الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلْتُ: قال ابنُ هِشَامٍ في «المُغْني» ولام التقْويَةِ هي المَزِيدَةُ لتقويةٍ عاملٍ ضَعُفَ إِما لتأخير نحو: لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ، وإِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ [يوسف: 43] أو لكَوْنِهِ فرعاً في العمل نحو: مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ [البقرة: 91] فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ [البروج:
16] ، وقد اجتمع التأخيرُ والفرعيةُ في: وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ [الأنبياء: 78] . انتهى.
وقوله: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ
…
الآية: قال الفَخْرُ»
: قال جماعة النحوِّيين:
معناه: واختار موسى مِنْ قومه، فحذف «مِنْ» ، يقال: اخترت مِنَ الرجالِ زيْداً، واخترْتُ الرجالَ زَيْداً. انتهى.
قال ع «2» : معنى هذه الآية أَن موسى عليه السلام اختار مِنْ قومه هذه العِدَّة لَيَذْهَبَ بهم إِلى مَوْضِعِ عبادةٍ وابتهالٍ ودعاءٍ، فيكون منه ومنهم اعتذار إِلى اللَّه سبحانه مِنْ خطإِ بني إِسرائيل في عبادةِ العِجْلِ، وقد تقدَّم في «سورة البقرة» [البقرة: 51] قصصهم، قالتْ فرقة من العلماء: إِنَّ موسى عليه السلام لمَّا أعلمه اللَّه سبحانه بعبادة بني إِسرائيل العِجْلَ، وبصفته، قالَ موسى: أيْ ربِّ، ومَنْ اختاره؟ قَالَ: أنا، قال موسى: فأنْتَ، يا ربِّ، أضْلَلْتهُمْ، إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ أيْ: إِنَّ الأمور بيدك تفْعلُ ما تريد.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 156 الى 157]
وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)
وقوله سبحانه: وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً
…
الآية: اكْتُبْ: معناه:
أَثْبتْ واقض، والكَتْب: مستعمل في كلّ ما يخلّد، وحَسَنَةً: لفظ عامٌّ في كل ما يحسن في الدنيا من عاقبة وطاعة للَّه سبحانه، وغَيْرِ ذلك، وحَسَنَةُ الآخرةِ: الجَنَّة، لا حَسَنَةَ دونها، ولا مرمى وراءها، وهُدْنا- بضم الهاء-: معناه: تُبْنَا.
وقوله سبحانه: قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ، يحتمل أن يريد ب «العذاب»
(1) ينظر: «تفسير الرازي» (15/ 15) .
(2)
ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 459) .
الرجفةَ التي نزلَتْ بالقوم، ثم أخبر سبحانه عن رحمته، ويحتملُ وهو الأظهر: أن الكلام قصد به الخَبَرُ عن عذابه، وعن رحمته، وتصريف ذلك في خليقته كما يشاء سبحانه، ويندرجُ في عمومِ العذابِ أصحابُ الرجفة، وقرأ الحسنُ بنُ أبي الحسن، وطَاوُسٌ، وعَمْرُو «1» بن فائدٍ:«مَنْ أَسَاءَ» «2» من الإِساءة، ولا تعلُّق فيه للمعتزلة، وأطنب القُرَّاء في التحفُّظ من هذه القراءَةِ، وَحَمَلَهُمْ على ذلك شُحُّهم «3» على الدِّين.
وقوله سبحانه: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، قال بعض العلماء: هو عمومٌ في الرحمة، وخصوصٌ في قوله: كُلَّ شَيْءٍ، والمراد: مَنْ قد سبق في عِلْم اللَّه أن يرحمهم، وقوله سبحانه: فَسَأَكْتُبُها، أي: أقدِّرها وأقضيها.
وقال نَوْفٌ البِكَالِيُّ «4» : إِن موسى عليه السلام قال: يا رَبِّ، جعلْتَ وِفَادَتِي لأمَّة محمَّد عليه السلام، وقوله: وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ: الظاهر: أنها الزكاةُ المختصَّة بالمالِ، وروي عن ابن عباس أن المعنى: يؤتون الأعمالَ التي يزكُّون بها أنفسهم «5» .
وقوله سبحانه: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ
…
الآية: هذه ألفاظٌ أخرجَت
(1) عمرو بن فائد، أبو علي الأسواري التميمي: معتزلي قدري، من القراء القصاص، من أهل البصرة، كان منقطعا إلى أميرها محمد بن سليمان، أخذ عن عمرو بن عبيد، وله معه مناظرات، وكان متروك الحديث، ليس بثقة، ولا يكتب حديثه، وقيل: له «تفسير» كبير.
قال ابن حجر: مات بعد المائتين بيسير.
ينظر: ترجمته في «الأعلام» (5/ 83)(540) .
(2)
وقد حسنها أبو الفتح على مذهبه من الاعتزال.
