الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبحانه، ثم قال تعالَى: فَإِنِ انْتَهَوْا، عن الكفر، فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ بِعَمَلِهم، مُجَازٍ عليه، عنده ثوابه، وجميلُ المقارضة عليه.
وقوله سبحانه: وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ:
معادلٌ لقوله: فَإِنِ انْتَهَوْا، المعنى: وإِن تولَّوا، ولم ينتهوا، فاعلموا أن اللَّه تعالَى ينصُرُكُمْ عليهم، وهذا وعد محض بالنصر والظّفر، والْمَوْلى هاهنا الموالى والمُعِينُ، والمَوْلَى في اللغة على معانٍ، هذا هو الذي يليقُ بهذا الموضعِ منها، والمَوْلَىَ: الذي هو السيِّد المقترنُ بالعَبْدِ يعمّ المؤمنين والمشركين.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 41 الى 44]
وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)
وقوله عز وجل: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ
…
الآية: الغنيمةُ في اللغة: ما يناله الرجل بسعي ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «الصّيام في الشّتاء هي الغنيمة الباردة» «1» ،
البجلي، والطبراني، عن أنس وسمرة بن جندب وسهل بن سعد وابن عباس، وأبي بكرة، وأبي مالك الأشجعي، والبزار عن عياض الأنصاري والنعمان بن بشير. [.....]
(1)
أخرجه الترمذي (3/ 153) كتاب «الصوم» ، باب: ما جاء في الصوم في الشتاء، حديث (797) ، وأحمد (4/ 335) ، وابن أبي شيبة (3/ 100) ، وأبو الشيخ في «الأمثال» (223) ، والبيهقي (4/ 296- 297) كتاب «الصيام» ، باب ما ورد في صوم الشتاء، والقضاعي في «مسند الشهاب» (231) كلهم من طريق نمير بن عريب، عن عامر بن مسعود مرفوعا.
وقال الترمذي: هذا حديث مرسل، عامر بن مسعود لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال البيهقي: هذا مرسل.
قال ابن أبي حاتم في «المراسيل» ص: (160) : قال أبو زرعة: عامر بن مسعود من التابعين.
وقال الترمذي في «العلل الكبير» ص (127) رقم: (218) : سألت محمدا عن حديث أبي إسحاق، عن نمير بن عريب، عن عامر بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء» .
فقال: هو حديث مرسل، وعامر بن مسعود لا صحبة له، ولا سماع من النبي صلى الله عليه وسلم اه.
وقوله: مِنْ شَيْءٍ: ظاهرة العمومُ، ومعناه الخصوصُ، فأَمَّا النَّاضُّ «1» والمتاعُ والأطفال والنساء وما لا يؤكل [لحمه] من الحيوان ويَصِحُّ تملُّكه، فالإِمام يأخذ خُمْسُهُ، ويَقْسِمُ الباقي في الجيش، وأما الأرضُ، فقال فيها مالكٌ: يقسمها الإِمام إِن رأى ذلك صوابا كما فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ، أَوْ لَا يَقْسِمُها، بل يتركها لنوائب المسلمينَ إن أداه اجتهاده إلى ذلك كما فعل عُمَرُ بنُ الخطَّاب رضي الله عنه بِأَرْضِ مِصْرِ وبسَوَادِ الكَوفة، وأمَّا الرجالُ، ومَنْ شارف البُلُوغ من الصِّبْيان، فالإِمام عند مالك وجمهور العلماء، مُخَيَّرٌ فيهم علَى خمسة أوجه «2» :
وقال يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (3/ 127) : ليس لعامر صحبة.
وقد جزم بعدم صحبته أيضا أبو داود، وابن حبان، والبغوي، وابن السكن. ينظر:«الإصابة» (3/ 489) بتحقيقنا اهـ.
لكن لهذا الحديث شاهد من حديث أنس: أخرجه الطبراني في «الصغير» (1/ 254) ، وابن عدي في «الكامل» (3/ 1210)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (3/ 416) رقم:(3943) من طريق الوليد بن مسلم، ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس مرفوعا.
وقال الطبراني: لم يروه عن قتادة إلّا سعيد، تفرد به الوليد. وقال ابن عدي: لا يرويه عن قتادة غير سعيد، وعن سعيد غير الوليد. والحديث ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/ 203) وقال: رواه الطبراني في «الصغير» ، وفيه سعيد بن بشير، وهو ثقة لكنه اختلط اه.
وللحديث شاهد آخر من حديث جابر: أخرجه ابن عدي في «الكامل» (3/ 1075)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (3/ 416) رقم:(3942) من طريق عبد الوهاب بن الضحاك: نا الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد، عن ابن المنكدر، عن جابر مرفوعا.
