الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثالاً، أي: قد أصاب هذا آباءنا، فلا ينبغي لنا أنْ نُنْكَره، ثم أخبر سبحانه أنه أخذ هذه الطوائفَ الَّتي هذا معتَقَدُها، وقوله: بَغْتَةً أي: فجأَةً وأخْذَةَ أَسَفٍ، وبَطْشاً للشقاء السابق لهم في قديم علمه سبحانه.
وقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، أي: مِنْ بركاتِ المطرِ والنباتِ، وتسخير الرياحِ والشمْسِ والقمر في مصالح العبادِ وهذا بحَسَب ما يدركُه نَظَر البشر، وللَّه سبحانه خُدَّامٌ غير ذلك لا يحصى عددهم، وما في علم الله أكثر.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 97 الى 100]
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (100)
وقوله سبحانه: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ
…
الآية تتضمَّن وعيداً للكافرين المعاصرين لنبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه لما أخبر عما فعل في الأمم الخالية، قال: وهل يأْمَنُ هؤلاء أنْ ينزلَ بهم مثلُ ما نَزَلَ بأولئك، وهذا استفهام على جهة التوقيف، والبأس: العذاب، ومَكْرَ اللَّهِ هي إضافة مخلوقٍ إلى خالقٍ، والمراد فِعْلٌ يعاقب به مَكَرة الكَفَرةِ، والعربُ تسمِّي العقوبةَ باسْمِ الذنْب.
وقوله سبحانه: أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها
…
الآية: هذه ألِفُ تقريرٍ دَخَلَتْ على واو العطف، و «يَهْدي» : معناه: يبيَّن، فيحتملُ أنْ يكون المبيِّن اللَّه سبحانه، ويحتملُ أنْ يكون المبيِّن قولَهُ: أَنْ لَوْ نَشاءُ، أي عِلْمُهُمْ بذلك، وقال ابنُ عباس، ومجاهد، وابن زيد: يهْدِي: معناه: يتبيَّن، وهذه أيضاً آيةُ وعيد، أي: أَلَمْ يظهر لوارثي الأرض بَعْد أولئك الذين تقدَّم ذكرهم، وما حَلَّ بهم- أنا نَقْدِرُ لو شئناً أصبناهم بذنوبهم كما فعلنا بمن تقدَّم، وفي العبارة وعْظٌ بحالِ مَنْ سلف من المهلكين.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 101 الى 108]
تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (101) وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (102) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَاّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (105)
قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)
وقوله سبحانه: تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ «تلك» ابتداءٌ، و «القرى» قال قوم: هو نعْتٌ، والخبر «نَقْصُّ» ، وعندي: أن «أهل القرَى» هِي خَبَر الابتداءِ، وفي ذلك معنى التعظيمِ لها، ولِمُهْلِكِها وهذا كما قيل في قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ [البقرة: 2] وكما قال عليه السلام: «أُولَئِكَ الملأ» وكقول ابن أبي الصلت:
[البسيط]
تِلْكَ المَكَارِمُ.............
…
............... .... «1»
وهذا كثير.
ثم ابتدأ سبحانهُ الخبر عن جميعهم بقوله: وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ، هذا الكلامُ يحتملُ وجوهاً من التأويل:
أحدها: / أنْ يريد أنَّ الرسول جاء لكلِّ فريقٍ منهم، فكذَّبوه لأول أمره، ثم استبانت حجته، وظهَرتِ الآياتُ الدالَّة على صدقه، مع استمرار دعوته.، فلَجُّوا هم في كفرهم، ولم يؤمنوا بما سَبَقَ به تكذيبُهم.
والثاني: من الوجوه: أنْ يريد: فما كان آخرهم في الزّمنِ لِيُؤْمِنَ بما كَذَّب به أوَّلهم في الزمَنِ، بل مشى بعضهم على سَنَن بعضٍ في الكُفْرِ أشار إِلى هذا التأويلِ النَّقَّاش «2» .
والثالث: أنَّ هؤلاء لَوْ رُدَّوا من الآخرة إلى الدنيا، لم يكُنْ منهم إِيمانٌ قاله مجاهد «3» ، وقرنه بقوله: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ [الأنعام: 28] .
