الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروي في «الصحيح» : الأشهر أن المَلَائِكَةَ قاتلت يَوْمَ بَدْرٍ.
واختلف في غيره قال ابن إسحاق: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بن أبي بكر أنه حُدِّثَ عن ابن عباس، أنه قال: حدثني رَجُلٌ من بني غِفَارٍ، قال: أقبلت أنا وابن عَمٍّ لي حتى صَعَدْنَا في جَبَل يُشْرِفُ بنا على بَدْرٍ، ونحن مشركان ننتظر الوَقْعَةَ على من تكون، فَنَنْتَهِبُ مع من يَنْتَهِبُ. قال: فبينما نحن في الجَبَلِ، إذ دنت منا سَحَابَةٌ، فسمعنا فيها حَمْحَمَةَ الخَيْلِ، / فسمعت قائلاً يقول: أقدمَ حَيْزُوْم، فأما ابن عمي، فانكشف قِنَاعُ قَلْبِهِ، فمات مكانه، وأما أنا فَكِدْتُ أَهْلَكُ، ثم تَمَاسَكْتُ «1» .
قال ابن إسحاق: وحدثني عَبْدُ اللَّه بن أبي بَكْرٍ عن بعض بني سَاعِدَةَ عن أبي سعيد مالك بن رَبِيعَةَ، وكان شهد بَدْراً، قال بعد أن ذهب بَصَرُهُ: لو كنت اليوم ببدر، ومعى بَصَرِي لأريتكم الشِّعْبَ الذي خَرَجَتْ منه المَلَائِكَةُ لا أَشَكُّ ولا أَتَمَارَى. انتهى من «سيرة ابن هِشَامٍ» .
وقوله سبحانه: وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ الضمير في «جعله» عائد على الوَعْدِ، وهذا عندي أَمْكَنُ الأقوال من جهة المَعْنَى.
وقيل: عائد على المَدَدِ، والإِمداد.
وقيل: عائد على الإرداف.
وقيل: عائد على الأَلْف، وقوله: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ توقيف على أن الأَمْرَ كُلَّهُ للَّه وأن تَكَسُّبَ المَرْءِ لا يغني، إذا لم يساعده القَدَرُ، وإن كان مَطْلُوباً بالجدّ، كما ظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين در عين.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 11 الى 13]
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (12) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (13)
وقوله سبحانه: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ. القصد تعديد نعمه سبحانه على
(1) أخرجه ابن إسحاق في «السيرة» (2/ 296) ومن طريقه الطبري في «تاريخه» (2/ 453) ، وذكره ابن كثير في «البداية والنهاية» (3/ 279- 280) . [.....]
المؤمنين في يوم بَدْرٍ، والتقدير: اذكروا إذ فعلنا بكم كذا، وإذ فعلنا كذا، والعامل في «إذ» «اذكروا» وقرأ نافع:«يُغْشِيكُم» - بضم «1» الياء، وسكون الغين- وقرأ حمزة وغيره:
يُغَشِّيكُمُ- بفتح الغين وَشَدِّ الشين المكسورة، وقرأ ابن كثير وغيره:«يَغْشَاكم» - بفتح الياء وألف بعد الشين- «النُّعَاسُ» بالرفع، ومعنى يُغَشِّيكُمُ: يغطيكم، والنُّعَاسُ أَخَفُّ النوم، وهو الذي يصيب الإِنْسَانَ، وهو واقف أو مَاشٍ، وينص على ذلك قَصَصُ هذه الآية أنهم إنما كان بهم خَفْقٌ بالرُّؤُوس، وقوله: أَمَنَةً مصدر من أَمِنَ يَأْمَنُ أَمْنَاً وأَمَنَةً وأَمَاناً، والهاء فيه لتأنيث المصدر، كما هي في المَسَاءَةِ والحَمَاقَةِ والمَشَقَّةِ.
وروي عن ابن مَسْعُودٍ أنه قال: النُّعَاسُ عند حضور القِتَالِ عَلَامَةُ أمن، وهو من اللَّه، وهو في الصَّلَاةِ من الشيطان «2» .
قال ع «3» : وهذا إنما طريقه الوَحْيُ، فهو لا مَحَالَةَ يسنده وقوله سبحانه:
وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ. وذلك أن قَوْماً من المؤمنين لحقتهم جَنَابَاتٌ في سفرهم، وعدموا المَاءَ قَرِيبَ بَدْرٍ، فصلوا كذلك، فَوَسْوَسَ الشيطان في نفوس بعضهم مع تخويفه لهم من كثرة العَدُوِّ وقلتهم، وأيضاً فكانت بينهم وبين مَاءِ بَدْرٍ مَسَافَةٌ، من رمل دَهْسٍ «4» تَسُوخُ «5» فيها الأَرْجُلُ، فكانوا يتوقعون أن يسبقهم الكُفَّارُ إلى ماء بدر، فأنزل اللَّه تلك المَطَرَةَ فَسَالَتِ الأودية، فاغتسلوا، وطهرهم اللَّه تعالى فذهب رِجْزُ الشيطان، وَتَدَمَّثَ «6» الطريق، وتَلَبَّدَتْ «7» تلك الرِّمَالُ، فسهل اللَّه عليهم السير، وأمكنهم الإسراع
(1) ينظر: «السبعة» (304) ، «الحجة» (4/ 125) ، «إتحاف فضلاء البشر» (2/ 77) ، «حجة القراءات» (308) ، «إعراب القراءات» (1/ 222) ، «النشر» (2/ 276) ، و «شرح الطيبة» (4/ 324) ، و «شرح شعلة» (405) ، و «معاني القراءات» (1/ 437) .
