الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهم على العامَّة، والتوكُّل في عَقْد الإِيمان مع كلِّ من آمن باللَّه عز وجل؟ قال: إِنَّ الذي فَضَلَتْ به الخاصَّة على العامَّة دَوَامُ سكونِ القَلْب عن الاضطراب والهُدُوِّ عن الحرَكَة، فعندها، يا فَتَى، استراحوا من عذاب الحِرْصِ، وفُكُّوا مِنْ أُسْرِ الطمع، وأُعْتِقُوا من عُبُودِيَّة الدنيا، وأبنائِها، وحَظُوا بالرَّوْحِ في الدَّارَيْنِ جميعاً، فطوبَى لهم وحُسْنُ مَآب، قلْتُ: فما الذي يولِّدُ هذا؟ قال: حَالَتَانِ:
دَوَامُ لُزُومِ المعرفة، والاعتماد على اللَّه عز وجل، وتَرْكُ الحِيل.
والثانية: الممارسَةُ حتى يَأْلَفَهَا إِلْفاً، ويختارها اختيارا، فيصير التوكُّل والهُدُوُّ والسكونُ والرضا والصبْرُ له شعاراً ودثاراً. انتهى من «كتاب القَصْدِ إِلى اللَّه سبحانه» .
وقولهم: رَبَّنا لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ: المعنى: لا تُنْزِلْ بنا بلاءً بأيديهم أو بغير ذلك/ مدَّةَ محاربتنا لهم فَيُفْتَنُونَ لذلك، ويعتقدون صلَاحَ دينهم، وفَسَاد ديننا قاله مجاهد وغيره، فهذا الدعاءُ على هذا التأويل يتضمَّن دفْعَ فصلين:
أحدُهما: القَتْل والبلاء الذي توقَّعه المؤمنون.
والآخر: ظُهُورُ الشَّرك باعتقاد أهله أنَّهم أَهْلُ الحَقِّ.
ونحو هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «بئس الميّت أبو أمامة ليهود وَالمُشْرِكِينَ يَقُولُونَ: لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ يَمُتْ صَاحِبُهُ» «1» .
ورَجَّحَ ع «2» في «سورة الممتحنة: 5» قولَ ابْنِ عباس: إِن معنى: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا: لا تسلِّطهم علينا فيفتنونا انظره هناك.
[سورة يونس (10) : الآيات 87 الى 91]
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (88) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89) وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)
(1) أخرجه أحمد (4/ 138) ، والحاكم (4/ 214)، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(2)
ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 296) .
وقوله سبحانه: وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً رُوي: أَن فرعون أَخَافَ بني إِسرائيل، وهدَّم لهم مواضعَ كانوا اتخذوها للصلاة، ونَحْو هذا، فأوحَى اللَّه إِلَى موسَى وهارون، أنْ تَبَّوءا أي: اتخذا وتَخَيَّرا لبني إِسرائيل بمصْر بيوتاً، قال مجاهد: مِصْر في هذه الآية: الإِسْكَنْدَرِيَّة «1» ، ومصْرُ ما بين أَسْوَان «2» والإِسكندرية «3» .
وقوله سبحانه: وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً: قيل: معناه: مساجدُ، قاله ابنُ عباس وجماعة «4» ، قالوا: خافوا، فأُمِرُوا بالصَّلاة في بيوتهم، وقيل: معناه مُوجَّهة إِلى القبلة قاله ابن عباس «5» ، ومن هذا حديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنه قَالَ:«خَيْرُ بُيُوتِكُمْ مَا استقبل بِهِ القِبْلة» «6» .
وقوله: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ: خطابٌ لبني إِسرائيل، وهذا قبل نزول التوراة لأَنها لم تَنْزِلْ إِلا بعد إِجازة البَحْر.
وقوله: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ: أَمرٌ لموسَى عليه السلام، وقال الطبريُّ ومكيٌّ: هو أَمرٌ لنبينا محمَّد عليه السلام، وهذا غير متمكِّن.
وقوله سبحانه: وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً
…
الآية: هذا
(1) أخرجه الطبري (6/ 597) برقم: (17829) نحوه، وذكره ابن عطية (3/ 138) ، والبغوي في «تفسيره» (2/ 365) ، وابن كثير في «تفسيره» (2/ 428) نحوه، والسيوطي في «الدر المنثور» (3/ 566) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، وابن أبي شيبة، وابن المنذر.
(2)
بالضم، ثم السكون، وواو وألف ونون. ويقال: بغير همزة: مدينة كبيرة، وكورة في آخر الصعيد. وأول بلاد النّوبة، على النيل في شرقيّة، في جبالها مقطع العمد التي بالإسكندرية، ينظر:«مراصد الاطلاع» (1/ 78) .
