الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآيات (167 - 175)
* * *
* * *
قالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَالُوطُ} عَنْ إنْكَارِكَ عَلَيْنَا {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ} مِنْ بَلْدَتِنَا، {قَالَ} لُوطٌ {إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} المُبغِضِينَ، {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ} أَيْ مِنْ عَذَابِهِم، {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا} امْرَأتُهُ {فِي الْغَابِرِينَ} الْبَاقِينَ أَهْلَكْنَاهَا، {ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ} أَهْلَكْنَاهُمْ، {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا} حِجَارَةً مِنْ جُمْلَة الإِهْلَاكِ {فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} مَطَرُهُمْ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}].
هذا الجَوابُ القَبيح منهم: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَالُوطُ} عنِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكَرِ {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ} ، وهذا أبلغُ مِن لو قالوا:(لَنُخْرِجَنَّكَ)، كَأنَّهم يُهَدِّدُونَهُ بما هو أعظمُ؛ تَرويعًا له، يَعْنِي: إنَّنا أَخرجنا غيرَكَ وستكونُ أنتَ من جملةِ المُخْرَجِينَ؛ لأنَّ لنا قُدْرَةً وسُلطةً على إِخراجِكَ.
وفي قَوْلهِ: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ} تأكيدٌ بالقَسَمِ واللامِ ونونِ التَّوكيدِ: فاللامُ في
{لَئِنْ} مُوَطّئَةٌ لِلْقَسَم، أمَّا اللام في {لَتَكُونَنَّ} فهي واقعة في جَوابِ القَسَم،
والجَوابُ الموْجودُ هنا لِلْقَسَمِ، قال ابن مالك
(1)
:
وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِماعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ
…
جَوَابَ مَا أَخَّرْتَ فَهْوَ مُلْتَزَمْ
قالَ لهم لوط عليه الصلاة والسلام: {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} قالَ المُفَسّر رحمه الله:
[المُبْغِضِين]، وهذا فيه نوعٌ مِنَ التحدِّي لهم. يَعْنِي: إنْ أَخْرَجْتُمُونِي فأنا راضٍ
بذلكَ، ولا يُهِمّنِي إخراجي؛ لأني {لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} والإِنْسانُ المبغِض لعملِ
قومٍ لا يحب أن يَبقَى معَهم، فكَأنَّه يقولُ: أنا لا يُهِمّنِي إذا خرجتُ؛ لأنني لا أرغبُ
بالمُقامِ معَكم وأنتم على هذا العملِ الخبيثِ الَّذي أُبْغِضُه، والإِنْسانُ أشدّ ما يكونُ
عليه أن يَبْقَى مع قومٍ يَكْرَهُهُمْ، يقول المُتَنبِّي
(2)
:
وَمِنْ نَكَدِ الدُّنْيَا عَلَى الحُرِّ أَنْ يَرَى
…
عَدُوًّا لَهُ مَا مِنْ صَدَاقَتِهِ بُدُّ
وهذا صَحِيحٌ، فأنْ تَبْقَى معَ قومٍ تَكْرَه أفعالَهم، هذا صعبٌ على النفوسِ،
فكَأنَّه يقول: أنا أرغبُ بهذا، ومُسْتَعِدٌ له، ولا أُبالي مِنَ الْقَالِينَبإخراجِكُمْ.
وفيه دليلٌ على أنَّه يَجِبُ على كلِّ مؤمنٍ أن يُبْغِضَ عملَ هؤُلاءِ القومِ؛ لأنَّ
الرُّسُلَ يُبْغِضُونه، وهذه هي فائدةُ الجمع في قَوْلهِ:{مِنَ الْقَالِينَ} أي: من المُبْغِضِين
له، وإنْ كَان هو ما فيه إلّا قليل منَ اَّلذينَ آمنوا معه: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: 35 - 36]، يَعْنِي أنَّه ما آمنَ
معه أحدٌ إلَّا أهلُ بَيْتِهِ، وليس كلّ أهلِه؛ فامرأتُه كَانتْ من الكَافِرينَ.
(1)
ألفية ابن مالك- عوامل الجزم، (ص: 59) ط. دار التعاون.
(2)
ديوانه (1/ 375).
قوله تعالى: {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ} قال المفسِّر: [{مِمَّا يَعْمَلُونَ} من
عَذابهم]، ولا شكّ أنّ هذا التأويلَ قاصِرٌ؛ لأنَّ:{مِمَّا يَعْمَلُونَ} أي: من فِعْلِهم
ومن عذابِهِم أيضًا.
ولا يَمْتَنِع أن يَسألَ اللهَ تَعالَى أن يُنْجِيَهُ مِن هذا العملِ، وإنْ كَانَ الرُّسُل
لا يُمْكِن أن يَعْمَلُوهَ، لأنَّ الصَّوابَ المقطوعَ به أنَّهم معصومونَ ممَّا يُخِلُّ بالشَّرَفِ
والكرامةِ، وعملُ قومِ لوطٍ هذا يُخِلّ بالشرفِ، لكنَّه هو دعا لنفسِه وأهلِه: {نَجِّنِي
وَأَهْلِي}، وأهلُه ليسوا مَعصومينَ.
