المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات (106 - 110) - تفسير العثيمين: الشعراء

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآية (1)

- ‌الآية (2)

- ‌ومن فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (3)

- ‌الآية (4)

- ‌فَوَائِدُ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ:

- ‌الآية (5)

- ‌الآية (6)

- ‌الآية (7)

- ‌الآية (8)

- ‌الآية (9)

- ‌الآيتان (10، 11)

- ‌فوائد الآيتينِ الكريمتينِ:

- ‌الآية (12)

- ‌الآية (13)

- ‌فَوَائِدُ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ:

- ‌الآية (14)

- ‌الآية (15)

- ‌فَوَائِدُ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ:

- ‌الآية (16)

- ‌فَوَائِدُ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ:

- ‌الآية (17)

- ‌الآية (18)

- ‌الآية (19)

- ‌الآية (20)

- ‌الآية (21)

- ‌الآية (22)

- ‌الآيتان (23، 24)

- ‌الآية (25)

- ‌الآية (26)

- ‌الآية (27)

- ‌الآية (28)

- ‌الآية (29)

- ‌الآيات (30 - 35)

- ‌الآيتان (36، 37)

- ‌الآية (38)

- ‌الآيتان (39، 40)

- ‌الآية (41)

- ‌الآية (42)

- ‌الآية (43)

- ‌الآية (44)

- ‌ومن فوائد الآيةِ:

- ‌الآية (45)

- ‌الآيات (46 - 48)

- ‌فوائد الآيَات الكريمة:

- ‌الآيتان (49، 50)

- ‌الآية (51)

- ‌فَوَائِدُ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ:

- ‌الآية (52)

- ‌الآية (53)

- ‌الآية (54)

- ‌الآية (55)

- ‌الآية (56)

- ‌الآيتان (57، 58)

- ‌فوائد الآيتين الكريمتينِ:

- ‌الآية (59)

- ‌الآية (60)

- ‌الآيتان (61، 62)

- ‌فوائدُ الآيتينِ الكريمتينِ:

- ‌الآية (63)

- ‌فَوَائِد الآيَةِ الْكَرِيمَةِ:

- ‌الآيات (64 - 66)

- ‌الآية (67)

- ‌الآية (68)

- ‌الآيتان (69، 70)

- ‌الآية (71)

- ‌الآية (72)

- ‌الآيتان (73، 74)

- ‌الآيات (75 - 86)

- ‌الآية (87)

- ‌فَوَائِدُ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ:

- ‌الآيتان (88، 89)

- ‌فوائِدُ الآيتَينِ الكريمتين:

- ‌الآيات (90 - 93)

- ‌فوائدُ الآيَاتِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (94، 95)

- ‌فوائدُ الآيتينِ الكريمتينِ:

- ‌الآيات (96 - 98)

- ‌فوائدُ الآيَاتِ الكريمةِ:

- ‌الآية (99)

- ‌الآية (100)

- ‌فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (101)

- ‌الآية (102)

- ‌الآيتان (103، 104)

- ‌الآية (105)

- ‌فوائدُ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيات (106 - 110)

- ‌الآيات (111 - 115)

- ‌فوائدُ الآيَاتِ الكريمة:

- ‌الآيات (116 - 118)

- ‌الآيات (119 - 122)

- ‌فوائدُ الآيَات الكريمة:

- ‌فوائد الآيَات الكريمة:

- ‌الآيتان (129، 130)

- ‌الآيات (131 - 134)

- ‌فوائد الآيَات الكريمة:

- ‌الآيات (135 - 138)

- ‌فوائدُ الآيَاتِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (139، 140)

- ‌الآيات (141 - 145)

- ‌الآيات (146 - 152)

- ‌الآيتان (153، 154)

- ‌الآيات (155، 159)

- ‌من فوائد ذِكر قومِ صالحٍ:

- ‌الآيات (160 - 164)

- ‌الآيتان (165، 166)

- ‌الآيات (167 - 175)

- ‌ويُستفاد من قِصَّة لُوطٍ عليه السلام مع قومه:

- ‌الآيات (176 - 180)

- ‌الآيات (181 - 184)

- ‌الآيات (185 - 191)

- ‌ويُستفاد من قِصَّة شُعيب عليه السلام:

- ‌الآيات (192 - 196)

- ‌الآيات (197 - 204)

- ‌الآيتان (208، 209)

- ‌فوائد الآيتين الكريمتينِ:

- ‌الآيات (210 - 212)

- ‌الآية (213)

- ‌الآيات (214 - 216)

- ‌الآيات (217 - 220)

- ‌الآيات (221 - 222)

- ‌الآيات (224 - 226)

- ‌الآية (227)

الفصل: ‌الآيات (106 - 110)

‌الآيات (106 - 110)

* * *

* قالَ اللهُ عز وجل: {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء: 106 - 110].

