الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم يتجدَّد له به علْمٌ، وقوله عز وجل: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، قال الطبريُّ «1» : المَعنى: ليُقْتَلَ من قُتِلَ من كفَّار قريش وغيرهم ببيانٍ مِنَ اللَّه وإِعذارٍ بالرسالة، ويَحْيَا أيضاً ويعيشَ مَنْ عاش عن بيانٍ منْه أيضاً وإِعذار لا حجة لأحد عليه سبحانه.
ت: قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب «فضل العلم» في قوله عز وجل:
لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ
…
الآية: البيِّنة: ما بان به الحقُّ. انتهى.
وقال ابنُ إِسْحَاق وغيره: معنى «لِيَهْلِكَ» ، أيْ: لِيَكْفُرَ، و «يَحْيَا» أي: ليؤمنَ فالحياةُ والهلاكُ على هذا التأويل: مستعارتان.
وقوله سبحانه: إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ/ قَلِيلًا
…
الآية: وتظاهرتِ الرواياتُ أن هذه الآية نزلَتْ في رُؤْيَا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى فيها عَدَدَ الكُفَّار قليلاً، فأَخبر بذلك أصحابه، فقَوِيَتْ نفوسُهم، وحَرِصُوا على اللقاء قاله مجاهد وغيره، والظاهر أنه رآهم صلى الله عليه وسلم في نومه قليلاً قَدْرُهُم وبأْسُهم، ويحتمل أنه رآهم قليلاً عدَدُهم، فكان تأويلُ رؤياه انهزامهم، والفشل: الخور عن الأمر، ولَتَنازَعْتُمْ، أي: لتخالَفْتم في الأمر، يريد: في اللقاءِ والحرب. وسَلَّمَ: لفظ يعمُّ كلَّ متخوَّف.
وقوله سبحانه: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ
…
الآية، وهذه الرؤية هي في اليقظة بإِجماع، وهي الرؤية التي كانَتْ حين التقوا، ووقعتِ العَيْنُ على العين، والمعنَى: أن اللَّه تعالَى لَمَا أراده من إِنفاذ قضاءه في نُصْرة الإِسلام وإِظهار دِينِهِ، قَلَّلَ كُلَّ طائفةٍ في عُيُونِ الأخرَى، فوقع الخَلَلُ في التخمينِ والحَزْرِ الذي يستعمله الناسُ في هذا لتَجْسُرَ كلُّ طائفة على الأخرَى، وتتسبَّب أسبابُ الحَرْب، والأمر المفعولُ المذكورُ في الآيتين هو القصَّة بأجمعها.
وقوله: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ: تنبيهٌ علَى أن الحَوْلَ بأجمعه للَّه، وأنّ كلّ أمّر، فله وإليه.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 45 الى 47]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)
(1) ينظر: «تفسير الطبري» (6/ 258) .
وقوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا
…
الآية: هذا أَمْرٌ من اللَّه سبحانه بما فيه داعيةُ النَّصْر، وسبَبُ العزِّ، وهي وصيَّة منه سبحانه بِحَسَبِ التقْييد الذي في آية الضَّعْفِ، والفِئَةُ الجماعة، أصلها:«فِئَوَة» ، وهي مِنْ:«فأَوْتُ» ، أي: جمعتُ، ثم أمر سبحانه بإِكثار ذكْره هناك إِذ هو عصمةُ المستنجد، وَوَزَرُ المستعين.
قال قتادة: افترض اللَّه ذِكْرَهُ عند اشغل ما يكونُ عنْدَ الضرِّاب والسُّيوف.
قال ع «1» : وهذا ذِكْرٌ خفيٌّ لأن رَفْعَ الصَّوْت في موطن القتَال رديءٌ مكروهٌ إِذا كان ألغاطاً، فأما إِن كان من الجميعِ عند الحَمْلة، فَحَسَنٌ فَاتٌّ في عَضُد العَدُوِّ قال قيسُ بْنُ عُبَادٍ «2» : كان أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم يكرهُونَ الصَّوْت عند ثلاثٍ عند قراءة القُرآن، وعند الجنازة، وعند القتال «3» ، وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:«اطلبوا إِجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ القِتَالِ، وإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، ونُزُولِ الغَيْثِ» «4» وكان ابن عباس يُكْرَه التلثُّم عنْدَ القتالِ «5» .
قال النَّوويُّ: وسُئِلَ الشيخُ أبو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ «6» ، عن القَدْرِ الذي يصيرُ به المرء
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 536) .
(2)
قيس بن عباد، القيسي الضّبعي أبو عبد الله البصري مخضرم، عن عمر وعلي وعمّار، وعنه ابنه عبد الله والحسن البصري، وابن سيرين مات بعد الثمانين.
ينظر ترجمته في: «الخلاصة» (2/ 357)(5886) .
(3)
ذكره ابن عطية (2/ 536) .
(4)
ذكره الهندي في «كنز العمال» (2/ 102) رقم: (3339) ، وعزاه للشافعي، والبيهقي في «المعرفة» عن مكحول مرسلا.