(2)
أخرجه الطبري (6/ 192) برقم: (15771- 15772- 15773) ، وذكره ابن عطية (2/ 506) ، والبغوي (2/ 234) ، وابن كثير (2/ 291) .
(3)
ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 506) .
(4)
رمل أدهس بيّن الدّهس، والدّهاس من الرمل: ما كان كذلك لا ينبت شجرا، وتغيب فيه القوائم
…
وقيل: ما سهل ولان من الأرض، ولم يبلغ أن يكون رملا.
ينظر: «لسان العرب» (1441) ، و «النهاية» (2/ 145) .
(5)
أي: غاصت في الأرض. ينظر: «اللسان» (2141) .
(6)
الدّمث: السهول من الأرض، الواحدة دمثة، وهو أيضا المكان اللين ذو رمل، ودمّث الشيء: إذا مرسه حتى يلين.
ينظر: «لسان العرب» (1418- 1419) .
(7)
أي: صارت قوية لا تسوخ فيها الأرجل.
ينظر: «لسان العرب» (3984) .
حتى سبقوا إلى ماءَ بَدْرٍ، وأصاب المشركين من ذلك المَطَرَ ما صَعَّبَ عليهم طريقهم، فسر المؤمنون، وتبينوا من فِعْلِ اللَّه بهم ذلك قَصْدَ المعونة لهم، فطابت نفوسهم، واجتمعت، وتَشَجَّعَتْ، فذلك الرَّبْطُ على قلوبهم، وتثبيت أقدامهم على الرملة اللَّيِّنَةِ.
والضمير في «به» على هذا الاحتمال عَائِدٌ على الماء، ويحتمل عَوْدُهُ على رَبْطِ القلوب، ويكون تثبيت/ الأقدام عِبَارَةً عن النصر والمعونة في مَوْطِنِ الحَرْبِ، ونزول الماء كان في الزمن قبل تَغْشِيَةِ النعاس، ولم يترتب كذلك في الآية، إذ القَصْدُ فيها تَعْدِيدُ النعم فقط.
وقوله سبحانه: فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا وتثبيتهم يكون بقتالهم، وبحضورهم، وبأقوالهم المُؤْنِسَةِ، ويحتمل أن يكون التَّثْبِيتُ بما يلقيه المَلَكُ في القلب بِلَمَّتِهِ من تَوَهُّمِ الظَّفَرِ، واحتقار الكفار، وبخواطر تشجعه.
قال ع «1» : ويقوي هذا التأويل مطابقة قوله تعالى: سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ وعلى هذا التأويل يجيء قوله: سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ مخاطبة للملائكة، ويحتمل أن يكون مخاطبة للمؤمنين. وقوله سبحانه: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ قال عكرمة: هي على بابها، وأراد الرؤوس «2» ، وهذا أنبل الأقوال.
قال ع»
: ويحتمل عندي أن يريد وَصْفَ أبْلَغِ ضربات العنق وأحكمها، وهي الضربة التي تكون فَوْقَ عَظْمِ العنق دون عَظْمِ الرأس في المفصل، كما وصف دريد بن الصِّمَّة «4» ، فيجيء على هذا فوق الأَعْنَاقِ متمكناً.
والبَنَان: قالت فرقة: هي المَفَاصِلُ حيث كانت من الأعضاء.
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 508) .
(2)
أخرجه الطبري (6/ 197) برقم: (15800) نحوه، وذكره ابن عطية (2/ 508) ، والبغوي (2/ 235) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (3/ 313) .
(3)
ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 508) .
(4)
دريد بن الصمة الجشمي البكري، من هوازن: شجاع، من الأبطال، الشعراء، المعمرين في الجاهلية، كان سيد بني جشم وفارسهم وقائدهم، وغزا نحو مائة غزوة لم يهزم في واحدة منها، وعاش حتى سقط حاجباه عن عينيه، وأدرك الإسلام، ولم يسلم، فقتل على دين الجاهلية «يوم حنين» ، وكانت هوازن خرجت لقتال المسلمين فاستصحبته معها تيمنا به، وهو أعمى، فلما انهزمت جموعها أدركه ربيعة بن رفيع السلميّ فقتله، له أخبار كثيرة، والصمة لقب أبيه معاوية بن الحارث.
ينظر ترجمته في: «الأعلام» (2/ 339)(4164) .