الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: لَا جَرَمَ عبَّرت فرقةٌ من اللُّغويِّين عن معناها ب «لَا بُدَّ ولا محالة» ، وقالت فرقة: معناها: حق أن اللَّه، ومذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أنَّ «لا» نفيٌ لما تقدَّم من الكلامِ، و «جرم» :
معناه: وَجَبَ أو حَقَّ ونحوه، هذا مذهبُ الزَّجَّاجِ «1» ، ولكنْ مع مذهبهما، «لا» ملازِمَةٌ ل «جَرَمَ» لا تنفَكُّ هذه مِنْ هذه.
وقوله سبحانه: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ: عامٌّ في الكافرين والمؤمنين يأخذ كلُّ أحد منهم بِقِسْطه، قال الشيخُ العارفُ باللَّه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبي جَمْرَةَ رحمه الله موتُ النفوسِ حياتُهَا، مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَحْيَا يَمُوتُ، ببَذْل أَهْل التوفيقِ نفوسَهُم وهوانِهَا عليهم، نالوا ما نالوا، وبِحُبِّ أهْل الدنيا نفوسَهُم هانوا وطَرَأَ عليهم الهوانُ هنا وهناك، وقد ورد في الحديثِ:«أنَّه مَا مِنْ عَبْدٍ إِلا وَفِي رَأْسِهِ حِكْمَةٌ بِيَدِ مَلَكٍ، فَإِنْ تَعَاظَمَ، وارتفع، ضَرَبَ المَلَكُ فِي رَأْسِهِ، وَقَالَ لَهُ: اتضع وَضَعَكَ اللَّهُ، وَإِنْ تَوَاضَعَ رَفَعَهُ المَلَكُ، وَقَالَ لَهُ: ارتفع، رَفَعَكَ اللَّهُ» ، مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا بما به يقرِّبنا إِليه بمنِّهِ «2» . انتهى.
وقوله سبحانه: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ: يعني: كفَّار قريشٍ: مَّاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ
…
الآية، يقال: إِن سببها النضْرُ بْنُ الحارِثِ، واللام في قوله: لِيَحْمِلُوا يحتملُ أن تكون لَام العاقبةِ، ويحتمل أن تكون لامَ كَيْ، ويحتمل أن تكون لام الأمْرِ على معنى الحَتْمِ عليهم والصَّغَارِ الموجِبِ لهم.
وقوله/ سبحانه: وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ: «من» : للتبعيضِ وذلك أن هذا الرأس المُضِلَّ يحمل وِزْرَ نفسه ووزراً مِنْ وزر كلِّ مَنْ ضلَّ بسببه، ولا ينقُصُ من أوزار أولئك شيْءٌ، والأوزار هي الأثقال.
[سورة النحل (16) : الآيات 26 الى 29]
قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)
وقوله سبحانه: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ
…
الآية: قال ابن
(1) ينظر: «معاني القرآن» (3/ 194) .
(2)
أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (4/ 402) ، عن أنس بن مالك، وذكره الهندي في «كنز العمال» (5744) ، وعزاه إلى ابن صصرى في «أماليه» .
عبَّاس وغيره من المفسِّرين «1» : الإِشارة ب الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ إِلى نَمْرُوذَ الذي بنَى صَرْحاً ليَصْعَدَ فيه إِلى السماء بزعمه، فلما أَفرَطَ في عُلُوِّه، وطَوَّلَهُ في السماء فَرْسَخَيْنِ على ما حكَى النَّقَّاش، بعث اللَّه عليه ريحاً، فهدَمَتْه، وخَرَّ سقفه عليه، وعلى أتباعه، وقيل: إِن جبريلَ هَدَمَهُ بِجَنَاحِهِ، وألقَى أعلاه في البَحْر، وانجعف من أسفله، وقالت فرقة: المراد ب الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ: جميعُ مَنْ كَفَر من الأمم المتقدِّمة، ومكَر، ونزلَتْ به عقوبةٌ، وقوله على هذا: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ
…
إلى آخر الآية، تمثيلٌ وتشبيهٌ، أي: حالُهم كحَالِ مَنْ فُعِلَ به هذا.
وقوله: يُخْزِيهِمْ: لفظٌ يعمُّ جميع المكارِهِ التي تَنْزِلُ بهم وذلك كلُّه راجعٌ إِلى إِدخالهم النَّار، ودخولهم فيها.
وتُشَاقُّونَ: معناه: تحاربون، أي: تكُونُونَ في شِقٍّ، والحَقُّ في شقّ، والَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ: هم الملائكةُ فيما قال بعضُ المفسِّرين، وقال يحيى بن سلام: هم المؤمنون.
قال ع «2» : والصوابُ أن يعمَّ جميعَ مَنْ آتاه اللَّه عِلْمَ ذلك مِنْ ملائكةٍ وأنبياء وغيرهم، وقد تقدَّم تفسير الخِزْي، وأنه الفضيحةُ المُخْجلة، وفي الحديث:«إِنَّ العَارَ وَالتَّخْزِيَةَ لَتَبْلُغُ مِنَ العَبْدِ فِي المَقَامِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَنْ يَتَمَنَّى أَنْ يُنْطَلَقَ بِهِ إِلَى النَّارِ وَيَنْجُوَ مِنْ ذَلِكَ المَقَامِ» «3» أخرجه البغويُّ في «المسند المنتخب» له. انتهى من «الكوكب الدري» .
وقوله سبحانه: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ: الَّذِينَ: نعت للكافرين في قول أكثر المتأوّلين، والْمَلائِكَةُ يريد القابضين لأرواحهم، والسَّلَمَ هنا: الاستسلام، واللام في قوله: فَلَبِئْسَ لامُ تأكيد، والمثوى:
موضع الإقامة.
(1) أخرجه الطبري (7/ 577) برقم: (21567) ، وذكره البغوي (3/ 66) ، وابن عطية (3/ 388) ، وابن كثير في «تفسيره» (2/ 566) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 218) ، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.
(2)
ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 389) .
(3)
أخرجه ابن عدي في «الكامل» (6/ 2039) .