الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (20)
* * *
* قالَ اللهُ عز وجل: {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء: 20].
* * *
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{قَالَ} مُوسَى {فَعَلْتُهَا إِذًا} أي: حينئذٍ {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} عمَّا آتاني اللهُ بَعْدَها مِنَ العِلْم والرِّسالة].
قوله: {فَعَلْتُهَا إِذًا} كلمة (إِذًا) للمستقبَل؛ لِأَنَّ أصلَها: (إذَا)، فَنُوِّنَتْ، و (حينئذٍ) تكون للماضي، فتفسير المُفسِّر (إِذًا) بـ (حِينَئذٍ) من باب التفسير بالمعنَى، لا التفسير باللفْظ؛ إذْ لا يُفسَّر حرف بحرفٍ يقابله فِي المَعْنى، ولكن من باب التفسيرِ بالمَعْنى، يعني: فعلتُها حينئذٍ فعلتُها فيما مَضَى {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} .
وذهب بعضُ المفسِّرين إِلَى أنَّ (إذًا) عَلَى ما هِيَ عليه جَواب لفِرْعَوْن كالمتهكِّم به، كأنه يقول (إذن أفعلها) يعني: ولا أُبالي بك، ولكنّي مِنَ الضَّالِّينَ الجاهلين لحُكْم القتلِ. ولعلَّ هَذَا أقرب أن تكونَ:(إذًا) عَلَى بابها ليستْ بمَعْنى الماضي، وكأنَّ ذلك جَوابٌ لفِرْعَوْنَ عَلَى سبيلِ الإستهانةِ بِهِ وعدمِ الإكتراثِ، وأنَّه لا يُبالي به.
وقوله: {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} جَوابٌ لقولِ فِرْعَوْنَ له: {وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الشعراء: 19]. وقوله: {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} يقولُ الشارح - أو المفسِّر-: [عمَّا آتاني الله بعدها من العلمِ والرِّسالَةِ]، فيكون المُراد بالضَّلالِ هنا الجَهْل. وعلى هَذَا فيكونُ الضَّلالُ يَنْقَسِم إِلَى قِسمينِ:
* ضلال يُذَمّ عليه الفاعلُ أو الضالُّ.
* وضلال لا يُذمّ عليه.
والضَّلالُ الَّذِي حَصَلَ أو الَّذِي اتَّصَفَ بِهِ مُوسَى حينَ قَتْلِه القِبْطِيَّ ضَلالٌ لا يُلام عليه؛ لِأَنَّهُ لم يأتِهِ وحيٌ ولا رسالة حينئذٍ، فهو معذورٌ، ومن هنا نعرِف أَنَّهُ يَصِحّ أنْ نصِفَ المخالفينَ للصوابِ من أهلِ العلمِ بالضَّلالةِ، لكن لا الضَّلال المُطْلَق الَّذِي يُذمّون عليه إذا عُرف أَنَّهُم أهلُ نُصحٍ فِي الإسلامِ، لكن أَخْطَئُوا بعدَ الإجتهادِ.
مثال ذلك: أنَّ كثيرًا من أهلِ العلمِ أَشَاعِرَة منَ الَّذين عُرفوا بالإخلاصِ للإسلامِ، وبمَقام الصِّدق فيه، ومعَ ذلك نَصِفُهم بأنَّهم ضَالّون، لكن لا الضَّلال المطلَق الَّذِي يُشمّ منه، أو يُشْعِر بالذمِّ والقَدْح، لكن المُراد مخالفة الصَّوابِ، وإلا سَنَجِدُ مَنْ يُشنِّع إذا قلنا مثلًا: ابنُ حَجَرٍ ضالٌّ، والنَّوَوِيُّ ضالٌّ، وكثير من أكابرِ العلماءِ مُخْطِئُون للصواب، أو مُخْطِئُون فيما يقولون، مجانِبُون للصوابِ، لكن لا نقول: لَيْسَ الضَّلال المطلَق الَّذِي يُذمُّ عليه الفاعلُ؛ لِأَنَّ الضَّلالَ مع الإجتهاد وتَحَرّي الحَقّ لا يُذَمّ عليه المرءُ وإنْ وُصِفَ به.
فائدة: قوله: {إِذًا} فِي جَواب للحالِ باعتبارِ جَوابِه لفِرْعَوْن. وقوله: {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} الجُملةُ الحاليَّة حالٌ منَ الفاعلِ {فَعَلْتُهَا} ، فـ {إِذًا} لا تكونُ متعلِّقة بـ (فعلتُ)، وتكون متعلقة بجَواب: أُجِيبك إذن، {فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} يعني: باعتبار جَوابِهِ لفِرْعَوْن، لا باعتبارِ أَنَّهُ فَعَلَها.
فكأنه يُشعر بعدمِ الإكتراثِ وبالتحدِّي لفِرْعَوْن، وأنه لم يبالِ به. يقول {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} والمُراد بالضَّلال: الجهلُ الَّذِي لَيْسَ عن عمْدٍ.