الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة الإسراء (17) : الآيات 82 الى 84]
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَاّ خَساراً (82) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (84)
وقوله سبحانه: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ
…
الآية: أي شفاءٌ بحسب إِزالته للرَّيْب، وكشفه غطاء القَلْب، وشفاءٌ أيضاً من الأمراض بالرقى والتعويذِ ونحوه.
وقوله سبحانه: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ: يحتمل أن يكون الْإِنْسانِ عامَّا للجنْسِ، فالكافرُ يبالغ في الإعراض، والعاصي يأخذ بحظّ منه وَ (نَأَى) أي: بَعُد، قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ، أي: على ما يليق به، قال ابن عباس: عَلى شاكِلَتِهِ معناه: على ناحيته «1» ، وقال قتادة: معناه: على ناحيته وعلى ما ينوي «2» . وقوله سبحانه: فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا توعّد بيّن.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 85 الى 87]
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً (85) وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (86) إِلَاّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (87)
وقوله سبحانه: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ روى ابن مسعود أن اليهود قال بعضُهم لبعْض: سَلُوا محمداً عن الرُّوحِ فإِن أجاب فيه، عرفْتم أنه ليس بنبي.
قال ع «3» : وذلك أنه كان عندهم في التوراة أَن الروح ممَّا انفرد اللَّه بعلْمه، ولا يَطَّلع عليه أحَدٌ من عباده، فسألوه، فنزلَتِ الآية.
وقيل: إن الآية مكِّية، والسائلون هم قريشٌ، بإِشارة اليهودِ، واختلف الناس في الرّوح المسئول عَنْه، أيُّ رُوحٍ هو؟ فقال الجمهُور: وقع السؤال عن الأرواحِ التي في الأشخاصِ الحيوانيَّة ما هي، فالرُّوح: اسم جنسٍ على هذا، وهذا هو الصوابُ، وهو المُشِكْل الذي لا تفسير له.
(1) أخرجه الطبري (8/ 141) برقم (22670) وذكره البغوي (3/ 133) وابن عطية (3/ 481) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 60) والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 361) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(2)
أخرجه الطبري (8/ 141) برقم: (22673) ، وذكره البغوي (3/ 133) بنحوه، وابن عطية (3/ 481) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 60) بنحوه.
(3)
ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 481) . [.....]
وقوله سبحانه: مِنْ أَمْرِ رَبِّي يحتملُ أن يريد أنَّ الرُّوح مِنْ جملة أمور اللَّه التي استأثر سبحانه بعلْمها، وهي إِضافةُ خَلْقٍ إِلى خَالِقٍ، قال ابنُ رَاشِدٍ في «مرقبته» : أخبرني شيخي شهابُ الدِّينِ القَرِافِيُّ عن ابْنِ دَقِيقِ العِيد أنَهَ رأى كتاباً لبعض الحكماءِ في حقيقة النفْسِ، وفيه ثَلَاثُمِائَةِ قولٍ، قال رحمه الله: وكثرُة الخلافِ تؤذنُ بكثرة الجهالاتِ، ثم علماءُ الإِسلام اختلفوا في جوازِ الخَوْضِ فيها على قولَيْن، ولكلٍّ حُجَجٌ يطُولُ بنا سَرْدُها، ثم القائلون بالجوازِ اختلفوا، هَلْ هي عَرَضٌ أو جوهرٌ، أو ليستْ بجوهرٍ ولا عرضٍ، ولا توصَفُ بأنها داخلُ الجسمِ ولا خارجُه، وإِليه ميل الإِمام أبي حامد وغيره، والذي عليه المحقِّقون من المتأخِّرين أنها جسْمٌ نوارنيٌّ شفَّافٌ سارٍ في الجسْمِ سَرَيانَ النارِ في الفَحْم والدليلُ على أنها في الجسْم قوله تعالى: فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ [الواقعة: 83] فلو لم تكن في الجِسْمِ، لما قال ذلك، وقد أخبرني الفقيهُ الخطيبُ أبو/ محمد البرجيني رحمه الله عن الشيخ الصّالح أبي الطاهر الرّكراكيّ رحمه الله قال: حَضَرْتُ عند وَلِيٍّ من الأولياء حين النَّزْعِ، فشاهدتُّ نَفْسَهُ قد خَرَجَتْ من مواضع من جَسَده، ثم تشكَّلت على رأْسِه بشَكْله وصُورَته، ثم صَعِدت إِلى السماء، وصَعِدت نفْسي معها، فلما انتهينا إلى السماء الدنيا، شاهَدتُّ باباً ورجْلَ مَلَكٍ ممدودةً عليه، فأزال ذلك المَلَكُ رِجْله، وقال لنفْسِ ذلك الوليِّ:
اصْعَدِي، فَصَعِدَتْ، فأرادَتْ نفْسي أنْ تَصْعَدَ معها، فقال لها: ارْجِعي، فقد بقي لك وقْتٌ، قال: فرجعت فشاهدت الناسَ دائرين على جسْمي، وقائلٌ يقولُ: ماتَ، وآخر يقول: لم يَمُتْ، فدخلَتْ من أنْفي، أو قال: مِنْ عَيْني، وقَمْتُ. انتهى.
ت: وهذه الحكايةُ صحيحةٌ، ورجال إِسنادها ثقاتٌ معروفون بالفَضْل، فابنَ راشِدٍ هو شارِحُ ابنِ الحاجِبِ الفَرْعِيِّ، والبرجينيُّ معروفٌ عند أهْل إفريقيّة وأبو الطاهر من أكابر الأولياء معظّم عند أهل تُونُسَ، مزاره وقبره بالزلاج معروفٌ زرته رحمه الله، وقرأ الجمهور «1» :«وما أوتيتم» ، واختلف فيمَنْ خوطب بذلك، فقالت فرقة: السَّائِلُونَ فقَطْ، وقالت فرقة: العالم كلّه، وقد نص على ذلك صلى الله عليه وسلم على ما حكاه الطبريُّ «2» .
وقوله: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ
…
الآية: المعنى وما أوتيتم أنْت يا محمَّد، وجميعُ الخلائق من العلْم إِلا قليلاً، فاللَّه يُعلِّم مَنْ علَّمه بما شاء، ويَدَعُ ما شاء، ولو شاء لذهب بالوحْيِ الذي آتاك، وقوله إِلَّا رَحْمَةً استثناءٌ منقطعٌ، أي: لكن رحمة من ربّك تمسك
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 482) .
(2)
ينظر: «الطبري» (8/ 144) .