الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَجَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَقُولاً كَنَمْلَةِ سُلَيْمَانَ، وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ العَهْدَ بِأَنَّهُ رَبُّهُمْ، وَأَنْ لَا إله غَيْرُهُ، فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ، والتزموه وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهْ سَيَبْعَثُ الرُّسْلَ إِلَيْهِمْ مُذَكِّرَةً وداعيةً، فشهد بعضُهم على بعض، وشهد اللَّه عليهم وملائكته» «1» قال الضحَّاك بنُ مُزَاحِمٍ: من مات صَغيراً، فهو على العَهْدِ الأول، ومَنْ بَلَغَ، فقد أخذه العهدُ الثَّاني، يعني الذِي في هذه الحياة المعقولة الآنَ.
وقوله/ شَهِدْنا يحتملُ أن يكون مِنْ قَوْلَ بَعْضِ النَّسمِ لبعضٍ، فلا يَحْسِنُ الوقْفُ على قوله: بَلى، ويحتمل أن يكون قوله: شَهِدْنا من قول الملائكة، فيحسن الوقْفُ على قوله: بَلى.
قال السديُّ: المعنى: قال اللَّه وملائكته «2» : شَهِدْنَا ورواه عبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقوله سبحانه: أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ
…
الآية: المعنى:
لِئَلَاّ تقولُوا، أَوْ مخافَةَ أنْ تقولوا، والمعنى في هذه الآية: أنَّ الكَفَرَة لو لم يؤخذ عليهم عَهْدٌ، ولا جاءَهُمْ رسولٌ مذكِّر بما تضمَّنه العَهْد من توحيد اللَّه وعبادته، لكانَتْ لهم حُجَّتَان:
إحداهما: أنّ يقُولُوا كُنَّا عن هذا غافلين.
والأخرى: كنا تباعاً لأسلافنا، فكَيْفَ نَهْلِكُ، والذنْبُ إنما هو لِمَنْ طَرَّق لنا وأضلَّنا، فوقَعَ شهادَةُ بعضهم على بعضُ، وشهادةُ الملائكة عليهم، لتنقطع لهم هذه الحجة.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 177]
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (177)
وقوله سبحانه: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا.
(1) أخرجه الطبري (6/ 111- 112) برقم: (15363) ، وذكره ابن عطية (2/ 475) ، وابن كثير (2/ 262) ، والسيوطي (3/ 261- 262) ، وعزاه لابن جرير.
(2)
أخرجه الطبري (6/ 116) برقم: (15384) ، وذكره ابن عطية (2/ 476) ، والبغوي (2/ 212) .
قال ابن عباس: هو رجُلٌ من الكَنْعَانِيِّينَ الجَبَّارِين، اسمه بَلْعَمُ بْنُ باعُوراء «1» ، وقيل:
بَلْعَامُ بْنُ باعِر.
وقيل: غير هذا، وكان في جملة الجَبَّارِين الذي غَزَاهُمْ موسى عليه السلام، فَلَما قَرُبَ منهم موسى، لجؤوا إِلى بَلْعَام، وكانَ صالِحاً مستجابَ الدَّعْوة، وقيل: كان عنْدَهُ علْم مِنْ صُحُف إِبراهيم ونحوها.
وقيل: كان يعلم اسم اللَّه الأَعظمَ، قاله ابنُ عبَّاس «2» أيضاً، وهذا الخلافُ هو في المراد بقوله: آتَيْناهُ آياتِنا، فقال له قومُه: ادع اللَّه على موسى وعَسْكَره، فقالَ لَهُمْ:
وَكَيْفَ أدعو عَلَى نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، فما زالوا به حتى فَتَنُوهُ، فخَرَجَ حتى أشْرَفَ عَلَى جَبَلٍ يرى منه عَسْكَرَ موسى، وكان قد قال لِقَوْمِهِ: لا أفعَلُ حتى أستأْمِرَ رَبِّي، فَفَعَلَ، فنُهِيَ عن ذلك، فقال لهم: قد نُهِيتُ، فما زالوا به حتَّى قال: سأَسْتَأْمِرُ ثانيةً، ففعل، فسكَتَ عنه، فأخبرهم، فقالوا له: إِن اللَّه لَمْ يَدَعْ نَهْيَكَ إِلا وقدْ أَراد ذلك، فخَرَجَ، فلما أشْرَفَ على العَسْكَر، جَعَلَ يدْعُو على موسَى، فتحوَّل لسانُهُ بالدعاءِ لموسى، والدعاءِ على قومه، فقالوا له: ما تقولُ؟ فقال: إِني لا أمْلِكُ هذا، وعَلِمَ أنه قد أخطأ، فَرُوِيَ أنه قد خرج لِسَانُه على صدره، فقال لقومه: إِني قَدْ هَلَكْتُ، ولكِنْ لَمْ يَبْقَ لكم إِلا الحِيلَة، فأخرجوا النِّسَاء على عَسْكَرِ موسى عَلَى جهة التَّجْرِ وغيره، ومُرُوهُنَّ أَلا تَمْتَنِع امرأة مِنْ رجل، فإِنهم إِذا زَنَوْا هلَكُوا، ففعلُوا، فخرج النِّسَاء، فزنى بهِنَّ رجالٌ [مَنْ] بني إِسرائيل، وجاء فِنْحَاصُ بْنُ العِيزَارِ بْنِ هَارُونَ، فانتظم بُرمْحه امرأة ورجُلاً من بني إِسرائيل، ورفعهما على الرَمْحِ، فوقع في بني إِسرائيل الطاعونُ، فمات منهم في ساعةٍ [واحدةٍ] سبْعُونَ ألْفاً، ثم ذَكَرَ المعتمِرُ عن أبيه: أنَّ موسى عليه السلام قَتَلَ بعد ذلك الرَّجُلَ المُنْسَلِخَ مِنْ آيات اللَّه.
