهى. وقد أطال في المسألة، ولولا الإِطالة لأَتَيْتُ بِنُبَذٍ يثلج لها الصِدْرُ، وخرَّجَ الترمذيُّ في «جامعه» عن أبي خزامة، واسمه رفاعة، عن أبيه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول/ الله، أرأيت رقى نسترقيها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال:«هي من قدر اللَّهُ» «1» ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وفي بعض نُسَخِهِ: حسنٌ صحيحٌ، انتهى.
فليس وراء هذا الكلام من السيِّد المعصوم مرمًى لأَحدٍ، وتأمَّل جواب الفارُوق لأبِي عُبَيْدة، حِينَ هَمَّ بالرجوعِ مِنْ أجْلِ الدخول علَى أرض بها الطاعون، وهي الشام «2» .
(1) أخرجه الترمذي (4/ 399- 400) كتاب «الطب» باب: ما جاء في الرقى والأدوية، حديث (2065)، وابن ماجه (2/ 1137) كتاب «الطب» باب: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، حديث (3437) ، كلاهما من طريق الزهري، عن أبي خزامة عن أبيه، به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ولا نعرف لأبي خزامة عن أبيه غير هذا الحديث. وأخرجه الحاكم (4/ 402)، والطبراني في «الكبير» (3/ 214- 215) رقم:(3090) من طريق صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن عروة، عن حكيم بن حزام به، وسكت عنه الحاكم والذهبي، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/ 88)، وقال: رواه الطبراني، وفيه صالح بن أبي الأخضر، وهو ضعيف، يعتبر حديثه.
(2)
هذا القول ورد في حديث صحيح، أخرجه البخاري (10/ 189) كتاب «الطب» باب:«ما يذكر في الطاعون» رقم: (5729) .
من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان يسرع لقيه أمراء الأجناد، أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام- قال ابن عباس: فقال عمر: «ادع لي المهاجرين الأولين، فدعاهم فاستشارهم، فأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا عليه.
قال بعضهم: قد خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه. -