* * *

قال المُفسِّر رحمه الله: [{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ} نَسَبًا {نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ} اللهَ، {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} عَلَى تَبْلِيغ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ، {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} فِيمَا آمُركُمْ بِهِ مِنْ تَوْحِيد اللهِ وَطَاعَته، {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} عَلَى تَبْلِيغه {مِنْ أَجْرٍ إِنْ} مَا {أَجْرِيَ} أَيْ ثَوَابِي {إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا].

قَوْلهُ: {أَلَا} : في الأَصْلِ تكونُ للعرضِ، وهو الطلبُ برِفْقٍ، كما في قولِهِ تعالى:{فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} [الذاريات: 27]، ولكنِ المُرادُ به هنا التَّحْضِيضُ، وهو الطَّلَبُ بحثٍّ.

قَوْلهُ: {أَلَا تَتَّقُونَ} أي: ألا تَتَّقُونَ اللهَ، يَعْنِي أنه يَحُثُّهم على أنْ يَتَّقُوا اللهَ عز وجل ويَتَّخِذُوا وِقايةً مِن عذابِهِ بفعلِ أوامرهِ واجتنابِ نواهيهِ.

ثم بَيَّن لهم أنَّه إنَّما قامَ بهذه الموعظةِ لأنه رَسُولٌ أمين: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} ، فقَوْلهُ:{إِنِّي لَكُمْ} يَعْنِي: لا لِغَيْرِكُم، والخطابُ لِقَوْمِهِ، وفي قَوْلهِ:{لَكُمْ} ولم يقل: إني رَسُولٌ، حَضٌّ لهم على قَبولِهِ؛ لأنه إذا كَان رسولًا مُطْلَقًا قد يقولونَ: إنَّكَ لم

ص: 189

تُرْسَلْ إلينا، فإذا قال:{لَكُمْ} تَعَيَّن.

ثمَّ إنَّه إذا قال: {لَكُمْ} يُشْعِرُهم بأنَّ الله تَعالَى قد اعْتنَى بهم، حيثُ بَعَثَ إليهم هذا الرَّسُول، فيكون فيه هنا حَمْلٌ على أن يَقْبَلُوا رِسالته.

وقول: {رَسُولٌ} أي: من الله، وهذا معروفٌ مِن سِيَاق هذه الآيَاتِ، ومن غيرِها منَ الآياتِ الأُخرى.

وقَوْلُهُ: {أَمِينٌ} الأمين: هو مَن كَانَ مَحَلّ أمانةٍ، والرُّسُلُ - عليهم الصلاة والسلامُ- كلُّهم مَحَلُّ أمانةٍ لِرِسَالَتِهِم، كما قال الله تعالى:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124].

وقول المُفَسِّر رحمه الله: [على تَبليغِ ما أُرْسِلْتُ به]، واضحٌ، فالذي ائْتَمَنَهُ على ذلكَ هو اللهُ سبحانه وتعالى.

وفي قوله تعالى: {رَسُولٌ أَمِينٌ} إظهارٌ لِوَصْفِهِ الخاصِّ المناسِبِ لِلْمَقَامِ، وهي الرِّسالَةُ، بأمانةٍ لا خِيَانةَ فيها، لا بزيادةٍ ولا بنقصٍ.

وقد يقولُ قائلٌ: أيُّ فائدةٍ لِوَصْفِهِ نَفْسَهُ بأنه: {رَسُولٌ أَمِينٌ} وهو يُخاطِبُ قومًا قد أَنْكَرُوه، فإذا كَانوا قد أَنْكَرُوا رِسَالَتَهُ فبالأَولى يُنكِرون أمانَتَهُ؟

والجَواب: أنَّه لم يَدَّعِ أنه رَسُول أَمِينٌ فقط، ولكنه جاءهمْ بآياتٍ، فـ "مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدِ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ"

(1)

؛ لأن الله

(1)

أخرجه البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزل الوحي، وأول ما نزل، رقم (4981)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس، ونسخ الملل بملته، رقم (152).

