الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا تأمَّلتَ الإِنْسان الأوَّل هو الإِنْسان الأخير، أو الإِنْسان الأخير هو الإِنْسان الأوَّل، لكن يَختلف الأسلوبُ:{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} [المطففين: 29 - 32]، وهذه الأمورُ إذا طبَّقْناها في الوقتِ الحاضرِ فهي موْجودةٌ.
فقولهم: {لَضَالُّونَ} قديمًا، يُساويه قولهُمُ الآنَ: رَجْعِيُّونَ! أو مُحافِظُونَ! أو ما أشبهَ ذلك، وهو نفسُ الشيْءِ، فالفِكْر هو هو، لكن الأسلوب يَختلف مُسايرةً للزمَنِ.
وهل صَحِيحٌ قولُ بعضِ النَّاسِ: إن الحيوانات في زَمَنِ نُوحٍ كانتْ أقلَّ أنواعًا من هذا الزمنِ، وسبب كثرتها بسببِ نزولِ بعضها على شكلِ آخرَ، فتولَّدَتْ منها أشكال؟
أمَّا الآيةُ فلا تُصَرِّح، لكن الذي وَرَدَ أنه حمل معه {مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [هود: 40]، يَعْنِي: من كلِّ الموْجوداتِ، لكن لا شكّ أنه ما وُجدَ أصلٌ جديدٌ أبدًا، لكن ربَّما صارتْ زيادة الأنواع بالتوالُد، أو بِنُزُولِ بعضها على بعضٍ فاختلفتْ، مع أنّ المعروفَ عنْدَهُم أنه ما حصلَ من توالدٍ من نَزْو بَعْضِها على بعضٍ أنه لا يتوالدُ، والحاصلُ بالتوالُدِ لا يتوالد، كل شَيْء نشأَ منَ التوالُد لا يتوالدُ، فهذا معروفٌ عندهم، ولهذا البَغْلُ لا يُمْكِن أنْ يَصِيرَ له ذُرِّيَّة أبدًا.
فوائد الآيَات الكريمة:
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: ويُستفاد من هذه الآيةِ {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} جوازُ وصفِ الإِنْسانِ بالثناءِ على نفسِه للمصلحةِ، وهذا أيضًا وردَ عنِ النَّبيِّ عليه الصلاة والسلام أنه
قال: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَلَا فَخْرَ"
(1)
، ووردَ أيضًا عنِ الصَّحَابَةِ مثل هذا المَدْح في قول ابن مسعودٍ:"لَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللهِ، تُبَلِّغُهُ الإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ"
(2)
، لكنْ بِشَرْط أنْ يكونَ غَرَض الإِنْسان مِن ذلك المَصْلَحَة.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: وفي هذا دليلٌ على إخلاصِ الرُّسُل لله في قَوْلِهِ: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} .
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: وفيها أيضًا الإحتسابُ؛ احتسابُ الإِنْسانِ عَمَلَهُ على اللهِ، فليس هذا للإدلالِ على اللهِ بهذا العملِ والمنّة عليه به، ولكن الإحتساب به عليه لرجاءِ ثوابِهِ؛ لقَوْلهُ:{إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: وفي هذا دليلٌ على جَبَروت عاد، ومَحَبَتَّهم للكِبرياء والعظمة فيما أنكره عليهم نبيُّهم:{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ} .
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: وفيها دَليل على أنه يَنْبَغي للإِنْسانِ أنْ يكونَ غَرَضه من عمله، لا سِيَّما العمل الجبَّار العظيم، أن يكونَ غَرَضُه غَرَضًا صَحِيحًا، لا عَبَثًا ومُباهاةً؛ لقَوْلِهِ:{تَعْبَثُونَ} ، وهذا هو مَحَطّ الإنتقادِ، ليسَ بأن يَبْنُوا {بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً} ، ولكن كون ذلك عَبَثًا هو مَحَلُّ الإنتقادِ ومَحَطّ اللَّوْم.
* * *
(1)
أخرجه الترمذي: أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة بني إسرائيل، رقم (3148)، وابن ماجه: كتاب الزهد، باب ذكر الشفاعة، رقم (4308).
(2)
أخرجه البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، رقم (5002)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه رضي الله عنهما، رقم (2463).