(3)
بنى الإسكندر ثلاث عشرة مدينة وسمّاها كلّها باسمه، ثم تغيرت أساميها بعده، والمشهور بهذا الاسم الاسكندرية العظمى في بلاد مصر.
ينظر: «مراصد الاطلاع» (1/ 76) .
(4)
أخرجه الطبري (6/ 596) برقم: (17808- 17809- 17810) ، وذكره ابن عطية (6/ 138) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (3/ 566) ، وزاد نسبته إلى الفريابي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه.
(5)
أخرجه الطبري (6/ 597) برقم: (17824) نحوه، وذكره ابن عطية (3/ 138) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (3/ 566) بنحوه، وزاد نسبته إلى ابن مردويه.
(6)
تقدم تخريجه بلفظ: خير مجالسكم ما استقبل به القبلة. [.....]
غضَبٌ من موسَى على القِبْطِ، ودعاءٌ عليهم، لمَّا عَتَوْا وعانَدوا، وقدَّم للدعاءِ تقريرَ نعِم الله عليهم وكفرهم بها، وآتَيْتَ معناه: أَعْطَيْتَ، واللام في لِيُضِلُّوا لام كَيْ، ويحتملُ أن تكون لامَ الصَّيْرورة والعَاقِبَةِ، المعنى: آتيتهم ذَلكَ، فصار أمرهم إِلى كذا، وقرأ حمزة وغيره:«لِيُضِلُّوا» (بضم الياء) على معنى: لِيُضِلُّوا غيرهم.
وقوله: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ: هو من طُمُوسِ الأَثْر والعين وَطَمْسُ الوجوه منه، وتكْرير قوله: رَبَّنا استغاثة كما يقول الداعي: يا اللَّه، يا اللَّه، روي أنهم حين دعا موسَى بهذه الدعوة، رَجَعَ سُكَّرُهُمْ حجارةً، ودراهِمُهم ودنانيرهم وحُبُوبُ أطعمتهم، رَجَعَتْ حجارةً قاله قتادة وغيره «1» ، وقال مجاهد وغيره: معناه: أهْلِكْها ودَمِّرها «2» .
وقوله: وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ: بمعنى: اطبع واختم عليهم بالكفر قاله مجاهدٌ والضَّحَّاك «3» .
وقوله: فَلا يُؤْمِنُوا: مذهب الأخفش وغيره: أنَّ الفعل منصوب عطفاً على قوله: لِيُضِلُّوا، وقيل: منصوبٌ في جواب الأمر، وقال الفراء والكسائي: هو مجزومٌ على الدعاء، وجعل رؤية العذاب نهايةً وغايةً وذلك لِعِلْمه من اللَّه أنَّ المؤمن عند رؤية العَذَاب لا ينفعه إِيمانه في ذلك الوَقْت، ولا يُخْرِجُهُ من كُفْره، ثم أجاب اللَّه دعوتهما، قال ابن عباس: العَذَاب هنا: الغَرَقُ «4» ، وروي أن هارون كان يُؤْمِّنُ على دعاء موسَى فلذلك نَسَب الدعوة إليهما قاله محمد بن كَعْب القُرَظِيُّ «5» ، قال البخاري: وَعَدْواً: من العدوان. انتهى.
(1) أخرجه الطبري (6/ 600) برقم: (17838، 17840) نحوه، وبرقم:(17834، 17835) ، عن محمد بن كعب القرظي (17836) عن أبي العالية بنحوه، وبرقم:(17840) ، عن سفيان، برقم:
(17841)
، عن أبي صالح، نحوه، وذكره ابن عطية (3/ 139) ، والبغوي في «تفسيره» (2/ 365- 366) ، عن قتادة، ومحمد بن كعب، وابن عباس نحوه، وابن كثير (2/ 429) نحوه، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 567) .
(2)
أخرجه الطبري (6/ 600- 601) برقم: (17845- 17846، 17847، 17848) ، عن ابن عباس نحوه، وذكره ابن عطية (3/ 139) ، والبغوي في «تفسيره» (2/ 365) ، عن مجاهد نحوه، وابن كثير (2/ 429) ، عن ابن عباس، ومجاهد، نحوه، والسيوطي في (3/ 567) .
(3)
أخرجه الطبري (6/ 601) برقم: (17851، 17854) ، وذكره ابن عطية (3/ 139) .
(4)
أخرجه الطبري (6/ 601) برقم: (17849، 17850) نحوه، وذكره ابن عطية (3/ 139) .
(5)
أخرجه الطبري (6/ 603) برقم: (17863- 17864) نحوه، وذكره ابن عطية (3/ 140) ، وابن كثير (2/ 429) نحوه، والسيوطي في «الدر المنثور» (3/ 567) نحوه.