(5)
ذكره ابن عطية (2/ 535) .
(6)
عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى بن أبي نصر، الإمام العلامة مفتي الإسلام، تقي الدين، أبو عمرو بن الإمام البارع صلاح الدين أبي القاسم، النصري- بالنون والصاد المهملة، نسبة إلى جده أبي نصر- الكردي، الشهرزوري الأصل، الموصلي المربا، الدمشقي الدار والوفاة، ولد سنة سبع وسبعين- بتقديم السين فيهما- وخمسمائة بشهرزور، وتفقه على والده، ثم نقله إلى الموصل فاشتغل بها مدة وبرع في المذهب.
ينظر ترجمته في «الأعلام» (4/ 369) و «طبقات الشافعية» للسبكي (5/ 137) و «وفيات الأعيان» (2/ 408) و «البداية والنهاية» (13/ 168) و «طبقات الشافعية» لابن هداية ص: (84) و «النجوم الزاهرة» (6/ 354) و «شذرات الذهب» (5/ 221) و «مفتاح السعادة» (1/ 397) ، (2/ 214) و «مرآة الزمان» (8/ 502) و «مرآة الجنان» (4/ 108) . [.....]
من الذَّاكرين اللَّهَ كثيراً، فقال: إِذا واظب على الأَذْكَارِ المأثورة المُثْبَتَةِ صباحاً ومساءً، وفي الأوقاتِ والأحوال المختلفة ليلاً ونهاراً- وهي مبيَّنةٌ في كتب «عمل اليوم والليلة» - كان من الذاكرين اللَّه كثيراً واللَّه سبحانه أعلم. انتهى من «الحلية» .
ت: وأَحْسَنُ من هذا جوابُهُ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ: «سَبَقَ المُفْرِّدُون! قَالُوا: «وَمَا المُفَرِّدُونَ، يَا رَسُولَ اللَّه؟ قَالَ: الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيراً والذَّاكِرَاتُ» ، رواه مسلمٌ/، والترمذيُّ، وعنده:«قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه، وَمَا المُفَرِّدُونَ؟ قَالَ: المُسْتَهْتِرُونَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ يَضَعُ عَنْهُمُ الذِّكْرُ أَثْقَالَهُمْ، فَيَأْتُونَ يوم القيامة خفافا» «1» ، قال صاحب «سلاح المؤمن» : المستَهْتِرُونَ في ذكْر اللَّهِ، - هو بفتح التاءَيْنِ المثنّاتين- يعني: الذين أُولِعُوا به يقال: استهتر فُلانٌ بكَذَا، أي: أَولِعَ به، واللَّه أعلم. انتهى.
فقَد بيَّن صلى الله عليه وسلم هنا صفةَ الذاكرين اللَّه كثيراً، وقد نقلنا في غير هذا المَحَلِّ بيانَ صفةَ الذاكرين اللَّه كثيراً، بنحو هذا مِنْ طريق ابن المبارك، وإِذا كان العبد مُسْتَهْتِراً بِذِكْرِ مولاه، أَنِسَ به، وأَحبَّه، وأحبَّ لقاءه فلم يبال بلقاءِ العَدُوِّ، وإِن هي إِلا إِحدى الحسنيين: إِما النصْرُ وهو الأغلب لمن هذه صفته، أو الشهادة وذلك مناه، ومطلبه. انتهى.
وتُفْلِحُونَ: تنالون بغيتكم، وتنالون آمالكم، والجمهور علَى أن الرِّيحَ هنا مستعارةٌ.
قال مجاهد: الرِّيح: النصْرُ والقوة، وذهب ريح أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم حينَ نازعُوه يَوْمَ أحد «2» ، وقوله سبحانه: وَاصْبِرُوا
…
إلى آخر الآية: تتميمٌ في الوصية وِعدَةٌ مُؤْنِسَة، وقوله سبحانه: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ
…
الآية: الإشارة إِلى كفار قريش، والبَطَر: الأَشَر وغَمْطُ النِّعْمة، ورُوِيَ أن أبا سفيان، لمَّا أحرز عِيَره، بعث إِلى قريش، وقال: إِن اللَّه قد سَلَّم عِيركُمْ، فارجعوا، فأتَى رأْي الجماعةِ علَى ذلك، وخالَفَ أبو جَهْل، وقال: واللَّهِ، لَا نَفْعَلُ حَتَّى نَأْتيَ بَدْراً- وكانَتْ بَدْرٌ سُوقاً من أسواقِ العَرَبِ لها يومُ موسمٍ- فننحَرُ عليها الإِبلَ، ونَشْرَب الخمر، وتَعْزِفُ علينا القِيَانُ، وتسمع بنا العربُ، ويَهَابُنا النَّاسُ، فهذا معنى قوله تعالى: وَرِئاءَ النَّاسِ.
(1) تقدم تخريجه.
(2)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (6/ 361) برقم: (16178- 16179) بنحوه، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (2/ 536) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (3/ 343) ، وعزاه إلى الفريابي، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.