الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآيات (221 - 222)
* * *
* قال الله عز وجل: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء: 221 - 223].
* * *
قال المُفسِّر رحمه الله: [{هَل أُنَبِّئُكُمْ} يَا كُفَّارَ مَكَّةَ {عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} بِحَذْفِ إحْدَى التَّاءَينِ مِنَ الْأَصْل، {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ} كَذَّاب {أَثِيمٍ} فَاجِرٍ، مِثْل مُسَيْلِمَة وَغَيْرِه مِنَ الْكَهَنَةِ، {يُلْقُونَ} الشَّيَاطِينُ {السَّمْعَ} مَا سَمِعُوهُ مِنَ المَلَائِكَة إلَى الْكَهَنَة {وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} يَضُمُّونَ إلَى المَسْمُوعِ كَذِبًا كَثِيرًا، وَكَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ حُجِبَتِ الشَّيَاطِينُ عَنِ السَّمَاءِ].
قوله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} هذا كلُّه يدورُ حولَ قولِ الكفارِ: إن الرَّسُول عليه الصلاة والسلام كَان كاهنًا، والكاهنُ مَن تنَزَّل عليه الشياطينُ، وهذا القُرآنُ تنزيلُ ربِّ العالمينَ:{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ} [الشعراء: 210]، فبيّن اللهُ بعد ذلكَ بهذا الإسْتِفهامَ للتشويقِ، أو لإقامةِ الحجَّة والتحدِّي، يَعْنِي: إنّ الشياطين إنَّما تَنْزِلُ ليسَ على مثلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم الصادقِ الأمينِ، البعيد عن الفَحشاء، إنَّما تَتَنَزَّل {عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ} .
وإتيانُ الكَلامِ بمثلِ هذه الصيغةِ - استفهام ثم خَبَر - أبلغُ في رُسُوخه في القلب.
قَالَ المُفسِّر رحمه الله: [{أَفَّاكٍ} كذَّاب {أَثِيمٍ}] و {أَفَّاكٍ} هذه للنسبةِ والمُبالغةِ أيضًا، أي: كثير الإِفك، والإفكُ بمَعْنى الكذِب، والأثيمُ بمَعْنى الآثِمِ، أي: الجامع بينَ سُوءِ القولِ وسُوء العملِ.
وقول المُفَسِّر: [مثل مُسَيْلِمَة وغيرِه منَ الكَهَنَة]، هذا تمثيلٌ، أي مثل كذا.
قال المُفسِّر رحمه الله: [{يُلْقُونَ} الشياطينُ، {السَّمْعَ} ما سمِعوه منَ الملائكةِ إلى الكهنةِ، {وَأَكْثَرُهُم كَاذِبوُنَ}]، الضَّمير في {يُلْقُونَ} يعودُ على الشياطين، و {السَّمْعَ} أي: المَسْمُوع، وهو مصدرٌ بمَعْنى اسمِ المفعولِ. يُلْقُونه على الكهنةِ، فيأخذون منَ السمعِ ما أخذوه، ولكنهم يَزيدون إلى هذا كذباتٍ كَثِيرَةً، ولهذا قال:{وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبوُنَ} قال المُفَسِّر: [يَضمُّون إلى المسموعِ كَذبًا كثيرًا، وكَان هذا قبلَ أنْ حُجِبَتِ الشياطينُ منَ السماءِ].
وكَانت الشياطينُ قبلَ بَعثةِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام تَستمِع إلى شيءٍ منَ السماءِ، ولكنها حينَ البعثةِ صاروا لا يَستمِعون؛ لِقَوْلهِ:{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} [الجن: 9]، لا يَستَطِيعون، فلو قَعَدوا مقاعدَهم كما كانوا يَقعدُون أوَّلًا لِيَسْتَمِعوا أَتَتْهُمُ الشُّهُبُ.
وهل هذا انقطعَ بانقطاعِ الوحيِ؛ لأن الحكمَ يدورُ معَ عِلَّتِه، أم بَقِيَ؟
الظَّاهرُ - والله أعلمُ - انقطعَ بانقطاعِ الوحيِ؛ لأنه في ذلك الوقتِ مُنِعَتِ السماءُ مِنَ الشياطين، أما بعدَ ذلك فإِنَّها لا تمُنَع، ولكن قد تُمنَع أحيانًا بما نرى من الكثيرِ منَ الشهبِ.
* * *