الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ: أي: اختلف الناسُ عَلَيْه، فلا يَعْظُم عليك، يا محمَّد، أمْرُ مَنْ كذَّبك.
وقال ص: «فيه» : الظاهرُ عودُهُ على الكتاب، ويجوزُ أنْ يعود على موسَى، وقيل:«في» بمعنى «على» ، أي: عليه، انتهى.
والكلمة هنا عبارةٌ عن الحُكْم والقضاء لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ: أي: لَفُصِلَ بين المُؤمن والكافر بنعيم هذا وعذاب هذا، ووَصَفَ الشَّك بالريب تقويةً لمعنى الشك، فهذه الآية يحتملُ أنْ يكونَ المراد بها أمة موسَى، ويحتمل أن يراد بها معاصرو النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأنْ يعمهم اللفظ أحْسَن، ويؤيِّده قوله: وَإِنَّ كُلًّا، وقرأ نافع «1» وابن كثير:«وإِنْ كُلاًّ لَمَا» وقرأ أبو عمرو، والكسائِيُّ بتشديد «إِنَّ» ، وقرأ حمزة وحَفْص بتشديد «إِنَّ» ، وتشديد «لَمَّا» ، فالقراءتان المتقدِّمتان بمعنًى ف «إِنَّ» فيهما على بابها، و «كُلاًّ» ، اسمها، وعُرْفُها أنْ تدخل على خبرها لامٌ، وفي الكلام قَسَمٌ تدخُلُ لامه أيضاً على خبر «إِنَّ» ، فلما اجتمع لامَانِ، فُصِلَ بينهما ب «ما» هذا قول أبي عليٍّ، والخبر في قوله: لَيُوَفِّيَنَّهُمْ، وهذه الآية وعيدٌ، ومعنى الآية: أنَّ كل الخَلْقِ موفّى في عمله.
وقوله عز وجل: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستقامة، / وهو عليها إِنما هو أمر بالدَّوَام والثبوت، وهو أمر لسائر الأمَّة، وروي أنَّ بعض العلماء رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم في النوْمِ، فقال: يَا رَسُولَ اللَّه، بَلَغَنَا عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ:«شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا» ، فَمَا الَّذِي شَيَّبَكَ مِنْ هُودٍ؟ فَقالَ لَهُ قَوْلُهُ عز وجل: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ «2» .
قال ع «3» : والتأويل المشهور في قوله عليه السلام: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا» أَنه إِشارة إِلى ما فيها مما حَلَّ بالأُممِ السالفةِ، فكأَنَّ حَذَرَهُ على هذه مثل ذلك شيّبه عليه السلام.
[سورة هود (11) : الآيات 113 الى 115]
وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113) وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)
(1) ينظر: «السبعة» (339) ، و «الحجة» (4/ 381) ، و «إعراب القراءات» (1/ 294) ، و «شرح الطيبة» (4/ 373) ، و «العنوان» (108) ، و «شرح شعلة» (432- 433) ، و «الإتحاف» (2/ 135) .
(2)
تقدم تخريجه في سورة «هود» دون قول: «فاستقم كما أمرت» .
(3)
ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 209) .
وقوله تعالى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا
…
الآية: الرُّكُون: السُّكون إِلى الشيْء، والرضا به، قال أبو العالية: الركُونُ: الرِّضَا. قال ابنُ زَيْد: الرُّكُون: الادهان «1» .
قال ع «2» : فالركون يقع على قليلِ هذا المعنَى وكثيرِهِ، والنهْيُ هنا يترتَّب من معنى الركُونِ على المَيْلِ إِلَيهم بالشِّرْك معهم إِلى أقلِّ الرُّتَبِ مِنْ ترك التّغيير عليهم مع القدرة، والَّذِينَ ظَلَمُوا هنا: هم الكَفَرَة، ويدخُلُ بالمعنى أَهْلُ المعاصي.
وقوله سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ
…
الآية: لا خلاف أنَّ الصَّلاةَ في هذه الآية يرادُ بها الصلواتُ المفروضةُ، واختلفَ في طرفَيِ النَّهار وزُلَفِ اللَّيْل، فقيل:
الطَّرَف الأوَّل: الصُّبْح، والثَّاني: الظُّهْر والعَصْر، والزُّلَف: المغرب والعشاء قاله مجاهد وغيره «3» ، وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ فِي المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ:«هُمَا زُلْفَتَا اللَّيْلِ» «4» وقيل:
الطَرَفُ الأوَّل: الصبحُ، والثاني: العصر قاله الحسن وقتادة «5» ، والزُّلَف: المغرب والعشاء، وليست الظهر في هذه الآية على هذا القول، بل هي في غيرها.
قال ع «6» : والأول أحسن الأقوالِ عِنْدِي، ورجَّح الطبريُّ «7» القوْلَ بأن الطرفين الصُّبْح والمغرب، وهو قول ابن عبَّاس وغيره، وإِنه لظاهر، إِلا أن عموم الصلوات الخمْسِ بالآية أَولَى، والزّلَف: الساعاتُ القريبُ بعضُها من بَعْضٍ.