والصَّوابُ أنَّه سألَ اللهَ أن يُنْجِيَه من عَمَلِهِم، ومن عَذَابِهِم.
قال الله تعالى: {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ} الفاءُ للتفريعِ، يَعْنِي: فتفريعًا على دعوتِه
أُجيب.
قالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{إِلَّا عَجُوزًا} {فِي الْغَابِرِينَ} امْرَأتَهُ، {فِي الْغَابِرِينَ} الْبَاقِينَ أَهْلَكْنَاهَا]،
وفي بعض النسخ: [أَهْلَكْنَا]، وكَأنَّه يريد أنَّ (أهلكنا) مُسَلَّطٌ على قَوْلهِ: {إِلَّا
عَجُوزًا} يَعْنِي: إلَّا أنَا أَهْلَكْنَا {عَجُوزًا} ، و (أهلكناها) أيضًا لها مَعْنى أوضح؛ لأنَّه
إذا قال: (الباقين أهلكنا) قد يظن الظانّ أنَّ المُرادَ أهلكَ الباقينَ. وعلى كُل حالٍ
استجاب الله دعوتَه، فنجّاه وأهلَه.
قَوْلهُ: {أَجْمَعِينَ} يدلُّ على أنَّ الأهلَ كَانوا عددًا كثيرًا، والصَّحِيحُ أننا
لا نَدري كم عَدَدُهم، إنَّما أهله، ولكن:{أَجْمَعِينَ} يدلُّ على الكثرةِ؛ لأنَّ: {أَجْمَعِينَ}
هذه جمعٌ، وأدنى ما يُقال فيه ثلاثةٌ، معَ أنَّ هذه الكلمةَ:{أَجْمَعِينَ} تدلُّ على جماعةٍ
مُسْتكثَرَةٍ.
وقَوْلهُ: {إِلَّا عَجُوزًا} - والعياذُ باللهِ- هذه المرأة عَجُوز كبيرة في السِّنِّ، وكَان
الَّذي يَنْبَغي لكبيرِ السنِّ أن يكونَ مُنِيبًا إلى اللهِ عز وجل؛ لأنَّه قَريبٌ مِنَ الموتِ،
وأقرب إلى الموت من الشاب، ولكن هي صارتْ خبيثةً- والعياذُ باللهِ- كافرةً
باللهِ، لكنَّها كاتمةٌ لذلكَ، ولهذا قال اللهُ تَعالَى في سُورة التَّحريم:{فَخَانَتَاهُمَا}
[التحريم: 10] ليستْ خيانةَ شَهوةٍ وزِنًا، لكن خِيانة كُفْر، ولهذا قال: {ضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ} [التحريم: 10]، ثم قال:{فَخَانَتَاهُمَا} ،
لم تُشْعِرَاهُما بالكُفْر، فما عَلِمَا بِكُفْرِهِما.
وهي لَمَّا كَانتْ مُؤَيِّدَةً لِفعلِ القومِ كانَ هذا إقرارًا بالكفرِ، فهي كافرةٌ
ومؤيِّدة أيضًا زيادة.
قال المُفسِّر رحمه الله: [{إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ} الباقينَ]، والغابِرُ: يُطْلَق على
مَعَانٍ، منها: الباقي، ومنها: الماضي أيضًا، فيكون مِنَ الأضدادِ؛ وهي الكَلِمات
التي تَصْلُحُ للشيْءِ ولِضِدِّه.
قَوْلهُ: {ثُمَّ} بعدَ أن أنجَيْنَا لُوطًا وأهلَه {ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ} ؛ لأنَّه بعدَ أَنْ أُمِر أن
يسيرَ بأهله ليلًا، وأن يخرج من البلدة إلَّا امرأته، دمر الله هذه البلدة، يَعْنِي: فخرجَ
ثمَّ دُمِّرَتْ، وقَوْلهُ:{الْآخَرِينَ} المُرادُ به قومُه.
قال المُفسِّر رحمه الله: [أَهلكناهم، {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا} حِجَارَةً، من جملةِ
الإهلاكِ]، والظَّاهرُ لي أن قَوْلَهُ:{وَأَمْطَرْنَا} عطْفُ تَفسيرٍ على قَوْلِهِ: {ثُمَّ دَمَّرْنَا} ؛
لأنَّ هذا هو الَّذي دُمّروا بِهِ، أنَّ اللهَ أمطرَ عليهم مَطَرًا، وهذا المطر هو {حِجَارَةً
مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ} [هود: 82]، مُتَتابع، {مُسَوَّمَةً} [هود: 83] عندَ اللهِ.