قال المَهْدَوِيُّ: رُوِيَ أنه دعا على مُوَسَى أَلَاّ يَدْخُلَ مدينةَ الجَبَّارين فأجيب، ودعا عليه موسى أَنْ ينسى اسم اللَّهِ الأعْظَمَ فأجيبَ، وفي هذه القصَّة رواياتٌ كثيرةً تحتاجُ إِلى صحّة إسناد، وفَانْسَلَخَ: عبارةٌ عن البراءةِ منها، والإنفصال والْبُعْدِ، كالمُنْسَلِخ من الثياب والجلد، وفَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ، أيْ: صيَّره تابِعاً كذا قال الطبريُّ: إما لضلالة رسمها له، وإما لنفسه، ومِنَ الْغاوِينَ، أي: مِنَ الضالين، وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها، قال ابن
(1) أخرجه الطبري (6/ 119) برقم: (15398، 15401) بنحوه، وذكره ابن عطية (2/ 476) ، والبغوي (2/ 213) بنحوه، وابن كثير (2/ 264) ، والسيوطي (3/ 266) ، وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم.
(2)
أخرجه الطبري (6/ 121) برقم: (15423) ، وذكره ابن عطية (2/ 477) ، والبغوي (2/ 215) .
عباس وجماعة: معنى «لرفعناه» لشرَّفنا/ ذكْرَه، ورفَعْنَا منزلته لدينا بهذه الآيات «1» الَّتي آتيناه، ولكنه أخلد إِلى الأرْضِ، أي: تقاعَسَ إلى الحضيض الأسفَلِ الأخسِّ من شهوات الدنيا ولذَّاتها وذلك أنَّ الأرض وما ارتكن فيها: هي الدنيا وكلُّ ما عليها فانٍ، ومَنْ أخلد إِلى الفاني، فقد حرم حظَّ الآخرة الباقية.
ت: قال الهَرَوِيُّ: قوله: أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ: معناه: سكَنَ إِلى لَذَّاتها، واتبع هواه، يقال: أخلد إِلى كَذَا، أي: رَكَنَ إِليه واطمأَنَّ به. انتهى.
قال عَبْدُ الحَقِّ الإِشْبِيليُّ رحمه الله في «العاقبة» : واعلم رحمك اللَّه أَنَّ لسوء الخاتمة أعاذنا اللَّه منْها أسباباً، ولها طرقٌ وأبوابٌ، أعظمها: الإِكبابُ على الدنيا، والإِعراضُ عن الآخرة، وقد سَمِعْتَ بقصَّة بَلْعَام بْنِ بَاعُورَاءَ، وما كان آتاه اللَّه تعالى من آياته وأطلعه عليه من بيِّناته وما أراه من عجائب مَلَكُوته، أخْلَدَ إِلى الأرض، واتبع هواه فسَلَبَه اللَّه سبحانه جَمِيعَ ما كان أَعطاه وتَرَكَه مع مَنِ استماله وأغواه. انتهى.
وقوله: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ، شُبِّه به في أنه كان ضالاًّ قبل أن يُؤتى الآياتِ، ثم أُوتِيَها، فكان أيضاً ضالاًّ لَم تنفَعْه، فهو كالكَلْب في أنَّه لا يفارِقُ اللَّهَثَ في كلِّ حال هذا قول الجمهور.
وقال السدِّيُّ وغيره: إِنَّ هذا الرجل عُوقِبَ في الدنيا، فإِنه كان يَلْهَثُ كما يَلْهَثُ الكَلْبُ، فشُبِّه به صورةً «2» وهيئةً، وذكر الطبريُّ، عن ابن عباس أنَّ معنى: إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ: إنْ تَطْرَدهُ «3» .
وقوله: ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا، أي: هذا المَثَلُ، يا محمد، مثَلُ هؤلاء الذين كانوا ضالِّين قَبْلَ أن تأتيهم بالهدى والرِّسالة، ثم جئتهم بها، فَبَقُوا على ضلالتهم، ولم ينتفِعُوا بذلك، فَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الكَلْبِ.
وقوله: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ، أي: اسرد عليهم ما يعلمون أنَّه من الغيوب الَّتي لا يعلمها إِلا أهْل الكتب الماضية ولَسْتَ منهم لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ في ذلك فيؤمنوا.
(1) أخرجه الطبري (6/ 125) برقم: (15436) ، وذكره ابن عطية (2/ 478) ، والبغوي (2/ 215- 216) بنحوه، والسيوطي (3/ 267) بنحوه، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.
(2)
أخرجه الطبري (6/ 128) برقم: (15452) بنحوه، وذكره ابن عطية (2/ 478) .
(3)
أخرجه الطبري (6/ 127) برقم: (15449) بنحوه، وذكره ابن عطية (2/ 478) .