الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- بكسر اللام من «لِتَزُولَ» وفتح الأخيرة- وهذا على أن تكون «إِنْ» نافيةً بمعنى «مَا» ، ومعنى الآية تحقيرُ مَكْرِهم، وأنه مَا كَانَ لِتَزُولَ منه الشرائعُ والنبوَّاتُ وإِقدارُ اللَّه بها التي هي كالْجِبَالِ في ثبوتها وقوَّتها، هذا تأويلُ الحَسَن وجماعة المفسِّرين «1» وتحتملُ عندي هذه القراءةُ أنْ تكونَ بمعنى تَعْظِيمِ مَكْرهم، أي: وإِن كان شديداً، وقرأ الكسائيّ:«وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبَالُ» - بفتح اللام الأولَى من لَتَزُولُ، وضمِّ الأخيرة-، وهي قراءة ابن عبَّاس «2» وغيره، ومعنى الآية: تعظيمُ مكرِهِمْ وشدَّتُه، أي: أنه مما يشقى به، ويزيلُ الجبالَ عن مستقرَّاتها، لقوَّته، ولكنَّ اللَّه تعالى أبطله ونَصَرَ أولياءه، وهذا أشَدُّ في العبرة، وقرأ علي وابن مسعود وعمر بن الخطاب وأبيٌّ:«وإِنْ كَادَ مَكْرُهُمْ» ، وذكر أبو حاتم أنَّ في قراءة أبيٍّ:«وَلَوْلَا كَلِمَةُ اللَّهِ لَزَالَ مِنْ مَكْرِهِمُ الجِبَالُ» .
وقوله سبحان: فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ
…
الآية: تثبيت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ولغيره من أمَّته، ولم يكُنِ النبيُّ عليه السلام ممَّن يَحْسَبَنَّ مثْلَ هذا، ولكنْ خَرجَتِ العبارةُ هكذا، والمراد بما فيها من الزجْرِ غَيْرُهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ: لا يمتنعُ منْه شيء، ذُو انتِقامٍ: من الكفرة.
[سورة إبراهيم (14) : الآيات 48 الى 52]
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (49) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (51) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52)
وقوله سبحانه: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ
…
، الآية: يَوْمَ ظِرفٌ للانتقامِ المذْكُورِ قبله، وروي في تَبْدِيلِ الأرض أَخْبَارٌ منها في الصَّحِيحِ:«يُبَدِّلُ اللَّهُ هَذِهِ الأَرْضَ بأَرْضٍ عَفْرَاءَ بَيْضَاءَ كَأَنَّهَا قرصة نَقي» ، وفي الصحيح: «إِنَّ اللَّهَ يُبَدِّلُهَا خُبْزَةً يأكل المؤمن منها من
336) ، و «شرح الطيبة» (4/ 402) ، و «العنوان» (115) ، و «حجة القراءات» (379) ، و «شرح شعلة» (452) ، و «النشر» (2/ 300) ، و «الشواذ» (69) ، و «إتحاف» (2/ 171) .
(1)
أخرجه الطبري (7/ 477) برقم: (20937) ، وذكره البغوي (3/ 40) ، وابن عطية (3/ 346) ، وابن كثير في «تفسيره» (2/ 542) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 165) ، وعزاه لابن جرير.
(2)
نعم، قرأها هكذا ابن عباس، وابن مسعود، وعلي، وعمر، وأبيّ، وأبو إسحاق السبيعي، ولكن بإبدال «كاد» مكان «كان» .
ينظر: «الشواذ» ص: (74) ، و «المحتسب» (1/ 365) ، و «المحرر الوجيز» (3/ 346) ، و «البحر المحيط» (5/ 426) ، و «الدر المصون» (4/ 280) .
تَحْتِ قَدَمَيْهِ» «1» وروي أنها تبدَّلُ أَرضاً من فِضَّةٍ، وروي أنها أرض كالفضَّة مِنْ بياضها، وروي أنها تبدَّل من نارٍ.
