الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعضهم خَافَ عَلَى نَفْسِه مِنَ الاستغفار للمشْركين، فنزلت الآيةُ مُؤْنسة، أيْ: ما كان اللَّه بَعْدَ/ أَنْ هدَى إِلى الإِسْلَامِ، وأنقذ مِنَ النار لِيُحْبِطَ ذلك، ويضلَّ أهله لمواقعتهم ذَنْباً لم يتقدَّم من اللَّه عنه نَهْيٌ، فأما إِذا بيَّن لهم ما يتَّقون من الأمورِ، ويتجنَّبون من الأشياء، فحينئذٍ مَنْ واقع شيئاً من ذلك بعد النَّهْيِ، استوجب العقوبة، وباقي الآية بيّن.
[سورة التوبة (9) : الآيات 117 الى 118]
لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَاّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَاّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)
وقوله سبحانه: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ
…
الآية: التوبةُ مِنَ اللَّه تعالَى هو رُجُوعه بعبده مِنْ حالة إِلى أَرفَعَ منها، فقد تكونُ في الأكثَرِ رُجُوعاً من حالة طاعةٍ إِلى أَكْمَلَ منها، وهذه توبته سبحانه في هذه الآيةِ عَلَى نبيِّه عليه السلام، وأما توبته على المهاجرين والأنصار، فمعرَّضةً لأنْ تكونَ مِنْ تقصير إلى طاعة وجِدٍّ في الغزو ونُصْرَةِ الدِّين، وأما توبته على الفريق الذي كاد يزيغ، فَرُجُوعٌ من حالة محطوطةٍ إلى حال غفران ورضاً وقال الشيخ أبو الحَسَن الشَّاذِلِيُّ رحمه الله: في هذه الآية ذَكَر اللَّه سبحانه تَوْبَةَ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ لَئِلَا يستوحِشَ مَنْ أذنب لأنه ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار ولم يذنبوا، ثم قال: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا، فذكر مَنْ لم يُذْنِبْ لِيُؤْنَسَ من قد أذنب، انتهى من «لطائف المنن» .
وساعَةِ الْعُسْرَةِ يريد: وقْت العسرة، والعُسْرة الشِّدَّةُ، وضيقُ الحَالِ، والعُدْمُ، وهذا هو جيشُ العُسْرة الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم:«مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ، فَلَهُ الجنة» «1» ، فجهزه عثمانُ بْنُ عفَّان رضي الله عنه بألْفِ جَمَلٍ، وألْف دينارٍ، وجاء أيضاً رجلٌ من الأنصار بِسَبْعِمَائَةِ وَسْقٍ مِنْ تَمْر، وهذه غزوةُ تبوكَ.
ت: وعن ابن عَبَّاس أنَّه قيل لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّاب: حدِّثنا عن شأنِ سَاعَةِ العُسْرَة، فقال عمر: خَرَجْنَا إلى تبوكَ في قَيْظٍ شديدٍ، فنزلْنا منزلاً أصابنا فيه عَطَشٌ، حتى ظَنَنَّا أَنَّ رقابنا سَتَنْقَطِعُ حتى إنَّ الرجُلَ لَيَنْحَرُ بعيره، فَيَعْصِرُ فَرْثَهُ «2» فيشربه، ثم يجعل ما بقي
(1) أخرجه البخاري (5/ 477) كتاب «الوصايا» باب: إذا وقف أرضا أو بئرا، حديث (2778) عن عثمان بن عفان به، وأخرجه معلقا (7/ 65) كتاب «فضائل الصحابة» باب: مناقب عثمان بن عفان.
(2)
الفرث: السّرجين ما دام في الكرش.
ينظر: «لسان العرب» ص: (3369) .
عَلَى كَبِدِهِ، فقال أبو بكر: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّه قد عَوَّدَكَ في الدعاءِ خيراً، فادع اللَّهَ، فَقَالَ:«أَتُحِبُّ ذلكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، فلم يَرْجِعْهما حتَّى مالَتِ السماء، فَأَظلَّتْ، ثم سَكَبَتْ فملؤوا ما معهم، ثم ذهبْنا ننظر، فلم نجدْها جاوَزَتِ العَسْكَر، رواه الحاكم في «مستدركه على الصحيحين» ، وقال: صحيحٌ على شرط الشَّيْخَيْن، يعني: مسلماً والبخاريَّ «1» انتهى في «السلاح» ، ووصل النبيّ صلى الله عليه وسلم في غزوة تَبُوكَ إِلى أوائلِ بلد العَدُوِّ فصالحه أَهْلُ أذرح وأَيْلَةَ وغيرهما على الجِزْية ونحوها، وانصرف، والزيغ المذْكُور هو ما هَمَّت به طائفةٌ من الانصراف لِمَا لَقُوا من المشقَّة والعُسْرة. قاله الحسن «2» .
وقيل: زيغها إِنما كان بظُنُونٍ لها ساءَتْ في معنى عزم النبيّ صلى الله عليه وسلم على تلك الغزوة، لما رأته من شدَّة الحال وقوَّة العدوِّ والمقصود، ثم أخبر عز وجل أنه تاب أيضاً على هذا الفريقِ، وراجَعَ به، وأنس بإِعلامه للأمَّة بأنه رؤوفٌ رحيمٌ، والثلاثة الذين خُلِّفوا هم كعْبُ بن مالِكٍ وهلال بن أمية الوَاقفيُّ ومُرَارَةُ بنُ الرَّبيع العامريُّ، وقد خرَّج حديثهم بكماله البخاريُّ ومسلم «3» ، وهو في السِّير فلذلك اختصرنا سَوْقَهُ، وهم الذين تقدَّم فيهم:
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ [التوبة: 106] ، ومعنى خُلِّفُوا أُخِّروا، وتُرِكَ النظرُ في أمرهم، قال كَعْب: وليس بتخلُّفنا عَنِ الغَزْوِ، وهو بَيِّنٌ من لفظ الآية.
وقوله: وَظَنُّوا أَنْ لَاّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ، ظَنُّوا هنا بمعنى: أيقنوا، قال
(1) أخرجه الطبري في «تفسيره» (6/ 502) برقم: (17443) والبزار (2/ 354- 355- كشف) ، والحاكم (1/ 159) ، وابن حبان (1383) ، والبيهقي في «دلائل النبوة» (5/ 231) من حديث عمر بن الخطاب، وقال البزار: لا نعلمه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد عن عمر بهذا اللفظ. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حبان. والحديث ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6/ 198) وقال: رواه البزار والطبراني في «الأوسط» ورجال البزار ثقات.
(2)
ذكره ابن عطية (3/ 93) .
(3)
أخرجه البخاري (7/ 717، 719) كتاب «المغازي» باب: حديث كعب بن مالك، حديث (4418) ، ومسلم (4/ 2120، 2128) كتاب «التوبة» باب: حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، حديث (53/ 2769)، والترمذي (5/ 281- 282) كتاب «التفسير» باب: ومن سورة التوبة، حديث (3102) ، وابن حبان (3370) والبيهقي في «دلائل النبوة» (5/ 273، 279) من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن كعب بن مالك به مطولا.
وقد أخرجه جزءا من هذا الحديث البخاري برقم: (2757، 2947، 2948، 2949، 2950، 3088، 3556، 3889، 3951، 4673، 4676، 4677، 4678، 6255، 6690، 7225) ، وأيضا أبو داود (3320) ، والنسائي (2/ 53- 54) ، وابن ماجه (1393) ، وأحمد (6/ 390) ، وابن أبي شيبة (14/ 539) كلهم من طريق الزهري بهذا الإسناد مختصرا.