الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنتظر، وهذا قول ابن عباس «1» وغيره، والميسور: من اليسر.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 29 الى 30]
وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (30)
وقوله سبحانه: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ استعارةٌ لليد المقبوضةِ عن الانفاق جملةً، واستعير لليد التي تستنفِذُ جميعَ ما عنْدها غايةَ البَسْطِ ضِدّ الغُلِّ، وكلُّ هذا في إِنفاق الخير، وأما إِنفاق الفساد، فقليله وكثيره حرامٌ، أو الملامة هنا لاحقةٌ ممن يطلب من المستحقين، فلا يجدُ ما يعطى، «والمحسورُ» الذي قد استنفدَتْ قوته، تقولُ: حَسَرْتُ البَعِيرَ إِذا أتْعَبْتَهُ حتى لم تَبْقَ له قوة ومنه البَصَرِ الحَسِير.
قال ابنُ العربيِّ «2» وهذه الآية خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، والمراد أمته، وكثيراً ما جاء هذا المعنى في القرآن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا كان سيِّدَهم وواسطَتَهم إِلى ربِّهم، عبِّر به عنهم، على عادة العرب في ذلك. انتهى من «الأحكام» ، و «الحسير» : هو الكالُّ.
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ معنى يَقْدِرُ: يضيِّق.
وقوله سبحانه: إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً، أي: يعلم مصلحة قَوْمٍ في الفقر، ومصلحةَ آخرين في الغنى.
وقال بعضُ المفسِّرين: الآية إِشارةٌ إِلى حال العرب التي كانَتْ يصلحها الفَقْرَ، وكانت إِذا شبعتْ، طَغَتْ.
ت: وهذا التأويلُ يَعْضُدُهُ قوله تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ
…
الآية [الشورى: 27] ولا خصوصيَّة لذكْر العرب إِلا مِنْ حيث ضرب المثل.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 31 الى 35]
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (31) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (32) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَاّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35)
وقوله سبحانه: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ
…
الآية: نهي عن الوأد الذي
(1) أخرجه الطبري (8/ 70) برقم: (22259) ، وذكره ابن عطية (3/ 450) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 321) ، وعزاه لابن جرير. [.....]
(2)
ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1204) .
كانت العرب تفعله، «والإِملاق» . الفقر وعَدَم المال، وروى أبو داود عن ابن عباس، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ فَلمْ يَئِدْهَا، ولَمْ يُهِنْهَا، وَلَمْ يُؤثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا- قال:
يَعْني الذُّكُورَ- أدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنة» «1» انتهى. والحق الذي تقتل به النفس: قد فسّره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «لَا يُحِلُّ دَمَ المُسْلِمِ إلَاّ إحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: كُفْرُ بَعْدَ/ إِيمَانٍ، أو زناً بَعْدَ إِحْصَانٍ، أوْ قَتْلُ نَفْسٍ» «2» أي: وما في هذا المعنى مِنْ حرابةٍ أو زندقةً ونحو ذلك.
وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً أي: بغير الوجوه المذكورة، فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً، ولا مدخل للنساء في ولاية الدَّمِ عند جماعة من العلماءِ، ولهنَّ ذلك عند آخرين، «والسلطان» : الحجة والملك الذي جُعِلَ إِليه من التخيير في قبول الدية أو العفو قاله ابن عبَّاس «3» . قال البخاريُّ: قال ابن عباس: كلُّ سلطانٍ في القرآن فهو حُجَّة «4» . انتهى، وقال قتادة:«السلطان» : القود «5» .
(1) تقدم تخريجه.
(2)
أخرجه الشافعي (2/ 96) كتاب «الديات» ، الحديث (318)، والطيالسي ص:(13) ، الحديث (72) ، وأحمد (1/ 61)، والدارمي (2/ 218) كتاب «السير» باب: لا يحل دم رجل يشهد أن لا إله إلا الله، والترمذي (4/ 19) كتاب «الديات» باب: ما جاء، لا يحل دم امرئ مسلم، الحديث (1402)، والنسائي (7/ 103) كتاب «تحريم الدم» باب: الحكم في المرتد، وابن ماجه (2/ 847) كتاب «الحدود» باب: لا يحل دم امرئ مسلم إلا في ثلاث، الحديث (2533) ، والحاكم (4/ 350) كتاب «الحدود» ، وابن الجارود ص:(213) رقم (836) من حديث عثمان.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وأخرجه الطيالسي ص: (216) ، الحديث (1543) ، وأحمد (6/ 214)، وأبو داود (4/ 522) كتاب «الحدود» باب: الحكم فيمن ارتد، الحديث (4353)، والنسائي (7/ 101- 102) باب: الصلب، والحاكم (4/ 367) من حديث عائشة، وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
وأخرجه البخاري (12/ 201) كتاب «الديات» باب: قوله تعالى: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ، حديث (6878) .
