الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التي هي إِخْرَاجُهُ من بيته بالقِصَّةِ المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأَنْفَال، كأنهم سألوا عن النَّفَلِ، وتشاجروا، فأَخرج اللَّه ذلك عنهم، فكانت فيه الخِيَرَةُ، كما كَرِهُوا في هذه القصة انبعاث النبي صلى الله عليه وسلم فأخرجه اللَّه من بَيْتِهِ، فكانت في ذلك الخِيَرَةُ، وعلى هذا التأويل يُمْكِنُ أن يكون قوله: يُجادِلُونَكَ كلاماً مُسْتَأْنَفاً يراد به الكفار، أي: يجادلونك في شريعة الإسلام من بَعْد ما تَبَيَّنَ الحَقُّ فيها، كأنما يساقون إلى المَوْتِ في الدُّعَاءِ إلى الإيمان، وهذا الذي ذكرت من أن يُجادِلُونَكَ في الكُفَّار منصوص.
وقال مجاهد وغيره: المعنى في الآية: كما أخرجك ربك من بَيْتِكَ على كَرَاهِيَةٍ من فريق منهم، كذلك يُجَادِلُونَكَ في قتال كفار «مكة» ، ويوَدُّونَ غير ذَاتِ الشَّوْكَة من بعد ما تَبَيَّنَ لهم أنك إنما تفعل ما أمرت به لا ما يُريدُون «1» هم، وقائل هذه المَقَالَةِ يقول: إن المجادلين هم المؤمنون، وقائل المقالة الأولى يقول: إن المُجَادِلِينَ هم المشركون، وهذان القولان يتم بهما المَعْنَى، ويحسن رَصْفُ اللفظ.
وقيل غير هذا.
وقوله: مِنْ بَيْتِكَ يريد من «المدينة» «يثرب» قاله الجمهور.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 7 الى 10]
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَاّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَاّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)
وقوله سبحانه: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ
…
الآية: في هذه الآية قَصَصٌ حَسَنٌ، محل استيعابه «كتاب سيرة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم» لابن هشام، واختصاره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه، وقيل: أوحي إليه أن أبا سُفْيَانَ بن حَرْبٍ، قد أَقبل من «الشام» بالعِيرِ التي فيها تجارة قُرَيْشٍ وأموالها قال لأصحابه: إن عِيرَ قريش قد عَنّتْ لكم، فاخرجوا إليها، لعل اللَّه أن يَنْفُلَكُمُوها. قال: فانبعث معه من خَفَّ، وثَقُلَ قوم، وكرهوا الخروج، وأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يَلْوِي على من تَعَذَّرَ، ولا ينظر من غاب ظهره، فسار في ثلاث
(1) أخرجه الطبري (6/ 180- 181) برقم: (15714) بنحوه، وذكره ابن عطية (2/ 502) ، وابن كثير (2/ 287) بنحوه، والسيوطي (3/ 300) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.
مائة وثلاثة عشر، أو نحو ذلك من أصحابه بين مُهَاجِرِيٍّ وأَنْصَارِيٍّ، وقد ظَنَّ الناس بأجمعهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلقى حَرْباً، فلم يكثر اسْتِعْدَادُهُمْ، وكان أبو سُفْيَانَ في خلال ذلك يَسْتَقْصِي، ويحذر، فلما بلغه خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ضَمْضَمَ بْنَ عَمْروٍ الغفاري إلى «مكة» يَسْتَنْفِرُ أهلها، ففعل ضمضم، فخرج أهل «مكة» في ألف رَجُل، أو نحو ذلك، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خروجهم أوحى اللَّه إِليه وَحْياً غير مَتْلُو يعده إحدى الطّائفتين، فعرّف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، فَسرُّوا، وَوَدُّوا أن تكون لهم العِيرُ التي لا قِتَالَ معها، فلما علم أبو سفيان بقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم منه أخذ طَرِيقَ الساحل، وأبعد وفات، ولم يبق إلا لقاء أهل «مكة» ، وأشار بعض الكُفَّارِ على بَعْضِ بالانصراف، وقالوا:
هذه عِيرُنَا قد نَجَتْ، فلننصرف/ فحرش «1» أبو جهل وَلَجَّ، حتى كانَ أَمْرُ الواقعة. وقال بعضٍ المؤمنين: نحن لم نخرج لِقِتَالٍ، ولم نَسْتَعِدَّ له، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ، وهو بِوَادٍ يسمى «دَقران» وقال: أشيروا علي أيها النَّاسُ، فقام أبو بَكْرٍ، فتكلم، وأحسن، وحَرَّضَ الناس على لقاء العدو، فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الاسْتِشَارَةَ، فَقَامَ عمر بِمِثْلِ ذلك، فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الاسْتِشَارَةَ، فتكلم المِقْدَادُ بْنُ الأسود الكندي «2» ، فقال: لا نقول لك يَا رَسُولَ اللَّه كما قالت بَنُو إِسرائيل: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنا هَاهُنَا قَاعِدُونَ، ولكن نَقُولُ: إِنا معكما مقاتلون، واللَّه لو أردت بنا برك الغماد يعني مدينة «الحبشة» لَقَاتَلْنَا معك من دُونِهَا، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلامه، ودعا له بخير، ثم قال: أشيروا علي أيها النَّاسُ، فكلمه سعد بنُ مُعَاذٍ، وقيل: سعد بن عبادة، ويحتمل هما معاً فقال: يا رسول اللَّه، كأنك إيانا تُريدُ معشر الأنصار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجل، فقال: إنا قد آمَنَّا بك، واتبعناك،
(1) التحريش: الإغراء بين القوم.