قال ع «2» : وسمعتُ من أبي رحمه الله أنه روي أنَّ التبديل يَقَعُ في الأرضِ، ولكنْ يبدَّل لكلِّ فريقٍ بما يقتضيه حالُهُ، فالمُؤْمِنُ يكُونُ على خُبْزٍ يأكُلُ منه بحَسَبِ حاجته إِليه، وفريقٌ يكونُ على فضَّة، إِن صحَّ السند بها، وفريقُ الكَفَرَةِ يَكُونُونَ على نارٍ، ونحو هذا ممَّا كله واقِعٌ تحْتَ قدرةِ اللَّهِ عز وجل، وأكثر المفسِّرين على أنَّ التبديلَ يكونُ بأرضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ لَمْ يُعْصَ اللَّهُ فيها، ولا سُفِكَ فِيهَا دَمٌ، وَلَيْسَ فِيهَا معلم لأحد، وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:«المؤمنون وقْتَ التبديل في ظلِّ العرش» ، وروي عنه أنه قال:«النَّاسُ وقْتَ التبديل/ على الصِّراط» ، ورُوِيَ أنه قال: الناسُ حينئذٍ أضْيَافُ اللَّهِ، فلا يُعْجِزُهُم ما لَدَيْهِ» «3» وفي «صحيح مسلم» من حديث ثَوْبَان في سؤال الحَبْرِ، وقوله: يا مُحَمَّدُ، أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ والسموات؟ فقال صلى الله عليه وسلم:«هُمْ فِي الظُلْمَةِ دُونَ الجسر» «4» الحديثَ بطوله، وخرَّجه مسلمٌ وابنُ مَاجَه جميعاً، قالا: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شَيْبَةَ، ثم أسنَدَا عن عائشة، قالت:«سئل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ فَأَيْنَ يَكُونُ النَّاسِ؟ قَالَ: عَلَى الصِّرَاطِ» «5» ، وخرَّجه الترمذيُّ من حديث عائشة، قالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ
(1) أخرجه البخاري (11/ 379) كتاب «الرقاق» باب: يقبض الله الأرض يوم القيامة، حديث (6519) من حديث أبي سعيد الخدري. [.....]
(2)
ينظر: «المحرر» (3/ 347) .
(3)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (7/ 483) برقم: (20976) ، عن أبي أيوب الأنصاري به، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (4/ 169) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، وأبي نعيم في «الدلائل» .
(4)
أخرجه مسلم (2/ 230- 231- نووي)، كتاب «الحيض» باب: بيان صفة مني الرجل والمرأة، حديث (34/ 315) ، والبيهقي (1/ 169) من حديث ثوبان به.
(5)
أخرجه مسلم (4/ 2150) كتاب «صفات المنافقين» باب: في البعث والنشور، حديث (29/ 279)، والترمذي (5/ 296) كتاب «التفسير» باب: ومن سورة إبراهيم، حديث (3121)، وابن ماجه (2/ 1430) كتاب «الزهد» باب: ذكر البعث، حديث (4279) ، وأحمد (6/ 35، 218) ، والدارمي (2/ 328) ، وابن حبان (331) ، والحاكم (2/ 352) من حديث عائشة به، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
قلت: وقد وهما في ذلك فقد أخرجه مسلم.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (4/ 167) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.
مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: 67]، فَأَيْنَ يَكُونُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ:«عَلَى الصِّرَاطِ يَا عَائِشَةُ» «1» ، قال أبو عيسَى: هذا حديثٌ حسن صحيح. انتهى من «التذكرة» «2» .
وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ: أي الكفّار، ومُقَرَّنِينَ: أي: مربوطين في قَرْنٍ، وهو الحَبْلُ الذي تشدّ به رؤوس الإبل والبقر، والْأَصْفادِ: هي الأغلال، واحِدُها صَفَد، والسَّرابيل:
القُمُصُ، وال قَطِرانٍ: هو الذي تهنأ به الإِبل، وللنار فيه اشتعال شديدٌ، فلذلك جعل اللَّهُ قُمُصَ أهْلِ النارِ منه، وقرأ عمر بن الخطاب وعليٌّ وأبو هريرة وابنُ عبَّاس وغيرهم «3» :
«مِنْ قِطْرٍ آنٍ» ، والقِطْر: القَصْدِير، وقيل: النُّحَاس، وروي عن عمر أنَّه قال: ليس بالقَطِرَانِ، ولكنَّه النُّحَاس يسر بلونه «4» ، و «آن» : صفة، وهو الذائبُ الحارُّ الذي تناهَى حَرُّه قال الحَسَن: قد سُعِّرَتْ عليه جهنَّم منْذُ خُلِقَتْ، فتناهَى حَرُّه «5» .
وقوله سبحانه: لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ
…
الآية: جاء من لفظة الكَسْب بما يعم المُسِيءَ والمُحْسِنَ لينبِّه على أنَّ المحسن أيضاً يجازَى بإِحسانه خيراً.
وقوله سبحانه: هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ
…
الآية: إِشارةٌ إِلى القرآن والوعيدِ الذي تضمنَّه، والمعنى: هذا بلاغٌ للناس، وهو لينذروا به وليذَّكَّر أولو الألباب، وصلَّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
(1) انظر الحديث السابق.
(2)
ينظر: «التذكرة» (1/ 263) .
(3)
وقرأ بها عكرمة، وعلقمة، وسعيد بن جبير، وابن سيرين، والحسن، وسنان بن سلمة بن المحبّق، وعمرو بن عبيد، والكلبي، وأبو صالح، وعيسى بن عمر الهمداني، وقتادة، والربيع بن أنس، وعمرو بن فائد.
ينظر: «الشواذ» ص: (74) ، و «المحتسب» (1/ 366) ، و «المحرر الوجيز» (3/ 348) ، و «البحر المحيط» (5/ 428) ، و «الدر المصون» (4/ 283) .
(4)
ذكره ابن عطية (3/ 348) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 170) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(5)
أخرجه الطبري (7/ 486) برقم: (20993) ، وذكره ابن عطية (3/ 348) .