وعبد الوهاب بن الضحاك: قال الحافظ في «التقريب» (1/ 528) : متروك كذبه أبو حاتم.
(1)
النّاضّ: أهل الحجاز يسمّون الدّراهم والدّنانير: النّاضّ والنّضّ. قال أبو عبيد: إنّما يسمّونها ناضّا: إذا تحوّل عينا بعد أن كان متاعا لأنّه يقال: ما نضّ بيدي منه شيء، وخذ ما نضّ لك من دين، أي: تيسّر وهو يستنضّ حقّه من فلان، أي: يستنجزه، ويأخذ منه الشّيء بعد الشّيء. مأخوذ من نضاضة الماء وهي: بقيّته، وكذلك النّضيضة، وجمعها: نضائض. ذكره الأزهري.
ينظر: «النظم» (1/ 154) .
(2)
الأسرى: إما أن يكونوا من الرجال العقلاء البالغين، أو يكونوا من النساء، والصبيان، ومن في حكمهم، فإذا كانوا من هؤلاء فالمشهور عند عامّة الفقهاء أنهم يصيرون أرقاء بنفس الأسر، ولا يجوز قتلهم اتفاقا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان في حديث متفق عليه. أما إذا كانوا من الرجال البالغين العقلاء، فالإمام مخير فيهم بين خصال بعضها متفق عليه، وبعضها مختلف فيه، وهي كما يأتي:
«القتل» : ثبت عند فقهاء الأمصار أنه يجوز للإمام قتل المحارب الكافر بعد أسره، والاستيلاء عليه، وحكي عن الحسن البصري وعطاء، وسعيد بن جبير، والضحاك، وابن عمر كراهته.
«المنّ» : ويكون بتخلية سبيل الأسرى من غير عوض، وقال به الشافعية والمالكية في المشهور عنهم والحنابلة، وذهب الحنفية إلى عدم جوازه.
منها: القتل، وهو مستَحْسَنٌ في أهْل الشجاعة والنِّكَاية.
ومنها: الفداءُ، وهو مستحسنٌ في ذي المَنْصب الذي ليس بشُجَاع ولا يُخَاف منه رأْي ومَكِيدَة لانتفاع المسلمين بالمَال الذي يؤخَذُ منه.
ومنها: المَنُّ، وهو مستحْسَنٌ فيمن يرجى أنْ يحنو على أَسْرَى المسلمين، ونحو ذلك من القرائن.
ومنها: الاسترقاق.
ومنها: ضَرْبُ الجزية، والتَّرْكُ، في الذِّمَّة.
وأما الطعام، والغَنَمْ، ونَحْوَها ممَّا يؤكل، فهو مباحٌ في بلد العدو أكله، وما فَضَل منه كان في المَغْنَم.
ومحلُّ استيعاب فُرُوعِ هذا الفَصْل كُتُب الفقه.
وقوله سبحانه: وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا، أي: من النصر والظهور الذي أنزله الله
«الفداء» : ذهب جمهور الفقهاء ومعهم أبو يوسف، ومحمد من علماء الحنفية إلى جواز الفداء بالأسرى، وجاء ذلك رواية عن أبي حنيفة، وجاءت عنه رواية أخرى بمنعه.
وأمّا الفداء بالمال فالجمهور على جوازه، والمشهور من مذهب الحنفية عدم الجواز، وقد جاء في «السير الكبير» أنه لا بأس به إذا كان بالمسلمين حاجة إليه.
«الاسترقاق» : اتفق الفقهاء على أن الأسير إذا كان مرتدا لا يجوز ضرب الرق عليه، فلا بد أن يسلم أو يقتل لأنه كفر بربه بعد ما هدي إلى الإسلام.
واختلفوا في غيره من الأسرى، فذهب المالكية، والشافعية والحنابلة إلى جواز استرقاقهم لا فرق بين عربي منهم أو عجمي، وذهب الحنفية إلى عدم جواز استرقاق المشركين من العرب. وإذا قلنا: إن الإمام مخير في الأسرى، فليس معناه أن يجعل التصرف فيهم تبعا لعاطفته وميل هواه، وإنما معناه أن يتحرى فيهم ما تقتضيه مصلحة المسلمين ثم ينفذها، فإذا كان الأسير شديد الدهاء، كثير التأليب على المسلمين والكيد لهم، ولا يؤمن مكره، أو تكرر نقضه لعهدهم قتله الإمام كفاية لشره وقطعا لدابره.