ينظر: «لسان العرب» (834) .
(2)
هو: المقداد بن عمرو (الأسود الكندي) بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن عامر بن مطرود بن عمرو بن سعد
…
أبو الأسود البهراوي.
الشهرة: المقداد بن الأسود الكندي، قال ابن حجر: أسلم قديما وتزوج ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا والمشاهد بعدها، وكان فارسا يوم بدر حتى أنه لم يثبت أنه كان فيها على فرس غيره، وروى المقداد عن النبي أحاديث كثيرة، توفي سنة 33 في خلافة عثمان وله 70 سنة.
ينظر: «الثقات» (3/ 371) ، «أسد الغابة» (5/ 251) ، «التاريخ الصغير» (1/ 83) ، «معجم الثقات» (123) ، «الاستبصار» (145، 208) ، «تقريب التهذيب» (2/ 272) ، «المنمق» (453، 513، 514) ، «تراجم الأحبار» (3/ 351، 370) ، «الإصابة» (6/ 133) ، «الأعلام» (7/ 282) ، «أصحاب بدر» (85) ، «تجريد أسماء الصحابة» (2/ 92) ، «الجرح والتعديل» (8/ 426) ، «الطبقات» (16/ 120) .
وبايعناك، فامض لأمر الله، فو الله لو خُضْتَ بنا هذا البَحْرَ لَخُضْنَاهُ معك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«امضوا على بَرَكَةِ اللَّه، فكأني أنظر إلى مَصَارِعِ القوم» فالتقوا وكانت وقعة بدر.
ت: وفي «صحيح البخاري» من حَدِيثِ عائشة، في خروج أبي بكر من «مكة» فلقيه ابن الدّغنة عند برك الغمَادِ «1» الحديث، وليست بمدينة «الحبشة» من غير شَكٍّ. فاللَّه أعلم، ولعلهما موضعان. انتهى.
والشَّوْكَةِ عبارة عن السِّلَاحِ والحِدَّةِ.
وقوله سبحانه: وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ المعنى:
ويريد اللَّه أن يُظْهِرَ الإِسلام، ويعلي دعوة الشَّرْعِ بكلماته التي سَبَقَتْ في الأَزَلِ، والدابر الذي يدبر القَوْمَ، أي يأتي آخرهم، وإِذا قطع فقد أتى على آخرهم بشَرْطِ أَن يبدأ الإهلاك من أولهم، وهي عبارة في كل من أتى الهَلَاكُ عليه.
وقوله سبحانه: لِيُحِقَّ الْحَقَّ أي: ليظهر الحق الذي هو دين الإسلام، ويُبْطِلَ الْباطِلَ، أي: الكفر، وتَسْتَغِيثُونَ معناه: تطلبون الغوث، ومُمِدُّكُمْ أي: مكثركم، ومقويكم من: أمددت، ومُرْدِفِينَ معناه: متبعين.
وقرأ سائر السبعة «2» غير نافع: «مردفين» - بكسر الدال-، ونافع بفتحها، وروي عن ابن عَبَّاسٍ: خَلْفَ كل مَلَكٍ مَلَكٌ «3» ، وهذا معنى التتابع، يقال: رَدِفَ وأَرْدَفَ إِذا اتبع، وجاء بعد الشَّيْءِ، ويحتمل أن يُرَادُ مُرْدِفِينَ للمؤمنين، ويحتمل أن يُرَادَ مردفين بعضهم بَعْضَاً، وأنشد الطبري «4» شَاهِداً على أن أرْدَفَ بمعنى جاء تَابِعاً قَوْلَ الشاعر:[الوافر]
إِذَا الجَوْزَاءُ أَرْدَفَتِ الثُّرَيَّا
…
ظَنَنْتُ بِآلِ فَاطِمَةَ الظُّنُونَا «5»
والثرَيَّا تطلع قبل الجوزاء.
(1) أخرجه البخاري (4/ 555- 556) كتاب «الكفالة» باب: جوار أبي بكر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعقده، حديث (2297) .
(2)
ورويت عن أبي عمرو كما في «الكشاف» (2/ 1- 2) ، و «المحرر الوجيز» (2/ 504) ، و «البحر المحيط» (4/ 460) ، و «الدر المصون» (3/ 398) .
(3)
أخرجه الطبري (6/ 189) برقم: (15758) ، وذكره ابن عطية (2/ 504) ، وابن كثير (2/ 290) ، والسيوطي (3/ 310) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وأبي الشيخ.
(4)
ينظر: «تفسير الطبري» (6/ 190) .
(5)
البيت لخزيمة بن مالك. ينظر: «تفسير الطبري» (6/ 190)، وينظر:«اللسان» (ردف) ، و «الدر المصون» (3/ 400) .