ينظر: «المحتسب» (1/ 261) ، و «الشواذ» (51) ، و «الكشاف» (2/ 165) و «المحرر الوجيز» (2/ 461) ، و «البحر المحيط» (4/ 400) ، وزاد أبو حيان نسبتها إلى زيد بن علي، ثم قال: وقال أبو عمرو الداني: لا تصح هذه القراءة عن الحسن وطاوس، وعمرو بن فائد رجل سوء، وقرأ بها سفيان بن عيينة مرة واستحسنها، فقام إليه عبد الرحمن المقرئ وصاح به، وأسمعه، فقال سفيان: لم أدر، ولم أفطن لما يقول أهل البدع.
ينظر: «الدر المصون» (3/ 353) .
(3)
الشّحّ في الأصل هو: البخل، وتشاحوا في الأمر وعليه: شح بعضهم على بعض، وتبادروا إليه حذر فوته، وكان المعنى هنا مأخوذ من الحرص على المحافظة على أساس الدين.
ينظر: «لسان العرب» (2205) .
(4)
نوف بن فضالة الحميري البكالي: إمام أهل دمشق في عصره، من رجال الحديث، ورد ذكره في «الصحيحين» وكان راويا للقصص، وهو ابن زوجة كعب الأحبار، ذكره البخاري في فصل: من مات ما بين التسعين إلى المائة.
ينظر: ترجمته في «الأعلام» (8/ 54)(511) .
(5)
أخرجه الطبري (6/ 82) برقم: (15224) بنحوه، وذكره ابن عطية (2/ 461) .
اليهودَ والنصارى مِنَ الاشتراك الذي يظهر في قوله: فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ، وخلُصَتْ هذه العِدَةُ لأمة محمّد/ صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس «1» وغيره. قلْتُ: وهذه الآيةُ الكريمة مُعْلِمَةٌ بشَرَف هذه الأمَّة على العُمُوم في كلِّ مَنْ آمَنَ باللَّه تعالى، وأقرَّ برسالة النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم هم يتفاوتون بعدُ في الشرف بحَسَب تفاوتهم في حقيقة الاتباعية للنبيّ صلى الله عليه وسلم، قال الغَزَّالِيُّ رحمه الله في «الإِحياء» : وإِنما أمّته صلى الله عليه وسلم مَنِ اتبعه، وما اتبعه إِلَاّ مَنْ أعرض عن الدنيا، وأَقْبَلَ على الآخرةِ، فإِنه عليه السلام ما دَعَا إِلَاّ إِلى اللَّهِ، واليَوْمِ الآخِرِ، وما صَرَفَ إِلَاّ عن الدنيا والحظوظِ العاجلةِ، فبقدْرِ ما تُعْرِضُ عن الدنيا، وتُقْبِلُ على الآخرة، تسلك سبيله الذي سلكه صلى الله عليه وسلم، وبقَدْرِ ما سَلَكْتَ سبيله، فقد اتبعته، وبقَدْر ما اتبعتَهُ، صِرْتَ من أمته، وبقَدْرِ ما أَقبلْتَ على الدنيا، عَدَلْتَ عن سبيله، ورغبْتَ عَنْ متابعته، والتحقت بالذين قال اللَّه تعالى فيهم: فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى [النازعات: 37، 38، 39] . انتهى، فإن أردتّ اتباع النبيّ صلى الله عليه وسلم على الحقيقة، واقتفاء أثره، فابحث عن سيرته وخُلُقه في كتب الحديث والتفسير.
قال ابنُ القَطَّان في تصنيفه الذي صنَّفه في «الآيات والمعجزات» : والقول الوجيز في زُهْدِهِ وعبادتِهِ وَتَوَاضُعِهِ وسائر حلاه ومعاليه صلى الله عليه وسلم: أنه مَلَكَ مِنْ أقْصَى اليمن إلى صحراء عمان إِلى أقصى الحجاز، ثم تُوُفِّيَ عليه السلام، وعليه دَيْنٌ، ودِرْعُهِ مَرْهونةٌ في طَعَام لأهله، ولم يتركْ ديناراً ولا درهماً، ولا شَيَّد قَصْراً، ولا غَرَس نَخْلاً، ولا شَقَّقَ نَهْراً، وكان يأكل على الأرْضِ ويجلسُ على الأرض، ويَلْبَسُ العَبَاءة، ويجالسُ المَساكين، ويَمْشِي في الأسواق، ويتوسَّد يَدُه، ويلعقُ أصابعه، ويُرقِّع ثوبه، ويَخْصِفُ نَعْلَه، ويُصْلِح خُصَّه، ويمهنُ لأهله، ولا يأكل متْكِئاً، ويقول:«أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ العَبْد» ، ويقتصُّ من نفْسه، ولا يرى ضاحكاً مِلْء فِيهِ ولو دُعِيَ إِلى ذراعٍ، لأجاب، ولو أُهْدِيَ إِليه كُرَاعٌ لَقِبل، لا يأكلُ وحده، ولا يَضْرِبُ عبده، ولا يمنعُ رفْده ولا ضَرَبَ قطُّ بيدِهِ إِلَاّ في سَبِيل اللَّه، وقام للَّه حتَّى تَوَرَّمَتْ قدماه، فقيل له: أتَفْعَلُ هذا وقد غَفَرَ اللَّه لك مَا تَقدَّم من ذنبك وما تأخَّرَ؟ فقال: «أفَلَا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً» ، وكان يُسْمَعُ لجوفه أزير كأزيز المِرْجَلِ «2» من البكاءِ إِذا قام بالليل صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأتباعه صلاةً دائمةً إلى يوم القيامة. انتهى.