ويظهر ذلك للإمام من اطّلاع على أحواله أو علمه بأخباره، وإذا ظهر له أن الأسير مأمون الجانب، ويتألف بإطلاقه طائفة عظيمة على الإسلام، أو يتوسم أن تطلق عشيرته ما عندها من أسرى الحرب منّ عليه، وكذلك إذا كان الأسير من ذوي العلل والعاهات، أو الضعفاء والزمنى الذين لا يرجى منهم منفعة للمسلمين، أو كان للأسير قيمة، وترجح عند الإمام الحاجة إلى المال لمصالح المسلمين جعل نظير كل رقبة يطلقها مقدارا من المال يختلف بحسب مكانة الأسير في قومه، وإن رأى أن في استرقاقه عزة ومهابة للمسلمين اختار من بينهم من يضرب الرق عليه، وهكذا.
سبحانه يَوْمَ بَدْر، ويحتمل أن تكون الإِشارة إِلى قرآن/ نزَلَ يوْمَ بدر، أو في قصَّة يوم بَدْر، ويوم الفُرْقَان: معناه: يَوْمُ الفَرْقِ بين الحقِّ والباطل بإِعزاز الإِسلام وإِذلالِ الشرك، والجَمْعَانِ: يريد: جَمْعَ المسلمين وَجَمْعَ الكُفَّار، وهو يوم بَدْر، ولا خلاف في ذلك.
وقوله سبحانه: وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، يَعْضُدُ أَنَّ قوله: وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا، يراد به النصْرُ والظَّفْر، أي: الآيات والعظائم مِنْ غلبة القليلِ للكثيرِ، وذلك بقدرة اللَّه عز وجل الذي هو عَلَى كلِّ شيء قدير.
وقوله سبحانه: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، العُدْوَة: شفيرُ الوادِي، وحَرْفُهُ الذي يتعذَّرُ المَشْيُ فيه بمنزلة رَجَا البئْر لأنها عَدَتْ ما في الوادِي من ماء ونحوه أن يتجاوز الوادِيَ، أي: منعته ومنه قول الشاعر: [الوافر]
عَدَتْنِي عَنْ زِيَارَتِكِ العَوَادِي
…
وَحَالَتْ دُونَهَا حَرْبٌ زَبُون «1»
وقرأ ابنُ كَثِير «2» ، وأبو عمرو: بِالْعُدْوَةِ- بِكَسْرِ العين-، وقوله: الدُّنْيا، والْقُصْوى، إِنَّما هو بالإِضافة إِلى المدينة، وبين المدينة ووادِي بَدْر موضعُ الوقعة مَرْحَلتان، والدُّنْيَا: من الدُّنُوِّ، والقصوى: منِ القُصُوِّ، وهو البُعْد، وَالرَّكْبُ، بإِجماعٍ من المفسِّرين: عِيرُ أبي سفيان، وقوله: أَسْفَلَ، في موضع خَفْض، تقديره: في مكان أَسْفَلَ كَذَا.
قال سِيبَوَيْهِ: وكان الرَّكْبُ، ومُدَبِّر أمره أبو سفيانَ بْنُ حَرْب، قد نَكَبَ عن بدر حين نذر بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، وأخَذَ سيْفَ البَحْرِ، فهو أَسْفَلُ بالإِضافة إِلى أَعلى الوَادِي.
وقوله سبحانه: وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ، المَقْصدُ من الآية: تَبْيينُ نعمة اللَّه سُبْحانه في شأنِ قِصَّة بَدْر، وتيسيره سُبْحانه ما يَسَّر من ذلك، والمَعنَى: لو تواعدتم، لاختلفتم في الميعادِ بَسَببِ العوارِضِ التي تَعْرضُ للناس، إِلَاّ مع تيسير اللَّه الذي تَممَّ ذلك، وهذا كما تقولُ لصاحبك في أمْر سَنَاهُ اللَّه تعالى دونَ تَعَبٍ كثير: لَوْ بَنَيْنَا عَلَى هَذَا، وسَعَيْنَا فِيهِ، لَمْ يَتِمَّ هَكَذَا، وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا، أي: لينفِّذَ ويُظْهِر أمراً قد قدَّره في الأزل مفعولاً لكم بشرط وجودكم في وَقْتِ وجودِكُمْ، وهذا كلُّه معلومٌ عنده عز وجل
(1) ينظر «الدر المنثور» (3/ 421) .
(2)
ينظر: «السبعة» (306) ، و «الحجة» (4/ 128)، و «حجة القراءات» ص:(310- 311) ، و «إعراب القراءات» (1/ 224) ، و «إتحاف» (2/ 79) ، و «معاني القراءات» (1/ 440) ، و «شرح الطيبة» (4/ 327) ، و «شرح شعلة» (406) .