الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ع «1» : ويدلُّ على هذا من الآية أنه سبحانه لَمَّا حكى قول من قال: ثلاثة، وخمسة، قَرَنَ بالقول أنه رَجْم بالغيب، ثم حكى هذه المقالة، ولم يقدَحْ فيها بشيء، وأيضاً فَيَقْوى ذلك على القول بواوِ الثمانية لأنها إِنما تكون حيث عدد الثمانية صحيحٌ.
وقوله سبحانه: فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً معناه على بعض الأقوال: أي:
بظاهر ما أوحينا إِليك، وهو ردُّ علْمِ عدتهم إِلى اللَّه تعالى، وقيل: معنى الظاهر أنْ يقول: ليس كما تقولون، ونحو هذا، ولا يحتجّ هو على أمر مقرَّر في ذلك، وقال التِّبْرِيزِيُّ: ظاهِراً معناه: ذاهباً وأنشد: [الطويل]
…
وَتلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا «2» ولم يبح له في هذه/ الآية أن يماري، ولكن قوله: إِلَّا مِراءً مجازٌ من حيث يماريه أهْلُ الكتاب، سمِّيت مراجعته لهم مِرَاءً، ثم قيد بأنه ظاهرٌ، ففارَقَ المراءَ الحقيقيَّ المذمومَ، و «المِرَاء» : مشتقٌّ من المِرْية، وهو الشكُّ، فكأنه المُشَاكَكَة. ت: وفي سماع ابن القاسمِ، قال: كان سليمان بن يَسَارٍ، إِذا ارتفع الصوْتُ في مجلسه، أو كانِ مَراءً، أخذ نعليه، ثم قام. قال ابنُ رُشْد: هذا مِنْ وَرَعه وفَضْله، و «المِرَاء» في العِلْم منهيٌّ عنه، فقد جاء أنه لا تُؤْمَنُ فتنته، ولا تفهم حِكْمته انتهى من «البيان» .
والضمير في قوله: وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ عائد على أهل الكَهْف، وفي قوله:
مِنْهُمْ عائدٌ على أهْل الكتاب.
وقوله: فَلا تُمارِ فِيهِمْ، أي: في عدّتهم.
[سورة الكهف (18) : الآيات 23 الى 26]
وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23) إِلَاّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26)
وقوله سبحانه: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ قد تقدّم
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 508) . [.....]
(2)
عجز بيت لأبي ذؤيب وصدره:
وعيّرها الواشون أني أحبّها
…
وهو في ديوانه (1/ 21) ، و «اللسان» (ظهر) .
أن هذه الآية عتاب من اللَّه تعالى لنبيِّه حيث لم يستثْنِ، والتقدير: إِلا أنْ تقولَ إِلَاّ أنْ يشاء اللَّه أو إِلَاّ أنْ تقولَ: إِن شاء اللَّه، والمعنى: إِلا أن تذكُرَ مشيئَةَ اللَّهِ.
وقوله سبحانه: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ قال ابن عباس «1» والحسن «2» معناه:
إِلاشارة به إلى الاستثناء، أي: ولتستثْنِ بعد مدّة إذا نسيت، أو لا لِتَخْرُجَ من جُمْلة من لم يعلِّق فعله بمشيئة اللَّه، وقال عكرمة: واذكر ربَّك إِذا غَضِبْتَ «3» ، وعبارة الواحِدِيِّ:
وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ، أي: إِذا نسيتَ الاستثناء بمشيئة اللَّه، فاذكره وقله إذا تذكّرت.
اه.
وقوله سبحانه: وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي
…
الآية: الجمهورُ أنَّ هذا دعاءٌ مأمورٌ به، والمعنى: عسى أنْ يرشدني ربِّي فيما أستقبل من أمري، والآية خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وهي بعدُ تعمُّ جميع أمته.
وقال الواحديُّ: وقل عسى أن يهديني، أي: يعطيني ربي الآياتِ من الدلالاتِ على النبوَّة ما يكون أقرَبَ في الرشد، وأدلَّ من قصَّة أصحاب الكهف، ثم فعل اللَّه له ذلك حيثُ آتاه علْم غَيْوب المرسَلِينَ وخَبَرَهم. انتهى.
وقوله سبحانه: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ
…
الآية: قال قتادة وغيره:
الآية حكايةٌ عن بني إسرائيلُ «4» ، أنهم قالوا ذلك واحتجوا بقراءة «5» ابن مسعود وفي مُصِحفه:«وقَالُوا لَبِثُوا في كَهْفِهِمْ» ، ثم أمر اللَّه نبيَّه بأن يردَّ العلْم إِليه ردَّا على مقالهم وتفنيداً لهم، وقال المحقِّقون: بل قوله تعالى: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ
…
الآية خبرٌ من اللَّه تعالى عن مُدَّة لبثهم، وقوله تعالى: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا، أي: فليزل اختلافكم أيها المخرِّصون، وظاهر قوله سبحانه: وَازْدَادُوا تِسْعاً أنها أعوام.
(1) أخرجه الطبري (8/ 208)، برقم:(22990) بنحوه، وذكره ابن عطية (3/ 509) ، والبغوي (3/ 157) ، وابن كثير (3/ 79) ، والسيوطي (4/ 394) ، وعزاه لسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه.
(2)
أخرجه الطبري (8/ 208) برقم: (22992) بنحوه، وذكره ابن عطية (3/ 509) ، والبغوي (3/ 157) .
(3)
أخرجه الطبري (8/ 209) برقم: (22993) بلفظ: «عصيت» ، وذكره البغوي (3/ 157) ، وابن كثير (3/ 79) ، والسيوطي (4/ 395) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «شعب الإيمان» .
(4)
أخرجه الطبري (8/ 210) برقم: (22996) بنحوه، وذكره ابن عطية (3/ 510) ، والبغوي (3/ 157- 158) ، وابن كثير (3/ 79) ، والسيوطي (4/ 396) ، وعزاه لابن أبي حاتم.
(5)
ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 510) .