ص: 190

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليمٌ حكيمٌ ولا يُمْكِنُ أنْ يُرْسِلَ أحدًا إلى أقوامٍ فيُسَفِّه أحلامَهم، ويُفْسِد أديانَهم، إلَّا ومعَه منَ الآيَاتِ ما يُؤْمِنُونَ على مِثْلِهِ لو لم يَسْتَكْبِرُوا.

وقوله تعالى: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ} هذا في المَعْنى مُكَرَّر مع ما قبلَه، لكنَّه في الأسلوب أشدُّ منَ الأوَّل، فالأوَّل حضٌّ بصفةِ العَرْض:{أَلَا تَتَّقُونَ} ، وهنا أمر:{فَاتَّقُوا اللَّهَ} ، وفي هذا دليلٌ على قوَّة جانبِ الأَنْبِياءِ - عليهم الصلاةُ والسلامُ - بحيثُ تَوَصَّلُوا إلى أنْ يَأْمُرُوا أقوامَهُم، معَ أنَّهم في الواقعِ يَتَحَدَّثُونَ من مصدرِ المُلْتَمِسِ، لكن هم بأنفسِهِمْ أَعِزَّاء، وقد يكونُ أنَّهم يَتَكَلَّمُونَ من مصدرِ القُوَّةِ، أمّا هم بالنِّسبةِ لإخوانهم فإنَّ أقوامَهم مُسْتَكْبِرُونَ عنهم، ليسوا مُبالِينَ بِهِم.

قوله تعالى: {وَأَطِيعُونِ} ، وهم إذا اتَّقوا اللهَ وأطاعوا رسولَه، فقد حَقَّقُوا شهادةَ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأنَّ هذا رَسُولُ اللهِ، وهو أمرهم بهذا، ولا يَتِمُّ الإسلامُ في أيِّ زمانٍ أو مكَانٍ إلَّا بذلكَ - شهادة أن لا إله إلا الله، وأن هذا رَسُولُ الله - أمَّا بعدَ بَعْثَةِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام فتَعَيَّنَ: وأنَّ محُمَّدًا رَسُولُ الله.

قال المفسِّر: [فيما آمُرُكُمْ به]، أي: من توحيدِ اللهِ وطاعتِهِ. وفي أَمْرهم بهذا إشارةٌ إلى أنه أُرسِلَ بذلكَ، أي: أُرْسِلَ بأنْ يَأْمُرَهُمْ بِتَقْوَى اللهِ؛ لأنَّه قال: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ} ، والفاءُ لِتَرْتِيبِ ما بعدَها على ما قَبْلَها، يَعْنِي: هذه الرِّسالَةُ الَّتي أُرْسِلْتُ بها تَتَضَمَّنُ التَّقْوَى، وطاعةَ الرَّسُولِ؛ لأن طاعةَ الرَّسُولِ طاعةٌ لِلْمُرْسِلِ:{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} .

قَوْلهُ: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} أي: على ما قلتُ، أي: على تبليغِ الرِّسالَةِ، و (مِنْ): زائدةٌ، و (أَجْرٍ): اسمٌ منصوب على أنه مفعول ثانٍ لـ (أَسْأَلُكُمْ)، وهو منصوبٌ بفتحةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِهِ، منعَ مِن ظُهُورِهَا اشتغالُ المَحَلّ بحركةِ حرفِ الجرِّ الزائدِ.

ص: 191

وأتت (مِنْ) هنا في سياق النفيِ داخلة على نكرة؛ للتنصيصِ على الْعُمومِ، يَعْنِي: من أجرٍ قليلٍ أو كثيرٍ، والمُرادُ بالأجرِ هنا أجرُ الدنيا، وهو المعاوَضَةُ، يَعْنِي: ما قلتُ لكم: أَعْطوني أَجْرًا، ولو أَمَرْتُكُمْ بهذا لقِيلَ: هذا رجلٌ يريدُ أنْ يَسْتَجْدِيَ بما يَدَّعِيهِ منَ الرِّسالَةِ.

وهناك أُناسٌ يَتَكَلَّمُونَ في المساجدِ، وَيعِظُون النَّاسَ ويُوَجِّهُونَهُم؛ فإذا انْتَهَوْا مَدُّوا أَيْدِيَهُم يسألونَ النَّاسَ، وهؤلاء حالهُم خلافُ حالِ الرُّسُلِ، ولهذا تجدونَ النَّاسَ لو كَانوا قد تَأَثَّروا بِمَوْعِظَتِهِمُ الأُولى، فإذْا مَدُّوا أَيْدِيَهم بعدَ أنْ وُعِظوا ذهبَ كلُّ ما كَان في نُفُوسهم من هذا التأثُّر؛ لأنَّ الإِنْسانَ إذا طلبَ الدنيا بما يُرَاد به الآخرةُ، فسَدَ أَمْرُه، {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} [هود: 15 - 16].