(1) أخرجه الطبري (6/ 83) برقم: (15225)، وبرقم:(15226) بنحوه، وذكره ابن عطية (2/ 462) ، والسيوطي (3/ 241) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(2)
المرجل: القدر من الحجارة والنّحاس. مذكر.
ينظر: «لسان العرب» (1601) .
وقال «1» الفَخْر: قوله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ
…
الآية: قال بعضهم:
الإِشارة بذلك إِلى مَنْ تقدَّم ذكْرُه من بني إِسرائيل، والمعنى: يتبعونه باعتقاد نبوَّته من حيث وَجَدُوا صفتَهُ في التوراة، وسيجدونه مكتوباً في الإِنجيل.
وقال بعضهم: بل المرادُ مَنْ لحق مِنْ بني إِسرائيل أيام النبيّ صلى الله عليه وسلم، فبيَّن تعالى أن هؤلاء اللاحقين لا تكتب لهم رحمةُ الآخرة إِلاّ إذا اتبعوا النبيَّ الأُميُّ.
قال الفخْر «2» : وهذا القول أقربُ. انتهى. وقوله: يَجِدُونَهُ، أي: يجدون صفة نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ففي «البخاريِّ» وغيره، عن عبد اللَّه بن عمرو أنَّ في التوراة مِنْ صفة النبيّ صلى الله عليه وسلم «يا أيّها النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً/ وَنَذِيراً وَحِرْزاً لِلأُمِيِّيِّن، أنْتَ عَبْدِي وَرَسُولي، سَمَّيْتُكَ المُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ، وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سخَّاب «3» في الأَسْوَاق، وَلَا يَجْزي بالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَلَنْ أَقْبِضَهُ حتى أُقِيمَ بِهِ المِلَّةَ العَوْجَاء بأنْ يَقُولُوا: لَا إله إِلَاّ اللَّهُ، فَنُقِيمُ بِهِ قُلُوباً غُلْفاً، وأَذَاناً صُمًّا، وَأَعْيُناً عُمْياً» ، وفي «البخاريِّ» :
«فَيَفْتَحُ بِهِ عُيُونَاً عُمْياً، وآذاناً صُمًّا، وقُلُوباً غُلْفاً «4» » ، ونصَّ كعب الأحبار نحو هذه الألفاظ إِلَاّ أنه قال:«قُلُوباً غُلُوفاً، وآذناً صُمُوماً» .
وقوله سبحانه: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ
…
الآية: يحتملُ أن يكون ابتداء كلامٍ وُصِفَ به النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويحتملُ أن يكون متعلِّقاً ب «يجدونه» في موضع الحال على تجوُّزٍ، أي:
يجدونه في التوراةِ آمراً بشرط وجوده، والمعروف: ما عُرِفَ بالشرع، وكلُّ معروف من جهة المروءة، فهو معروف بالشرع، فقد قال صلى الله عليه وسلم:«بعثت لأتمّم محاسن الأخلاق» «5» والْمُنْكَرِ: مقابله، والطَّيِّباتِ عند مالك: هي المحلّلات، والْخَبائِثَ هي المحرَّمات، وكذلك قال ابن عباس، والإِصْرُ الثّقل «6» ، وبه فسّر هنا قتادة «7» وغيره،
(1) ينظر: «تفسير الرازي» (15/ 20) .
(2)
ينظر: «تفسير الرازي» (15/ 20) .
(3)
السّخب والصّخب: الصياح.
ينظر: «النهاية» (2/ 349) .
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
تقدم تخريجه. [.....]
(6)
أخرجه الطبري (6/ 85- 86) برقم: (15241) بلفظ: «عهدهم» ، وبرقم:(15247) بنحوه، وذكره ابن عطية (2/ 463) ، والبغوي (2/ 206) ، والسيوطي (3/ 248) .
(7)
أخرجه الطبري (6/ 86) برقم: (15248) بنحوه، وذكره ابن عطية (2/ 4630) ، والبغوي (2/ 206) ، والسيوطي بنحوه (3/ 248) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وأبي الشيخ.