الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ سَبْعُونَ لَوْناً مِنَ الطَّعَامِ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ وَصِيفَةً، وَيُعْطَى المُؤْمِنُ فِي كُلِّ غَدَاةٍ مِنَ القُوَّةِ مَا يَأَتِي عَلَى ذَلِكَ أَجْمَعَ» «1» ، وأما قوله سبحانه: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ، ففي الحديث الصحيح أَنَّ اللَّه عز وجل يَقُولُ لِعِبَادِهِ إِذَا استقروا فِي الجَنَّةِ: «هَلْ رَضِيتُمْ؟! فَيَقُولُونَ: وَكَيْفَ لَا نرضى، يا ربنا؟ فيقول: إني سأعطيكم أفضل مِنْ هَذَا كُلِّهِ، رِضْوَانِي، أَرْضَى عَنْكُمْ فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أَبَدا
…
» «2» الحديث، وقوله: أَكْبَرُ: يريد: أَكْبَرُ من جميعِ ما تقدَّم، ومعنى الآيةِ والحديث مُتَّفِقٌ، وقال الحسن بن أبي الحسن: وصل إِلى قلوبهم برضْوَانِ اللَّهِ مِن اللَّذَّة والسُّرور ما هو أَلَذُّ عندهم وأقرُّ لأَعينهم من كل شيء أصابُوه من لَذَّة الجَنَّة، قال الإِمام «3» الفَخْر: وإِنما كان الرضوان أَكْبَرَ لأَنه عند العارفين نَعِيمٌ رُوحَانِيٌّ، وهو أشرفُ من النعيم الجِسْمَانيِّ. انتهى. انظره في أوائل «آل عمران» .
قال ع «4» : ويظهر أن يكون قوله تعالى: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ إِشارةً إِلى منازل المقرَّبين الشاربين مِنْ تسنيمٍ، والذين يَرَوْنَ كما يُرَى النَّجْمُ الغَابِرُ في الأُفُق، وجميعُ من في الجنة رَاضٍ، والمنازل مختلفةٌ، وفضل الله متّسع، والْفَوْزُ: النجاةُ والخَلَاصُ، ومن أُدْخِلَ الجنة فقد فاز، والمقرَّبونَ هم في الفوز العظيم، والعبارةُ عندي ب «سرور وكمالٍ» أجوَدُ من العبارة عنها ب «لذة» ، واللَّذَّة أيضاً مستعملة في هذا.
[سورة التوبة (9) : الآيات 73 الى 74]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74)
وقوله سبحانه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ: أي: بالسيف والْمُنافِقِينَ، أي:
باللسان والتعنيفِ والاكفهرار في الوجْه، وبإِقامة الحدود عليهم.
قال الحَسَن: وأكثر ما كَانَتِ الحدودُ يومئذٍ تصيبُ المنافقين، ومذْهَبُ الطبريِّ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرفهم ويسترهم، وأما قوله: وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ، فلفظةٌ عامَّة في الأفعال والأقوال، ومعنى الغِلَظِ: خشن الجانب، فهو ضدّ قوله تعالى:
(1) تقدم تخريجه.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
ينظر: «تفسير الرازي» (16/ 106) .
(4)
ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 59) .
وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: 215]، وقولُهُ عز وجل: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا
…
الآية، نزلَتْ في الجُلَاسِ بْنِ سُوَيْدٍ، وقوله: لَئِنْ كَانَ مَا يَقُولُ محمَّد حقًّا، لَنَحْنُ شر مِنَ الحُمُر، فسمعها منه رَبِيبُهُ أو رجل آخر، فأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم، فجاء الجُلاسُ، فَحَلَفَ باللَّه مَا قالَ هذه الكلمة، فنزلَتِ الآية، فكلمة الكُفْر: هي مقالته هذه لأن مضمنها قَوِيٌّ في التكذيب، قال مجاهد: وقوله: وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا: يعني: أنَّ الجُلَاس قد كان هَمَّ بقَتْل صاحبه الذي أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقال قتادة: نزلَتْ في عبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبيٍّ ابن سَلُولَ، وقوله في غزوة المُرَيْسِيعِ: مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُهُمْ إِلَاّ كَمَا قَالَ الأَوَّلُ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ، ولَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ
[المنافقون: 8] ، فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم، فوقفه، فَحَلفَ أَنَّه لم يقُلْ ذلك، فنزلَتِ الآية مكذِّبة له.
ت: وزاد ابن العربيِّ في «أحكامه» «1» قولاً ثالثاً أنَّ الآية نزلَتْ في جماعة المنافقين قاله الحسن، وهو الصحيحُ/ لعموم القول ووجود المعنَى فيه، وفيهم، انتهى.
وحدَّث أبو بَكْرٍ بْنُ الخَطِيبِ بسنده، قال: سُئِلَ سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن الهَمِّ: أيؤاخَذُ به صاحِبُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا كَانَ عَزْماً أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قوله تعالى: وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا
…
الآية، إِلى قوله: فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ، فجعل عليهم فيه التَّوْبَةِ، قال سفيانُ: الهَمُّ يسوِّد القلْبَ انتهى.
قال ع «2» : وعلى تأويل قتادة، فالإِشارة ب كَلِمَةَ الْكُفْرِ إِلى تمثيل ابنِ أُبَيٍّ «سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ» «3» .
قال قتادة: والإِشارة ب هَمُّوا إِلى قوله: لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ «4» [المنافقون:
8] .
وقال الحَسَنُ: هُمَّ المنافِقُونَ من إِظهار الشرك ومكابرة النبيّ صلى الله عليه وسلم بما لم ينالوا «5» ، وقال تعالَى: بَعْدَ إِسْلامِهِمْ، ولم يقل:«بعد إِيمانهم» لأن ذلك لم يتجاوزْ ألسنتهم.
وقوله سبحانه: وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ
…
الآية: كأَنَّ الكلامَ، وما نقموا إِلا ما حقُّه أنْ يُشْكَرَ، وذُكِرَ رسولُ اللَّه في إِغنائهم منْ حَيْثُ كَثُرَتْ أموالهم من الغنائم،
(1) ينظر: «الأحكام» (2/ 979) .
(2)
ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 60) .
(3، 4) أخرجه الطبري (6/ 422) برقم (16989) ، وذكره ابن عطية (3/ 60) ، وابن كثير (2/ 371) .
(5)
ذكره ابن عطية (3/ 60) .