الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (1)
* * *
* قالَ اللهُ عز وجل: {طسم} [الشعراء: 1].
* * *
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: {طسم} اللهُ أعلمُ بمُراده بذلك]، ويَحتمِل قوله:[بمرادِهِ بذلكَ] أَنَّهُ يَقصد أن لهذه الكلمةِ أو لهذه الحروف معانيَ واللهُ أعلمُ بها، ويَحتمِل أن مراده (الله أعلم بذلك) أي: بالغَرَضِ الَّذِي من أجلِهِ أتَى بهذه الحروف الهِجائيَّة، وبين المعنيينِ فرقٌ، يعني: عَلَى التَّقديرِ الأوَّل تكون هَذِهِ الكَلِمَةُ لها معنًى لكن لَيْسَ معروفًا، وعلى التَّقديرِ الثَّاني يكونُ لا معنَى لها، ولكن الحِكمة فِي الإتيان غير معروفة.
أمَّا احتمال أن يكون لها معنًى فهذا بعيدٌ، ووجهُ البُعْدِ أنَّ القُرآن أتَى بلِسانٍ عربيٍّ، وأن هَذِهِ الحروف الهجائيَّة لمجرَّد كونها حروفًا لَيْسَ لها معنًى، واللهُ سبحانه وتعالى لا يُنْزِل لنا حروفًا هجائيَّةً ويَقصِد بِهَا المَعْنى؛ لِأَنَّ هَذَا خِلاف أن يكون القُرآن بيانًا وخُروجًا عن مُقْتَضَى اللُّغة العربيَّة.
وأمَّا الإحتمال الثَّاني فَهُوَ أن يُقالَ: اللهُ أعلمُ بما أرادَ؛ بالغرضِ الَّذِي من أجلِهِ أتى بهذه الحروف الهجائيَّة؛ فهذا حقٌّ؛ فإذا قال الْإِنْسَانُ: أنا لا أعلم واللهُ أعلمُ فهذا حقٌّ، ولكن بعض أهل العلم أَبْدَى مناسبةً، وقال: إن منَ المناسباتِ أن القُرآنَ الكريمَ المعجِزَ للناسِ أجمعينَ أَنَّهُ لن يأتيَ بأمرٍ غريبٍ، وإنَّما أتَى بكلماتٍ من
هَذِهِ الحروف، الَّتِي يتَكَوَّن منها كَلام النَّاس، ومع ذلك أَعْجَزَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لو أَتَى بحروفٍ جديدةٍ غيرِ معلومةٍ للناسِ لقِيلَ: إن إعجازَه ظاهرٌ، ولا أحدَ يَقدِر، لكن وجه الإعْجاز وتمام الإعْجاز أن يأتيَ بحروفٍ هِيَ من حروفِ الكَلامِ الَّذِي يتكلَّم بِهِ النَّاس، ومع ذلك يُعجِزهم، واستأنسوا لإِثْبات هَذِهِ المناسبةِ بأنَّكَ لو تَدَبَّرْتَ هَذِهِ السُّوَرَ الَّتِي ابتُدِئت بالحروف الهجائيّة لوجدتَ أَنَّهُ يذكر بعد الحروفِ ما يَتَّصِل بالقُرآنِ:
{الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 1 - 2].
{الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} [آل عمران: 1 - 3].
{المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [الأعراف: 1 - 2].
{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [يونس: 1].
{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1].
{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} [يوسف: 1].
{المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [الرعد: 1].
{الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم: 1].
{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ} [الحجر: 1].
{كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} [مريم: 1 - 2].
{طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 1 - 2].
{طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} [الشعراء: 1 - 2].
{طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ} [النمل: 1].
{طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} [القَصَص: 1 - 2].
{الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [العنكبوت: 1 - 3].
{الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} [الروم: 1 - 3].
{الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [لقمان: 1 - 2].
{الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [السجدة: 1 - 2].
وسِيروا عَلَى هَذا.
بَقِيَ أَنَّهُ يجب أن يُرَدَّ بأنَّ الآيَاتِ: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 1 - 2]، و {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} [الروم: 1 - 3]، و {كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} [مريم: 1 - 2]، لَيْسَ فيها ذِكْرٌ للقرآنِ؟
فيُقال: فيها ذِكْر للقرآن: فـ {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} هَذَا وَحْيٌ، و {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} فإنَّ قصصَ وأخبار الأوَّلِين إنَّما كانتْ بالوحيِ، و {غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} إخبارٌ أيضًا عن أمرٍ مُسْتَقْبَلٍ من أمور الغيبِ لا يُعْلَم إلا بالوحيِ.
ثم لو فُرضَ أن هَذَا لَيْسَ بواضحٍ؛ فإن النادرَ لا حُكْمَ له، وهذا المَعْنى - الذي أَشرنا إليه - ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وأيّده شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله
(1)
.
(1)
انظر تفسير القرآن العظيم (1/ 52) ط دار الفكر.