الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهزم اللَّهُ المشركين، وأَعْلَى كلمةَ الإِسلام إِلى يَوْمِ الدينِ، قال يَعْلَى بن عطاءٍ: فحدَّثني أبناءُ المنهزمين عَنْ آبائهم، قالوا: لم يَبْقَ منَّا أحَدٌ إِلا دخَلَ عينيه مِنْ ذلك التُّرَابِ واستيعابُ هذه القصة في كتب «السِّيَر» .
ومُدْبِرِينَ: نصب على الحال المؤكِّدة كقوله: وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً [البقرة:
91] ، والمؤكِّدة هي التي يدلُّ ما قبلها عليها كدلالة التولِّي على الإِدبار.
وقوله سبحانه: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ
…
الآية: السكينةُ: النَّصْر الذي سَكَنَتْ إِليه ومعه النفُوسُ، والجنودُ: الملائكةُ، والرُّعْبُ قال أبو حاجز يزيدُ بنُ عامرٍ: كان في أجوافنا مثلُ ضَرْبَةِ الحَجَرِ في الطَّسْتِ من الرُّعْبِ، وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا، أيْ: بالقتل والأسْرِ، وروَى أبو داود، عن سهل بن الحَنْظَلِيَّة «1» أنهم سَارُوا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ، فأَطْنَبُوا السَّيْرَ حَتَّى كَانَ عشِيَّةً، فحضرت الصّلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ رَجُلٌ فَارِسٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي انطلقت بَيْنَ أَيْدِيكُمْ حتى طَلَعْتُ جَبَلَ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا أَنا بِهَوَازِنَ عَلَى بَكْرَةِ أَبِيهِم بظُعُنِهِمْ وَنَعَمِهِمْ، وشِيَاهِهِمْ، اجتمعوا إِلَى حُنَيْنٍ، فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: «تلك غنيمة المسلين غَداً، إِنْ شَاءَ اللَّهُ
…
» الحديثَ. انتهى «2» ، فكانوا كذلك غنيمة بحمد الله، كما أخبر صلى الله عليه وسلم.
[سورة التوبة (9) : الآيات 28 الى 29]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (29)
(1) هو: سهل بن الربيع بن عمرو بن عدي بن زيد، الأوسي، الأنصاري.
قال ابن الأثير في «الأسد» : كان ممن بايع تحت الشجرة، وكان فاضلا معتزلا عن الناس، كثير الصلاة والذكر، كان لا يزال يصلي مهما هو في المسجد، فإذا انصرف لا يزال ذاكرا، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه أبو كبشة.
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (2/ 469) ، «الإصابة» (3/ 138) ، «الثقات» (3/ 170) ، «نقعة الصديان» (192) ، «تجريد أسماء الصحابة» (1/ 243) ، «الاستيعاب» (2/ 662) ، «بقي بن مخلد» (391) ، «تقريب التهذيب» (1/ 336) ، «تهذيب التهذيب» (4/ 251) ، «تهذيب الكمال» (1/ 554) ، «الجرح والتعديل» (4/ ت 841) ، «التاريخ الكبير» ، (4/ 98) ، «الطبقات الكبرى» (8/ 328) .
(2)
أخرجه أبو داود (2/ 12- 13) كتاب «الجهاد» باب: في فضل الحرس في سبيل الله عز وجل، حديث (2501) ، والحاكم (2/ 83- 84) ، والبيهقي في «دلائل النبوة» (5/ 125- 126) ، والطبراني في «الكبير» (6/ 96)، رقم:(5619) من حديث سهل بن الحنظلية.
وقوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ، قال ابن عباس وغيره:
معنى الشِّرْكَ هو الذي نَجَّسهم كنجاسة الخَمْر «1» ، ونصَّ اللَّه سبحانه في هذه الآية على المُشْرِكِينَ، وعلى المَسْجِد الحرام، فقاسَ مالكٌ رحمه الله وغيره جَميعَ الكُفَّار من أهْلِ الكتاب وغيرهم على المشركين، وقَاسَ سائرَ المساجِدِ على المَسْجِدِ الحرامِ، وَمَنَعَ مِنْ دخولِ الجميعِ في جميعِ المساجدِ، وقوَّةُ قوله سبحانه: فَلا يَقْرَبُوا يقتضي أمْرَ المسلمين بمَنْعهم.
وقوله: بَعْدَ عامِهِمْ هذا، يريد: بعد عامِ تِسْعٍ من الهجرة، وهو عَامُ حَجَّ أبو بَكْرٍ بالنَّاس.
وقوله سبحانه: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً، أي: فقْراً، فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وكان المسلمون، لَمَّا مُنِعَ المشركون من المَوْسِم، وهم كانوا يجلبون الأطعمةَ والتجاراتِ، قَذَفَ الشيطان في نفوسهم الخَوْفَ من الفَقْر، وقالوا: مِنْ أيْنَ نعيش؟ فوعَدَهم اللَّه سبحانه بأنْ يغنيهم مِنْ فَضْله، فكان الأمر كما وعد اللَّه سبحانه، فأسلَمَتِ العربُ، فتمادَى حجُّهم وتَجْرُهم، وأغنى اللَّه من فضله بالجهادِ والظهورِ على الأُمَمِ.
وقوله سبحانه: قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ/
…
الآية: هذه الآيةُ تضمَّنت قتالَ أهْلَ الكتاب، قال مجاهد: وعند نزول هذه الآية أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غَزْوَ الرُّومِ، ومشَى نحو تَبُوكَ، ونفَى سبحانه عن أَهل الكتاب الإِيمان باللَّه واليوم الآخر حيث تركوا شَرْعَ الإِسلام وأَيضاً فكانَتِ اعتقاداتهم غيْرَ مستقيمةٍ، لأنهم تشعّبوا، وقالوا عُزَيْرٌ ابن اللَّهِ، واللَّهُ ثالِثُ ثلاثةٍ، وغَيْرَ ذلك ولهم أيضاً في البعث آراءٌ فاسدةٌ كشراءِ منازِلِ الجنَّة من الرُّهْبَانِ إِلى غير ذلك من الهَذَيان، وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ، أي: لا يطيعون، ولا يمتثلون ومنْه قولُ عائشة:«مَا عَقَلْتُ أَبَوَيَّ إِلَاّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ» ، والدِّينُ هنا: الشريعةُ، قال ابن القاسِمِ وأشْهَبُ وسَحْنُون: وتؤخذ الجزيةُ منْ مجوس العربِ والأمم كلِّها، وأما عَبَدة الأَوثان والنِّيران وغيرِ ذلك، فجمهور العلماء على قبولِ الجزيةِ منهم، وهو قولُ مالكٍ في «المدوَّنة» .
وقال الشافعيُّ وأبو ثور: لا تؤخذ الجزيةُ إِلا مِنَ اليهودِ والنصارَى والمجوسِ فقطْ، وأما قَدْرها في مذْهَب مالك وغيره، فأربعةُ دنَانِير عَلَى أهْلِ الذَّهَبِ، وأربعون درْهماً عَلَى أَهْل الفضَّة، وهذا في العَنْوة، وأما الصُّلْح، فهو ما صالحوا عَلَيْه، قليلٌ أو كثيرٌ.
وقوله: عَنْ يَدٍ يحتمل وجوها:
(1) أخرجه الطبري (6/ 345) بنحوه، وذكره ابن عطية (2/ 20) .