وقوله تعالى: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ، ذهب جمهورُ المتأوِّلين من صَحَابَةٍ وتابعينَ إِلى أن الحسناتِ يرادُ بها الصَلواتُ الخَمْسُ، وإِلى هذه الآية ذهَبَ عثْمانُ رضي الله عنه في وضوئه على المَقَاعِدِ، وهو تأويلُ مالك، وقال مجاهد: الْحَسَناتِ:
(1) أخرجه الطبري (7/ 124) برقم: (18620) ، وذكره ابن عطية (3/ 212) .
(2)
ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 212) .
(3)
أخرجه الطبري (7/ 124) برقم: (18621- 18622- 18623)، عن مجاهد برقم:(18624) ، عن محمد بن كعب القرظي، وبرقم:(18626) ، عن الضحاك، وذكر طرفا منه، وأخرج طرفه الآخر (7/ 127) برقم:(18649- 18650- 18651)، عن مجاهد وبرقم:(18646- 18647- 18648) ، عن الحسن، وذكره ابن عطية (3/ 212) ، والبغوي (2/ 404) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (3/ 637) .
(4)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (7/ 128) برقم: (18652) عن الحسن مرسلا، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 637) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.
(5)
أخرجه الطبري (7/ 125) برقم: (18632- 18633- 18634- 18635) ، وذكره ابن عطية (3/ 212) ، والبغوي في «تفسيره» (2/ 404- 405) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (3/ 637) بنحوه.
(6)
ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 212) .
(7)
ينظر: «تفسير الطبري» (7/ 124- 125) .
قول الرجُلِ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ للَّهِ، وَلَا إله إِلَاّ اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ «1» .
قال ع «2» : وهذا كلُّه إِنما هو على جهة المِثَالِ في الحسنات، ومِنْ أجل أنَّ الصلواتِ الخمْسَ هي معظَمُ الأعمال، والذي يظهر أنَّ لفظ الآية عامٌّ في الحسنات، خاصٌّ في السيئات بقوله عليه السلام:«مَا اجتنبت الكَبَائِرُ» ، وروي أنَّ هذه الآية نزلَتْ في رجلٍ من الأنصار، وهو أبو اليُسْرِ بْنُ عَمْرو، وقيل: اسمه عَبَّاد، خَلَا بامرأةٍ، فقَبَّلها، وتلذَّذ بها فيما دُونَ الجِمَاع، ثم جاء إِلى عُمَر، فشكا إِليه، فقال له: قَدْ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْكَ، فاستر عَلَى نَفْسِكَ، فَقَلِقَ الرجُلُ، فجاء أبا بَكْر، فشكا إِليه، فقال له مثْلَ مقالة عمر، فقلق الرجل، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّى معه، ثم أخبره، وقال: اقض فيَّ ما شئت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لَعَلَّهَا زَوْجَةُ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟!» قَالَ: نعم، فوبّخه النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ:«مَا أَدْرِي» ، فنزلَتْ هذه الآية، فَدَعَاهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَتَلَاهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَهَذَا لَهُ خَاصَّةً؟ فَقَالَ: «بَلْ لِلنَّاسِ عَامَّةً» «3» .
قال ابنُ العربيِّ في «أحكامه» «4» : وهذا الحديثُ صحيحٌ، رواه الأئمةِ كلُّهم، انتهى.
قال ع «5» : ورُوِيَ: أن الآية قدْ كَانَتْ نزلت قبل ذلك، واستعملها النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك الرَّجُل، وروي أنَّ عمر قال مَا حُكِيَ عن معاذٍ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ:
(1) أخرجه الطبري (7/ 131) برقم: (1868) ، وذكره ابن عطية (3/ 313) .
(2)
ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 213) .
(3)
أخرجه البخاري (2/ 12) كتاب «مواقيت الصلاة» باب: «وأقم الصلاة طرفي النهار» ، حديث (526)، وفي (8/ 206) كتاب «التفسير» باب:«وأقم الصلاة طرفي النهار» ، حديث (4687) ، ومسلم (4/ 2115، 2117) وكتاب «التوبة» باب: قوله تعالى: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ، حديث (39، 41/ 2763)، والترمذي (5/ 291) كتاب «التفسير» باب: ومن سورة هود، حديث (3114) ، والنسائي في «التفسير» (267)، وابن ماجه (1/ 447) كتاب «الصلاة» باب: ما جاء في أن الصلاة كفارة، حديث (1398)، وفي (2/ 1421) كتاب «الزهد» باب: ذكر التوبة، حديث (4254) ، وأحمد (1/ 445) ، وابن خزيمة (313) ، وابن حبان (1729- 1730) ، والطبري في «تفسيره» (18676) ، والبيهقي (8/ 241) من طرق عن عبد الله بن مسعود.
(4)
ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1073) . [.....]
(5)
أخرجه الطبري (7/ 125- 126) برقم: (18632- 18633- 18634) ، وذكره البغوي (2/ 405) ، وذكره ابن عطية (3/ 212) بنحوه.
(6)
تقدم تخريجه.