والرابع: أنه يحتمل: فما كانوا ليُؤْمنوا بما سَبَق في عِلم اللَّه سبحانه أنهم مكذّبون به وذكر هذا التأويل المفسّرون.
(1) تقدم قريبا.
(2)
ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 437) ، و «البحر المحيط» (4/ 359) و «الدر المصون» (3/ 317) .
(3)
أخرجه الطبري (6/ 13) برقم: (14912) ، وذكره ابن عطية (2/ 434) ، والبغوي (2/ 184) ، وابن كثير (2/ 235) ، والسيوطي (3/ 194) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
وقوله سبحانَه: وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ
…
الآية: أخبر سبحانه أنه لم يجدْ لأكثرهم ثبوتاً على العَهْد الذي أخذه سبحانه على ذريِّة آدم وقْتَ استخراجهم من ظهره قاله أبو العالية «1» عن أبيِّ بنْ كَعْب، ويحتمل أن يكون المعنى: وما وجدنا لأكثرهم التزامَ عَهْدٍ، وقبولَ وصاةٍ ممَّا جاءتهم به الرسُلُ عن اللَّه، ولا شَكَروا نعم اللَّه عز وجل.
قال ص: لِأَكْثَرِهِمْ: يحتمل أن يعود على «النَّاس» أو على أَهْلَ الْقُرى أو «الأُمم الماضية» . انتهى.
وقوله سبحانه: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها
…
الآيات في هذه الآية: عامٌّ في التسْع وغيرِهَا، والضميرُ في «مِنْ بعدهم» عائدٌ على الأنبياءِ المتقدِّم ذكْرُهم، وعلى أممِهِمْ.
وقوله سبحانه: فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ: فيه وعيدٌ، وتحذيرٌ للكَفَرة المعاصرين لنبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله سبحانه: وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ، قرأ نافعٌ «2» وحده:«عَلَيَّ» بإِضافة «على» إِليه، وقرأ الباقون:«على» بسكون الياء.
قال الفارسيُّ: معنى هذه القراءة أنَّ «عَلَى» وضعتْ موضع الباء كأنه قال: حقيقٌ بأن لا أقولَ على اللَّه إِلَاّ الحَقَّ، وقال قوم:«حقيقٌ» صفةٌ ل «رَسُولٌ» ، تم عندها الكلامُ، و «عَليَّ» : خبرٌ مقدّمٌ و «أَلَاّ أقول» : ابتداءٌ، وإِعراب «أَنْ» ، على قراءة مَنْ سكَّن الياء خفْضٌ، وعلى قراءة من فتحها مشدَّدةً: رَفْعٌ، وفي قراءة عبد اللَّه:«حَقيقٌ أَنْ لا أَقُول» ، وهذه المخاطَبَةُ- إِذا تأَمَّلْتَ- غايةٌ في التلطُّف، ونهايةٌ في القول الليِّن الذي أُمِرَ به عليه السلام، وقوله: قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ «البينة» هنا إشارةٌ إلى جميع آياته، وهي على المُعْجزة منْها أدلُّ، وهذا من موسى عليه السلام عَرْضُ نبوَّته، ومنْ فرعون استدعاءُ خَرْق العادة الدالِّ على الصدْقِ، وظاهرُ هذه الآية وغيرها أنَّ موسى عليه السلام لم تَنْبَنِ شريعته إِلا على بني إسرائيل فقَطْ، ولَمْ يَدْعُ فرعونَ وقومه إِلا إِلى إِرسال بني إِسرائيل، وذكره: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى [طه: 44] .
(1) أخرجه الطبري (6/ 14) برقم: (14915) ، وذكره ابن عطية (2/ 434) ، وابن كثير (2/ 235) ، والسيوطي (3/ 195) ، وعزاه لابن أبي حاتم، ولابن جرير. [.....]
(2)
ينظر: «الحجة» (4/ 56) ، و «السبعة» (287) ، و «حجة القراآت» (289) و «إعراب القراآت» (1/ 196) ، و «العنوان» (96) ، و «شرح شعلة» (393) ، و «شرح الطيبة» (4/ 303) ، و «إتحاف فضلاء البشر» (2/ 55) ، و «معاني القراآت» (1/ 414) .