ومسلم (3/ 7302) كتاب «القسامة» باب: ما يباح به دم المسلم (25/ 1676) ، والترمذي (1402) ، وأبو داود (4352) ، والنسائي (7/ 92) ، وابن ماجه (2534) ، والدارمي (2/ 218) ، والدارقطني (3/ 82) ، والبيهقي (8/ 19) ، وأحمد (11/ 382، 428، 444، 465) ، عن عبد الله بن مسعود مرفوعا بنحوه.
(3)
أخرجه الطبري (8/ 75) برقم: (22287) ، وذكره ابن عطية (3/ 453) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 326) ، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.
(4)
أخرجه الطبري (8/ 75) برقم: (22289) ، وذكره ابن عطية (3/ 453) .
(5)
أخرجه الطبري (8/ 75) برقم: (22287) ، وذكره ابن عطية (3/ 453) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 326) ، وعزاه لابن أبي حاتم.
وقوله سبحانه: فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ المعنى: فلا يَتَعَدَّ الوليُّ أمْرَ اللَّه بأنْ يقتل غير قاتِلِ وليِّه، أو يقتل اثنين بواحدٍ إلى غير ذلك من وجوه التعدِّي، وقرأ «1» حمزة والكسائيُّ، وابن عامر:«فَلَا تُسْرِفْ» - بالتاء من فوق-، قال الطبري «2» : على الخطاب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم والأئمة بعده.
قال ع: ويصحَّ «3» أنْ يراد به الوليُّ، أي: فلا تسرفْ أيُّها الولي، والضميرُ في «إِنه» عائدٌ على «الوليِّ» ، وقيل: على المقتول، وفي قراءة أبي بن «4» كعب:«فَلَا تُسْرُفوا في القِتَال إِنَّ وليَّ المَقْتُول كانَ مَنْصُوراً» ، وباقي الآية تقدَّم بيانه، قال الحسن:
بِالْقِسْطاسِ هو «5» القَبَّان «6» ، وهو القرسطون، وقيل: القِسْطَاسِ: هو الميزانُ، صغيراً كان أو كبيراً.
قال ع «7» : وسمعت أبي رحمه الله تعالى يَقُولُ: رأيْتُ الواعِظَ أبا الفضْلِ الجَوْهَرِيَّ رحمه الله في جامعِ عمرو بن العاص يعظُ النَّاسَ في الوزْن، فقال في جملة كلامه: إِن في هيئة اليَدِ بالميزانِ عِظَةً، وذلك أنَّ الأصابعَ يجيءُ منها صُوَرةُ المكتوبة ألف ولامَانِ وهاء، فكأنَّ الميزان يقولُ: اللَّه، اللَّه.
قال ع «8» : وهذا وعظٌ جميلٌ، «والتأويل» ، في هذه الآية المآل قاله «9» قتادة،
(1) وحجتهم: قراءة عبد الله: «فلا تسرفوا في القتل» . وحجة الباقين: أن هذا الكلام أتى عقيب خبر عن غائب، وهو قوله: مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً.
ينظر: «السبعة» (380) ، و «الحجة» (5/ 98- 99) ، و «إعراب القراءات» (1/ 372) ، و «معاني القراءات» (2/ 94) ، و «شرح الطيبة» (4/ 430) ، و «العنوان» (119) ، و «حجة القراءات» (402) ، و «شرح شعلة» (463) ، و «إتحاف» (2/ 197) .
(2)
ينظر: «الطبري» (8/ 76) .
(3)
ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 453) .
(4)
ينظر: «الشواذ» ص: (80) ، و «الكشاف» (2/ 665) ، و «المحرر الوجيز» (3/ 453) ، و «البحر المحيط» (6/ 31) .
(5)
أخرجه الطبري (8/ 79) برقم: (22304) ، وذكره البغوي (3/ 114) ، وذكره ابن عطية (3/ 455) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 329) ، وعزاه لابن المنذر، عن الضحاك.
(6)
هو الميزان ذو الذراع الطويلة المقسمة أقساما، ينقل عليها جسم ثقيل يسمى الرمانة لتعين وزن ما يوزن.
ينظر: «المعجم الوسيط» (720) .
(7)
ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 455) .
(8)
ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 455) . [.....]
(9)
أخرجه الطبري (8/ 79) برقم: (22306) بنحوه، وذكره ابن عطية (3/ 455) ، وابن كثير في «تفسيره»