ويُسْتَفَادُ من هذا: أنَّ مَن طَلَبَ العِلْمَ الَّذي جاءتْ به الرُّسُلُ لِيَنَالَ به أمرًا منَ الدُّنيا، فليسَ طريقُه طريقَ الرُّسُل؛ لأن الرُّسُلَ إنَّما يَأْمُرُونَ النَّاسَ ويَنْهَوْنَهُم؛ لِمَا يرجونه منْ ثوابِ اللهِ لا لما ينالونه من الأجرِ، ففي هذا دليلٌ على وُجُوبِ تصليحِ النيَّة لمِنْ قامَ مَقَامَ الرُّسُلِ بالدعوةِ إلى الله سبحانه وتعالى.

يقول المُفَسِّر: [{إِنْ} ما {أَجْرِيَ}]، ففَسَّرَ (إنْ) بـ (ما)، فهي نافيةٌ، وفسَّرَ {أَجْرِيَ} بقَوْلِهِ:[ثَوَابِي]، فالمَعْنى: ليسَ أَجْرِي عليكم ولا على غَيْرِكُم منَ الخلقِ، وإنَّما هو:{عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وهو اللهُ سبحانه وتعالى، وفي هذا إخلاصُ المرءِ للهِ عز وجل وأنه لا يُرِيدُ ثوابًا منْ أحدٍ ولا مَنالًا إلَّا منَ اللهِ، وفيه أيضًا دليلٌ على أنَّ عملَ الإِنْسانِ لِيَنَالَ الثَّوابَ ليسَ أَمرًا مَمْقُوتًا، بل هو طريقُ الرُّسُلِ - عليهم الصلاةُ والسلامُ - وأَتْبَاعهم.

ص: 192

وقَوْلهُ: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: مالِكِهِم المدبِّرِ لهم بما يشاءُ، وأصلُ المالِكِ: المتصرِّفُ في الشيْءِ، ومنه سُمِّيَ ربُّ البيتِ، وربُّ البهيمة، وربُّ كذا، ويُطلَق بمَعْنى (صاحب) كقولِهِ تعالى:{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180]، ورَبّ الْعِزَّةِ يَعْنِي: صاحب العِزَّة، ولا يُمْكِن أنْ تكونَ الربُّ هنا مثلَ الربِّ في قولِ: ربّكم، لأنَّ العزَّة من صفاتِ اللهِ، ولا تكونُ مخلوقةً.

فهنا: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: خالقهم ومالكهم ومدبِّر أَمْرِهِمْ بما شاءَ، و (الْعَالمينَ) معناها: كلُّ ما سِوَى الله.

وقَوْلهُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} كُرِّر تأسيسًا؛ لأنه بناهُ على قَوْلِهِ: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} يَعْنِي: فإذا انتفى ذلك فأنتم اتَّقُوا اللهَ وأطيعوني، فيكون هذا تأسيسًا، ولا يُستفاد المَعْنى المقصود منه لو حُذِفَ.

والفرقُ بينَ التَّأْكيدِ والتأسيسِ: أن التَّأكيدَ لو حُذِفَ لاستُفِيدَ المَعْنى منه ممَّا بَقِيَ دونَ التَّأكيدِ، أي أن المؤكِّد لا يُستفاد منه سِوَى التَّأكيدِ، فلا يَحْمِلُ معنًى جديدًا، أمَّا التأسيسُ فيحملُ معنًى جديدًا، وهو: وعلى أنني لا أريدُ الأجرَ، وإنَّما ألتمسُ الثَّوابَ منَ اللهِ، فيَجب عليكم أنْ تتَّقُوا اللهَ وتُطِيعُوني.

ويُستفاد من قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} أنَّ التَّقوَى لا تُضافُ إلى المخلوقِ، بِخِلاف الطَّاعةِ، فلا بأس أن أقولَ: أنا أطعتُ فلانًا، لكن لا يجوزُ أنْ تقولَ: اتقِ فلانًا، بمَعْنى التَّقْوى المُسْتَلْزِمَة للتَّذَلُّل.

* * *

ص: 193